للروائي علي بدر
( من فناءات الأكذوبة الصادقة و الحقيقة المنكوبة )
ـــ الشخوص المأزومة من أوراق جلال .
مدخل : أن الأفكار النابعة من فيوضات التجربة الواقعية الحقيقة .. هي أفكار يكتنفها عادة الأخبار و التوصيف المتوالد قدما عن حسية آليات المعايشة البيئية للحالات الواعية و غير الواعية المقبولة و غير المقبولة حيث تتم مرويتها عبر الرؤية الحسية التي تتصل بزمن يستحيل فيه صرف مخالفات تلك الذاكرة المخططية الباحثة عن غيره أو عنه هو نفسه . و بالتالي نقول إن كل ما هو معاش يتحول إلى ما يسمى بذلك التوافق الزمني القار نصا بديمومته الأرسالية الواهمة نحو زمن لا حدود له بين أتون ما هو ماض و ما هو حاضر أو مستقبل .
1ــ الفرد المأزوم في الواقعة المأزومة :
إن الأيقونة السردية في رواية ( الكذابون يحصلون على كل شيء ) للروائي المغترب علي بدر. . جاءتنا بين حسية الموضوع الدينامي و أساس تراتبية و حافزية الدليل النصي: ( المؤشر / الرمز / الواقعة / الشخصية ) و تبعا لهذه الأحتوائية العاملية يلاحظ القارىء للرواية بأن نموذجية الموضوعة راحت تحدد لنا ثلاثة أنماط من الكيفيات تبعا للمقولات المركزية الثلاث : ( الممكن / الحادثة / الذروة ) . أن الحديث عن مأزومية الفرد في رواية ( الكذابون يحصلون على كل شيء) يمكننا ترجيح حالاتها أولا الى ما يعانيه ذلك الفرد من جراء ممكنات واقعه المأزوم بأعباء الهموم المعيشية و الأوضاع الشخصانية له و التي أخذت تنطوي أسبابها داخل جيوب مظلمة بعمالقة الأستغلال و الدمار السياسي السارق لحقوق الفرد في أوطانه و خارج أوطانه .. عندما نتحدث عن مأزوميات الشخوص هنا لربما لا نقصد تلك الموجهات المزاجية و العشوائية كحرية الشخصية في مساحة تنقلاتها في حانات الخمر و الدعارة .. بل أننا نقصد حدود تلك الأزمة مع تلك القوة السياسية الهاربة من أوطانها طردا .. لتشكل بأخفاقاتها البنيوية و السلطوية التي تهشمت هناك في أرض أوطانها الأصلية .. لتمارس دورها هنا كمقاييس فحولية في أحضان أحدى مدن بروكسل الخاصة باحتواء وضم و معايشة تلك الطفيليات اللاموثوقة في جل ضماناتها الشخصية و الاعتبارية و المصيرية .. بل أصبحت هذه المجاميع الحكومية الساقطة من أغصان شجرة الأوطان الأم .. هنا في بروكسل كنماذج راح يستثمرها العاطلين عن العمل و العاهرات و أصحاب حانات الليل كوسيلة و صيغة تتم من خلالها سد حاجات حياتهم و آمالهم المفقودة على حساب تلك الوثيقة الخاسرة من الأوهام و الرهانات في سبيل الحصول على امتيازات ما بمجرد التمسح بذلك الوزير الهارب من وطنه سارقا ليوهم الناس بأنه يملك مبلغ مليون دولار حيث سوف يصله بواسطة أحدى شركات التهريب الإقليمية . . و تبعا لمشكلات هذه الصفقات الوهمية من جهة أولئك السراق تتكون حلقات و فصول وأفكار ذلك المجتمع الغربي المتكون من عناصر التوظيف الترويجي لذلك المسؤول العربي الذي سوف يملأ كروشهم بالخبز الناعم والشراب الفاخر . . فيما سوف يحقق لهم كل معايير و موازين أحلامهم المفقودة و المسروقة في تلك الحاضنات من الحانات و ملاجئ اللاجئين . . أن حكاية الرواية ليست ذات طبيعة مخيالية من شأنها معالجة الحالات الشخوصية بطرائق فنية و جمالية حصرا .. بل أنها قادمة من حقيقة موارد واقعة أليمة و مخزية و مفارقة في الآن نفسه . . بيد أنها راحت تطرح ذاتها لنا في صميم صلب الاستهلاكية التي بات يزاولها أولئك الوزراء العرب كذبا و زورا من على أجساد العاهرات و موائد الخمر و من خلال منمقات أحاديثهم الوهمية مع سكان تلك المدن و الأحياء في بلجيكا . . كما قلنا سابقا أن الرواية تنطلق من خطاب دال و دليل صراعات الشخصية الهامشية تحت أقدام أولئك القادمين نهبا لأموال بلدانهم حيث يقدر لهم أن يقيموا لأنفسهم حياة تزويقية مفبركة في أجمل الأماكن و الحكايات و الحانات مع أدق النساء أحساسا و شكلا و مناما .. لذا و بهذا المعنى توافينا مأزومية الشخوص في فضاء تساؤلات السارد و أبطال أبنية الوقائع الروائية في مستوى معروضية أحداث النص .
ـــ آليات النص و مؤشرات شواهد النص :
حين ننظر إلى شواهد و مشاهدات التخييل في مسار أبنية المسرود النصي للرواية .. يباغتنا صوت السارد العليم و من خلفه المؤلف الضمني ليضعنا إزاء محاكاة فصولية واقعة في مستهل كل ولادة فصلية جديدة من زمن الحكي في النص . فضلا عن هذا أخذ المؤلف يتحفنا في مواقع عتبات فصوله بعنونات إطارية مختلفة في الشكل و الترقيم و الأداة . . و ربما أحيانا هناك عنوانات تبقى مدخلية كمؤشرات حكواتية لما سوف يقوله السارد و السرد حول علاقات الشخوص في الرواية كمثال حال هذه الترسيمة : ( الفصل الأول : ما لم يقله ماركس فعلا ) تليها لاحقا و عبر الصفحة الثانية مثل هذه العنونة ( من أوراق جلال / الورقة 1 ) . و هكذا الأمر تباعا في مجمل فصول أبواب الرواية المعنونة في الخارج و الداخل . غير أننا و نحن نطالع تنصيصات الورقة الأولى من محفوظات جلال نواجه ثمة مقدمات تلخص لنا ما سوف يحدث في وقائع و أحداث الفصل الأول من الرواية : ( ليس للمجموعة قلب واحد .. يخفق . لكن اللغة توحدهم على إيقاع كلمات بعيدة . . و ألحان جنونية . . في أعماقهم هذا الفراغ الكبير . . نافذة بلا أكرة تصفق . . ريح تصفر . . وطواط يلامس وجوههم . . و القلب يخفق . . و يخفق . . و يخفق . . عما يبحثون ؟ لما لا تفكر بهم العاصفة . . ولا المدينة . . ولا الأبواب . . ولا الفناءات . / من أوراق جلال / الورقة 1) . ثمة شخوص في الرواية يشكلون المحورية المركزية في الحكي كحال ( جلال / الأستاذ / دلال ) أما باقي الشخوص في الرواية كالوزير و أحمد البحار و فلاديمر .. و غيرهم من الشخصيات فهؤلاء بمثابة الجانب الاسنادي لمقولات هذه الشخصيات الثلاثة في الرواية .
1ــ مواقع الشخوص المحورية :
في الحقيقة لاحظنا في هذه الرواية ثمة تقدم مهم و متميز في مواقع الشخصيات . . وهو الأمر الذي يخص حال ( جلال / الأستاذ / دلال ) تحديدا . . إذ أن شخصية جلال نجدها و بجانب شخصية الأستاذ تشكلان موقعا هاما في مسار تعاضدات الأحداث و المواقف فيما تم تمييزها بهالة خاصة من المأزومية التي أخذت تتعالى عن صورية الحدث العارض و الموقف العابر . . لتمنحا الأحداث قدرا كبيرا من قابلية تكثيف اللحظات الشعورية الذروية الشيقة . لذا كثيرا ما تتحول مواقع شخصية جلال و الاستاذ و دلال إلى وقائع حياتية متغيرة ارتباطا منها بأحوالا إلى أحوال تجربة احتدامية في مكانا ما إلى مكان آخر و من شخصية تفاعلية إلى شخصية هامشية و إلى مكان لا مرتكزات تقاسمية له في مسرح الحكي العام . و في هذا السياق الأولي من الرواية نتعرف على حالات موقعية الأستاذ جورج و الذي يسميه البعض بأسم أمين : ( رفع يده النحيفة و القوية مثل يد حطاب . . و قال . . الكذابون يحصلون على كل شيء / ماركس قال هذا . . أردف بصوت خافت وهو يطلق دخان سجارته في الهواء / الرواية ) . كانت من علامات شخصية الأستاذ تلفيق أقوالا لم يتكفل بقولها ماركسا يوما ما ولدرجة وصول الأمر إلى حصول النزاع و الشجار بينه و بين جلال : ( ــ ماذا ؟ قال له جلال مستغربا . . و كان يريد أن يعرف فيما اذا كان ماركس قال فعلا هذه الجملة أم لا . . قال لجلال مؤكدا و بشيء من الغضب أيضا : قلت لك ماركس قال هذا و شرف أختي قالها / ــ أين ؟ لم أسمع بهذا أبدا ؟ ــ هل كنت مع ماركس حتى تعرف كل ما قاله في حياته ؟ / الرواية ) . كان جلال يدرك جيدا كما تخبرنا به أحداث الرواية بأن الأستاذ لم يكن يوما ماركسيا بل أنه عصارة من وجوه و محاور مختلفة .
2ــ منظور تحاكي الواقع الشخوصية :
تخبرنا أحداث الرواية كيفية وقوع مسألة التعارف بين جلال و الأستاذ و قد تم هذا الأمر في المسار السردي عبر منظور تحاكي المواقع الشخوصية التي تطرأ على وعي و وجود الشخصية جلال من خلال موقع وجودها المكاني و هنا الحديث للرواية : ( جلال قد تعرف إلى الأستاذ قبل عامين . . حينما أشترى قطعة بيتزا من محل بيتزا هوت القريب من مكتب البريد .. حيث عاد توا من مكتب المساعدات الأجتماعية . . و قد شعر بالجوع وهو في الطريق الى منزله .. حين مر من المكان شم رائحة البيتزا الساخنة التي تنبعث من القطع الموضوعة في صوان كبيرة تحت نار هادئة . . الرواية ) . من هنا تخبرنا الرواية عن كيفية إجراء اللقاء بين جلال و الأستاذ حيث ساد بين الأثنين حس الملاطفة و المرح عبر موقفية حوارية تشي بالسخرية و الملاطفة و المفارقة أيضا . . و تحت هذا السقف من التعارف راح يضعنا السارد داخل معادلة ما من تلك المشاعر الاستذكارية بين الشخصيتان حيث راح كل واحد منهم يستذكر الآخر بأنه قد شاهده من ذي قبل وصولا الى أنهما تذكرا كلاهما بأنهما قد شاهد البعض منهما في مكتب اللاجئين فيما قال جلال للأستاذ متذكرا إياه بقوله : ( ــ اه نعم أنا أيضا تذكرتك كنت تثير المشاكل مع المسؤولين . . الرواية ) . و من المفارقة التي تخبرنا بها الرواية إن الأستاذ كان يردد ثمة جملة دائما يكررها مع نفسه و مع الآخرين حيث تتلخص هذه الجملة بأن كل شيء فيه عربي نهايته سيئة . لقد كان الأستاذ كما تخبرنا الرواية دون أوراق رسمية و قد رفض طلبه كلاجئ في بلجيكا . . فيما كان جلال قد حصل على موافقة اللجوء : ( ــ آه يلك من محظوظ ! ثم ركضا قبل أن يشتعل الضوء الأخضر متفادين سيارتين قادمتين بسرعة / ــ و أنت ؟ ــ لا في الواقع رفض طلبي . . و أنا الى الآن من دون أوراق رسمية . . و لكني تدبرت حالي : ــ كيف ؟ ــ بأوراق مزيفة / ــ آه أين ؟ لم يجبه الأستاذ و لم يقل له أن هناك تركيا في كولونيا يعمل في تزوير الأوراق الرسمية . . و قد زور له هوية و جواز سفر . . بهما فلت من الشرطة عشرات المرات / الرواية ) .
3 ــ مواقع المفارقة أو الترميز المعادل :
لعل من اللافت للانتباه في الصورة الموقعية الواقعة بين جلال و الأستاذ بروز ثمة دلالات خاصة للمشاهد و اللقطات المفعمة مجازا . . حيث أخذت منها تتجلى حقيقة ما تنطوي على مجموعة أبعاد إيحائية بوصفها قواما ما من مساحة الفارق الواقع ما بين الأمرين : ( حين عاد الأستاذ إلى جلال قال موجها الكلام له . . و قد اشارة الى القطتين الرماديتين :ــ هاتان قطتان مسلمتان / ــ ماذا ؟ ــ أقول لك هاتان القطتان مسلمتان . . خرجتا من منزل ذلك المغربي . . و ذلك الهر هل تراه ؟ ــ الهر ؟ ــ نعم ذلك الهر . . أشار بيده إلى زاوية الشارع حيث كان يقبع هر نظيف و جميل . . / ــ ذلك مسيحي يعود لمنزل البلجيكي المقابل لبيتنا . . / ــ القطط هنا متسامحة جدا . . لا يهمها مسيحي أم مسلم . . فقد سمحت هذه القطة المسلمة لذلك الهر مرة بركوبها شاهدتها بعيني . . الرواية ) . المؤلف هنا و عبر هذه الفقرات كان يسعى إلى مناظرة عجائبية من نوعها : فما دخل الأسلام بتزاوج القطط ؟ ومن قال لك إن الحيوانات هي من العقائد الاسلامية أو المسيحية ؟ . لعل المؤلف حاول هنا أن يوطد إجرائية المعادل الموضوعي ببساطة ــ أي بمعنى ما ــ سعى لمقابلة الدلالات المتضادة داخل نسيج من التناغم الحي بين مألوفية الأشياء و الكائنات . لربما من جهة ما قد حلت هذه اللقطات بروح الترميز كحال علب ( 000) الفارغة و روائح تبرز الكلاب كاشارة ما مرمزة تأتي كدليل على حالة خوائية ذلك الكائن المهاجر و مدى وساخته و تحقيره من قبل تلك المجتمعات الغربية .
ـــ أنا الخطاب بين السارد الحاضر و السارد الغائب :
و نحن نقرأ فصول أخرى من الرواية تواجهنا في أحداث هذه الفصول ثمة مشاهد لا تحضر إلا في نوعين من الأحداث و المواقف . النوع الأول هو حالة التأمل المشهدي .. أي إن السارد الحاضر في أحداث الرواية يقوم بوصف المشهد و عرضه ثم يقوم بإعادة رواية ما قالته الشخصية لنفسها كحال هذه الفقرات : ( كلهم كانوا هنا ! هكذا قال جلال في نفسه و هو يسير في هذا الشارع / الباحثون الأوربيون عن العاهرات السوداوات . . طالبو الحشيش . . سارقو الطعام . . و ربما ماركس قد جاء في القرن التاسع عشر إلى هنا . . حيث التجأ إلى بروكسل ليكتب الجزء الثالث من كتابه رأس المال / ــ آه لو يعرف الأستاذ منزل ماركس القديم حيث قطن بروكسل / حيث خان زوجته مع خادمته / لقرع رؤوسنا بهذه المعلومة / الرواية ) . قد توحي هذه الفقرات بظهور أنا السارد الحاضر و عبر المحور الأستبدالي التماثلي الرابط بين سقف معلومية أنا السارد الحاضر و الذي كان يدرك جيدا بأن الشخصية جلال كان على معرفة مسبقة بأن الأستاذ يردد دوما مقولات ماركس المغلوطة ــ أي أنه ــ كان حينذاك يشكل حضورا راويا إلى جنب ما قاله الأستاذ كحالة واقعة تم عرضها مسبقا على لسان الشخصية ذاتها .. أما النوع الثاني فهو يتمثل من خلال عين سارد غائب حيث يبدو السرد موضوعيا تماما . . كما اعتدنا في أي سرد تقليدي . . إذ يمر المشهد أمام عين السارد فيما يقوم القارىء بمعاينته ضمن تتابعية زمنية خطية في السرد كحال هذه الفقرات الآتية : ( رأى جلال وهو يسير في حي . . تدفق الأفارقة يوم السبت . . تدفقهم من مولات كبيرة . . دخولهم إلى مقاه تشبه تلك الموجودة في القارة البعيدة . . الرواية ) . تبعا لهذا نعاين بأن الحالة المروية للسارد الحاضر في الفقرات الأولى في النص قد تم عرضها و بصورة تقوم بوصف المشهد ثم تقوم بإعادة ما قيل سابقا ثم بالتالي تقوم بإعادة ما قيل على لسان حال الشخصية . أما الحال في السارد غيابا يبدو السرد على لسان الشخصية أكثر أبهاما و كأنه يشير إلى حالات أخرى من النص .
ــ السياسيون بين الأكذوبة الصادقة و الحقيقة المنكوبة :
من خلال ما تخبرنا به الرواية بأن الشخصية الأستاذ أمين كان يخشى هذا الحي المسمى بحي لويز حيث كان لا يستقر له بال في هذا الحي الصاخب بالدوريات الحكومية المحلية .. وهو الحي الذي كان يسميه جلال بحي السياسيين المنكوبيين : ( وهكذا يتخيل الأستاذ .. كيف يطلب الضابط الأشقر هويته .. بعد أن يهبط من السيارة بسرعة . . فاتحا الباب بيد .. و يده الأخرى موضوعة على حزامه : ــ أرني أوراقك . لم يكون للأستاذ أي خيار حينها ــ عفوا ؟ ــ أرني أوراقك من فضلك ــ حسن ! / و هكذا سيمد الأستاذ يده في جيبه مرتبكا قليلا . . و مبتسما بصورة لا إرادية . . ومتصنعا الهدوء بطبيعة الأمر .. و سوف يقدم له .. بيد غير واثقة .. بطاقة الإقامة الألمانية المزورة .. فالاسم الذي عليها ليس أسمه . . و تاريخ الميلاد المكتوب مختلفا تماما عن تاريخ ميلاده ../ الرواية ) . تعرفنا أحداث الرواية الخاصة بسيرة الشخصية أمين أو جورج الملقب بالأستاذ بأنها شخصية مأزومة من جراء عدم حصولها على بطاقة اللجوء و لسبب آخر يعود إلى أنها كانت تحيا في صورة ذلك العرق الماضوي للمستعمر البلجيكي : ( لكن الأستاذ الذي يقف أمام الشرطي الأشقر بعينيه الزرقاوين لن يرى فيه الشرطي ذاته . . أنما يستحضر في الحال صورة جده .. جده الضابط .. أيام كانت الأرض الأفريقية مستعمرة بلجيكية .. / الرواية ) .
ــ تعليق القراءة ــ
من خلال ما اطلعنا عليه من فصول الرواية الشيقة في الأحداث و المترابطة شكلا و مضمونا شكلا و دليلا نقول : أن مسار تجربة رواية ( الكذابون يحصلون على كل شيء ) حيث تحكي هذه الرواية حكاية أولئك السياسيون الذين كانوا يفرون من أوطانهم وهم يحملون منها نهبا ملايين الدولارات كحال صورة ذلك الوزير في أحداث الرواية .. الذي جاء بدءا كلاجىء إلى بلجيكا ثم عاد إلى بلاده مجددا وزيرا .. فيما كان الكل من جلال و الأستاذ و أحمد البحار ورواد الحانات و العاهرات يمنون النفس بالحصول على ذلك المليون المنهوب من خزينة وزارته التي كان يعمل فيها بصفة وزيرا سابقا . و هذا الوزير كما تخبرنا عنه الرواية كان قد عاد الى بلاده بوساطة ساحرة مشعوذة .. و قد تخلف عن وعوده التي كان قد وعد بها ممن خدموه و ممن كانوا يقدمون له كل فروض الطاعة من العاهرات و أصحاب الحانات و روادها و حتى وصولا إلى باعة اللحم و الخضار الذين كانوا يقدمون له الأشياء بالمجان . و عندما عاد وزيرا لم يصطحب معه سوى عشيقته تلك الفتاة المغربية الجميلة إلى بغداد . . كما تخبرنا أحداث الرواية عن موت الأستاذ في لعبة الروليت الروسية أو لعبة الموت كما كان يسميها البعض .. بعد أن فقد كل أحلامه بدلال أولا التي كانت تواعد عشيقا يدعى رباح سرا ثم و بعد مرور فترة من الزمن صار أمرها مفضوحا على حافة كل لسان .. و أخيرا آل حالها الى مصحات الأمراض النفسية لشعورها بالذنب العظيم و العار الكبير .. و في ختام حكاية أحداث الرواية تبين من جهة علي بدر بأن مجمل وقائع و شخوص و أزمنة روايته كانت خلاصة لتجربة حقيقية كان قد عاشها المؤلف منذ أول رحلته المهجرية مقيما في بلجيكا .. فيما كان جميع شخوص روايته هم من أصحابه .. و قد حدثنا بدر عن ما آل إليه مصير صديقه جلال ميتا هو الآخر في واقعة تفجير الكرادة و ذلك بعد أن كان قد حاز على الجنسية البلجيكية .. و على حين غرى راح يحدثنا المؤلف عن مصير صديقة جلال أداليد التي كان قد تعرف عليها جلال في معرض للفن في أحدى فصول المسار السردي في الرواية .. إلا أنها و عند ختام الرواية أخذ السارد يخبرنا عنها عبر هذه الفقرات التالية : (سنوات و أنا أرى أداليد و قد تحولت إلى العمل الطوعي لمساعدة اللاجئين .. و كـأن الكوارث تغير من حياة الناس .. و تحرف كل اتجاهاتهم .. مقولة ربما قالها ماركس .. ولو كان الأستاذ حيا لقال نعم قالها ماركس .. و شرف أختي . / السارد / الرواية ) لعل في بعض أماكن الرواية هناك الكثير من الوحدات التي يشف عنها أمتزاج صوتي ( السارد / الشخصية ) ولعل هذا الأمتزاج المتداع هو ما غدا يمركز بؤرة الأيحاءات النفسية و الحسية و الحدثية بين صوت السارد من جهة و فاعلية اصوات اطلاقية الشخوص من جهة أخرى . و ثمة رهان دائما في عوالم روايات علي بدر على تشظي صوت و صورة السارد / الشخصية / المؤلف إلى جملة تنويعات تلتحم بالمكونات الشخوصية و في كافة أبعادها الرمزية و الأحوالية و الدلالية : ففي كل فصول رواية ( الكذابون يحصلون على كل شيء ) ثمة مزجية سحرية تختلط فيها الصور و الأصوات بسمات موجهات علاقة السارد فيها و في حالة تبدو أكثر تزامنية مع أختلافية مواقع الأدوار و مرجعية الاسترجاعات و هي في حمى اللوعة النابعة من أعماق مفارقات حكاية الشخوص المفبركة أحيانا في مساحة أفعالها و مصادفاتها و غواياتها و أحلامها اللامتكاملة سرديا و معنويا .. الكذابون يحصلون على كل شيء هي الصورة الروائية الأشد عنفا و تهكما و سخرية و حقيقة . بلى أنها رواية القصد الاستفهامي الموجه نحو قوى المواقع الحكومية الزائفة في تماثلاتها المنتشرة في كل أرجاء دول العالم الثالث .. أن النص الروائي في تجربته ينبعث من موقعية الرفض و الإدانة .. و على هذا الأمر وجدنا الكتابة الروائية في الرواية أخذت تنسج صورا بليغة عن القيم و الطبائع و الأهواء التي راحت بدورها ترحب بتلك الكائنات السياسية الساخرة من صغر و وهن ممارسات الآخرين لها بالعبودية طلبا للمال و المظهر و بلاغة حسابات الأوهام القادمة من قاع فاعلية زمن و حكمة و غول الأكذوبة الصادقة و الحقيقة المنكوبة .