23 ديسمبر، 2024 8:57 ص

قراءة في رواية ( الأنوناكي ) لميادة سامي

قراءة في رواية ( الأنوناكي ) لميادة سامي

الفضاء الروائي بين تأريخانية المفترض وغبطة السرد العجائبي
توطئة :
أردنا أن نقدم واقع العلاقات السردية و وحداتها و وظائفها من خلال قراءتنا إلى رواية ( الأنوناكي ) للروائية الواعدة ميادة سامي في تجربتها الأولى في كتابة الرواية تمهيدا ، أردنا في هذا المقال تقديم قراءة نقدية تهتم بمنظور أبعاد المقاصد المدلولية الحاصلة في أتون فاعلية وحدات موضوعة الرواية ، بعيدا عن حيثيات حرفية الموضوعة في مفرداتها التأليفية ذاتها و ما يترتب عليها للأسف من إقحامات عشوائية في مجال بناء و أسلوبية كتابة الرواية إجمالا ، مما خلف إخلالا كبيرا بماهية العلاقة العضوية داخل وحدات بناء النص الروائي . أقول بادىء ذي بدء ، إن القارىء لوظائف و مكونات رواية ( الأنوناكي ) قد لا يتردد برهة واحدة من الشك بأن مشروطيات هذا النص مستقاة من خلال أواصر مرجعية واضحة تحديدا ، ولكن تبقى التطبيقات الإجرائية و التبئيرية و الاسلوبية في منحى هذا الفضاء من موضوعة النص ، و كأنها نزهة وهمية اصطنعتها مخيلة الكتابة لدى الروائية في حدود مفرطة و مسرفة من وحدات خطوط المعقول و اللامعقول .

ـــ اليقين الروائي بين الممكن و اللاممكن الوجودي .
تطالعنا عتبات رواية ( الأنوناكي ) بمنعطفات و وقفات فصولية و فرعية شبه متوحدة و متفارقة من حيث العلاقة العضوية المرسومة ما بين دلالات مساحة البدء و المنتصف و النهاية ، فمثلا نواجه في القسم الأول من عتبة النص ، ثمة مقدمة عتباتية جاءت تحت عنوان ( الصامتون / الأنوناكي ـــ القضاة السبعة ) و عندما نطيل الأمعان القرائي في صدد قصديات هذا الفصل ، نعاين بأن الإرادة التأليفية قد أتخذت لذاتها عوالما شبه عجائبية ، تتكون من مخلوقات الأنوناكي البشرية ، و التي راحت تعوم داخل صياغات غريبة من الأسباب و المسببات اللاوجودية و اللامادية تماما ، لتبقى وظيفتها داخل أحياز ذاتها و في ذاتها ضمن ذلك الاطار من الزمن و المكان المرجعي اللاممكن و الممتد من حكاية الحقبة الآشورية و السومرية و البابلية وصولا إلى حياة الشخوص السبعة داخل مستوطنة بغداد ، فيما تبقى شخوص الرواية في حدود علامات رمزية ميثولوجية ، من شأنها تصفح مقايسات العوامل الممكنة و اللاممكنة من أدلة الفاعل الوجودي الواضح ، و الذي نادرا ما نجد له من علاقة واجدة داخل موجهات حقيقة و برهانية النص الروائي ، اللهم إلا في حدود مواقع اعترافية ، جاءتنا على هيئة حكي حوادث الشخصيات في ماضي حياتها قبل وقوع عملية الأنشطار الزمني و تفرق حاصلية الأكوان داخل مملكة ذلك المخلوق الذي يدعى الظل أو السيد المبجل على سطح كوكبه المسمى نيبيروا .

1ــ الفاعل الذاتي و معادلة تعاقب الأزمنة :
تتبين لنا مواقع السارد المشارك ، من خلال مواقع حيادية ، و ذلك لأرتباطه العاملي في محكي السرد الاستشرافي ، إذ أننا نجد من جهة ما حيلولة السارد السرودية تتمثل في موقع شخصية ثنائية ( الراوي المحايد = السارد المشارك ) فيما تواجهنا من حهة أخرى موقعية استدلالات السارد المشارك من خلال محاور وظيفية خاصة في الحكي : ( الناظم = الخارجي = الداخلي ـــ الخطاب الروائي = زاوية الرؤية ) أما وحدة الحكي في النص فتقدم لنا صورة الممارسة السردية داخل حدود ( الحكي من الداخل = الحكي من الخارج ) و تبعا لهذه الوظائف العاملية ، يوظف الخطاب المنقول بما يلاءم صيغة و وظيفة السارد المشارك ، كوحدة ادائية خاصة ، تتنامى من عبرها خاصية الأفضية المكانية و الزمانية والشخوصية ، رصدا لتفاصيل معادلة تعاقب الأزمنة في السرد و الوصف و التبئير ، و في إطار صيغة هذا التوظيف من الرواية ، نقرأ ما جاءت به من فقرات أولى من زمن النص : ( إن الأرض هناك في وادي الرافدين .. أرض طاهرة و مقدسة ولا تحب الغرباء .. فإن دنستها ضباع البرية الضالة .. أنتفض التراب و أرتجف سعف النخيل .. و استحال الطين إلى مخلوقات طينية عملاقة / في ليلة اكتمال القمر من كل شهر يخرجون من بين شقوق الأرض لهم قامات طويلة بطول النخل .. و عيون حادة كعيون الصقر .. يركضون بسرعة البرق .. شعرهم من عشب الأرض و سعف النخيل و صوتهم من هدير الفرات .. يأكلون من أعتدى على أرضهم و يعفرون الأرض بدمه حتى ترتوى .. يطلق عليهم الأنوناكي / طرت بسهولة .. كان الأمر سهل جدا .. هناك الكثيرون غيري ممن حلقوا دون جناحين . ؟ ص9 الأنوناكي / القضاة السبعة : الرواية ) الفاعل الذاتي من خلال هذه المقاطع ، نجده و كأنه يحول علاقات الرؤية السردية إلى مؤشرات مرجعية خاصة من فعل و أفعال الإحالة و الترميز إلى منظورات حكائية ذات أصول قومية متينة . فالفاعل السردي من جهة ما يشكل لذاته ، ذلك المؤشر الذي راح يؤول حالات المواطنة و المصير الفردي إلى سياقات من البحث و التقصي في طبيعة صحة و إختلاف ركائز الحقيقة و الخيال ، و من أجل ذلك الوصول إلى الهدف المبتغى من لدن أطروحة المؤلفة العجائبية ، التي راحت تصنع من حلول واقعها القومي المفقود إلى شكليات خاصة من المعالجة الغرائبية في توظيفاتها البديلة ، حيث نواجه خصائص وحدات النص الخاضعة إلى أطر مرجعية الاقتراب من الأسباب التأريخية و التعلق من خلالها بموضوعية البديل الخيالي المؤول : ( ولدت بلا قلب و بلا مشاعر لم أخلق للحب غير أن تريبيتا يناقضني القول تماما .. كان خصمي اللدود في الماضي .. ثم وعلى حين غرة فوجئت به يوما ما يصارحني بحقيقة مشاعره .. و بأنه واقع في حبي و أني فتاة أحلامه .. لا أنكر تأثري به إلا أنني لست سهلة المنال . / الفصل الأول : قصر الملك أدد شمشي الخامس نينوس / الرواية ) تشكل الشيفرة الروائية في رواية ( الأنوناكي ) ذلك العصب الرابط ما بين المصدر التأريخي و خيالات المعالجة التعويضية السردية ، و يمكننا فهم أغوار نظام السرد في النص ، عبر معالجات أبنية المخيلة الساردة في وظيفة العودة و التماثل لهذه العودة إلى مفاتيح بؤرة العلامة التأريخية ، التي من شأنها استحضار عناصر شخوصية من كل زمان و حقبة تأريخية ، كمثال أسماء الملوك و الأميرات الآشورية ، و كمثال الشخوص جلال و عبد الرحمن و كمال و سامر ، كمؤشرات أختبارية توطيدية من علامة واقع حالات الأفعال الذاتية من كل زمن وحقبة تأريخية ، فيما تتوالى مراحل التحولات النصية داخل دائرة الواقع ذاته من الخصائص و سمات أحزان المصير الفردي على أرض هذه البلاد .

2ــ العلامة و الدلالة و وظائف بنية التمثيل :
النص في رواية ( الأنوناكي ) لا يهتم كما سنرى في الفصول القادمة من الرواية ، بما هو محض شطحة من شطحات المخيلة ، بل العكس تماما ، فالرواية عندما أخذت تتعامل مع موجبات المرجعية التأريخية كمرحلة وثائقية في التدوين الاستعاري ، إنما أرادت توظيف التخاطب بما يتبع أثر العلامة و الدلالة في نصوص و أسماء و أبنية المادة التأريخية حصرا . إذ أننا في كافة صياغة تلك الحقبة الآشورية ، ما نجد الكثير من محددات قدرة الترميز في معنى التعرف على حالات العلاقة الدلالية الرابطة ما بين دوافع المرجع التأريخي وحافزية سلوك العلامة التأشيرية من زمن بدائل قيمة محتوى الحكي . نتابع مكونات حالة التأويل في النص ، بدءا من دلالة فصل ( قصر الملك نينوس ) و حتى فصل ( عودة نيبيروا ) إذ نعاين بأن هناك حالات خاصة من قابلية التغيير و التحول ، و حتى و أن ظلت داخل سياقات من الأسباب و الهيئات الخرافية و العجائبية من قدرة الخطاب السردي نفسه : ( أصبحت أسمع كلمات المديح من الحكيم أوميا و هو يشد من أزري و يحاول جاهدا إيصال كل المعلومات لي وحين أنتهي مساء من عملي أحمل معي كالعادة بعض من ألواح أجدادي . / ص13 الفصل الأول : الرواية ) أن المؤشرات النصية في ظواهر حكي الرواية ، قد تقودنا نحو تجسيد تلك الحالة التوفيقية من علامة المادة التأريخية و الإيحاء بها ضمن مؤشرات تواصلية خاصة من منزلة واقع الفرد في شتى المجتمعات الكونية على أرض بغداد ، وصولا إلى فضاء البنية التعويضية من زمن مؤشرات ( المصدر = الإحالة = الإشارة ) و من أجل فهم ثنائية ( التكييف ـــ التمثل ) لمراحل النص في الفصل الأول ، تطالعنا حكاية و تجليات توليد المعالجة السردية و مسار حصيلة وحدات الوظيفة الموضوعية في حكاية الرواية ، و التي تتلخص في إطار إبراز حياة الملكة الآشورية سمورامات زوجة الملك نينوس قهرا ، بعدما قام هذا الأخير من أخذها بالعنف مع بناتها و قتل زوجها : ( نينوس اللعين دمر كل أحلامنا وقتل والدنا جاء بنا إلى القصر قسرا .. حياتنا كانت هادئة .. أمي كانت من أسعد النساء .. تلك كانت جملتي فيما مضى من الوقت .. بيتنا لم يكن ينقصه شيء .. يحوي كل أثاث العصر الحديث .. يوصي أبي وهو مستشار الملك المفضل بجلب الأثاث من كل بقاع الأرض . / ص17 : الفصل الأول ـــ الرواية ) فالشخصية المشاركة هيفاتة هي أحدى بنات الملكة ، تقوم بدور السارد لحالات والدتها سمورامات ، إيعازا نحو سرد كل دلالات أحوال الشخوص النفسانية في الرواية ، إذ من خلالها نعلم تقلبات أوضاع عائلة المستشار والدها و الذي قد لقي حتفه على يد رجالات الملك نينوس ، بعد أن راقت له مظاهر الزوجة ، نظرا لسمو جمالها وحدة ذكائها و فراستها لصواب الأمور ، و على هذا النحو بقية عائلة المستشار المقتول داخل القصر ، يحيا كلا منهما حياة سعيدة ولكنها في الآن نفسه مكللة بأوج دلالات الأسى و الانسحاق و الهزيمة النفسانية : (قصر نينوس على الأقل من وجهة نظري كنا نعيش في سعادة لا تضاهى حتى تلك الليلة التي تحول كل شيء بعدها إلى جحيم حيث حزم أبي أغراضه مكرها ليرافق الملك في سفر قد يطول / علمت فيما بعد إنها كانت حرب شنها نينوس على دولة باكتريا المجاورة لنا .. و قد أصر اللعين على مرافقة أبي له . / ص18 الرواية ) السارد المشارك في أحداث الرواية يأتي من خلاله السرد شفاهيا مختلطا بمشاعر ( أنا المؤلف ) و يمكننا فهم الجهات المعنية بكينونة المؤلف ، و تحديدا من خلال موقع الشخصية هيفاتة ، فوعي الشخصية جاءنا حثيثا بمشاعر و عواطف قد لا تنتمي إلى فضاء و زمن المرحلة الآشورية العتيقة ، لذا تجد الشخصية تتعامل مع أحوال عاطفتها ، ضمن مستحدثات جديدة في لغة شاعرية خطاب الأنا .
ـــ الأفعال السردية دوال في شروط حدسية .
تتقدم أحداث الرواية في الفصل الأول ، بموجب ملامح تأخذ القارىء في مداها الأقصى ، بما يجعلنا داخل دائرة الخطاب التأريخاني الذي يختص بمرحلة ميثولوجية معينة ، فحالة الاستجابة في مواقف الشخوص و أفعال الحكي ، لا تتعدى في مبنى هذا الفصل ، منظومة الدال التأريخاني ـــ التعويضي ، المحفوف بروح الذواتية المستحدثة في أحوالها التبئيرية .

1ـــ انفتاحية علاقة وحدات الحكي و ضمنية الصوت الأحادي :
أن التصور القرائي إلى رواية ( الأنوناكي ) لا يفتر لدينا ، دون أن يخلق لنفسه ذلك الحضور الكبير في خالقية الخلفية التعويضية في أحداث وحدات الفصل الأول من الرواية ، بل إن النظر إلى انفتاحية علاقة وحدات الحكي ، تخلق في النص تلك العلاقة برؤية الخارج في الداخل الشخوصي . فالنص يدخلنا في انعكاسات ذهنية واقع الشخوص ، و ذلك من خلال أفعال تدرجية حدسية صادرة من مؤثرات علاقة وحدات الحكي مع بعضها البعض , فعلى سبيل المثال ، توافينا علاقة أحوال الملكة بموقع محورها داخل التبئير ، بما يجعلها صورة انعاكسية محكومة بوعي أفكار الشخصية المشاركة : ( كل ما يدور حولي الآن لا يعدو كونه مجرد أفكار تجول في مخيلتي الواسعة .. رعب شديد يجوس فؤادي يعكر مزاجي .. أجلس في حجرة أستحمام الملكة أكثر الأماكن حصانة في القصر .. تطلعت في تمثال الأورمالولو الرخامي .. / ص39 الرواية ) يبدأ السارد المشارك بتأطير فضاء ذاته الداخلية في حدود ( المتكلم = الفاعل الذاتي ) فيما سيكون هذا التأطير لاحقا ممزوجا بذاتية وحدات الأفعال السردية الأخرى و من الشخوص بدءا إلى مجال طبيعة المكان و الزمن ، تباعا إلى صيغة ثنائية ( المتكلم ـــ المبأر ـــ المبئر ) بوصف هوية معالم صوت الفاعل الجمعي ، في مشاهد معروضة من الأفضية المكانية و الزمانية .

ــــ تعليق القراءة :
تكشف لنا الرواية في أحداثها ، تلك الجملة من العلاقات ( تداخل العصور ــ انشطار الزمن ــ هوية الأمكنة المتفارقة ـــ خلاصة الأكوان ـــ جدلية الذات ـــ صراع القوة ) إلى جهات نظر متعددة من حالات التأويل و المؤول في المنظور التبئيري ، فهناك تحديدا في الفصل الثاني المعنون بــ (السيد المبجل ) و الفصل الثالث ( المصفوفة ) و الألواح السومرية الفرعية ، فهذه الفصول بجملتها تخضع لعلاقات ضاغطة في وعي و أعماق السارد المشارك إلى جوار صحبته كلا من جلال وسامر وكمال وعبد الرحمن و شخوص نسبية من هامش السرد الروائي ، ولكن تبقى حالات و مواقف الفصول الأخيرة من الرواية ، باستثناء الفصل الأول من النص ، فهو بمثابة الوظيفة الأولى في مهارات الرواية ، أما فصل (المصفوفة ) و فصل ( الكوابيس ) فما هي إلا علاقات غير موفقة في دلالات عضوية النص ، فما القيمة من دلالة فصل إعترافات الشخوص و حكي أحوال قصصهم الشخصية ؟ فهذا الفصل مجرد مؤثثات دخيلة و مقحمة على متن الرواية . أن شخصيا كنت لا أحبذ الكتابة حول تجربة هذه الرواية بعد زمن قراءتها ، ولكن ما جعلني أقوم بفعل كتابة هذا المقال ، هو لأجل أن أنبه الكاتبة ذاتها إلى مواطن الإيجاب و السلب في جسد روايتها ، فضلا عن هذا أعيب على الكاتبة كل هذا الإسراف و الإفراط في جنوح سلبية المخيلة لديها ، و من أجل أن لا أكون مجحفا بحق المجهود السردي الثمين في مجال أدوات الرواية ولغتها الساحرة ، ما جعلني أقول مجددا للروائية الواعدة ميادة سامي : لا شك إن آليات و أدوات مشروعك كروائية ذات محافل واثقة في خلفية الكتابة الروائية السليمة مستقبلا ن ولكن ما أفسد مشروع روايتك موضع بحثنا ، هو ذلك التصور الجانح نحو اسطرة حقيقة الأشياء داخل مواطن عجائبية من معرف الحس القرائي لدى القارىء ، ما جعله يتلقى فصول روايتك الأخيرة و كأنها غبطة المأخوذ بصرعة عوالم سرود إفراط المخيلة أو جنونها في سرد العجائبي .