18 ديسمبر، 2024 11:25 م

قراءة في رواية المقاومة للروائي جوليان فوكس

قراءة في رواية المقاومة للروائي جوليان فوكس

رواية المقاومة لجوليان فوكس؛ من اصدارات مصر لنشر والتوزيع، تقع الرواية ب 205صحفة من القطع الصغير. الرواية، السرد فيها مكثف الى بعد حدود التكثيف، بلغة جميلة جدا ومعبرة وقادرة الى ايصال المعاني باقل الكلمات. تسرد الرواية جهد كاتب الرواية وهنا لانقصد الراوي جوليان فوكس بل ان المقصود؛ هو بطل الرواية المحوري، او هو البطل الرئيسي فيها؛ والذي يحاول فيها كتابة سيرة حياة عائلته، وبالذات اخاه بالتبني؛ بسرد روائي اخاذ. وهي اي هذه الرواية وثيقة ادانة الى الانظمة الدكتاتورية في امريكا اللاتينية، وتحديدا في هذه الرواية الارجنتينية. السرد؛ جعل الواقع المتحرك على الارض هو من يقول لنا ما فعلته دكتاتوريات امريكا اللاتينية؛ في الارجنتين، من غير ان تحمل كلمات الروي فيها اي اشارة الى افعال تلك الدكتاتوريات ومن يدعمها( امريكا وغيرها من الدول الغربية..) بصورة مباشرة، لكنها في ذات الوقت تجعل القاريء يعرف، من خلال مجريات الوقائع التي تنطق بالمعاني او هي اي سطور السرد؛ تحمل العلامات التي تشير بوضوح من خلال الاحداث واشتباكاتها؛ الى الفاعل الحقيقي في هذه التراجيدية التي تحكيها لنا هذه الرواية على قصرها. يريد الكاتب البطل؛ ان يسرد قصة اخيه بالتبني.. الوالدان يقومان بتني طفل وهو لم يزل رضيعا او انه حديث الولادة اي ان ولادته لم تمض عليها سواء ساعات. لكنهما في الاخير يستطيعان او يتمكنان من انجاب؛ طفل وطفلة، بعد ان يجبرا على الهروب الى البرازيل لنجاة من بطش الدكتاتورية في بلدهما. ان ما تقوم به الدكتاتوريات من اعمال اجرامية من الصعوبة ان يتصورها العقل السليم؛ ان هناك على وجه الارض من له القدرة والامكانية النفسية والاخلاقية على الاتيان بمثل هذه الافعال الاجرامية؛ كي تحافظ على نظامها وكرسي الحكم فيها. النظام يقوم بتغيب النساء وهن في عمر الشباب، او انهن في بداية زواجهن؛ اما بالقتل هن وازواجهن او بالاختفاء القسري والذي لار جعة لهما، فيه، اي لن يعودا الى الظهور والحياة مرة اخرى. لكن حين تكون حاملا او هي في حالة وضع؛ هنا يؤخذ الوليد، ليتم عرضه للتبني. وهذا هو ما حدث لأخ السارد البطل في هذه الرواية. البؤرة في الرواية هي هنا؛ قتل الاباء والامهات لا لسبب؛ الا لسبب واحد ووحيد؛ انهم يعارضون سياسة النظام؛

بالعمل بمختلف الطرق والوسائل؛ لفضح سياسة هذا النظام الذي يسلب من الناس حريتهم، ويحولهم الى بيادق له في لعبة الشطرنج؛ لذا وكي يسيطر على الاوضاع يقوم بتصفية هؤلاء المناضلون على دروب الحرية ليس لهم فقط، بل للناس كل الناس وايضا الى الوطن؛ والذي يكون كتحصيل حاصل هو الاخر مسلوب الإرادة والقرار؛ لأن النظام اداة للإمبريالية الامريكية( ملاحظة؛ ان احداث الرواية تدور في حقبة الحرب الباردة؛ في نهاية ستينيات وحتى نهاية سبعينيات القرن السابق..). الكاتب البطل، وهو يتجول في بونيس إيرس، العاصمة الارجنتينية، يجوب شوارعها التي لم يرها قبل هذا الحين؛ فقد ابصر نور الحياة في البرازيل، بعد هروب والداه من بطش النظام قبل اكثر من ثلاثين عاما او اقل او اكثر؛ لأن الكاتب البطل لم يحدد لنا الزمن على وجه التأكيد؛ لكن السرد يشير ضمنا اليه من مجرى الوقائع؛ يسمع ان هناك حفل للجدات اللاتي فقدن احفادهن وامهاتهن او ابنائهن قبل ثلاث عقود. كان قبل ان يبدأ بجولته في الشوارع التي بدت له غريبة او انه بدى غريبا فيها؛

قد زار بيت والديه، كان مقفرا ومهجورا، ولم ير احدا هناك؛ يفتر فيه؛ يبصر اللوحات التي تركاها ابواه في فورة خوفهم على حياتهم وهروبهم في الليل، ذات ليلة بعيدة. تأمل صورتيهما وقد علاهما الغبار؛ كانا شابان مفعمان بالحيوية والحياة. في صورة اخرى راي امه تضع على صدرها اخيه بالتبني، وهي متبسمه فيما ابوه وضع يده على راس الطفل. نظر الى الجدران، ومن ثم اخذته صفنة؛ سمع صوت ابوه وهو يصيح بأمه يريدها ان تستعجل. يقطع هذا الصياح بكاء اخوه. رفع الصور من على الحائط ووضعها في حقيبته التي كان يحملها على كتفه. وصل الى الحفل الذي اقيم في الساحة التي تتوسط العاصمة، وقف مع الجمع؛ يستمع الى خطابات الجدات. كان هناك على المنصة، جدة، تخاطب الجمهور: كنت اتمنى ان اعثر على حفيدي قبل رحيلي من هذا العالم وها انا قد عثرت عليه بجهود الخيرين؛ وبجهود وايثار؛ واشارت الى رجل وامرأة كانا يقفان الى جانبها؛ هذان هما اللذان تبنيا حفيدي. تنتهي الرواية بان يقوم الكاتب البطل بتقديم مسودتها الى ابيه وامه؛ حتى يطلعا عليها ويبديا رايهما..

الرواية على قصرها، وعلى الدرجة العالية جدا من الروي المكثف، لكنها قالت لنا الكثير بلغة مركزة وبصور اكثر تركيزا، وبسرد حيوي وأسر؛ كأنك تعيش مع الاحداث واشتباكاتها مع افعال الشخصيات وتراجيديتها، او كمراقب عن قرب، أو كشاهد على هذه المأساة..