23 ديسمبر، 2024 4:23 ص

قراءة في رواية العقرب على أدراج سلم محطة أنديمشك

قراءة في رواية العقرب على أدراج سلم محطة أنديمشك

النص بين فجوات زمن الاسترجاع و مونتاج السرد الاستعادي
تأليف : حسين مرتضائيان آبكنار
ترجمة : حسين طرفي عليوي
دار شهريار
مدخل :
في الحقيقة إن صورة الواقع الذي كانت تسعى رواية (العقرب على أدراج سلم محطة أنديمشك ) إلى تصويره ، كان في الأساس الأول يعود إلى جملة من التقنيات الاسلوبية (الاسترجاع / الاستباق ) الذي راح من خلالها معين واقع موجهات النص يتداخل و منظومة دلالات الحلمية و وحدات الزمن و تقنية المونتاج السينمائي ، وصولا إلى مستويات كيفية خاصة من تشيؤ حال صور الأشياء عبر حالات انطباعية القص و الوصف ، و في حدود مؤطرات مكانية متراصة عبر تواصلاتها الاستهلالية و الختامية ، فيما نجد رؤية قابلية النص الانعطافية و الانقطاعية محكومة بمؤشرات اللاخطية الزمنية في نمو و تحولات الأحداث نحو مضمون حكاية النص الترميزية الدائرية أو الإطارية . لقد ركز الروائي الأيراني المبدع حسين مرتضائيان آبكنار حول مهيمنات الموضوعة الانفصالية عن خطية الزمن و المكان بلوغا منها نحو تصوير وقائع و شخوص رواية النص ، ضمن مؤشرات و عاملية ( الشاهد / السارد / الشخصية / المونتاج / اللازمن ) حيث لم تعد الهيمنة الاجرائية الروائية في النص ارتباطا وثيقا بالمعنى الحاضري لصورة واقع مشترطات خطية إملاءات السارد و أصوات شخوص الرواية .

ـــ تجليات المكان و تعاقبات الزمن المنفرط .
إن القارىء لأحداث رواية آبكنار ، عله يعاين مدى مختزلات حضورية الواقع الزمني الاسترجاعي في مجرى السرد ، و لدرجة وصول الأمر إلى عدم تمييز خطية الفاصل الدلالية بين ماضوية الحدث و حاضرية حدوثه الزمنية .

1ــ العتبة النصية بين التأسيس و الاستهلال التضميني :
ولاشك عند قراءتنا لبداية الرواية ، نواجه فرضية المستهل من حكاية النص ، و قد جاءتنا تعريفية في الجملة و العلامة و الاستقراء الدلالي : ( الجندي مرتضى هدايتي ، من فصيل الشهر الأول لعام 1986 من مدينة طهران ، كان جالسا على أدراج محطة قطار أنديمشك ، بأنتظارهم ليأتوا و يقلونه. كان حاضنا رجليه واضعا ذقنه بين ركبتيه محدقا نحو الإسفلت و عتمة الأشجار و خضرة الأرض التي كانت قاتمة ، يأتي صوت إطلاق النار ، من هنا و هناك ، كثيفا و طلقة طلقة . / ص 7 الرواية ) يبدو إن وحدات السرد الخطابي في النص الروائي ، تحكمها علاقة تكامل ــ كعلاقة الفونيمات بالكلمات و علاقة الكلمات بالجملة ــ و لكنها أخذت تتآلف في مستويات من دلالة المونتاج الوصفي و اللاتتابع الزمني في مستوى خطاب الفصل و الوصل في مسار السرد . إذ إننا نلاحظ و منذ بدء النص ثمة حالات متقاطعة في موصولات الحكي ، خصوصا فيما يتعلق بجملة الاستهلال النصي . فالروائي أخذ يقدم شخصية الجندي مرتضى عبر مهيمنات وجهة نظر السارد العليم ، و بطريقة أخذت تتشكل من ملموسية الاقتراح الشفوي ، ثم توزيعه ــ أي الشخصية ــ في مواضع شتى من زمن الصورة السردية الحاضنة لمؤثثات فضاء المكان الأولي من النص : ( كان جالسا على أدراج محطة قطار أنديمشك ) و بهذا التحديد المكاني نواجه أحداث الرواية منذ البدء و حتى المنتهى ، بحكم كون القيمة الثيماتية للمكان هنا قد بدأت بمحطة القطار لتنتهي بمحطة القطار أخيرا . لذا سوف ندرك بعد فراغنا من قراءة الرواية ، من أن ثيمة و فكرة هذه الواصلة المكانية في الرواية ، هي من غدا يشكل كل قصدية المعنى الاستهلالي و المضموني في دورات النص الاسترجاعية ، بيد إن جميع تصويبات الأنفراط المزمن للزمن في الرواية ، كان مرجعها الافتراضي هو الانفتاح الدلالي و الكيفي المغرض في تصوير تعددية البنى النهائية الحاصلة في كابوسية مقصورات ذلك القطار المتجه حلما و ليلا نحو طهران . غير إن هذه المدركات في النص قد لا تتضح بادىء ذي بدء ، وذلك عندما يصور لنا الروائي و عبر فصول روايته الترقيمية ما قد حدث و يحدث لشخصية الجندي مرتضى هدايتي .

2ـــ الإطار الزمني الخارجي الأسترجاعي :
و بالاستناد إلى ما قلناه سابقا ، يتم استخدام الاسترجاعي الخارجي في النص ، حيث تتم معالجة محدودية البداية الروائية ، ضمن وظيفة فرض منطق التصاعد في الزمن المحكي : ( كانت عيون الجنود تلتمع ، وهم يختبئون خلف الشجيرات ، و كان الحراس الذين يرتدون جزمات بيضاء و تتدلى الحبال من أكتافهم ، يبحثون الأطراف كي يقبضوا على الجنود الفارة .. جالبين معهم مصابيح بطارية كبيرة و هراوات لكنهم بلا بنادق . / ص7 الرواية ) لعل من أكثر السمات الجمالية في بداية الرواية ، هو عدم تمييز القارىء بين مرحلة الحاضر المعاشة للحدث السردي ، و بين صورة الاستدعاء الاسترجاعي في المنسوب الصفاتي المسرود في حال الموقف الروائي . لذا فأننا كدنا أن لا نلمس أحيانا في مواقف الرواية بين حاضرية الموقف و صيغة المواقف و الشخوص المسترجعة بالإمكان و الاستدعاء .
ــ من حلم التسريح من العسكرتارية إلى زمن المطاردة .
المفارقة الحقيقة التي تخبرنا بها حكاية الرواية ، إن الشخصية مرتضى هدايتي ، بعد إن تسلم ورقة تسريحه من الجيش ، صار يواجه صعوبة عظيمة في عملية مروره عبر سيطرات التفتيش التابعة للحرس الثوري الأيراني ، والتي كانت تشكل في الشوارع و الممرات الخارجية للطرق كهيئة الحواجز الأمنية التي تلاحق الجنود الفارين من الخطوط الأمامية للحرب . نعود إلى بداية الرواية حيث يخبرنا السارد العليم بهذه الكيفية الفاصلة بين زمن محطة القطار و بين زمن إسترجاع الجندي مرتضى الذاكراتية :(مدخل المحطة كان عامرا بالأعشاب و محاطا بصفوف شجر السدر و أشجار النخيل المتراصفة . / ص7 الرواية ) و ما يمنح الفضاء الموقفي في السرد اهتماما خاصا ، هو تحول و تجاوز موقف سياق المكان ــ مدخل المحطة ــ إلى تفاصيل مبأرة من التصوير المونتاجي ، الذي راح ينقل الجندي و ينقلنا من خلاله الروائي إلى مشهد في جبهة القتال : ( ما إن تنفتح مشاعل التنوير في السماء ، حتى تتوهج أغصان النخيل و أوراقها ، من ثم تغرق في الظلام .. ثمة بندقية معلقة على أحد الأغصان ، واقفة بلا اهتزاز : قال له يا صاح سوف يأتي دورنا ! / ص7 الرواية ) .

1ــ تحول فضاء الحدث نحو الزمنية الاسترجاعية : من هنا يمكننا ملاحظة التحول في نقطة الزمن و المكان ، و ذلك يتم عن طريق القطع باللحظة السردية ، بوصفها المجال الحيوي الذي أخذت تتحرك فيه الشخصية . علنا لاحظنا كيفية انقسام الوظيفة الزمنية في بداية النص و حتى لحظة القطع الممنتجة في مواقع الحكي . الآن الجندي مرتضى داخل وحدات ظرف المكان الآني القادم من موجهات تقنية الاسترجاع للزمن الذي كان قد إعتاشه في خندق الحرب ، حيث أصدقائه الجنود يتجسدون من حوله كذكريات منقطعة و غير منقطعة ، بيد أنهم كانوا يقومون بتوديعه لأنه قد حصل أخيرا على ورقة تسريحه من الجيش : ( كان واقفا بمحاذاة الجادة الترابية ، و هو ينتظر ، عل سيارة تمر فتنقله ، على مبعدة منه رأى حبيب يحرس أمام الساتر حاملا بندقيته بأنتظار انتهاء شهره الأخير .. حبيب هذا على الرغم من شاربه المفتول ، بكى لحظة الوداع لدرجة خلف دائرة رطبة كبيرة أمام قدميه ، تصافحا و تعانقا .. فكر على غير هدى أنه يقضي ليلته هنا وغدا يغادر المكان .. لكنه عدل عن قراره ، و قال في قرارة نفسه : لا بهذه الطريقة سأكون في طهران فجرا . / ص9 الرواية ) و تبعا لهذا تخبرنا أحداث الرواية ، عن مجموعة انطباعات مرتضى و ذكرياته عن المكان الذي كان قد سلخ فيه فترة من الزمن : ( ألقى نظرة على فردتي حذائه العسكري كأنهما قدميه ، و ضحك قائلا : هل تصدق إنها بقية برجلي منذ سنتين لم أخلعها حتى في المنام./ ص9 الرواية) و بعد وقفة انتظاره للسيارة التي تقوم بنقله ، و بعد عثوره على إيفا عسكرية محطمة من الداخل و الخارج ، كان قد اجتاز الطريق المحاذي للجبهة ، و لا يخفى على القارىء زمن حواره الطويل مع الجندي سائق العجلة العسكرية ، حيث نستشف منه مدى مظلومية الجنود النازحين من الحرب وهم يسيرون حفاة على امتداد الطريق المحفوف بالجثث و العجلات العاطلة في منتصف الطريق : ( رمى كيسه داخل السيارة فوق الكرسي و ركب بمعونة عامود الباب قائلا : سيا تعال أركب ، أعطني يدك أفسح له مكانا . ألقى السائق عليه نظرة و طفق قائلا : هل أنت طهراني ؟ رد عليه : نعم ؟ أأنت قادم من الخطوط الأمامية ؟ قال السائق : آه ما كنت ، ما كنت لترى .. ها أنظر ماذا يجري هناك ! قال : و ماذا يعني ذلك الضوء ؟ قال السائق : مضت ثلاثة أيام وهم يطلقون النيران بلا انقطاع ، إلى أين تريد الذهاب ؟ قال: أن حصلت على ورقة تسريح من الجيش . ضحك السائق مرة أخرى . قال صدقني ؟ فأخرج ورقة التسريح المتآكلة الزرقاء من جيبه و أظهرها له . / ص10 الرواية ) و تخبرنا أحداث الرواية فيما بعد حول توقف السيارة العسكرية عند سيطرة ( عبد الخان ) حيث فيها تم طلب المفتش من الجندي مرتضى الترجل من العربة العسكرية : (قال سيدي هذه ورقة تسريح من الجيش .. حول المفتش البندقية إلى يده الأخرى و ألتقط الورقة .. أخذ نظرة طائشة و قال : ما هذه ؟ قال : ورقة التسريح و تصفية حساب المستودع ..هذا هو الختم أيضا .. مزق المفتش الورقة و دفعه قائلا : أذهب إلى هناك ! و أشار إلى غرفة صغيرة . قال : سيدي و الله أنا أنهيت العسكرية ؟ المفتش لم يعد يصغي له ، أدار له ظهره ، و مشى نحو السيارات الأخرى .. أنحنى و جمع الأوراق من على الأرض . أشار إليه السائق ليركب السيارة . نظر حوله بوجل : الكل يعج بصخب ، و الضابط كان يهز يده على الدوام . / ص13 الرواية ) على ما يبدو من ظاهر الأحداث و كلام السارد ، ما يشير إلى إن المفتشين و الضابط كانوا يظنونهم من الجنود الفرار من الحرب ، و هذا الموقف بدوره ما جعل الجندي مرتضى ، يغوص في فضاء من التداعيات الاسترجاعية التي تختزل حياته الاحوالية عندما قام بتصفية حساب المستودع و ذمة أغراضه العسكرية إلى ضابط المستودع ، و هذا الاسترجاع بدوره الفني راح يدفع بالشخصية إلى تذكر عدة ذكريات و حوارات كان قد قضاها مرتضى مع زملائه في الخطوط الأمامية .

ـــ سمة الاسترجاع المتعلق و بنية الزمن المنفرط .
و بعد تعرفنا على هوية الأحداث و الشخصية المحورية في الرواية ، علنا لاحظنا في كثير من الدقة و العناية كيفية وقوع مستويين من الانقطاع الذهني عن الحدود اللحظوية الحاضرة من السرد ، و كيفية اندغام الشخصية المحورية في تداعيات ( اللازمن ) المتعالق بين التباسية الواقع الحاضر و بين اللاشعورية القرائية لمجرى ذلك اللاتوحد في نسق عضوية الزمن و المكان و الشخوص .

1ــ نوازع الذاكرة و منتقى مخارج اللاشعور :
نستدل بأن فضاء الحوارات و رحلة مرتضى عبر مقصورة القطار الصاعد إلى طهران ، و حتى لحظة وصوله الواهن إلى محطة قطار أنديمشك ذاتها ، كانت أشبه بحوارية التخييل بأطياف عودته إلى أهله و لقياه لوالديه ، و كل هذه المواقف الحلمية التي تمر بالشخصية مرتضى ، أخذت تدار من قبل إرادة و فعل و وجهة نظر و هيمنة السارد العليم في الشكل المباشر ، كحال وقائع هذه الفقرات من الرواية : ( يأتي مأمور القطار . يسأل هل أنت فراري ؟ تجيبه لا . أظهر له ورقة التسريح ! في الكيس .. أنها ممزقة .. لقد مزقها ذلك الحارس ، عند سيطرة عبد الخان . مأمور القطار رجل طيب .. يذهب . ططق .. ططق .. تنظر من النافذة . الممرات فارغة ، ما بوسعك مشاهدة ما في القطارات .. تتألم قدماك .. تراودك فكرة الذهاب إلى الداخل و النوم في الممر .. لكن يبدو أنك أنتصبت متيبسا هناك .. ططق .. ططق .. ططق / ص66 الرواية ) إن التواشج بين لسان الحال للشخصية و اللقطة السيناريوية المونتاجية ، تبدو في ثنايا الحكي المعروض بالمسرود ، علاقة قائمة على أساس نمو الزمن و تصاعد الزمن ( ططق .. ططق ) بل هي علاقة فضائية تتابع من خلالها عناصر مجملة : الزمن + علاقة السرد + آليات الحكاية + تجميع الاسترجاع + ثيمة الرؤية ، و يبقى الصوت الزمني في مؤثثات المكان متمحورا حول علاقة التشكيل و الكشف و سياق التصاعد في زمن المونتاج . فالشخصية مرتضى الجندي يظل يستشعر حركة تقديم حالات زمن لغة القاطرة في صعودها ، و ذلك ضمن تسليط الضوء من السارد العليم حول خاصية استنطاق الأشياء الخاصة بالمكان حول الشخصية : ( عندما يتحرك القطار ـــ تحس بالظلمة ـــ و يبقى كل شيء خلفك ـــ أنت ترحل و هي تبقى . / ص65 الرواية ) و تبقى المادة الاساس في تعامل الشخصية مع مقايسات فضاء المكان في القطار ـــ وفق قصدية استباقية ـــ في توجيه فعلها المونتاجي المحمول بترتيب مراحل اللازمن و صوره و حقيقة تقطيعاته اللقطاتية المتحققة على لسان حال السارد الواصف ، و ذلك بقصد الإفادة الاشارية الخاصة بموقفية حالات الشخصية في السياق المسرود من النص .

ـــ بنية كاميرا المسرود و المسار الحلمي للزمن .
و دون اللجوء الى خطاطة لضبط الشكل الزمني ، يمكننا التوقف على مدى انفراط حال وحدات الزمن . فالزمن في مقصورات القطار ، أضحى لنا تواريخ حلمية متداعية تحكي تفاصيل علامات محكي الشخصية الفاعلة في النص ، و ذلك بموجب أمكانية حال صوت السارد العليم في الروي ، و الذي راح يصف لنا سقوط عاملية الزمن الارتدادي في ثنايا لحظة عاصفة و موازية لعلاقة رحيل الشخصية مرتضى إلى طهران : ( كانت الدماء تسيل من شقوق القاطرات .. فتنسكب على القضبان الحديدية .. مر أشكان راكضا من أمامه . صرخ : سيدي ، هذا القطار يقطر دما ! يفيض النزيف على الأرض و يولد بخارا .. المكان مليء برائحة الدم و الحديد . / ص63 ص 64 الرواية ) في هذه اللقطات السردية ، نلاحظ حركة الكاميرا على هذه الوحدات من داخل المتن السردي ، حيث غدا منظور القاطرات عبارة عن بنية رمزية أخذت تكشف لنا مدى مأزومية صورة الحال في زمن الحرب . و بهذا التقديم لصورة السرد ، نعاين كاميرا السارد / الشخصية وهي تقوم برسم و تصوير دقيق للمسار اللازمني المتسرب من خلال فضاء هيئة الانتقال من المنظور إلى حركة داخل غرف الجنود القتلى في زوايا و بواطن المقطورات المظلمة : ( كان الجنديان اللذان يضعان الكمامات البيضاء .. ينزلان بمحنة من القطار .. كانا يقذفان الموتى في عتمة و يعودان إلى القطار من جديد / الأوضاع متدهورة .. ساحة الحرب نصفها ملوث .. القنابل الكيمياوية تمطر من كل صوب . / ص64 الرواية ) بعد ذلك تأتي اللقطة الرمزية في سيناريو السرد ، لتنقل لنا محيط المكان / محطة القطار ، مصورا الروائي على حال لسان السرد ، صورة الحرب على المدى الترميزي ، و كأنه بهذا الوصف راح يختزل و يخلص لنا ثيمة العنوان الروائي ، و ليمنح دلالات الرواية تلك الاستجابة الطباقية للموت الحاصل ، ليس فقط من جهة القذائف الكيمياوية حصرا ، و إنما حتى من جهة تلك العقارب المتمثلة بكناية هيئة شخوص الحرس الثوري ، التي كانت تزهق أرواح الجنود النازحين من الحرب خوفا و وجلا ، حيث كانت تتربص بسيول دمائهم المنسابة تلك العقارب الضارية على أدراج سلم محطة أنديمشك : ( عن مسافة بعيدة بالقرب من شجرة السدر .. كان حارسا يضرب بهراوته على يافوخ الجندي الذي كان جاثيا .. يضرب على يافوخ الجندي الذي بات ممددا على الأرض .. سالت الدماء من تحت خوذة الجندي و مشت .. مشت .. حتى وصلت إلى الأدراج .. تسمنت الادراج و أحتبست في الدرج الرابع قرب قدميه .. تقرب العقرب .. فوقف على حافة الدم . / ص55 الرواية ) .

ـــ الصناعة الروائية بين التوازن الفني و خلفية الفن القصصي .

لعل من أهم سمات و منطلقات رواية ( العقرب على أدراج سلم محطة أنديمشك ) هو معالجتها للفارق الزمني الواقع بين الوجود الواقعي و التمثيل الذهني ، معتمدة في ذلك على مرتكزات تقنية الاسترجاع و تقنية الاستباق أحيانا ، و لدرجة وصول أشكال الزمن إلى هيئة تجسيد آليات منفرطة و سيالة و متشظية ، وهذا هو الأمر الحاصل في ماهية حقيقة زمن الرواية ، مما جعلها تبدو في مجمل أحداثها ، و كأنها أيقونات حلمية كابوسية متقطعة من خلال ناتج التحويل الدلالي و الارتدادي الى الوراء السردي ، السبق دائما عودة الى المظهر الماضوي المستعاد بطريقة المونتاج و التداخل التقطيعي بين خطوط العرض و المسرود الاحداثي في النص . و كان أهم ما قامت بتوظيفه الرواية ، هو ذلك التحوير و الاستشراف و التنافذ الأجناسي بين أدوات النص الروائي و خلفية مكونات النص القصصي القصير ، و من هذا المنطلق لفت انتباهنا توافر سمات و آليات الفن القصصي في بنية الرواية ، خصوصا فيما يتعلق بخاصية الاسترجاع الداخلي ، و إخفاء الاحداث ثم تقديمها و تأخيرها ، و إخفاء بعضها تمويها على وعي المتلقي . إن الاسترجاع الداخلي في القصة القصيرة ، يقوم عليه المونتاج السردي ، بما يجعل النص حمالا للعديد من الإيحاءات و القصديات المحتملة و الرؤى المتغايرة في العرض و السرد . في حين نجد الحال في الرواية معتمدا على وظيفة الاسترجاع الخارجي ، حيث يقوم الاسترجاع نفسه على اظهار ماضي الشخصية التي غابت لفترة ثم عاودت الظهور، أو شخصية تظهر لأول مرة في الحكاية الروائية . في حين أننا وجدنا بأن البنى الإجرائية و التقنية الأشد تكثيفا في رواية الأيراني آبكنار ، هو ما معمولا بها في مجال القصة القصيرة تحديدا .

( تعليق القراءة )
من خلال نقاط دراسة مقالنا حول رواية ( العقرب على أدراج سلم محطة أنديمشك ) للقاص و الروائي الأيراني المبدع حسين مرتضائيان آبكنار ، و التي قام بنقلها عن اللغة الفارسية إلى العربية المترجم حسين طرفي عليوي ، حاولنا إبراز و كشف و تحليل آليات الزمن في مكونات رؤية النص الروائي المقارب في صنيع أدواته بالفن القصصي ، لا من حيث الطول و قصر مساحة الصفحات في النص إطلاقا ، بل أننا وجدنا هناك علاقة تشاكلية خاصة موصولة التجنيس بين صناعة الرواية و خلفية الأدوات و التقنيات القصصية في رواية آبكنار . على أية حال تبقى تفاصيل و موضوعة و رؤية هذا النص السردي الثمين ، من أجلى و أسمى ما قرأنا في الأدب السردي الفارسي المترجم ، فهذا القاص و الروائي البديع تميز في تقديم إجراءات عناصر النص ، من ناحية الأحداث و الشخوص و صنع الفجوات الزمنية عن طريق أحداث منقطعة في حصولية الزمن الحقيقي في مسار رواية الاسترجاع المونتاجي و ذروة اللازمن السردي الاستعادي المؤثر .