23 ديسمبر، 2024 7:33 ص

قراءة في سياسة الفشل:تحليل موجز

قراءة في سياسة الفشل:تحليل موجز

طرح الانهيار السريع لقوات الجيش والشرطة العراقية في الموصل وتكريت وبعض المدن والقصابات ، وفرارها من مواجهة المسلحين، سيناريوهات عديدة، في محاولة الاقتراب من تفهم الحدث وتفسيره، تراوحت بين قراءات: تآمريةٍ، نظرت إلى الحدث، بوصفه خطة محكمة يديرها رئيس الحكومة، نوري المالكي، لضمان دورة ثالثة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وإيران. وتهويلية، تضع “داعش” في المركز، بوصفه قوة إرهابية صاعدة. وتهوينية، نظرت إلى الحدث كمحصلة طبيعية لحركة الاحتجاجات الشعبية في المحافظات السنيّة. و أنّ أيًا من هذه القراءات تفسّر ما حصل في العراق في الأيام القليلة الماضية.

صدمة المالكي بعد سقوط الموصل بيد “داعش”. لم تقتصر عليه وعلى الشعب العراقي فحسب ، وإنما شملت حكومات كثيرة في العالم. مجلس الأمن يستنكر،  جامعة الدول العربية تجتمع ،بشار الأسد يدعو الى مساندة العراق، المرشد الأعلى خامنئي يدعو الشيعة للانخراط في الجيش العراقي، ويرسل رجل المهمات الصعبة قاسم سليماني إلى العراق للتنسيق وتوفير الدعم. رئيس الوزراء التركي يهدد بالتدخل بعد أن احتل «داعش» مبنى القنصلية التركية في الموصل. حتى الكويت التي أصبح العراق هامشيا في إعلامها بعد احتلال العراق، أعلنت محذرة من أن ما حدث في الموصل يهدد أمن العراق والمنطقة. أما الولايات المتحدة، وهي الدولة الأهم المعنية بشؤون العراق، فقد صرح اوباما “تحقيق المصالحة الوطنية قبل ارسال المساعدات ” .وتصريحه هذا يؤكد فشل اقطاب العملية السياسية بدون استثناء في كافة المجالات  وفي مقدمتها تحقيق الوفاق الوطني . لكن سقوط الموصل وامتداد «داعش» إلى تكريت وبعض المدن والقصابات في كركوك وديالى ناهيك عن محافظة الانبار ،  يبقى لغزا لأول وهلة. فكيف تنهار قوة عسكرية مكونة من اربع فرق عسكرية واحدة منها شرطة أتحادية ، وأن يسيطر على أربع قواعد عسكرية اضافة الى مطار الموصل من قبل مئات  من مقاتلي «داعش»؟.

لقد صرفت الولايات المتحدة 14 مليار دولار على تدريب الجيش العراقي فقط، وقدمت له معدات عسكرية حديثة لينهار أمام مقاتلين لا يحملون إلا أسلحة خفيفة ورشاشات تثبت على السيارات. لذا فإن فشل الجيش العراقي هو بمنزلة فشل لسياسة وجهود أميركية لبناء عراق جديد. ولاشك أن رؤية مقاتلي «داعش» يقودون سيارات همفي الأميركية مؤلم لمن استثمر جهدا ومالا لمقاتلتهم. فما الذي حدث لكي يترك الضباط والجنود ملابسهم العسكرية هاربين من هؤلاء المتطرفين؟!.

يستند سيناريو المؤامرة إلى الاعتقاد بأنّ المالكي يسعى إلى ضمان دورة ثالثة، بفرض حالة الطوارئ التي  هي موجودة فعلا على ارض الواقع ، بسبب استعصاء الحل السياسي، مع تصاعد عمليات العنف في البلاد.

وقد عزّز فرضية التواطؤ لدى بعضهم، اتهام رئيس حكومة إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، حكومة المالكي، بعدم تجاوبها مع نداءات حكومته، قبل يومين من سقوط الموصل، للتنسيق، بهدف توفير الحماية للمدينة. وفي هذه الأثناء، استذكر بعضهم تصريحات سابقة لوزير العدل العراقي، حسن الشمري، عندما ذكر أنّ هروب مئات المعتقلين من سجني أبو غريب والتاجي في  تموز 2013، ومعظمهم ينتمون إلى تنظيم “القاعدة”، كان مدبرًا بمعرفة مسؤولين عراقيين كبار، عبر تعظيم دور “القاعدة” و”داعش”. ويستند أنصار نظرية المؤامرة، أيضًا،  إلى أنّ المالكي لا يزال خيارًا أميركيًا وإيرانيًا مفضلًا في عراق ما بعد الاحتلال التابع لإيران، والذي بات فيه المكون العربي خصوصا السني مهمشًا ومعزولًا، ويعامل بوصفه أقلية.

وقد تغاضت الولايات المتحدة عن عمليات التهميش والإقصاء الطائفي  والسياسي التي مارسها المالكي، تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب”؛ لضمان مصالحها، بتأمين “الاستقرار”. وتستند القراءة التهوينية في تفهم حدث سقوط الموصل، وانهيار المنظومة العسكرية والأمنية، إلى اعتباره محصلة طبيعية لحركة الاحتجاجات الشعبية في المحافظات السنيّة المنتفضة؛ إذ أدت سياسات المالكي الطائفية الفجة إلى فقدان السياسيين السنة الذين لم ينضموا لتلك الاحتجاجات صدقيتهم، وإلى تحوّل الحركة الاحتجاجية السلمية التي انطلقت مع نهاية عام 2012 إلى حركات مسلحة. فالسياسات الهوياتية الاستبدادية الفاسدة، والتي طبعت مسارات الدولة منذ بداية الاحتلال، عملت على إذلال المكون العربي السني ومعهم الرافضبن من الشيعة  العرب لحكومة الفشل  والتدخل الايراني في شؤون البلاد والعباد ، ولم تجلب محاولات العرب السنة للانخراط في العملية السياسية سوى مزيد من التهميش والشعور بالظلم والتمييز. وقد تنامت هذه المشاعر وتعززت، عقب اقتحام قوات المالكي خيم المعتصمين في الرمادي ، ققد استخدم المالكي جميع الوسائل الممكنة، المغلّفة بالقانون والشرعية، لاستبعاد خصومه السياسيين، وترسيخ سلطته الفردية، من خلال توليه جميع الملفات الحيوية في الدولة. فبالإضافة إلى تولّيه منصب رئاسة الوزراء، يتحكم بتفسير جملة من القوانين وتطبيقها؛ بدءًا بقانون الإرهاب الذي بات سيفًا مسلطا، يستخدمه للتخلص من معارضيه وخصومه السياسيين.

لكن، السؤال: هل  يستطيع اقطاب العملية السياسية ان يقولوا بوجه المالكي “انك فاشل ” أكيد الجواب  “لا” وخاصة من قبل قادة مكونات التحالف الوطني  فمثلا عمار الحكيم  رسائله للمالكي على طريقة “اسمعي ياجارة” من خلال خطبه في ملتقاه الثقافي الاسبوعي،وزيارات الحكيم للمالكي أو بالعكس هي مجرد “السلام ..وعليكم السلام” على مائدة “شاي الضيف “، اما علاوي فتصريحاته وانتقاداته لحكومة المالكي تختصر على الوسائل الاعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي ، اما بقية “الاقطاب” فهم كالمذيب،المصلحة هي التي تسبق، وأفاد المالكي في تصريحاته الاخيرة  بأن القانون العسكري سيكون بالمرصاد لمن هرب وتسبب بالانكسار . السؤال:ما سر تواجد قادة معركة الموصل  “عبود كنبرالمالكي وعلي غيدان ومهدي الغراوي ”  في مقراتهم  ويعملون بأطمئنان عالي ؟، كل شهادات جنودنا الابطال تؤكد  ان امريهم وقادتهم طلبوا منهم تسليم اسلحتهم وترك المواقع العسكرية  بدون قتال .. سؤال الواقع :ما هي الاسرار “الخفية” وراء ذلك ؟.

المطلوب الان تشكيل حكومة وطنية على وجه السرعة بدون المالكي  خاصة بعد تصديق النتائح الانتخابية البرلمانية من قبل المحكمة الاتحادية ومعالجة الازمة الامنية بحل سياسي توافقي لمنع استمرار نزيف الدم العراقي الطاهر وهذه مسؤولية الجميع في كل المستويات لتحقيق السلم الاهلي والامن الاجتماعي .

 ولكن يبقى سؤال الساعة :هل ستصمد التحالفات السياسية بتشكيل حكومة وطنية بدون المالكي؟.، أم أنها ستبدأ بالتفكك، والبحث عن بدائل أخرى.وهل ستدرك القوى العربية السنية التي عانت الأمرّين، منذ الاحتلال، أنّ “داعش” هي، في النهاية، عبء حقيقي معاد للديمقراطية والمدنية، على حد سواء، في العراق كما في سورية؟ وقد تدرك، أيضًا، أنه لا بد من طرح المطالب العربية بصيغة ديمقراطية، وأنّ الموقف ضد الطائفية السياسية، يجب أن يكون ضد كل طائفية سياسية في العراق، وفي المشرق العربي عمومًا. وحمى الله العراق.