اسقاط الطائرة الامريكية المسيرة من قبل ايران كان فيه اكثر من رسالة. لانه كان تصرف جرئ جدا ومفاجئ حتى لامريكا نفسها على ما يبدو اذ انها اعتبرت الامر وقاحة كبيرة، الا انها مع ذلك لم تقدر على معالجته مباشرة كاشفة عن عدم وجود خطة مسبقة للتصرف تجاه هكذا افعال من ايران. وهذا يعني بحسب التحليل ان امريكا لم تكن تتوقع هكذا تصرف من ايران لاكثر من سبب سوف نبينه لاحقا.
الرسالة الاولى: ان ايران متنبهة جدا للتحركات الامريكية في المنطقة وغير غافلة عن اي حركة ،بل تتابع بدقة متناهية جدا هذه التحركات وهذا ما اشار اليه جواد ظريف وزير الخارجية الايراني حينما غرد At 00:14 US drone took off from UAE ليقول لهم اننا لم نكن ننتظر دخول احد الى حدودنا لننتبه لخطره علينا، بل نحن نتابعه من اول لحظة تحرك فيها ونعرف ذلك بدقة شديدة الوقت والمكان. وهذا هو قصد ظريف من تعمد تحديد ساعة انطلاق الطائرة بالكسور وليس برقم تقريبي.
الرسالة الثانية: ان ايران تملك تكنلوجيا متطورة جدا وتستطيع كشف تكنلوجيا التخفي stealth mode التي هي ارقى تكنلوجيا تستخدمها امريكا وهذا تحذير ايراني ولذا اشار اليها ظريف في تغريدته ليقول ان هذه الطائرة لم تكن طائرة عادية بل طائرة متفوقة ونحن نستطيع اختراق تكنلوجيتكم وملاحقتكم. بل نحن قادرون على كسرها بقوتنا المحلية وهذا تنبيه خطير اذ ان الطائرة المسيرة كانت تمثل قمة التكنلوجيا الامريكية المعروفة واسقاطها بهذه الطريقة ومن على ارتفاع شاهق جدا يؤشر لقوة الدفاعات الايرانية وتمكنها. اذ ان اسقاط طائرة متخفية عبر ارتفاع شاهق يبلغ 55 الف قدم يمثل نجاحا غير متوقع للتقنية التي تمتلكها ايران والاخطر من ذلك انه صاروخ محلي وليس من قوة عظمى اخرى زودت ايران به مما يكشف مدى تطور الصناعة العسكرية الايرانية وينبه امريكا الى خطورة الصراع العسكري مع ايران . وهذا بالضبط ما تريد ان توصله ايران لامريكا من ان الحرب معها له عواقب وخيمة ولن تكون كسائر الحروب التي خاضتها امريكا مع دول في المنطقة ولذا ايران تقول لامريكا فكري جيدا بما تنوين فعله فنحن نملك ما يؤذيكم.
الرسالة الثالثة: ايران تقول لامريكا نحن لا نريد الحرب ولكن نحن مستعدون للدفاع عن انفسنا ونحن نحارب على ارضنا ولن نحاربكم خارج ارضنا ومياهنا واجواءنا، لذا كتب ظريف في تغريدته
We’ve retrieved sections of the US military drone in OUR territorial waters where it was shot down
متعمدا كتابة OUR بالاحرف الكبيرة خلافا لقواعد الكتابة وللتنبيه ثانية على القول اننا نحاربكم هنا فقط ان فكرتم في مهاجمتنا ولن نهاجم وجودكم في اماكن اخرى وهذا رسالة اطمئنان لامريكا وجعلها لا تفكر بتصعيد التوتر ورسالة ايرانية اخرى ان شدة الرد لا تعني تصعيد الموقف بل تحذير شديد لكنه منضبط. ولعل هذا ما جعل امريكا تتردد في الرد على الضربة الايرانية لانها فهمت ان ايران ليست في صدد اشعال حرب كبرى في المنطقة. ولعل التصريحات الايرانية اللاحقة بامتناعها عن اسقاط طائرة مأهولة تحمل 35 فردا رسالة ايرانية اخرى اشد وضوحا باننا لا ننوي التصعيد بل التنبيه فقط لما نملك من قوة ردع مؤذية وموجعة.
الرسالة الرابعة: ردت ايران بسرعة على رسالة ترامب عبر سلطنة عمان بتحذير الرئيس ترامب لها بانها ستواجه ضربة عسكرية خلال فترة قصيرة اذا لم تفاوضه وقالت له ان الامر بيد المرشد الاعلى مما يعني ان الامر اطول مما تحددوه لنا من مواقيت ونحن لا نخضع لتوقياتكم بل نحن سوف نقرر متى نفاوضكم. الرد الايراني كان دقيقا جدا اذ انه لم يرفض المفاوضات تماما بل قال انه امر بيد المرشد وانه حاليا (لاحظ كلمة “حاليا”) لا يسمح بالمفاوضات. اي ان الامر ليس مرفوض بالمطلق ولكن في ظل تصرفاتكم الحالية نرفضه وممكن ان نقبله في وقت اخر وان تحديد وقت المفاوضات قرار ايراني خاص ولن يكون املاءً امريكيا.
لحد هذه اللحظة يبدو الموقف الامريكي من هذا الحادث الخطيرمشوشا واكثر ما يجعله متخبطا هو التصريحات المتناقضة من اطراف مراكز القوة الامريكية سواء في الادارة او الكونغرس وان اتفق الكل على خطورة الفعل الايراني. يبدو ان ادارة الرئيس ترامب عندما الغت الاتفاق النووي مع ايران وبدأت العقوبات الصارمة على ايران لم تضع خطة “ب” في حساباتها وكانت تتوقع ان خطة الف سوف تسير وتنجح وكانت الضربةالايرانية الاخيرة للطائرة الامريكية وما قام به الحوثيون في السعودية من مهاجمة اهداف استراتيجية من محطة كهرباء ومطار عملا لم يكن في وارد ادارة ترامب مما جعلها تتريث في الرد والتفكير مجددا في معالجة ايران كدولة متمردة على الهيمنة الامريكية.
ما اتوقعه هو مراجعة امريكية للصراع مع ايران ووضع مسار جديد للتعامل معها وهذا امر لن يحدث في ايام قليلة بل يحتاج الى وقت ودراسة في مراكز القرار الامريكي خصوصا ان التصعيد سوف يؤثر على اسواق النفط وهو امر لا يتمناه ترامب حاليا متزامنا مع انطلاق حملته الانتخابية القائمة اساسا على نجاحه الواضح في تحسين الاقتصاد الامريكي الداخلي وهو ما لا يريد ان يخسره لانه بخسارته يخسر اهم نقطة يتفوق بها على خصومه الديمقراطيين.