12 أبريل، 2024 4:11 ص
Search
Close this search box.

قراءة في عوالم قصورة علي الأمارة(3)

Facebook
Twitter
LinkedIn

أدائية دلالة تمركز القيمة في حسية فضاء شعرية التصوير
توطئة:
تنطوي حساسية القيمة الدلالية في فضاء أداة التصوير،عبر وظيفة قصورة الشاعر علي الأمارة،ضمن حدود أفق تواصلية ما تنتقل بالملائمة القصدية من حيز فضاء آلية التصوير الشعري،ولوجا إلى أواصر طاقة الزمن والمكان والحلم بالذاكرة والبعيد بالقريب،وهذا التداخل باشتغالية اللغة الشعرية،في مدى تواشجية المجسد الأحوالي في زمكانية المعادلة الصورية عبر خطاب اللوحة أو الصورة،هو ما جعل المسار الدلالي في خطاب القصيدة،عبارة عن كشف للمستور من تصويرية ما وراء الحجب في لغة الصورة،نقرأ ما جاءت به اللوحة من الرؤية البانورامية في مشهد مسرحية روميو وجولييت،وتحت عنونة شعرية دالة،نطالع فضاء قصيدة دوال الشاعرة الأمارة:
ايها القس
لملمْ هوانا
بحق الصليبْ
نحن عائلتان تناثرتا
في مهبٍّ من الحقد./ص3 قصورة:زواج
فالمعادلة التصويرية في قسم فضاء اللوحة تكشف لنا بألوانها الكلاسيكية بالمعنى اللقطاتي الذي راح يجمع،ما بين روميو وجولييت،حيث يتوسطهم ذلك القس،بما يشكل مسارا اخاذا بمهمة تسوية الخلل عن عتبة إشكالية مصيرية خاصة،ثم ما تلبث اللغة الشعرية أن تفتح على مدى الأداء جملة المستهل التخاطبية(إيها القس)وسرها التخاطبي المتواصل نحو كشف الستار عن موقعية الحادث،وذلك بجملة السطر اللاحق(لملم هواناـ بحق الصليب)نعاين حجم الخسارة القاسية على شاشة محنة وجدان روميو وجولييت،وفي مستوى انكسار المعنى في دوال جملة(لملم هوانا)فالصرخة هنا(بحق الصليب)من شأنها توطيد هيمنة الحس المشترك بين آنوية الثنائي(روميو=جولييت)إلى أقصى منطقة التلاحم وشرارة الحب،ومن هنا تأتي مظلومية جملة(نحن عائلتنا تناثرتا)لتكون ابتداء الانتقالة المصيرية في دواع إقفال اللحظة الانفراجية من متن التكثيف المشهدي،ومن هنا أيضا تتبين لنا تجربة ما آل إليه حالة تحول الفراقي الذي هو بحد ذاته مسعى من مساع إمكانية الحلول في لحمة حساسية التواشج ما بين الطرفين: (في مهب من الحقد)إن قراءة الصورة اللقطاتية المحددة في أتون عملية التشكيل المشهدي واللوني والخطوطي،تكشف لنا عن إنحنائية جولييت بجسدها إجلالا إلى حضرة قامة القس،فيما كان روميو يحظى بالهيئة ذاتها من التبجيل بقيمة حضور القس توسطا،وعلى النحو الذي يمكننا أن نتخيل أهمية أشاراته الإيحائية بذلك الزمن الاستجابي من جهة القس،نظرا لكونه يشكل بذاته بمثابة(فاعل القيمة)لذا تكشف لنا اللغة الشعرية أقصى أمكاناتها التوفيقية إزاء سكونية الصورة المشهدية:
أوغر في صدرنا
رمحُ بغض غريبْ
ولكن روميو وجولييت جنحان
يبتكران الفضاء بقلب حبيبْ./ص3قصورة:زواج
وعلى النحو ذاته من سياق البوح بخلجات النفس الكظيمة،تنداح مقولة الشكوى(أوغر في صدرناـ رمح بغ غريب)من هنا بالذات تغدو أمكانية أزمة الذات متورطة في أشد فعالية وصف مرارة ألم الأحقاد،ولكن صوت الشاعر يبقى مصدرا سببيا وحلوليا في فرض فاصلية الانتقال من حال الوجع من بوح الذات،إلى دلالة توجيه حركية المشهد نحو مقولة الفضاء التوصيفي: (ولكن روميو وجولييت جنحان ــ يبتكران الفضاء بقلب حبيب)الشاعر يعلن هنا عن علاقة تواصل مشروع الحب ما بين الطرفين،استبصارا منه إلى قراءة مفتوحة بالمخاطبة إلى جهة فاعل الكفاءة،المتمثل بشخص ذلك القس:
ايها القس
امسك خيوط الزمان
وانسج لنا ثوب يوم جميل
امنح الحب كل الحياة
فثمة موت قريبْ …!./ص3قصورة:زواج
1ــ السم الكذب و شعرية صراع الموت:
فضلا عن كشف إطار التشكيل في دوال المقاطع الأخيرة من زمن مشهد(الزواج)يطلعنا الشاعر الأمارة حول تفاصيل تتجاوز محمول خطاب اللوحة،إيذانا بمرايا الصورة المراوية،لذا فأن جملة الظرف الزمني سياقا للدخول نحو عتبة مفتوحة على شتى من أمكانية أسباب السعادة الزوجية،أو لربما هو ذلك التحول نحو النذيرالشؤم في جملة الوعيد بالمصير الاستباقي(فثمة موت قريب)فمن خلال قصورة(صرخة)لعلنا نتعرف على تلوين الأداء التشكيلي وعمقه ووظيفته،حيث تبدأ الكاميرا الشعرية بتسليط عدستها نحو فضاء من رمزية موت روميو إلى جانب زاوية تعرض فيها جولييت في آخر أرهاصاتها البوحية في سماء العرض المشهدي،نتابع بهذا الصدد رؤية الشاعر الأمارة الفنية،وهي تنحرف بكاميرته اللغوية،ليجعل من دوال تصويريته مجالا دالا عن مرايا كشف ما وراء الحجب المشهدية العاكسة بالرؤية وحلم مراوغة الموت قهرا:
على حافة الموت
نعرف معنى الحياة
أيها السمّ
يا خدعة الموت
كنا نرى فيك
جسراً إلى بعضنا
وطريق نجاة./ص4قصورة:صرخة
الشاعر الأمارة يبدأ بتوجيه بوحه الرثائي،وبالتداخل إلى جانب مشهد موت روميو مسموما بالسم،الذي قام بشرائه من أحد بائعي الأدوية والسموم،ضنا منه بأن جولييت قد ماتت،دون علمه بماهية الاتفاق الذي أبرمه معها الراهب بإعطاءها سائلا متشبها بالسم،تفاديا من الزواج بالشخصية باريس،ولكن مع اختلاف المواقف وسوء حظ الطرفين،مع تقدم موعد زفاف جولييت من باريس،قامت جولييت بشرب ذلك السم الكذب تظاهرا بموتها الخادع،و المفارقة الكبرى في النص،تترتب على إخبار روميو بموت جولييت بعد أن لم يتمكن الراهب من أخباره بحقيقة مخادعة ذلك السم و أن جولييت ما هي إلا واقعة في غيبوبة مؤقتة،وعندما شاهد رميو جولييت ميتة أقسم أن يلقى جسده مسموما ميتا إلى جانبها،وعندما استفاقت جولييت من غيبوبتها وجدت روميو ميتا بالقرب من جسدها،وبذلك راحت هي الأخرى تطعن نفسها بخنجر روميو حتى الموت(على حافة الموت..نعرف معنى الحياة ــ أيها السم يا خدعة الموت)الشاعر هنا يستدرك مثالية البناء و التشكل الذي بلغته جملة المكون المشهدي في دراما الصورة المسرحية،لينقل هو بدوره المشهد مرة أخرى إلى فضاء انتاج المصور المشهدي،عاكسا ومحاكيا،دلالات يتراءى لنا تباينها بمحورية أكثر عمقا في موجهاتها الإثارية(كنا نرى فيك جسرا إلى بعضنا ــ وطريق نجاة)التوجه المنادى ــ جولييت ــ يفتح السياق البوحي على فسحة المخاطبة بجملة(أيها السم)ولا شك أن الصورة الشعرية هنا،لا تخرج عن فاعلية(ذات = موضوع) ليعيد لنا الشاعر من خلالها اللحظة الغائمة من دلالة الألتباس والدهشة والفاجعة في مشهد كذب موت جولييت: (أيه روميو ــ كنت أمثل دورا مع الموت ــ أخدعه كي أراك)وعلى نحو مغايرا للنص المسرحي يقدم لنا الشاعر المشاهدة بدلا من التهرب من موعد زواج جولييت بباريس،لتبدو حسية المخاطبة في القصيدة،أكثر مواصلة بالمتلاحق والمتجانس شعريا:
ما لهذا الهواء
ليس به نسمة من خلاص
ما لأحلامنا
تبحث في الأرض عن قبرها
كالرفاتْ
ما لهذي التوابيت
مملوءة بالحياة …؟!./ص4قصورة:صرخة
ويتعامد ويتوازى المشهد الأخير من النص والمشاهدة،في محاورة استفهامية،يتواكب فيها الحوار الخارجي بالداخلي دالا مستفهما(ما لهذا الهواء ــ ليس به نسمة من خلاص)أن فاعلية استدراك مغزى المساءلة هنا تسعى إلى تخصص التوجه نحو مجال عدمية الحياة بعد فراق الحبيب،ما يتضاها وجملة الاستدراك الأخرى(ما لأحلامنا)فضلا على استئناف الشاعر في مواكبة خطوات سفر الحب وخلوده حتى في حال وقوع مصير الموت(تبحث في الأرض عن قبرها ــ كالرفات)وتبعا لهذا نجد الأمارة لا يتوقف عن وصف واقعة الموت بالحياة وصفا بليغا،بل أنه راح يتكامل في مستوى بؤروي مركز في مقولته الختامية في النص(مالهذي التوابيت ــ مملوءة بالحياة …؟!)كما وتكشف لنا قصورة(في القبر)عن حال الحياة البرزخية للحب ذاته،فالصورة التعبيرية في النص الشكسبيري توضح لنا منظرا من الهياكل العظمية المتعانقة في ظلمات القبر الواحد،ويعود هذا الطابع إلى فكرة معطيات الألتحام الواحد بجسد الآخر،توكيدا لدلالة تعويضية معادلة بأنوية صارخة تسعى لتنفي عن ذاتها فعل ووضع توقف الحب حتى في ظلمات تراب القبر:
حتى في القبر
ينمو الحب عنيداً
مثل الزهر
ويصير تراب الشوق كتاباً
ودمانا الحبر./ص5قصورة:في القبر
أن قارىء هذه القصورة،يحتاج إلى عاطفة كبيرة من أجل التفاعل والتقاط خيوط علاقة سفرها،دوال القصورة تتحدث عن إرادة الحب الأبدية في أختيارها لأسفارها البرزخية الجديدة،هي أسفار محفوفة بعمق العاطفة وانتفاضها في وجه ملكوت الموت(حتى في القبر ــ ينمو الحب عنيدا)الكاميرا الشعرية تبعا لهذا،تصور لنا المشهد الأحوالي الشعري بمعزل عن واقعية موقف الموت المسرحي ذاته،نظرا لأن الحالة الشعرية أضحت تشكيلا استعاريا في أكثر من تمفصلات النص المسرحي،وذلك في التقاط النص الشعري أكثر وأدق مؤشرات العاطفة والعلاقات العدمية في زمن فراغات الظلام البرزخي.إلا أن ما يجب الانتباه إليه في من هذا الصدد،هو أن علي الأمارة في مشروع قصوراته،ليس دائما ممن يعول على طابعية النص المسرحي في موضوعته الحرفية،بل أننا غالبا ما نجده في قصائد قصوراته،ذلك التطوير والاستحداث والتجاوز بالمعنى المراد إلى أقصى طاقة حراكية تبلغ مستوى ما هو منصوصا عليه في النص الشكسبيري.فالمقولة الشعرية في القصورة،ما هي إلا مستويات تحالف وتعاضد أسلوبية أي كحالة من حالات تحولات مستوى أنتاج قيمة مركزية الخطاب في أعلى مراحل شعرية الأشياء.على أية حال تتجلى فضاءات المقاطع الشعرية في النص كطاقة عضوية مثمرة،تزامنا مع مقتضيات اللوحة أو المشهد المصور بطريقة الفوتوغراف،وعلى النحو الذي تجري فيه معاينة نص القصورة وكأنها إطارية ملفوظية في أسمى مواطن التوظيف والتأهيل والتشكيل والتمثيل،وعبر استخدام تقنية الكاميرا التصويرية الحاذقة من لدن الشاعر الأمارة(مثل الزهر ــ ويصير تراب الشوق كتابا ــ ودمانا الحبر)هكذا تتواصل المقاطع القصورية في شعرية نص(في القبر)وهي تضاعف من حجم المأساوية الشعرية المأسطرة من خصوصية جهة التركيز على منعطفات التوظيف و الإحالة في حق تصوير وجدانية المصير في مشاهد نصية روميو و جولييت.
ــ تعليق القراءة.
لقد ترتبت صياغة حلقتنا المبحثية الثالثة حول خواصية دراسة محورية ومفهوم عنونة(تمركز القيمة الدلالية في فضاء حسية التصوير)بما يتشاكل و حقيقة سياقات العلاقة الدلالية المكثفة في أحياز موضوعة وحصيلة خصائص(صورة + قصيدة = قصورة)وقد عززت دراسة مباحث حلقتنا الثالثة هذه،مشغل الشاعر الأمارة في ظل تشخيصه وتوظيفه وصياغته التصويرية إلى ظاهرة وعلاقة تحولات المشهد الرسومي مع انطباعاته وتصوراته الشعرية،مما جعل من فضاء أداة حسية المحاكاة لديه،كواصلة مدلولية عضوية من شأنها أطلاق استجاباته الشعرية نحو حركية زمكانية مشحونة بإضافات ملفوظية متشاركة والحالة الأيقونية في المشهد الصوري،انطلاقا إلى اقصى معادلات خصوصية المقاصد الخطابية المحملة بمخاضات الطموح التكويني الرصين في حدود الشكل والمضمون و الإحاطة بنوازع وثوقية الأثر الأدبي في هوية المثاقفة الأثيرة:
يرسم في الأرجاء
اسمينا وملامحنا
روميو..جولييت
وينفذ في قلب الصخر
عشقاً يجري
في الأعماق
كما النهر… ./ص5قصورة:في القبر

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب