الليلة الأولى بعد الإلف قصة قصيرة ،جاءت ضمن مجموعة قصصية حملت نفس الاسم للقاصة إيناس البدران ، تناولت فيها موضوعا حيويا في عالمنا المعاصر المتمثل بحقوق المرأة ، ومكانتها في المجتمعات الإنسانية ، كونها جزء مهم وحيوي في بناء الهرم الاجتماعي لأي تجمع أنساني على وجه البسيطة ، فاختارت ثيمة غرائبية استمدتها من التراث الشرقي ، الذي تعاني المرأة فيه من الإقصاء وانعدام المساواة ، الناتجة من اختلاط المفاهيم البداوة مع الدين ، وشيوع مفاهيم المجتمع الذكوري وتصدره للمشهد الحياتي ، في ظل انزواء حقيقي للمرأة ، فكانت قصص ألف ليلة وليلة محطتها في التعبير عن شعورها الأنثوي الواعي الرافض لهذه القيم والمفاهيم السوداوية ، السائدة في عالمنا المشرقي ، في ثلاث قصص قصيرة ، استخدمت فيها أسلوب الراوي داخل النص السردي في مقاربة واضحة مع مفهوم الميتا سرد ، الذي يعد أسلوبا جديدا في كتابة النص الأدبي في ما يطلق عليه (ما بعد الحداثة) ،فهيمنت بأسلوبها السردي المتقن الذي استخدمت فيه لغة الشعر ، فحولت القصة إلى قصيدة نثرية ، تحمل في ثناياها كل أركان القصة القصيرة ، تداخلت فيها لغة التراث مع الحداثة ، تنتقل بالقارئ بين عدة مشارب أدبية ،نثرا وشعرا، فكانت هي حاضرة بوعيها الإنساني والثقافي والمعرفي وبرؤية ناضجة فاقت حدود الأحداث التي تمحورت حولها القصص الثلاثة ، التي روتها على لسان الجارية شهرزاد لسيدها شهريار ، والتي استطاعت من خلال حواريات في غاية الروعة ،حملت بصمة حداثوية لغة وتعبيرا واسلوبا ، بين هاتين الشخصيتين التي تفاوت بينهما عناصر القوة ، والهيمنة ، وخضوع بطلة قصتها الرئيسية شهرزاد لمعادلة الصراع من اجل البقاء ، غير إن القاصة لم تشأ أن تنهي هذا الصراع نهاية مأساوية ، بهزيمة احد طرفي الصراع ، بل لجأت إلى أسلوب ظهر في خمسينيات القرن الماضي ، أطلق عليه (بالمدرسة التوافقية أو التعادلية ) التي ابتدعها الروائي والمسرحي المصري توفيق الحكيم ، والذي حاول من خلالها إدارة مفهوم الصراع من خلال النص الأدبي ، وتغيير قواعد اللعبة التي كانت سائدة في الأدبين العربي والعالمي ، والتي كانت ميالة إلى النهايات الحتمية وفق رؤية مثيولوجية يكون الحق منتصرا فيها دائما ، وقد عبر عن نظريته هذه في مسرحيته ( الصفقة ) .. فاختارت القاصة أن تكون نهاية قصتها سعيدة ،بزواج شهرزاد من الامير شهريار ، وتخلي الاخير عن فكرة القتل ، والعيش معه بحب وسلام الى ان وافتها المنية ، لأن القاصة وكما نوهت هي في نهاية القصة تحب النهايات السعيدة.
الليلة الأولى بعد الألف للقاصة إيناس البدران تجربة قصصية حديثة في عالم كتابة القصة القصيرة ، استطاعت من خلالها القاصة إيصال رسالتها الإنسانية النبيلة ، باستخدامها تقنيات سردية تخلق حالة من الانبهار لدى القارئ تجعله في حالة تواصل ذهني وحسي مع حركة أبطالها داخل النص القصصي ، وهي بذلك وضعت بصمة في عالم السرد ، لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها ، تستحق عليها الإشادة والثناء.