23 ديسمبر، 2024 7:05 م

قراءة في فكر الشيخ محمد عبده .. أمام التنوير و التحديث

قراءة في فكر الشيخ محمد عبده .. أمام التنوير و التحديث

تنويه :  
سأوجه بعض الرسائل – ذو الطابع الأسلامي أو السياسي أو الفكري .. ، وهي رسائل  محددة  موجهة  مختصرة ، سأنشرها بين فينة   وأخرى كسلسلة ، وكل رسالة  ستنهج موضوعا ليس له علاقة بالأخر ، أملا منها تفريغ مادة  أو فكرة للقارئ ، وستكون الرسائل غير مترابطة بالمضمون ، ولكن تجمعها  مظلة واحدة وهي حرية الفكر و الرأي .. لأجله أقتضى التنويه .
 
المقدمة :
    الشيخ محمد عبده  1849م – 1905م ، هذه القامة المهيبة ، لم نعطها حقها وفضلها  في دورها ب ” الأسلام المتنور ” بما يكفي ، فلو وصفنا الشيخ ، بأنه رجل دين وعالم وفقيه فقط ، فأنه عمليا لا يكون منطقيا  ،  ولكن لزاما علينا أن نربط هذا الوصف بالتجديد ، الأصلاح ، التطوير و الحركة الحداثوية للأسلام ، فمحمد عبده ، يعد من أبرز شيوخ الأسلام المجددين / مع أستاذه جمال الدين الأفغاني ، كان التحدي و الجرأة وحرية الرأي ، وقول كلمة حق في الفكر الماضوي للأسلام ، هو أهم ما ميز وطبع فكره الأسلامي المتنور ،  هذا النهج الذي برز ورأى النور في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، والذي بات علما بارزا للتطور الحداثوي للأسلام .
 
الموضوع :
    في هذه الرسالة المقتضبة ، سألقي الضوء على ” الدور الفكري ”  للأمام محمد عبده ، وليس على السيرة الذاتية له ، وسأسردها على شكل أضاءات ، مهتما بالأهم / حسب وجهة نظري ، ومن المؤكد في هكذا رسالة ، ليس من الأمر اليسير أن أغطي حق هذه القامة الأسلامية الجليلة ، ولكنها مجرد محاولة متواضعة ، لأنصاف هذا الشيخ الجليل .. :
أهم دور قام به الأمام محمد عبده ، هو تحرير العقل العربي الأسلامي ، من التخلف الفكري الذي حكمه لقرون ، ومحاولة بث الروح به من جديد ، فموقع  www.goodreads.com/book/show/5630725
يصف الامام عبده بأنه (  واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث ، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة ؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون ، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر ،  وبعث الوطنية ، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم ، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية .. ) .
ومن الأمور المحورية المهمة الأخرى ، هو دوره وفكره الحداثوي حول تحرير ” المرأة ” في تلك الحقبة منها :
 حيث بين كيف أن المرأة كانت أنسانة مهملة مجتمعيا ، ناقصة الحقوق بلا أي شخصية .. (  كانت المرأة في ذلك العصر ممنوعة من  التعليم ، والخروج للعمل ، والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والأدلاء بالرأي ، والجهر بالقول ، والصدع بالحق ، وكانت واقعة تحت عادات قديمة ما أنزل الله بها من سلطان ، ويُنظر إليها علي أنها متاع فقط ، وبما أن المرأة هي نصف المجتمع ، وهذا الذي أكد عليه الشيخ محمد عبده لمحاولة الإصلاح ، فلفت الانتباه إلى أن نصف المجتمع هذا في حالة ممات ، تام ، ودعا إلي إيقاظ هذا  النصف من سباته .. )  وحول الحجاب يبين الشيخ محمد عبده رحمه الله : لو أن في الشريعة الإسلامية نصوصا تقضي بالحجاب ، على ما هو معروف الآن عند بعض المسلمين / الحجاب هنا هو المكوث في البيت وعدم الخروج وإذا تم الخروج للضرورات الكادحة فبالبرقع ليس غير ، لوجب عليّ اجتناب البحث فيه ، ولما كتبت حرفا يخالف تلك النصوص مهما كانت مضرة في ظاهر الأمر ، لأن الأوامر الإلهية يجب  الإذعان لها بدون بحث ولا مناقشة ، لكننا لم نجد نصا في الشريعة ما يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة ، وإنما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت من الناس باسم الدين والدين منها براء  .
أما  دوره في التفاسير فمشهود له ،  وأسرد / كنموذج ، تفسيره للأية 29 – 31 من سورة النور ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن علي جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا علي عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن﴾ . أباحت الشريعة في هذه الآية للمرأة أن تظهر بعض أعضاء من جسمها أمام الأجنبي عنها ، غير أنها لم تسم تلك المواضع . وقد قال العلماء : إنها وكلت فهمها وتعيينها إلى ما كان معروفا في العادة وقت الخطاب . واتفق الأئمة على أن الوجه والكفين مما شمله الاستثناء في الآية ، ووقع الخلاف بينهم في الأعضاء ،  وأرى كالذراعين والقدمين ،  أما ما يتعلق بالحجاب ،  بمعني قصر المرأة في بيتها والحظر عليها أن  تخالط الرجال ، فالكلام فيه ينقسم إلي قسمين : ما يختص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم ، وما يتعلق  بغيرهن من نساء المسلمين ، ولا أثر في الشريعة لغير هذين القسمين :
أما القسم الأول ، فقد ورد فيه ما يأتي من الآيات   :
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ﴾ … ﴿ وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ﴾ {  الأحزاب 53 {   ، ﴿ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولي ﴾ { الأحزاب : 32 و 33{  ، ولا يوجد اختلاف في جميع كتب الفقه من أي مذهب كانت ولا في كتب التفاسير في أن هذه النصوص هي خاصة بنساء النبي صلي الله عليه وسلم ، أمرهن الله سبحانه وتعالى بالتحجب وبين لنا سبب هذا الحكم وهو أنهن لسن كأحد من النساء  .
وأما القسم الثاني:  فغاية ما ورد في كتب الفقه عنه حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ، نهي فيه عن الخلوة مع الأجنبي وهو ، لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ( ( قال ابن عابدين : الخلوة خربة ، أو كانت عجوزا شوهاء أو بحائل ، وقيل : الخلوة بالأجنبية مكروهة كراهة تحريم ، وعن يوسف ليست بتحريم ، وقالوا :  إن الخلوة المحرمة تنتفي بالحائل وبوجود محرم أو امرأة ثقة قادرة ، وهي تنتفي أيضا بوجود رجل آخر لم تره . ربما يقال : إن ما فرضه الله على نساء نبيه يستحب اتباعه لنساء المسلمين كافة ، فنجيب : إن قوله تعالي ” لستن كأحد من النساء ” ، يشير إلى عدم الرغبة في المساواة في هذا الحكم وينبهنا إلى أن في عدم الحجاب حكما ينبغي لنا اعتبارها واحترامها ، وليس من الصواب تعطيل تلك الأحكام مرضاة لاتباع الأسوة …)) / نقلت الفقرات السابقة بتصرف مع أضافات للكاتب من مقال بعنوان ” الشيخ محمد عبده ..  مولده وحياته    وفكره 1849 – 1905م  ” ل محمد الصياد /  موقع –  ويكيبيديا الأخوان المسلمين  . للأمام محمد عبده دعوة ” فكرية تحررية ” من ضمن محاورها  المتعددة  ، المحاور الأتية :
المحور الأول : تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لترد من شططه وتقلل من خلطه وأنه على هذا الوجه يعد صديقاً للعلم .
المحور الثاني : إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير .
المحور الثالث : وهنا أمر آخر يتعلق بسلطة الدولة ، وبين أن الناس جميعاً في عمى عنه .. ، ذلك هو : ” التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة ” .
وبخصوص دور العقل في الفكر فيبين الأمام محمد عبده ”  أما إذا تعارض العقل والنقل عنده فقد أتفق أهل الملة الإسلامية إلا قليلاً ممن لا ينظر إليه على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل . / نقل بتصرف مع أضافات للكاتب من موقع الدرر السنية .
   ولا عجب لو قلنا مثلما كان هناك مادحين لدوره في الفكر التنويري ، كان هناك قادحين لسيرته ، حيث بين الدكتور محمد حسين في كتابه ( الإسلام والحضارة الغربية ) وهو كتاب جيد في بابه ( .. حيث يبين علاقاته المشبوهة بالماسونية وبرجال الاستعمار في زمنه مثل :  اللورد كرومر ، والمستر بلنت من رجال الاستعمار البريطاني في تلك الحقبة من الزمن .. ) –  نقل بتصرف من موقع / مركز الفتوى ، أسلام ويب ، من مقال بعنوان – الشيخ محمد عبده…بين المادحين والقادحين .
      
الرسالة :                                                                                                                                                                         كانت للشيخ محمد عبده دوما محاولات توفيقية بين  ( التراث الإسلامي ) الذي أعتمد على التقليد بعد دخول الحضارة الإسلامية طور الجمود وبين ( التفكير العقلي ) ، وهذا دليل مهم على أعتماده على دور العقل في أي فعل فكري وعقائدي ، أو في أي محاولة تفسيرية للنصوص ، كما وضحت في أنفا هذا من جانب  ،  وتطبيقا  لهذا سعى الأمام  الى ، تطوير الدراسة الأزهرية وحارب كل التوجهات و المحاور التقليدية في الأزهر هذا من جانب أخر .
كان توجه الأمام محمد عبده  الفكري في جوهره ” معتزليا ” ويقول بهذا الصدد : ” أنه لم يوجد في أمة من الأمم من يضاهي الصوفية في علم الأخلاق وتربية النفوس وأنه بضعف هذه الطبقة فقدنا الدين ..”  ويقول أيضا : ” قد اشتبه على بعض الباحثين في تاريخ الإسلام وما حدث فيه من البدع والعادات التي شوَّهت جماله وكانت السبب في سقوط المسلمين في الجهل فظنوا أن التصوف من أقوى الأسباب وليس الأمر كما ظنوا .. ” / نقل بتصرف من الويكيبيديا مع أضافات للكاتب . 
 أعتماد الأمام عبده على العقل ، وهذا الذي جعله  يعتمد على العقلانية الفكرية في أي فعل نهضوي أو تحرري .                                                                            أعتماده على العقل ، جعله أيضا بعيدا في مجمل فكره ، عن أي منهج للعنف و التوحش و القتل ، لذا لم نلحظ في أي من أفكاره الى ما يشير الى ثقافة القتل ، أو تأسيس أي منظمة تدعو الى العنف ، ولكن هذا لم يصده الى الأنضمام الى ثورة أحمد عرابي .
لم ينصف المرأة أي شيخ أو أمام أسلامي  ،  كما  نصفها  الأمام  محمد عبده ، والذي تطرقنا اليه في أعلاه ، هو النزر القليل .                                                           تسلم الأمام محمد عبده ، في 3 يونيو سنة 1899م منصب مفتيً الديار المصرية ،  وقد كان منصب الإفتاء / سابقا ، يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر ، وبهذا استقل منصب الإفتاء عن منصب مشيخة الجامع الأزهر ، وصار الشيخ محمد عبده أول مفتي مستقل لمصر … وأرى أن الأمة الاسلامية ، في الوقت الحاضر ، في أمس الحاجة الى مجددين و متنورين ، يشغلون مناصب أسلامية مرموقة ، لكي تكون اراءهم و أفكارهم وفتاويهم أكثر سمعا وأعمق تأثيرا على المجتمع الأسلامي .
ختام الرسالة :
أن الأمام محمد عبده ، هو أمام المتنورين ، وشيخ المصلحين ، ورائد المطورين ،  فقيه  لم يرضى بالنظرة الماضوية للأسلام ، بل كان له  فهمه الحداثوي المتنور من أجل مواكبة الأسلام للتطور ، وحتى أن مفهوم الثورة في نهجه يرى أنها ، تبدأ من الثقافة ، مؤكدا أن الثقافة تحتاج الى تعليم متنور حداثوي وليس الى قوالب جامدة ، … وأسلام اليوم يفتقد الى مثل هذه القامة الأسلامية المتنورة / الأمام محمد عبده ، في مجالات  كالفقه والتفسير المواكب للحركة التطورية للعلوم الحديثة ، وذلك من أجل مسايرة حركة المجتمع الحضارية وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والأجتماعية ، من جهة  و الشؤون الدينية من جهة أخرى ..  عسى الأيام تلد شيخا كالأمام محمد عبدة  .