المدينة بين غبار العسكرتارية و ملفات التنصيص الروائي
توطئة : و نحن نقرأ مسار فضاء الأحداث في رواية (الوليمة العارية ) للروائي علي بدر لعلنا شاهدنا كيفية حدوث تصاعد موجات الفتوحات الاستعمارية لمدينة بغداد وهي تغطس داخل آتون ذلك الشريط الحكواتي المؤدلج عن أفق المادة المرجعية و التي أخذت تتماثل من خلالها حدوثات تلك الفتوحات العسكرتارية بدءا من حقبة العثمانيين الباشوية و وصولا إلى محطة الدخول الانكليزي لها .. أن رواية (الوليمة العارية ) راحت تنقل لنا المادة المرجعية ضمن حال و لسان السارد العليم الذي راح بدوره يباشر بسرد وقائع حكايات شخوص روايته الضاجة بالأجواء العسكرتارية و الباشاوات و السلاطين عبر تلك الأمكنة و الأزمنة الارتدادية سردا . و عند دخولنا قرائيا إلى بدايات النص نتعرف على شخصية منيب أفندي و الشخصية الأخرى التي كانت بالضد من أفكار و رؤى و تقدمية الأول منيب أفندي هي شخصية الشيخ أمين ذلك المتطرف بألوان الزيف من التدين و الاسلامية المبطنة بنوايا برغماتية مهلهلة . و عند الدخول عمقا إلى تمفصلات أحداث و شخوص الرواية المتشعبة يواجهنا ذلك المحور المركزي المؤشر و المتمثل بشخصية محمود بك الضابط الصغير في الجيش العثماني والذي كان يشكل بموقعه التمثيلي في الحكي بمثابة ذلك الكلب المطيع إذلالا لكفة أوامر الباشاوات والسلاطين العثمانية حينذاك .
( الرواية ومحفوظات الخازنة الميتاتأريخية )
ونحن نطالع نماذج الأنماط والعادات والسلوكيات و المسكوت عنه في مسار رواية الوليمة العارية علنا نلحظ ماهية دور السؤال الروائي في مدار المحور النصي و كيفية صورة ذلك الصراع بين أبرز السياقات المرجعية حضورا في مستبدات الهيمنة الاستعمارية العثمانية و الكولونيالية في أرض العراق .. فقد أدى هذا التصاعد الاستبدادي في المدينة إلى أعلى مستويات القهر و التدمير الاجتماعي و الاقتصادي و النفسي بأفرادها شتى .. فيما تحاول هذه الرواية تلميحا أو تصريحا التقدم بصورة المخاطر التي جسدتها هيمنة القوة العثمانية الغازية حينذاك و قد تم هذا الأمر بكافة العوامل التنكيلية بأهل مدينة بغداد و مدن البلاد إجمالا . أن عملية قراءة رواية الوليمة العارية لربما تذكرنا بأدب بعض الأعمال الروائية الباحثة عن هوية ما تتكئ عليها عناصرها المكوناتية في موضوعة النص .. لذا يجيء السرد فيها إلى صيغ من طرح المادة المرجعية في قوالب وثائقية معالجة أخذت تجسد رحلة البحث عن ذلك الزمن القهري ثم عرضه بوصفه قضية الانسان العراقي المسحوق في معيشته و تاريخه و أرضه . يشكل العنوان ــ الوليمة العارية ــ العتبة الأولى في البنية السردية و مفتاحا ملفاتيا لاستقبال النص و توجيه فعالية قراءته .. و قد جاء هنا بصيغة الاستعارة و المجاز و الترميز و الإيحاء الذي منه ينفتح على دلالات متعددة و غير محددة و لكنها في النتيجة القصوى باتت مخصوصة وقوفا على القيمة ( الميتانصية ) التي تشتغل بمكانتها و مكانة بنيتها المرجعية حكيا . و هنا الحديث للرواية بدءا : ( منيب أفندي .. منيب أفندي ؟ لقد حاول جاهدا اللحاق بالترامواي فلم يستطع .. و كلما استطاعه هو التعلق بنافذة العربة التي يجلس داخلها منيب أفندي و صاح : منيب أفندي أمضيت الليل كله و أنا أقرأ كتاب الزهاوي الذي أعطيتني إياه بالأمس ..و أنا أتساءل لماذا لا نحرق الزهاوي مع كتبه ؟ / الرواية ) . تشكل هذه العبارات من طرف الشخصية الشيخ أمين و الموجهة بدورها إلى منيب أفندي الثيمة الرئيسة في مجمل دلالات الفصل الأول من الرواية الموسوم بعنوان ( شقاق / استنبول 1914) و يتجلى الشقاق و الموت و الدمار و المواربة في سياق هذا الفصل تداخلا مع وجه الصراع العثماني التسلطي القامع للحياة التي يعيشها سكان بغداد .. و يتجلى النفوذ العثماني في الرواية على مستويات مرعبة من التدنيس لمفاهيم السلطة و الدين و المواطنة و المصير الانساني .
1ــ التفاعل بين فضاء النص و الملف المرجعي :
ينبثق الموضوع الروائي في رواية الوليمة العارية من حيز دينامية التفاعل بين النص و التحقق المرجعي الميتاتاريخي لذا نجد العمل السردي يقيم في موقع التخم في الخط المائل و بالتالي في مكان البين .. وصولا إلى تشكل اللحظة الفاعلة قرائيا و الواصلة بين هويتين راح ينشأ عن إلتقائهما صنيع السارد العليم : ( كانت المحطة المزدحمة في حيدر باشا في الجانب الآسيوي من أستنبول هي المكان الذي أفترق منه الشيخ أمين و منيب أفندي كلاهما .. غادر الشيخ أمين من البوابة الحديدية الضخمة التي تتوسط سور المحطة و توجه إلى اليسار أولا حيث مجموعة من العربات الصغيرة التي تجرها الخيول الهزيلة / مسح منيب أفندي نظارته الدائرية ذات الاطار المعدني بقطعة صغيرة من القطيفة الحمراء التي أخرجها من جيب جاكتته ثم وضعها على عينيه و أخذ يقرأ موضوعا للشاعر عبد الحق حامت منشورا في صحيفة أفكار زفر من صدره حسرة مكبوتة وهو يردد بصوت مسموع : لا حياة لنا إلا مع أوربا / صعد الشيخ أمين العربة و أمر حوذيها بالتوجه إلى مكتبة طوب سراي الواقعة على مسافة قريبة من المحطة .. بينما كانت هنالك مجموعة من المسافرين بطرابيشهم الحمر و قبعاتهم الافرنجية يتوجهون إلى بوابة المحطة لمغادرتها . / الرواية ) . تتنوع و تتناوب أشكال الحضور السردي في رواية علي بدر بين اختلافية الموجه و القصد و وجهة النظر و الدور المكوناتي في مواطنها الشخوصية . فهناك منيب أفندي المتحمس لدور المحتل الانكليزي و أخرون مثله فيما يشاطرهم بالضد الشيخ أمين و محمود بيك وفقا لصيغة التمسك بالدور العثماني و الباشوات و السلاطين ظلما و هتكا .
2ــ السارد و علاقات موقعه السردي :
تأتي في الرواية صيغة السرد و الحكي على لسان السارد الشاهد كبندول في فضاء الزمن الارتدادي سردا . فالسارد في النص يتماثل بجانب زمن المتن الملفاتي الحكائي و مكانه في صلب أحداث الرواية حيث يتقدم مع خطاطة المصدر الوثائقي المبطن بلعبة المعالجة السردية التخييلية الراهنة في حيثيات النص .. و إن بدا التركيز أحيانا على أزمنة و أمكنة و شخوص موغلة بعينات السيرذاتي ماضيا حيث هوية الاستثمار الملفاتي تبدو أكثر غورا في محكيات الرواية .. و لكن هذا الأمر بدوره لم يجعلنا و نحن نقرأ الرواية نشعر بأننا نطالع خطاطة تأريخية بحتة .. لا بالعكس فالأمر يبدو مختلفا تماما خصوصا و أن المؤلف قد أجاد في كيفيات تحويل الجذر الوثائقي إلى محتوى استقراري من منظومة متوازيات النص الروائي .. إذ أن الأمر الملفاتي في الرواية بات يشكل تعديلا بنيويا و حواريا إزاء شواغله المرجعية و الأحتفاء بها تفاعلا مع مواضيع انشغالها بالتخييل الاستثنائي المتفرد . و هنا الحديث نتركه للرواية : ( كانت السماء تمطر مطرا حقيقيا ناعما فتغتسل استنبول بمشهد شتائي صامت / كان الشيخ أمين و منيب أفندي كلاهما ينظران إلى هذا المطر الذي يهبط على أستنبول .. على السحر الشرقي القديم .. على الترف الضائع و البرانص الموشاة .. على المنارات و هندستها الباذخة على الألوان الصارخة و القانية و الاسلحة البراقة على الشرق النائم بعجائبيته الممتدة على مشارف أوربا / . الرواية ) هكذا تتفتح الرواية مفتقة الخطاب على بعدين صوريين لشخصية منيب أفندي و الشيخ أمين : ( منيب أفندي = الوجه الكولونيالي المترقب + الشيخ أمين = حياة الهروب من الانبعاث الكولونيالي و التذرع بالتدين الذي يطيل له الحلم بأجتياح المؤمنين ــ العثمانيين ) . كان الشيخ أمين ملهوفا إلى حد اللاوصف بمشهد كان التتار فيه بخيولهم يعبرون إلى الجهة الأخرى من البحر .. بينما منيب أفندي يمني ذاته بالخلاص اليوتوبي على يد الفارس الكولونيالي أو السوبرمان على حد قول الرواية في أحدى فقراتها . لا يحاول الأسلوب المرجعي في الرواية أن يفرض على حيثيات النص المتخيل أية موجهات ملفاتية قسرا دون أن تكون للصورة المتخيلة في مدار الواقعة الملفاتية ذلك الأثر التحديثي في حالات و موجهات التنصيص الروائي الذي بات يشغل جل المرتكزات الآفاقية المتاحة لدى مخيلة الروائي .
3ــ البنية الروائية والأهواء النفسانية فيها :
ليس من شك إذن أن رواية الوليمة العارية نص تمثيلي الأبعاد و القواسم التكويني .. حيث غدا ينسج العلاقات المرجعية في أيقونة و دليل حكاية الرواية و عبر حدود خطاطة مخيلة الروائي التي من شأنها خلق صورا تخييلية بليغة تابعة لمزاجية و أهوائية محكمات الشخوص في سلوكهم و طباعهم و تحولاتهم في الخطاب السردي الذي راح يمتلك قدرة النفاذ إلى ما خلف الحسي الظاهر من خطاب النص .. و هكذا تتخطى الكتابة الروائية في الوليمة العارية الضرورة المرجعية التممثيلية المطلقة أحيانا للوقائع التخييلية الخاصة لدى المؤلف وهو يهم في رسم تشكيلات آفاقه الملفاتية البحتة في عملية إنفتاح التخييل الروائي لديه على مناح متعددة من الشد السردي . و تبعا لهذا نقول أن النص الملفاتي ينبعث عادة من خطاطة تأريخية متأصلة غير أن المعالجة الروائية لها تكون عادة متشكلة في جملة استعادتها لتلك المشاهد و المواقف من موقع صيغة رؤية المؤلف و عبر حساسية حيادية خصبة لتصفية الحلقات الغير متممة لأبعاد و فضاء آلية الفكرة الجمالية و الفنية القابعة في مهاد الصورة التخييلية الروائية التحديثية .
( الشخصية المأزومة : محمود بك ؟ )
لاحظ علماء النفس أن إشكالية الشخصية المأزومة هي عبارة عن معادلة متشظية لأفكار و دوافع و محفزات غير متكاملة و غير مترابطة ربطا علائقيا سويا . إذ أنها في تتابعها النفسي التوالدي تشكل في ذاتها معنى ما بعدمية اجتيازها لإمكانية تفوقها و كفاءتها نحو حالة المعالجة الشخصانية السليمة عادة . من هنا نعود إلى عوالم شخوص روايات علي بدر إجمالا كحال رواية ( الكافرة ) و رواية ( شتاء العائلة ) و رواية ( حارس التبغ ) و رواية ( مصابيح أورشليم ) و رواية ( بابا سارتر ) و رواية ( الوليمة العارية ) موضوع بحثنا . إذ نلاحظ بأن شخوص مجموع هذه الروايات بأجمعها تشكل فيها حالة المأزومية الشخصانية الذروة السردية الغالبة في حياة النص الروائي لدى عوالم علي بدر . لا فائدة من الإطالة هنا في شرح و طرح هذه الموضوعة خصوصا و أنها سوف تكون محورا هاما في أحدى مقدمات كتابنا حول تجربة عوالم روايات هذا الروائي . غير أننا الآن يعنينا الحديث حول مأزومية شخصية محمود بك في رواية الوليمة العارية و بالقول عنها بأنها شخصية كانت باعتقادها الانطباعي تقدم واجبا و طنيا مكثفا لصالح ولاية الباشاوات العثمانية حيث أنها كانت تجد لها كافة الصلاحيات في الإعدام و السلب و الاعتقال و الاغتيال و تجويع الناس ظنا منه بأن هذا العمل ماهو إلا إمكانية خاصة تحتمها عليه وظيفته كضابط صغير الرتبة في الجيش التركي و هنا الحديث للرواية : ( صعد محمود بك على جواده الأطهم ذي الرشمة المصنوعة من الفضة مثبتة في برقع جلدي بين عيني الحصان .. كان يربطه في الساحة القريبة من إصطبل القلعة .. و تبعه عدد من الجندرمة الغاضبين .. وضعوا بنادقهم القبغلي و المارتيني على أكتافهم .. و شهروا سيوفهم .. ثم تسلقوا خيولهم بسرعة .. و جروا وراءه .. كانت صدورهم مملوءة حقدا .. و أنتفخت أوداجهم .. و أخذوا ينفخون من الغضب بقوة / الرواية ) . معنى ذلك أن ثمة غيابا للتطابق المقامي و النفسي بين ذات محمود بك الشخصانية التابعة كما تخبرنا عنها أحداث الرواية و حالة جبروته العسكرتارية المتخاذلة من جهة نفسية ما .. فهذه الشخصية تخبرنا عنها هذه الفقرات من الرواية ) .أنا لا باشا ولا سلطان .. أن ضابط صغير كوجكسي يعمل بالفرمان / كان محمود بك يشعر بالمحظيات اللواتي يستلقين على الأرائك الوثيرة .. و يلفن العصابات الحريرية على الرؤوس .. و يستحمن في برك الماء .. و يتعطرن بالعطور .. و في قصر الباشا الطعام المتبل على الموائد .. و الخمور التي تضوع روائحها من السراديب .. و حناء المحظيات في الحرم .. هكذا يعيش المماليك ببغداد . / الرواية ) . أن مأزومية محمود بك و الشخصيات الأخرى في هذه الرواية نجدها تحيا حالة من حالات الحرمان و الجوع المتعدد . أن النص هنا يجسد كلية مأزومية عظيمة لدى حاشية المماليك و الباشاوات و العامة من الناس الفقراء و المسحوقين تماما منهم . فالروائي يقدم في روايته هذه بنية كبيرة من الأدلة التي راحت بدورها تهب نفسها للوصف و الإدراك و التأمل و في تحريك خزائن المخيلة نحو مواطن عجائبية من التوظيف و سمو توصيف المخيلة . أما التحقق المأزومي لدى شخصيات الرواية كالشيخ أمين و منيب أفندي و الزهاوي و أسماء عديدة في الرواية فالكل منهم كانت له المأزومية الحقيقية النابعة من ظلماء قلبه و روحه لتتجلى في فضاء أشيائه و علاماته و كيفياته فكانت لطبقة التجار و الساسة و الفقراء و الأدباء و العملاء و اللصوص أزمات تفتح لذاتها المظلمة حالة من حالات الأضمار و القيد و التدنيس و الترهيب و الشواذ .
( تعليق القراءة )
قياسا إلى ما قرأناه في رواية ( الوليمة العارية ) يبدو لنا من الصعوبة البالغة الإحاطة التامة بكل ما تحمله الرواية من فصول و مشاهد و أسماء و صفات و علاقات و أطوار كما من الصعب أيضا الحديث عن كل ما جاء في الرواية من مواضع سردية و مرجعية .. بلا شك أنها رواية ضجيج الشخوص و النعوت و العسكرتارية و قاموس الأساطيل و الجوع و الفقراء و الرخاء و السلاطين و المحظيات .. و بعبارة موجزة أقول أنها رواية الأمتياز الأنتقائي الساحر رويا .. أنها رواية أيقاظ التعارض مع تقاطعات الحاجة و الامتثال ضمن وجود التعديل بصيغة الانكسار و الزوال و التهشيم .. و عند مرورنا بالفصل الموسوم بــ ( المكان و المجال ) نعاين حكاية السارد أو المؤلف وهو بصحبة صديقته جيهان تلك الشابة التركمانية حيث يقول السارد الشاهد مثل هذا الكلام الآتي : ( في الواقع أن اللحظة التي سقط فيها محمود بك ميتا هي لحظة توقف رؤية الأحداث .. و كان لزاما علي الألتزام بمطابقة معينة .. هي مطابقة مجال رؤية الأحداث مع مجال سرد الأحداث . / الرواية ) . أن الروائي لربما يحاول في فضاء هذا الفصل تحديدا بث تفاصيل روح هذه الصديقة المفاجئة توظيفا و سياقا كمحاولة منه لأستكمال وفض وسيلة ( السارد الشواهدي ) و التعبير عن حضوره كساردا و فاصلا عبر عشرات الشخوص و التفاصيل العسكرتارية ليدخلنا سرديا في صورة المدينة الحاضرة التي جرت على أرضها تأرجحات الحروب بين الباشاوات و الانكليز ليخبرنا قائلا : ( و ما يجعل هذا الأمر متكررا هو أن هذه المدينة لم تكن يوما مدينة بالمعنى الدقيق أبدا .. لقد كانت مثل الفندق أو المعسكر الهجرات الكبير الذي تدخله القوافل و المهاجرون و الزوار من مختلف الأجناس يحيطون به فترات تطول أو تقصر .. ثم يرحلون أما بالموت أو بالأوبئة أو الفيضانات .. لذلك كانت المدينة تتبدل من زمن إلى آخر تبدلا كليا تقريبا و هذا ما جعلها تفتقر على الدوام للأخلاق الحضرية و المدينة الثابتة ؟ الرواية ) . أن الواقع الذي قصده الروائي من وراء هذه الفقرات من روايته لم تكن في ميزان ذلك التحديد الجزئي الذي ينطلي من تحته ذلك الزمن المرحلي العمري من تاريخ المدينة تحديدا .. بل أنه كما قال بدر الفندق أو المعسكر أي بمعنى ما أنها مدينة محطات المهاجرون و الزوار و التي لا ينضب معينها من أستقبال فتوحات الأتراك و الانكليز و البعثيين و الأمريكان و حكومات العملاء اللصوص المعاصرة . أن المفارقة الدقيقة في رواية ( الوليمة العارية ) تمنحنا انتباها ساخرا أخيرا .. إذ أخذت تضيء الرواية ثمة فقرات ختامية جاءتنا محملة بالاستخفافية و الأمية من مواطنة الفرد العراقي في البلاد و ذلك عند ملاحقته من قبل السرايا الانكليزية و فرضها العقوبات المالية على كل من يحاول التغوط أو التبول في الشوارع و الحدائق و هنا القول للرواية : ( بعد أن ضربوه على مؤخرته بالعصا الغليظة التي يطلقون عليها ــ الدونكي ــ و جروه بقوة .. أخذ يصرخ متعجبا من هذا الاهتمام المبالغ به : مستر .. هي خريه .. أنت شبيك صاير عصبي / أصدر الحاكم العسكري بفرض غرامة عشر ربيات على التغوط في الشارع و خمس ربيات على التبول . / الرواية ) . هكذا هي إذن فحوى دلالات رواية ( لوليمة العارية ) هي الاستجابة الطباقية من جهة ما للموت الموائدي الفارغ الذي أضحى بفعل المعادلة البؤسية و الاستعمارية يشكل حالة مريعة من اللاوجود الحي لهذه المدينة الخاوية من جهة ما بين أصداء غبار العسكرتارية و ملفات التنصيص الروائي المتين بالتوازن و التماسك و جنوح حيوية سردية المتخيل .