22 نوفمبر، 2024 6:58 م
Search
Close this search box.

قراءة في رواية ( لماذ تكرهين ريمارك ؟) لمحمد علوان جبر

قراءة في رواية ( لماذ تكرهين ريمارك ؟) لمحمد علوان جبر

تشظيات الرواية الافتراضية في مخطوطة الرواية الواقعية
مدخل :
لقد حاول القاص و الروائي محمد علوان جبر من خلال محوريات و أشكال و دلالات تجربة روايته ( لماذا تكرهين ريمارك ؟ ) اللجوء الى علاقة تعويضية منقسمة على هيئة ثنائية ضدية ( واقعي ــ افتراضي ) و هذا بدوره ما فهمناه قدما و نحن نواجه ثيمة وظيفة حبكوية غاية في المدروسية و العناية الاستعابية المؤثرة . في الواقع ان ما جاءت به الطبيعة الموضوعاتية في رواية جبر محل واقع دراستنا ، لربما ينطبق عليها مسمى اللحظات المشحونة بقابلية توليفية الأزمنة و الأمكنة و الذوات الاسترجاعية الذائبة في محصلات اللاشعورية الخطية الناشطة بصنيع أفعال و ضمائر الذوات الشخوصية المشاركة في محكي بؤرة السرد الروائي . لذا فإننا يمكننا مقاربة وقائع الصورة الشخوصية المتشظية ضمن مؤثرات العلاقة الوازعة ما بين حقيقة المعنى أو اللامعنى أو الواقع أو اللاواقع ، خصوصا فيما يتعلق و تشتمل عليه بعض من وحدات الرواية من التقنيات و الأفعال المونولوجية و الاسترجاعية من حصيلة خطوط محيط أفق التذكر و الذاكرة السردية .

ـــ إختزال الواقعي في الوقائع البينية المفترضة :
يبدو الجانب الواقعي من الصورة المحكية في السرد ، ما يشكل لنا ثيمة العوالم التمهيدية و الفواصل و التوقفات ، وهذا الأمر بدوره ما راح يسمح بإنتاج وجهة النظر الروائية التي ستؤثر تحولا في منحى تطبيقات العلاقة الثنائية المتجاذبة ما بين ثنائية ( واقعي ـ افتراضي ) ، دخولا منهما الى حياة و خصائص حيوات الشخصية الروائية و هي كامنة في مطبات متعددة و متشعبة من مظاهر الاتفاقية المعلنة و غير المعلنة . من هنا فإننا أحيانا قد نتساءل و نحن نطالع فصول و فقرات أحداث الرواية عن كيفية الحركة الخطاطية المتصلة بين منظورية المنحى الواقعي و المنحى الافتراضي في مسار النص نفسه ؟ و من أجل ثيمة الإجابة عن حيثيات هذا السؤال تواجهنا فضاءات شخصية ثريا شقيقة المحور برهان مع صديقه المحور الآخر أكرم عبد الرحمن بالإضافة الى وجود شخصية المخرجة سميرة اليعقوبي و صديقتها المخرجة رندا وهالة و شخصيات أخرى نسبية في الرواية ، كان لها الأهمية ذاتها رغم وقوعها في مصير خطاطة الأثر الإضافي و المضاف في مؤشرات النص الكيفية . أحببنا القول سلفا بأن مجموعة هذه الشخصيات الرواية ذات علاقة متطورة على نحو ما ، تربطها مع بعضها البعض ، مراحل زمنية متفارقة في نقطة التواصل المنجدلة في معطى المبثوث السردي . فمثلا نعاين الشخصية ثريا ، و هي تشغل في النص لذاتها ، تلك المساحة التواصلية الرابطة ما بين ذكريات ذويها و شقيقها برهان مع ذكر ذكريات صديقه أكرم بحكم كونه المقرب للعائلة دائما ، أي بمعنى ما تبدو ثريا كحلقة الوصل ما بين الخيوط المحورية ، كواقع حياة برهان الى جانب أنتاج و طرح وظيفة انعكاسية شخصية أكرم في مرآة صورة تلك العائلة و ذكرياتها معا . مما يتضح لنا بأن موقعية العلاقة ما بين كلا الطرفين ( برهان + ثريا = أكرم = وجهة فاعلية خطاب = وظيفة مزدوجة = السرد و السارد المشارك معا = الأحداث في بنية واقع النص ) فإذا نظرنا الى الشخصية ثريا بلا برهان و بلا أكرم ، فلا يمكن لنا تأسيس أية حالة ديمومية في أحداث حبكة الرواية .

ــ المنظور الداخلي في الأبعاد الشخوصية :
تمثل الحالة المنظورية في مكامن العلاقات الشخوصية في الرواية ، أولى محددات المجال المكاني و الزماني ، إذ تبدو لنا من خلالها الوحدات السردية بمثابة النسق العامل في تقنية جمع المشاهد المروية في زاوية النظر و المراجعة و التخصيص ، مما جعل فعل موقع القارىء يسقط في معادلة التضاد بين ما هو واقع و حاضر و بين فاعلية المواقف المسترجعة من خلال عتبة منظور النموذج الشخوصي ، فعلى سبيل المثال و المعاينة نقرأ هذه الفقرات القادمة من واقع الشخصية ثريا في دار ذويها : ( في كل فجر .. وهي تزيح عن جسدها الغطاء ذا الأشكال المتعددة الألوان .. تجد نفسها وسط العلامات الأولى للصباح / حينها تبدأ بإزاحة كوابيس الأمس في الحمام كمن يريد أن يتخلص من شيء كريه ! . / ص7 الرواية ) من هنا تبدأ حالات الشخصية و وعيها لتصبح المعطى الأولي في متوالية السرد الاستهلالية ، حيث لا وجود لأي قيمة استرجاعية ما ، سوى محطة واضحة في ترتيب المستهل الداخلي من حياة الشخصية . ولكننا إذا دققنا النظر في صورة المكان ، نلاحظك : ( وعي السارد = لحظة المسرود = كيفية الحال = العرض = دلالة المؤشر = فضاء =تزيح عن جسدها = الغطاء ذا الأشكال المتعددة الألوان = بؤرة المنظور الداخلي ) حيث يمثل هذا تأثيث المكاني و الزماني ( في كل فجر / تزيح عن جسدها ) مجموعة استرجاعات داخلية ، أخذت تختص من خلالها حافزية المساحة الفضائية الخاصة بزمن دواخل صور ترتيبات الشخصية ذاتها : ( صورة متوازية = الشخصية =فضاء البيت = كوابيس الأمس = في الحمام = شيء كريه) وهو الأمر الذي يظهر لنا مدى عمق موضوعية الفواصل المكانية و الذاتية في مستودع الزمن الوصفي ، ومن أجل هذا نفهم عوالم واقعية خصبة من حياة الشخصية كحال ورود هذه الفقرات الآتية : ( باجي ثريا .. هكذا يصر أبناء الحي الذي تسكنه منذ أعوام طويلة .. على تسميتها .. أحيانا يكتفون بكلمة ـــ باجي ـــ دون أسمها المدرج في أوراق قديمة مرصوفة في صندوق معدني عميق مركون داخل الغرفة الكبيرة . / ص7 الرواية ) من هنا سيتبين لنا مدى أهمية الدور الأولي الذي يؤديه المستهل العتباتي في الرواية ، كذكر السارد العليم لوحدة : ( وهي تزيح عن جسدها الغطاء = الأشكال المتعددة الألوان ) حيث نجد علامية الحال السردي في مؤشرات أفق المكان يلوح الى مجموعة تمايزات نفسية و إيحائية خاصة من قدرة جلب الأحداث نحو نقطة استراتيجية السارد و وجهة النظر التي تنطلق منها دواخل شخوص الرواية .

ـــ تكاثر الزمن في مقابل مساحة مكانية ضيقة :
و يتجسد تكاثر مؤشرات الزمن على هيئة توصيفات و أسئلة و حوارات ، أخذت تنمو من خلالها عاملية مكونات الواقع و الافتراض و تعليق و الاسترسال ، التي من خلالها تعلمنا الشخصية ثريا : ( أم سمير تصف بيتها ب ( الخرابة ! ) هل تحول البيت الى خرابة حقا ؟ هكذا تفكر تحت الدوش حيث الاستحمام في الصباح ينقذها مؤقتا من عزلتها التي امتدت طويلا / : خرابة ! بيتي ؟ أنه الحكايات كلها .. رائحة أمي و لفافات التبغ التي كان أبي يحرقها متخذا من الحوش الكبير مجلسا له بمواجهة الغرفتين و الباب الذي أصبح قديما مثلها . / ص8 الرواية ) .

ـــ أنسنة حالات الأشياء بمحسوسية ذاكرة الزمن :
تجدر الاشارة هنا الى تقنية تزامن استرجاعية الزمن وحالاته البؤروية ضمن تصورات و تصوير انتقالات المواقف الشخوصية و بعدها في رحلة كيان الشخصية إزاء اللحظة الاستذكارية المتمثلة بأجواء مؤثثات الزمن الآنوي : ( في بيتها تقف وحيدة = حاضر زمني = جهة موضوع = روائح تنتشر = تضع رأسها على الكتل الصماء للجدران = أنسنة الأشياء بحسية الأنا الواصفة = ضحكة يهتز لها جسدها = حاضر استرجاع لأفعال ماضوية = الفجوة الزمنية = جارتها أم سمير حينما رأتها في السوق = تسريع النص = جسد ثريا يطفو في رحابة الثياب فتبدو كأنها خيال جسد = إغفال فعل الشخصية = الزمن المضاف من وقائع ذات علاقة بما يحدث ) و هذه الترسيمة النسبية منا ، نسعى من خلالها الى توضيح مدى زخم المواقف و الأحداث المؤلمة التي مرت بها الشخصية ثريا ، بعد فقدانها لأمها و أبيها و أخيها : ( أجل .. المكان الذي مات فيه أبي و أمي .. و المكان الذي وضع فيه تابوت رزاق الذي حاول أن يسد الكثير من فراغ خلفه سفر برهان .. لولا الحرب التي أخذته منذ أيامها الأولى . / ص11 الرواية ) .

ــ الفضاء الروائي بين مخيلة السارد و توليفية الواقع المفترض :
أن الهدف و الغرض و الغاية لا تتحقق إلا بالمفارقة الفنية و الجمالية . لقد رسم محمد علوان جبر بعدا تأويليا يتمثل في عوالم الشخصية أكرم عبد الرحمن تحديدا . إذ إن القارىء لها لربما يواجه ثمة تساؤلات في صدد هذه الشخصية التي جعلت من حكاية رقوده في المشفى عملا بانوراميا كبيرا،وذلك بعد حادثة اصطدام و انفجار سيارته بإحدى عبوات العمليات الإرهابية المزروعة في طرقات الشارع ، مما جعله هذا الحادث يقع فريسة سهلة لنيران احتراق أجزاء سيارته ، فيما أخذت موجات النار تقضي على بعض من أجزاء جسده : ( نار حقيقية بدأت تقترب مني و أنا لا أقوى على النهوض .. أردت أن أزحف بعيدا عنها .. لكنها كانت تقترب مني بسرعة .. ضربت الأرض لأبتعد لكن فشلت في تحريك جسدي فاستكنت بانتظار النار وهي تقترب مني .. النار المتوهجة و الروائح الحادة لأشياء تحترق . / ص53 الرواية ) الأهم في خلاصة هذا الحادث الذي تعرض إليه أكرم هو توطيد علاقته العاطفية بثريا التي كانت لا تفارقه لحظة واحدة ، و الأصعب في موجهات هذا الحادث أنه تخلى عن إحدى ساقيه 🙁 كان انفجارا هائلا لا أعلم كيف خرجت منه بساق واحدة مهشمة .. أو في الأقل مرضوضة ! .. أما الساق الثانية المبتورة فاستطعت إقناع إدارة المستشفى بتسليمها لثريا حيث قامت بدفنها في حديقة بيتي . / ص55 الرواية ) تخبرنا الرواية من جهة أخرى حول مدى الاضطرابات التي كانت تواجه برهان في حياته الوظيفية في بلده عندما تم نقله من وزارة الثقافة الى وظيفة صغيرة كأمين مخزن للمواد الغذائية في منطقة بعيدة : ( فكان هناك وقت فراغ كبير أمضيه في قراءة روايات .. أستعير أغلبها من صديقي أكرم عبد الرحمن ــ سينمائي ترك تخصصه و انهمك في إدارة أملاك أبيه ــ . / ص31 الرواية ) ما نحاول الوصول إليه هو تقديم التتابع الخطي للأحداث المحورية للنص ، حيث تأشير نقطة انطلاق أكرم عبد الرحمن و بالمعاودة الى زمن كتابة السيناريو مختلقا مجموعة أحداث سردية ، على هيئة رواية فلمية قصيرة ، بعد أن صادفه موقف ذلك الرجل الراقد الى جواره في المشفى : ( أنا ناصر جواد .. وقدمت له نفسي فسألني : أين شقيقتك ؟ فهمت أنه يقصد ثريا التي بحثت عنها ولم أجدها و حينما أقترب الممرض مني سألته عنها : قال أنها طلبت منه أن يخبرني بأنها ستذهب الى البيت و ستعود بسرعة . / ص57 الرواية) ما راح يثير استغراب الشخصية أكرم ؟ هو ذلك الاهتمام المبالغ فيه الذي كان يبديه المدعو ناصر جواد حول شخص ثريا ، معربا عن الدور الذي قامت به في الاهتمام بعنايته الصحية ، وعلى هذا النحو أخذت تتشكل لدى أكرم عبد الرحمن رؤية غريبة ، خصوصا عندما راح ينقل هذا الرجل الى جهة غير معلومة من المشفى : ( إذا عادت شقيقتك أرجو منك أن تبلغها شكري على اهتمامها بي طوال أيام .. شعرت بكلماته تخرج من بين شفتيه متقطعة / : شقيقتك امرأة شجاعة تستحق الشكر .. أرجوك .. سأغيب عن هذا المكان بسرعة .. ستخبرك برغبتي الأخيرة و وصيتي الأخيرة / إذا تسنى لك أن تخرج من هنا أتمنى عليك أن تولي أمري أهمية .. ان تبحث عن أبن عمي عامر ديوان .. أخبره بما كتبته بالورقة التي أودعتها لدى شقيقتك . / ص58 الرواية ) من هنا تتبين لنا ملامح المغامرة السينمائية التي قام بها السيناريست أكرم ، و ذلك من خلال نسج علاقة زمنية مفترضة داخل حلقات و مشاهد موضوعة فلمية قصيرة تتشكل أبطالها من خلال المدعو ناصر جواد و شخصية ذلك الجنرال الأميركي داخل تلك المزرعة المثبتة سماتها من على الورقة ، بعد أن أهمل حقيقة الذهاب الواقعي الى ذلك العنوان المكتوب ، جاعلا من شخصية ناصر جواد مصدرا بطوليا في مكونات حكاية سردية مغايرة لواقع و هوية الشخصية الواقعية في الرواية ، حيث بات يزج بناصر جواد في دوامة غريبة و غرائبية من التتابع السردي المنفصل عن نقطة العلاقات الزمنية في صورة الأحداث الروائية . ومن هنا كان ظهور الشخصية برهان مع صديقته المخرجة سميرة اليعقوبي دليلا نحو تجسيد الأشياء المفترضة في مزايا ضروب تعارضية ، أبرزتها مراسلاته المستمرة مع سميرة لأجل تحويل زمن حكاياته المفترضة الى علاقات متوهمة بحقيقة الوعي بالواقعة السيناريوية التي من شأنها جعل رؤية تلك الابتداعات الى وقائع حقيقية أخذت تسيطر على مجرى الأحداث الشخوصية في واقع الرواية المتشظية .

ـــ تعليق القراءة ـــ
رأينا سلفا ـ كيفية الدور الذي كان يقوم به تعدد الشخوص في أحداث طبيعة العلاقات الواقعية و المفترضة في النص . و عندما ننظر الى البنية الثنائية الواقعة ما بين حقيقة ( الواقعي ـــ الافتراضي ) نجد أن مجموعة مكونات النص الروائي كات متطابقة ولو بنسبة ضئيلة مع ما اسميناه ب ( تشظيات الرواية الافتراضية في مخطوطة الرواية الواقعية ) و ذلك لدخول فعل مكوناتها الترتيبية في بؤرة البنية الواقعية للمسرود المفترض وهو ما لمحناه في علاقة برهان وهالة و في العلاقة السببية المتشاكلة مع وجهة نظر زمن المؤلف ، فيما أخذ زمن الشخوص المشاركة في النص تبدو و كأنها بمجموعها عبارة عن استرجاعات ذاكراتية و يومية تقوم بحكي مراحل مواقعها الزمنية و المكانية و الظرفية بأحوال حياة حقيقية و وهمية و بوسائل مفترضة في الامكانيات المتاحة لأصواتها المسرودية المشاركة في تحولات أحداث النص المتراتبة نحو بلوغ ذلك الموقع الختامي بالصورة المضمونية المضاعفة بالزمن الاستباقي المرتقب . أما فيما يتعلق بالقيمة العنوانية للرواية ذاتها ( لمذا تكرهين ريماك ؟) فلا نجد بدورها سوى تلك الحافزية النسبية في متن أحداث النص و دلالاته الشمولية ، بل أنها أخذت تشكل لذاتها كعلامة علائقية خاصة و ليست عمومية بمحورها الأخص بمحورية المدلولية الشاملة و الداعمة لشعرية المحفزات المكوناتية و النوعية في مشروع تعاملات الدليل الروائي المركز في مقصدية العنونة العضوية في النص الروائي .

أحدث المقالات