21 مايو، 2024 11:40 ص
Search
Close this search box.

قراءة في قصة النصيحة الأخيرة للصدر 5

Facebook
Twitter
LinkedIn

ما هي الاسباب المحتملة وراء استخدام السيد الشهيد محمد الصدر (رض) للخطاب القصصي والرمزي، وماهية الاهداف المحتملة من استخدام هذا الاسلوب في التثقيف والوعظ الديني، هذا ما حاولت هذه الدراسة مناقشته في الاقسام السابقة..

…. ما علاقة الأمة بالقصة؟..:

ان مضمون قصة (النصيحة الاخيرة) للصدر.. وعلاقته بواقع الامة، وكيف جسدت شخصية اللبوة، ذلك الواقع، لانها تراخت في ارادتها الحركية، وانهزمت في نفسها ومحيطها، واختطلت عليها الرؤى، ولم تبذل وسعها لنصرة دعاة الحق وائمة الهدى، ورسمت القصة برمزيتها ذلك الانحراف والتخاذل عبر شخصية اللبوة، فانها رفضت نصيحة الطبيب الارنب، والذي حثها على ترك حالة التمارض وكسر الجمود، ودعاها الى النزول الى الساحة واخذ دورها في الحياة، لكن اللبوة رفضت النصيحة، واخذت برأي الثعلب الماكر، والذي استثمر الفرصة لاجل ازاحتها من الساحة، فكتب لها عدد من الادوية، والتي سببت لها مرض جسدي، قضى على ما تبقى من صحتها. وبعد فوات الاوان، اتضح للبوة ذلك الفرق بين اطروحة الحركية والعمل والتحدي، التي اوصى بها الطبيب الارنب، وبين خديعة الثعلب، والذي اوصاها بالجمود والانعزال، وكتب لها مواد سامة بعنوان الادوية. وتصف القصة حالة الندم عند اللبوة، بعد فوات الاوان، وكالتالي:

.. ولو كنت قد سلكت الطريق الفضلى في الحياة، ومارست حقوقي وواجباتي باتزان لما وصلت الى هذه النتيجة الرهيبة، ولانقشعت عني حجب الوحشة، وانزاح عني الالم الى غير رجعة. فان النشاط الدائب البناء، في سبيل تطبيق منهج الحياة القويم، والوصول الى ثماره الناضجة الشهية، بكد اليمين وعرق الجبين، خير، على كل حال، من الاستسلام الى الكسل، والاعراض على ما تعج به الحياة من حقوق وواجبات، والاكتفاء بشرب الدواء، بوحشة وحسرة، على فراش المرض الرهيب. انتهت فقرة القصة. …… التخاذل المجتمعي والديني: ويبدو عدد من المنطلقات والثوابت عند الصدر، قد رمزت بين سطور القصة، منها: المنطلق الاول: ان سماحته حدد الاسلوب الحركي مقابل حالة الجمود والانكسار، ويمكن تطبيق ذلك على افراد المجتمع بما هم افراد، فردا فردا، او باعتبارهم مجتمع، فضلا عن امكانية تطبيق هذه الحالة على العنوان الديني، لان الفرد، وعلى المستوى الشخصى، غالبا، تنتابه حالة التراخي وعلى مستويات عدة، واهمها ذلك الفتور والتراخي العقائدي، والذي ينتج الانحراف في الدنيا والخسارة في الاخرة. والشواهد على مثل هذه الحالة متكثرة، وما يهم في هذه المقام، هو ذلك التقصير امام نصرة الحق، وذلك التفريط في الثبات على طريق الاسلام والمذهب، ومن تلك الشواهد، التقصير في نصرة الحق من قبل عدد معتد به من المتدينين، وعلى مر الزمن، واوضحها، في زماننا، ذلك التقصير في نصرة النهضة المباركة والتي تكفل بها الصدر.. ……صراع الارادات: ثم ان القصة، وبعد ان استعرضت صراع الارادات والافكار في الساحة المحيطة بالشخصية الرئيسة، وكيفية الاختيار غير الموفق من قبل اللبوة، وما ترتب على ذلك الاختيار الخاطئ من ضرر بليغ لا يمكن اصلاحه بسهولة، عبرت القصة عن النتيجة الطبيعية لهذا الاختيار، وهو الندم، وبعد فوات الاوان، فقالت اللبوة وهي تحتضر: وليس هذا الدواء الذي تجرعته الان، بمشورة ذلك الثعلب الماكر، الا الطريق المحتوم الى الهلاك، والى مغادرة الحياة، وما اظنني الا مفارقتكم بعد قليل. ونصيحتي الاخيرة اليكم، انكم اذا
مرضتم، يا اشبالي الاعزاء، في يوم من الايام فارجعوا الى ذلك الارنب العجوز، او الى من يسير على شاكلته في العمل والتفكير. وحذار ان يخطر في اذهانكم الرجوع الى مثل ذلك الثعلب الماكر الشهير. انتهى.

ولا يخفى على القارئ اللبيب، علاقة القصة بواقع امتنا الاليم، وهي تدفع حاليا ضريبة فتورها في قضيتها المركزية، وضريبة التراخي في اداء دورها الانساني والتاريخي، ثم انخداعها بكلام اعدائها، ويتجسد ذلك بوضوح، وللاسف، في الثقافة السائدة في ساحتنا عموما، فان ابناء امتنا لم يقدروا رسالة الامة حق قدرها، وصاروا الى تقليد الغرب تقليدا ببغاويا، وخاصة في الجوانب الضارة، وانقلب ابناء امتنا على تاريخهم وحضارتهم، ووقفوا مع المعسكر المعادي لهم، بوعي او بدون وعي. …….. الازمة الثقافية: ثم ان المؤلم والمبكي، هو حال اغلب مثقفينا، الذين توهموا ان الثقافة هي الذيلية والتبعية للخارج ، فنرى الكثير منهم يتبع الطامع الاجنبي، مثله مثل القرد الذي يتبع سيده دون تفكير، فان كان التطور التكنولوجي مبررا لهذا الاتباع الاعمى، فليعلموا ان اليابان، ذلك البلد الشرقي، هو اكثر تطورا من الغرب، اكيدا، وان اغلب المعضلات التكنولوجية، والتي يعجز عنها الغرب، يرسلها الى اليابان لاجل التكفل بها، مع الالتفات، الى ان اغلب الشعب اليابان ملتزم بتراثه التزاما اكيدا، ونحن اولى منهم بذلك، لان امتنا اعلى شانا ومقاما في عقيدتها وحضارتها من غيرها، بما من البارئ تعالى علينا، من مقومات وقيم حضارية، الا ان اغلب ابناء جلدتنا سبوا الاساءة الى الامة وعقائدها وحضارتها، شأنهم شأن الابن العاق، لا يحسن الا الإساءة لوالديه. واليوم يدفع ابناء امتنا ثمن هذا التراخي والتكاسل، ويدفع ابناء امتنا ضريبة اتباع الاجنبي الخبيث، فأن المعاناة التي تعيشها الامة هي ضريبة الابتعاد عن رسالتها، وما نعيشه من ازمات انما هو ضريبة الانقلاب على الناصح الرشيد، والدين الحنيف، وهذا حال اغلب بلدان امتنا، وخاصة العراق، فان الازمات التي نعيشها، ونعانيها، والحروب التي دفعنا ثمنها دماءا زاكية، ذلك كله، لاننا تجاهلنا قدراتنا الذاتية، وسلمنا امورنا للسياسين ، اتباع المحتل الماكر…

وهل ما نعيشه الا ضريبة التسليم لادوات المحتل، واليوم، منهم من يتحدث عن وضعنا الماساوي، ودمنا المسفوك، دون ان يعترف بدوره في الجريمة، وهم من جاءوا بالاحتلال ثم بالديكتاتورية ، وهم من نشروا ثقافة (القتل) و (الفساد) و (العمالة… لقد استخدم الصدر الخطاب القصصي لمخاطبة ابناء الامة، في الستينات، تلك الفترة الزمنية البائسة، فترة الاحزاب التابعة للغرب او الشرق، غالبا، والمتنافسة في ربط بلادنا بالمستعمر والمحتل لاجل الحفاظ على مصالحها الحزبية والشخصية، والخطاب الصدري استهدف النصيحة وبالحكمة والموعظة الحسنة، وبالاسلوب الثقافي المتداول، حينها، لاجل استنقاذ ابناء امتنا، وخاصة المثقفين، من تيارات المد المخادع.. وهذا الاسلوب الصدري، وان لم يثمر بشكل واضح، حينها، لعوامل ثقافية واجتماعية، الا انها اطروحة للعمل الثقافي، يفترض الاستفادة منها الى حد بعيد في زماننا المعاصر، في مخاطبة ابناء امتنا، ممن استدرجهم المخطط الاجنبي، والذي اتضحت معالمه ونتائجه التدميرية، وبوجود اتباع السفارات وفاقدي الحس الوطني. مصدر القصة: مقالات السيد الشهيد محمد الصدر في الصحافة النجفية.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب