22 ديسمبر، 2024 11:40 م

قراءة في رواية ( مخيم المواركة ) لجابر خليفة جابر

قراءة في رواية ( مخيم المواركة ) لجابر خليفة جابر

رواية الميتاتأريخي تكشف عن أصوات تحولات المؤلف

عنى الفن الروائي في مخاطبته قارئا ضمنيا و مشتركا ، بموجهات خاصة تتعلق على نحو رئيس ، بكيفيات حالة الأهتمام المنصبة داخل حدود إجرائية موضوعة الروي و المروي ذاتها ، وهذا الأمر بدوره راح يقودنا الى جملة ممارسات شتى في عملية الكتابة الروائية ذاتها .. وتحديدا في منطقة ماهية الشكل السردي نفسه وما يتبعه من استجابات حبكوية خاصة و حالات التواصل و التحقيق المشروعي في نصية جهاز العمل الروائي . و تبعا لهذا فمن المؤكد بأن المعنى الروائي بات بهذه الطريقة عبارة عن مشهد توقعات و احتمالات تفوق استعدادية مخيلة التلقي و القراءة إذ فلعل القارىء في هذا المقام لا تمتلىء الذهنية القارة لحدود تلقي خفايا مثل هكذا نموذجية روائية . في الحقيقة و أنا أطالع رواية ( مخيم المواركة ) للقاص الصديق جابر خليفة جابر ، ساورني ثمة انتباه خاص بكيفيات صنيع هذا النص السردي المتطور شكلا و مضمونا ، و إذا أمعنا من جهة في توصيفات هذا النص من ايقونة تاريخية محددة ، لوجدناها سلسلة أحداث توليفية من جهة عينية دليل الواقعة و المرجعية المصدرية غير أنه من جهة التنصيص المخيالي و لعبة دال التوظيف ، و ما هو إلا تعاقبات مميزة في محدودية رصيد الإحتمالات المنظورية الراسخة في منظومة التأليف
المحاط . يمكننا و نحن نقرأ رواية جابر ، أن نسميها صورا توثيقية قادمة من أزمنة صوت دليل غياب الجمع و التجميع المزدانة بحيوية أصوات الرواة و المروي ، و تعبر هذه القدرة عند الكاتب على أمكانية أعطاء أحداث و شخوص و أماكن و أزمنة النص ، ثمة موحيات و دوافع و أسباب فن المحاكاة و التمثيلات التوظيفية الخاصة ، و بما يلاءم مؤشرات خطة طموحات موضوعة النص ذاتها .
( مشاهد من النص الروائي )
لأن عمار اشبيليو هو من أرسل هذه الرواية كاملة الى بريدي الألكتروني .. و لأنه كما أعترف بنفسه نقلها عن راو آخر من أسلافه عاش قبل أكثر من أربعة قرون و أسمه عمار أشبيليو أيضا .. و لأن عمار أشبيليو الأول ذاك هو الآخر ليس المؤلف الحقيقي للرواية كما ذكره حفيده عمار أشبيليو الأخير عنه .. و لأن عمار أشبيليو الأول لم يذكر لنا بالتحديد من هو مؤلف الرواية المسمى ب حامد الأندلسي .. هل هو شقيقه حامد بن قمرين أم هو حامد بن كثاري أخته .. و غير هذا لا أحد يعلم كيف اجتازت الرواية مئات السنين لتصل الى عمار أشبيليو الأخير .. لهذه الأسباب مجتمعة و لكي لا يضيع القارىء في متاهة البحث عن المؤلف قررت أن أدعي تأليف الرواية و أضع أسمي على غلافها .
( دوران التمهيد و ترسيمة شفرة العتبة )
إن حقل تحليل شفرة العتبات الموجودة في دال مقدمات المروي السردي في متن التنصيص الروائي ، ما زال الى اليوم حبيس وجهة نظر المؤلف نفسه ، حيث لا يقع التعاطي به إلا من جهة أطر آليات المكتسبات الشكلية الذهنية الخاصة في زمن خطاطة المؤلف الأحادية القيمة و المؤول .. عندما نطالع مقدمة المؤلف كمدخل توضيحي لمخطط نصه ، ثم بالتالي توافينا أحداث و حكاية الرواية ، لا نجد بأن لهذه المقدمة من وازع أو دور ما في نمو عضوية السرد اللهم إلا من جهة قد ألهمت خلفيات النص المرجعية الذاتية حصرا .. و بمعزل عن هذه المقدمة التي لربما تشكل في النص لعبة توصيفية ما في قلب الكاتب نفسه .. سوف لا نتعامل مع الأحداث إلا في حدود وقائعيتها المنصوصة ، خوفا منا على حدود سيميائية المخطط الخطابي في النص نفسه .. بهذه الطريقة المقدماتية رحنا نختزل مشهدية واجهات النص الروائي في ( مخيم المواركة ) إذ وجدنا الأحداث السردية في النص تتموضع على جانب كبير من التوليفات و المتواليات المستخلصة من حقل وقائعية وثائقية غير مباشرة الدال و الدليل ، حيث جاءتنا بصورة أشرطة مرسومة ، لتصل بنا الى مستوى انطباعية اللاعلاقات المشهدية المستقيمة أحيانا ، و في أغلب حمولات حوارية الأشخاص ، صرنا نلاحظ بأن هناك انعدام كبير في موضعية الإدراك و
حسن الدراية ما بين حدود المناسب و الأنسب إذ أن هناك مواقع مروية و محكية ، قد لا تناسب أهداف و مضامين مصادر التدليل الحواري و الزمكاني حصرا : فأنا شخصيا في بعض مناطق الأحداث السردية في الرواية ، لم أجد ثم إحالات موفقة في بعض وجوه و فرضيات المحكي ، المرسل على لسان دليل هامش مدلولات انتقالية في زمن تحولات المراحل و المواقف ، و في دليل ظهورات التواريخ و التقاويم التصورية الناتجة من أدلة محددات الوقائع المتخيلة ضمنا في متن النص .. إذ أننا نعاين بأن مجموع الموجود الدال و المدلولي و الدلائلي في فضاء تحركات الأشياء ، لربما كان خاضعا لأختيارات ( تضاد / تكامل ) و بهذه المعادلة اللامتكاملة ، راحت موجبات مؤشرات علاقات النص العضوية تقع في بنية استثمار اللاانتظام السردي بهذا التصور قرأنا أحداث رواية جابر خليفة ، كأنها أشكال إبراز عوالم تدليل معطى بلا امتلاك جوهري كامل ومحدد لعل القاص اراد بروايته هذه اظهار ثمة مقاربات اسلوبية و بنائية جديدة في تقنية بنية ( المؤلف الضمني ) أو المؤلف الهامشي في فراغ مقدمات المعنى المغيب في قلب المحكي الوقائعي في النص ، غير أنه مع الأسف لم ينتصر لهذا التوظيف ، إلا في حدود نسبية مغيبة في منطقة ذائقتنا القرائية .
( الأستخلاص المتعدد في معروضية التصنيف النصي )
أن العودة منا الى استعراض بعض من مشاهد رواية ( مخيم الموراكة ) قد يتطلب منا إيضاحا سديدا بشأن المصنفات و التصنيف في معادلات الأستخلاص المتعدد الكامن في متن محتوى تتابعية الأحداث الروائية في مناطق معروضية التقطيعات السردية الموصوفة في خيوط علاقات احصاءات السرد ، و التي باتت لنا في بعض مقاطع الواقع المشهدي في النص ، كأنها تطريز حافات دائرية في شكل واقية الوجه . تبعا لهذا سوف نشاهد بعض من فقرات النص كي نثبت حدود الاستخلاص المتعدد من قيمة قاعدية البعد المرجعي في النص : ( بودي أن أتحدث لك أيضا عن الدكتور رودميرو أحمد رودميرو .. شخصية جذابة ستعجبك كثيرا .. أسباني كاثوليكي تعرف على الإسلام منذ عشرين عام ثم أسلم في الأصل كان سلا منكا القريبة من البرتغال لكن أصوله موريسكسية على ما أظن من أشبيلية جنوب الأندلس قالت أمه حين رأته يقوم بحركات غريبة كأنها رأتها من قبل : أمادو ماذا تفعل ؟ و كان أسمه الأسباني : أصلي ماما . أصلي المغرب .. تحدث لها من قبل عن عودته لدين الموريسكيين قال أمورا كثيرة لم تفهم أغلبها .. لكنها تحب أمادو أبنهما الوحيد و الحركات التي رأته يؤديها ظنتها أول الأمر نوعا من الرياضة لكن نقاط ضوء صغيرة تلامعت في ذاكرتها من بعيد فسألته : أمادو ماذا تفعل ؟ ثم قال لها : ماما أجوك سميني أحمد و ليس أمادو بليس ماما : اوه أمادو .. كنت و أنا صغيرة متعلقة بجدك أحبه جدا أمادو و لم أكن أفارقه حتى أنني كنت أترك أمي ليلا لأنام في حضنه و
أعبث بلحيته البيضاء المشذبة كنت أتبعه أينما ذهب و لم يكن ذاك يضيقه إلا عندما ينزل الى القبو كان يتخلص مني برفق و يغلق الباب خلفه لكني أذا عرفت أنه في القبو لم أكن أفارق الباب و كنت أبذل جهدي لأقف على أطراف أصابعي كي أراه من شق المفتاح و حين نجحت لأول مرة رأيته وسط الشق الصغير تماما رجل كبير كجدي في شق المفتاح .. حير هذا الأمر عقلي آنذاك و ما حيرني أيضا الحركات الغريبة التي يؤديها و عيناه دامعتان .. أمادو ما كان جدك يقوم به من قيام و انحناء وقعود يشبه ما فعلته قبل قليل .. كان يلصق جبهته بالأرض أيضا و يبكي يا ألهي هذا يعني أنه كان يصلي الغروب أيضا .. صديقي هذا ما حكاه لي الدكتور رودمير نفسه شخص لطيف أتمنى لقاءك به .. يبدع الشعر و القصص و عازف كيتار كان مولعا بالموسيقى أكثر و مولعا بالتجريب في الأدب أيضا و البحث الدائم عن الجدة و الغرابة في مؤلفاته حتى قاده اهتمامه بالموشحات الأندلسية الى أقصى أعماقه أقصى أعماق القلب كما يعبر أحمد رودمير نفسه حيث كان الإسلام مختبئا و خائفا من محاكم التفتيش .. الحكاية طويلة صديقي سأمدك بالمزيد أعرف أنك متعطش المهم أنه أسلم منذ ذاك أشهر إسلامه و حج الى مكة المكرمة .. سنلتقي غدا بأذن الله أعترف أني كسول في الكتابة من قبل و الآن كسول في الطباعة أيضا ) أن حركة الاستخلاص المتعدد في معروضية التصنيف السردي في هذه الفقرات ، جاءتنا على هيئة محكيات وقائع مؤجلة مبثوثة في عالم مغايرات لحظة المكاشفة ، وهذا لا يمكن الوصول
اليه إلا من خلال زمن القراءة الأسقاطية ، المضافة الى زمن الحقيقة المصدرية في واقعة المقروء المتني في شرط أختبار الأندماج النصي العام . كما أن المكاشفة في أحداث هذا الفصل وفي فصول أخرى من الرواية ، قد لا يتوقع منها حدوث اللحظة المتمعنة ، بقدر ما يتوقع منها المزيد من الأعيب التقنية التأليفية المروية في عبور ذاكرة الى ذاكرة أخرى ، و على هذا الترتيب تقدم لنا أحداث المتن السردي ، مجموعة استخلاصات متعددة ، مصدرها استزادة واحدة و موحدة من قيمة ضرورات لحظة الذروة المنشودة في الرواية . في رواية المبدع جابر خليفة جابر ( مخيم المواركة ) نجد لغة روائية تسائل الزمن و المكان و اللغة ذاتها من خلال مصدرية مشتقة كفعل ماضوي ناقص الدلالة و البرهان الأقناعي الجميل بذلك الزمن غير أنني من جهتي كقارىء لهذه الرواية لا أجد فيها كل ما يثير نزوتي القرائية و متعتي في الكتابة عنها ، سوى أنني وجدت فيها رؤية المؤلف و هي تكشف عن ملامح مزاوجة الأبعاد المتعددة في كشوفات تلميحات الاستلهام المصدري عبر وسائل مخيالية اضاءة تفاعل المصدر وهموم غياب صوت المؤلف الذهني في النص نفسه .