18 ديسمبر، 2024 7:40 م

قراءة في رواية ( الجريمة ، الفن ، و قاموس بغداد )

قراءة في رواية ( الجريمة ، الفن ، و قاموس بغداد )

للروائي علي بدر
( يوتوبيا الخواجات في قاموس الأسرار الملحمية )

لم تعد قيم المعالجات في نمط روايات الميتاتأريخية تشكل بذاتها حزمة تلك الأصوات الميثولوجيا و التي تخرج من بواطن حبكتها تلك الرؤية التسجيلية الباردة التي من شأنها طرح عاملية المواقف و الرؤى و المحاور و الأخبار إلى عتبة نهاية توثيقية واهنة .. بل أننا وجدنا على العكس تماما في رواية ( الجريمة ، الفن ، و قاموس بغداد ) للروائي علي بدر .. إنها باختصار شديد رواية الميتاتأريخية التي راحت تسخر كل معادلاتها الواقعية و المخيالية وفقا لتقنيات أخذت تقدم النص السردي الحداثوي التنصيص بموجب خطاطة الملحمة الدرامية التي أخذت تملي على أجواء النص ذلك الأساس الاستعاري المشدد في مساحة اللقطات الأزاحية و التكثيفية و المتماهية و الخرافية في القادم من مجالية امتلاك الروائي لخاصية المؤثر الفاعل في نمو توقعات رؤيته السردية و التي تميل نحو رؤى الأمساك بتفصيلات المتصاعد من صراع حياة أفراد الطائفة الخواجية مع تصاعد وتيرة حدة عساكر السلطانية وثلة القضاة و الفقهاء .. إنها ببساطة رواية تجسد وجهة نظر المؤلف المنحازة لموقع الطائفة الخواجية في كافة تشعباتها العقلية و الروحانية و الخرافية مع عنصر توزعات شخوصها نحو تمثلات تطهيرية تناولت الأحداث في زمن صعود الحس اليوتوبي لدى أفرادها كتركيز أسراري و علني في غربتها و مغامرتها في

جمع فصول رسائل أخوان الصفا . و من خلال الفصل الأول الموسوم بـ ( من أوراق الخواجة نصري عن قاموس بغداد ) تتضح لنا سمات الشخصية الناطقة أو الشخصية القولية للسان شكل الحكي السردي في الرواية . حيث تعد هذه الشخصية بمثابة الضمير المتكلم أو الضمير الشاهدي و الموقعي لحال حضورية سيرة الأحداث الموضوعية في العملية العلائقية لمستوى طرح رسمية النص المنطوقي و الأفهامي المتداول مع ظهور رقعة وسائل الأتصال المروية تبعا لموقعية زمان الحدث و الصورة المخطوطية في فضاء المكان السردي .

( بيئة النص و تسليط الضوء على حياة الشخصيات)

من أبرز فصول و عتبات أحداث الرواية هو تسليط الضوء على سيرة الخواجة نصري و الخواجة عماد و الخواجة عباس و الخواجة سنان و كيفية العمل على صيانة إعداد فصول ذلك الكتاب المقدس المسمى بـ ( قاموس بغداد ) في هذا الكتاب اليوتوبي المنحى تتركز فاعلية وحقيقة المدينة الفاضلة لبغداد و هنا نترك القول للرواية : ( أن عمل الخواجات كما أراد الله بالنسية للطائفة الخواجية يثبت أن المدينة الفاضلة هي مدينة ممكنة .. و أن البناء هو البديل عن عتمة هذا العالم .. و الأمل في مواجهة اليأس و النفي المطلق لتضخيم الكراهية و نتائج الخراب ونهاية للضغينة و التعصب .. و هؤلاء البناءون و الصناع من فلكيين و خيميائيين و أطباء و موسيقيين و شعراء في عهد العباسيين و عهد السلاجقة و عهد البويهيين و عهد الأليخانيين هم الذين أطلعوا بهذه المهمة وهم الذين أرادوا أن تكون بغداد فاضلة لا بقببها و مدارسها و نقوشها و مذهباتها و مساجداها و قصورها أنما بأخلاقها العظيمة . /الرواية)

( فاعلية التوظيف و معالجة رؤية الصياغة )

على الرغم من وضوح اتجاهات النص الروائي وحقوق قضاياه الأصلاحية التقدمية من قبل الطائفة الخواجية غير أنه في الوقت نفسه يلاقى بشديد الرفض و الإنكار و الكراهية و الضغينة من طرف سلطة القضاة و الفقهاء و الحرس السلطاني . و قد قام في غضون مكونات هذا الشد الدرامي الشاق الروائي على كشف مشروعية مجسات الخواجية في حكاية الرواية و كيفية وصول نزاعها حتى مع أقرب خواجات الطائفة و الذي كان يتمثل بشخصية الخواجه سنان و ما قد شيع عنه بأنه المسبب الأكيد في أنهيار فردوس هذه الطائفة و ذلك بسبب تسريبه لأسرارها القاموسية المكينة في لحظة كانت الخواجية في الطائفة تتكتم على سرانية طريقتها في حفظ كتاب بغداد المقدس و على نحو يمكن وصفه بالكائن الملكوتي الأعظم لهذه الطائفة . إذا نحن في رواية علي بدر نعاين مجريات المباحث الخواجية عن يوتوبيا المدينة الفاضلة و الأنسان الكامل . و عند ولوجنا القرائي نحو لعبة ( الميتا سرد ) نلاحظ بأن الطائفة الخواجية من حيث الكيفية المهنية كانت تشكل أعلى مستويات تفعيل المقاومة الضدية إزاء طبقة القضاة و الفقهاء و السلطة حينذاك .. بل أنها أي الخواجية راحت تملك أعلى درجات المقاومة لنبذ افتراءات و أكاذيب السجل القضائي و الفقهي و ذلك بالكشف عن الحيز السراني لقاموس بغداد . أن الحد القاهر لفئة محاولات القضاة للحصول على ذلك الكتاب و بأعلى الأثمان ذلك لأنه كان يشكل بالنسبة لهم ــ أي القاضي عبد الرحمن ــ تحديدا ذلك الزخرف بمحاسن الدنيا و الركون عن حقيقة عالم الملكوت الرباني الخالد . و الحديث منا عن فصول رواية ( الجريمة ، الفن ، و قاموس بغداد ) يتطلب منا توضيحا كيفيا لتحديد هوية المطلوب الغائي من دال ( الجريمة ) أولا ثم بدال ( الفن )

ثانيا و ثالثا بدال ( قاموس بغداد ) . في الواقع أن القارىء لأحداث الرواية لربما يواجه ثمة مراحل مثيرة في الوحدة العضوية التي أسهمت في بناء نزوعات الحكي في النص بدءا بعتبة الفصل الأول المعنون بــ ( الجريمة ) و التي نستدرك من خلالها دخول الشخصية الخواجية نصير الى مجلس الخواجة عباس أبن محمد الطغرلي حيث قال له و بصوت خافت : ( أطعنه ؟ ) و من هذه المنطقة الأولى في عتبة هذا الفعل نستعلم وحدة دلالة ( الجريمة ) في وحدات النص الإجرامية المتشعبة كحال مصرع الخواجة عماد على أيدي سلطة القضاة . أما المعنى أو الشق الثاني من دال الفن فقد كان يتركز بمواهب الصناع و الفلكيين و النقاشين وأهل الحرف في الطائفة الخواجية التي تم غبابها و افتلاعها تماما في أواخر الحقبة العباسية كما أخبرتنا بذلك مقدمات الرواية و بأسباب تتعلق بطرائق عناية خواجاتها بكل ما هو زخرفي / دنيوي و هذا الأمر ما كان بدوره محفوظا في رسائل أخوان الصفا و التي كانت تشكل بدورها أحدى أهم فصول قاموس بغداد كتمهيدا ملفوظيا لمحاولات إنشاء تلك المدينة الفاضلة .

( الرواية / الماهية / السياق )

أ: ــ المرجع / النص

في رواية ( الجريمة ، الفن ، و قاموس بغداد ) يشغل المرجع النصي فيها اطارا ميتا تأريخيا راح يدون بوساطة تحققات العلاقة السير ذاتية للشخوص بالمقابل من حالة الوظيفة المروية للشخصية الناطقة و المتمثلة بالخواجة نصري . فهذه الشخصية في الرواية بمثابة ذلك المؤشر الحكواتي الذي يستقدم و يستأخر تفتح و انغلاق تموقعات وتموضعات الحكي في تجربة فضاء زمكانية أصوات

الشخوص الروائية و تحديدا في مرحلة صنيع أحداث و مسارات دلالات الرؤية للكاتب الروائي . و نص الرواية عند حال تتبع مراحل مكوناته الاستطرادية راح يظهر لنا وفقا لهذه الثنائية : ــ 1ــ المرجع / النص 2ــ التعاقبي / التزامني 3ــ السيرة الذاتية في المكان الذي فيه يحدث تقاطع الرؤى و محاور صراع الأقطاب المتضادة . فالنص كما نفهم من عنوانه و محاوره الثلاثية يجسد حالات الصراع بين طائفة الخواجية و سلطة القضاة و الفقهاء وصولا الى اغتيال رئيس الطائفة عماد وتشريد أعضاء الطائفة التي تتشكل من مجموعة خواجات تحتفظ بالولاء الدائم على صيانة أسرار ذلك الكائن الملحمي المسمى بقاموس بغداد . في الحقيقة أن دلالات رواية علي بدر ليست كشاكلة أعماله الروائية التي قرأناها بل أنها رواية راح يغلب عليها الطابع الخاص من الفراده و الاستثنائية الفنية الآخاذة . و بأي حال من الأحوال يبقى حضور هذا الروائي ضمن العلامات البارزة في السرد الروائي العراقي و العربي . مما جعلنا ننظر الى روايته هذه بعين التمايز و التفريد دون أعماله الروائية الأيروسية الأخرى لاسيما و أنها أخذت تتموقع داخل قراءة نصانية متعددة المشارب و الأساليب الإدائية و التخييلية الساحرة . و على هذا الأمر نعود للحديث عن أحداث رواية علي بدر موضوع دراسة مقالنا لنستوضح من فقراتها و مشاهدها السردية كيفية العلاقة بين نصية التخييل و نصية الوثيقة الميتاتأريخية و من يكتب سيرة و فصول قاموس بغداد و من يتخلى عنه .

ب :ــ الأفتتاحي من ذخيرة صورة سياق النص :

تأخذ التعريفات الدلالية في كتاب قاموس بغداد حيزا كبيرا فهو الدليل المهيمن على العالم الخواجي في هذه الطائفة بدءا كما قلنا

سلفا برئيس الطائفة عماد و عباس و سنان و نصري و آخرون ممن ستتضح علامات مواقعهم النسبية و ذلك من خلال استعراضنا لبعض من فقرات و تنصيصات الرواية . فيما يؤكد الفرع المعنون بـ ( مقدمات عن قاموس بغداد ) ذلك الأهتمام بحالات و دقائق و ظلال مكونات و موجهات و سياقات هذا الكتاب و هنا نترك الحديث للرواية : ( هذا القاموس ليس كتابا جامعا لفنون بغداد و قصة في خلقها و اساطينها فقط ..أنما هو فن مطلق لا يعتريه عيب أو نقص .. أراده الخواجات أن يكون بنسختين : واحدة للعامة و أخرى للخاصة .. فالنسخة المقدمة للعامة هي التي تشمل على معارف بسيطة و جزئية و مقدمة الى قراء من خارج الطائفة .. ولا تخرج هذه النسخة على الدين الشعبي ولا تحرج الحكام .. أما نسخة الخاصة فهي النسخة التي لا يفوقها مؤلف في الجلال و المهارة .. مكتوبة بلغة رمزية هي مزيج مذهل بين الرياضيات ولغة الموسيقى .. ولا يداولها إلا من هم داخل النظام . و تدور حول البناء الروحي لبغداد و كل أفكارها مستمدة ببراعة من المضلع الروحي لرسائل أخوان الصفا .. حيث كانت الرسالة الثالثة و الخمسون المفقودة و التي عثر عليها بعد مئة عام هي الملهم الأول في كتاب هذا القاموس . / الرواية ) يتبين من الرواية بأن هذا الكتاب يحمل في صفحات رسائله و وصاياه الروحية مذكرات عديدة محفوفة بالسيجالات و الخصومات التي تخص الطائفة في وقائع تواريخها القديمة .. فيما يتطرق هذا القاموس على ذكر حيوات علاقات أعضاءها السرية و قواعد أصولها العرفانية و طلاسم و مخطوطات بناءات مدينة بغداد الفاضلة و التي كانت تشكل أتون الأهمية من محفوظاتها و رسائلها الغائية في مقصدية مضمونها المفصلي و الأجمالي . إذ توضح الرواية بمعرفة الخواجة عباس أحد عقول الطائفة و ذلك لبيان العلاقة الميثولوجية

بين موقع حياته كخواجة مفكر و عقائد الخوارزمي و السلسلة الذهبية للفلاسفة الفيثاغوريين أو ما يقال عنه في الحياة الأسلامية بالمجموعة ( الجابرية ) مما جعل ( أمر رسائل أخوان الصفا عظيمة / الرواية ) و تبعا لهذا الأمر كانت عقول الخواجية من تلك الطائفة تتنفس من ريحانة الموارد و المصادر و الإحالات الفيثاغورية و الجابرية المحفوفة باللامعات المعرفية الكونية الشاملة . هذا ما تخبرنا به أحداث الحكي السردي في الفصول الروائية و التي تتحدث أيضا حول علاقة الخواجات الملحمية حول قاموس بغداد و هنا الحديث للرواية : ( أما قاموس بغداد فهو موسوعة علمية ذات طبيعة فيثاغورية الميول مقدسة بأسلوب رياضي و تحاكي الكتابات الجابرية العظيمة .. فجابر أبن حيان الكوفي ــ و نحن نسميه ــ الخواجة جابر قد كتب رسالة سرية وصلتنا عن طريق سلسلة المريدين ــ قال فيها بأن ما أراد تقديمه للمسلمين هي معارف حكماء الأغريق و خاصة معارف فيثاغورس و أبولونيوس التياني ــ بالينوس ــ و ليس هذا فقط قدم لنا الخواجة جابر حكمة اليمنيين القدماء التي قيل أنه أخذها عن حربي الحميري ./ الرواية ) فيما بعد تطلعنا أخبار الخواجية عن قاموس بغداد من أنها قد أفادت من مناهل العلوم الهندوسية إذ أنها أي الطائفة كانت تؤكد تعزيزها بالمجموعة الجابرية حيث تضم أعدادا من المكونات ذات الفرق القواعدية الفيثاغورية و الهرمسية و هناك من الأفكار المنسوبة الى الفرس و الهنود و الصينيين : ( فالقاموس ربما هو الموضع الذي أختاره الله ليشيد عليه خواجات بغداد مخيلتهم و لكي يؤسسوا لأهل بغداد مدينتهم المثال كما هي مخيلة الجمال الطلق ــ جميلة كما هي في ذهن صانع الجمال . / الرواية )

( البنى السردية لسلطة الرؤساء الثلاثة )

إذن تتشكل البنى السردية للرواية من ثلاث مكونات مركزية هامة هي شخصية الخواجة عماد الدين أبن أبي النقاش و الآخر هو الخواجة عباس الطغرلي وصولا الى الخواجة سنان أبن ميمون ــ و هؤلاء الثلاثة من أضحى يجسد منزلة من المنازل العليا في الفن و الحكمة و البرهان في محضر يقين الطائفة . كانت غاية الطائفة كما تخبرنا الرواية هو الولوج نحو أواصر حصون البناء و الفن و الحكمة و تشييد مقامات العدل و السلام . فيما كان يترتب في الوقت نفسه على العضو العامل فيها أن يواجه ثمة امتحانات و اختبارات شاقة تبعا لحياة صعبة عليه أن يمارسها ذلك العضو حتى يتسنى إليه بالمقابل عملية تفويضه الروحي الى منزلة تقترن بمقامية الآلهة على حد قول الرواية أي بمعنى ما هو حالة بمثابة سفينة النجاة السارية نحو ضفة الخلاص مما يسهل أمر البلوغ نحو بناء تلك المدينة الفاضلة و انشاء مقومات ذلك الأنسان الكامل .

أ: ــ الراوي / المروى / المروى له :

فإذا نظرنا الى العلاقات التي تربط الخواجات الثلاثة في قرار حاكمية الطائفة لوجدنا ثمة علائقية ربطية بين هذه الاقطاب الثلاثة بدليل أن كل شخصية مكونة لا تتحد أهميتها إلا بوجود الشخصية الأخرى . أنما هي علاقة أقرب ما تكون إلى وظيفة المروي / المروى / المروى له . و بالمقابل أيضا من هذا نجد بأن كل من هؤلاء الخواجات الثلاثة لا تتحدد أهميته أحيانا إلا بذاته . أنما بعلاقته مع ذاته سرا و بالمقابل أقول بأن هذه العلاقة الثلاثية تبدو أحيانا متلاصقة و أحيانا بعيدة على حين غرى .. أن دور الرواي في هذه العلاقة الثلاثية يندرج حينا و من خلفه الكاتب الضمني

داخل حيثية مراوية تتخذ لذاتها وضعا ارساليا بين هوية المروى و هوية المروى له و حينا تبدو صورة هذه العلاقة الثلاثية غيابا بين التوفيق و الاختلاف و هنا الحديث للرواية : ( و علي أن أقول الآن ببهجة غامرة رغم الحزن الذي يعصر قلبي أن قاموس بغداد المقدس قد نجا من الفتنة الكبرى .. الفتنة التي ذهبت برقاب زهرة شبابنا أما حزني العظيم الذي لا يزول بسبب خيانة الخواجة سنان التي أدت الى مقتل الخواجة عماد الدين و أكثر مجلس الخواجات أيضا و قد أختفى الخواجة عباس الطغرلي بعد أن نجا من موت أكيد . / الرواية )

( تعليق القراءة )

هكذا راحت تتضح حلقات الفصول النصية من راوية ( الجريمة ، الفن ، و قاموس بغداد ) على إيقاع الزمانية اللاخطية و المكانية المتركزة في المحك الوظائفي الدال في مؤشرات الواقعة السردية المركزة . ففي مكونات هذه الرواية تقع قدومات حدثية خالصة لأنتاجية ما لا تتضح مستقراتها إلا في أفق مواضعات بنى سردية خاصة بوظائفها القصدية . فالروائي راح في نصه يمنح القارىء خلاصات منوهة تستدرك من وراءها موضوعة الرواية بكاملها و دون بلوغ حتى مرحلة القراءة بصبغتها المضمونية الأخيرة . فهو و منذ البدء أعطى القارىء مضمون الرواية مع أيضاح مواقف و حالات الخواجات من القاضي عبد الرحمن و الفقهاء و الحرس السلطاني مع إعلان مصرع الخواجة عماد تنكيلا على أيدي ما يسمى بالحرس السلطاني فضلا عن أخبارنا بخيانة الخواجة سنان للطائفة الخواجية و الذي كلف الخواجة نصري بقتله بناءعلى طلب من الخواجة عباس و هنا الحديث للرواية : ( كان باب الحجرة

مفتوحا و لجته .. فجأة رأيت جاريته واقفة على حد الباب الخشبي الكبير و ظهرها متجه نحو الشباك الذي يكشف بعض الطريق و حين صرت في مواجهتها ردت فضلة من خمارها على فمها .. كانت غارقة في دموعها .. فسألتها عن الخواجة سنان بكلمات مضطرة و متلعثمة لم تجبني بشيء مفهوم .. غير أن عينيها كانتا مغرورقتين بالدموع :ــ ثم قالت لي بصوت أجش حزين أنه هناك .. هناك .. أين ؟ / كانت الدكة الكبيرة مفروشة تحته و خلفه حوض كبير من الماء الساخن يتصاعد البخار الأبيض منه و مع البخار تضوع رائحة طيبة في فضاء الحجرة كلها ..نظرة ألي بعينيه الغائرتين و بشفتيه المرتجفتين تمتم قليلا و طلب مني أن أجلس عنده / و جلست على الدكة و قد حاذى جانب من فخذي رداءه الأبيض في تلك اللحظة بدأت أراه جيدا / كان وجهه الشاحب جميلا شعره الطويل ينسدل على كتفه و لحيته الطويلة تنحدر على عنقه كان يتنفس بصعوبة و عيناه تذهبان يمينا و شمالا وجهه شاحب متعرق و هناك زرقة على شفتيه : ــ و لكن ماذا حدث ؟ ماذا حدث قلت له .. سكت قليلا و قال لي : ــ لقد بعثوك لتقتلني أليس كذلك ؟ … ــــ أعرف ذلك و كنت أنتظرك ألا أنهم لم يطيقوا صبرا فبعثوا شخصا آخر لقتلي قبل وصولك .. لأنهم ما كانوا متأكدين من تنفيذك للأمر .. لقد طعنني في خاصرتي …. ـــ لماذا خنت الطائفة ؟ .. ــــ لم أخن أحدا .. ما قلته كان صحيحا .. ـــ كيف ؟ سألته فقال لي : الأسرار .. فهمت أراد أن يقول أن الأسرار تجعل الناس تفكر بأخطار و مؤامرات لكن لم يفهمه أحد . / الرواية ) . يبدو لنا بأن نهاية رواية علي بدر قد حلت حلولا كبيرا في شخصية ( اللاموقع ) أو في تذويب هوية الشخصية المركزية المموقعة فيما بقيت موقعا قوليا يترك أثره في محورية أصوات الخواجات الموقعية المتفرقة . فالروائي بدر أقدم على جعل وظيفة

( تحييد الراوي ) فلا يبدو هناك مثالا للبطل المحوري في الرواية .. بل هناك تحديدا موقعية متحركة لمختلف الأقوال و الأصوات الروائية الصادرة لمحا عن هوية الراوي الشخصية و الذي غاب سعي صوته في مدارج أصوات الطائفة و في مجلى أتفاقاتها و اختلافاتها ليصل السياق الروائي نحو غايته المرتبطة بلبوس موقعية يوتوبيا حكاية الخواجات في قاموس أسرار بغداد الملحمية الكبرى .