عن دار تموز في سوريا – دمشق – صدر للشاعر حبيب النايف ديوانه الموسوم ( رائحة الذبول ) في طبعته الاولى 2013والذي يحوي العديد من القصائد النثريه وعلى مايبدو هناك مجموعة من قصائد التفعيله – وبعد قراءة الديوان قراءة اوليه – لم يترشح في ذاكرتي الا ماشدني من جمال المقدمه ودقتها ، التي كتبها الدكتورجاسم خلف الياس –وهنا اقول : ان اشد ما على الاديب ان يكلف بكتابة مقدمه لاي مؤلف شعرا كان او نثرا او حتى في العلوم الاخرى ، لما يسببه ذلك التكليف من حرج للمعني – وكثير من الاخوة والزملاء الذين صدرت لهم نتاجات او لم يوفقوا الى اصدارها بعد ، طلبوا الينا ان نكتب مقدمات الى نتاجاتهم شعرية كانت او قصه او روايه او حتى تاريخيه ، وامتناعي ياتي مما يضعني فيه ذلك التكليف من الاحراج اولا و يفقد ذلك العمل التشويق والمتعة ويفوت على المتلقي لذة الاكتشاف ثانيا – فكنت انصحهم بالتخلي عن الفكرة ولم يسجل علي احد باني كتبت مقدمه لاي كان – ومن مقدمة الدكتور جاسم خلف الياس ايضا شممت الاحراج الذي سببته له تلك المقدمة ( وربما اكون مخطئا ) من خلال ما لاحظته من بعض التكلف بعرضها ، رغم سعيه لتجنب المحاباة والمجاملات كما ذكر هو – لذلك وغيره عدت الى قراءة المجموعة مرة اخرى ولكن على مكث هذه المره وبشكل متاني. رغم اني لا اذيع سرا اذا قلت اني لست من انصار قصيدة النثر ، وميلي قليل ايضا الى قصيدة التفعيله – ولكن احيانا الجمال يفرض نفسه – وللبيان طقوسه – ورب كلام منثور فاق الموزون سحرا وموسيقى . عندها يصبح الراي الشخصي لا شان له – كونه شخصي – رغم معرفتي التامه بان قصيدة النثر تعد من مراحل تطور القصيدة الشعرية العربية . فقد عرف الشعر العربي القصيدة العمودية ثم قصيدة التفعيلة والشعر الحر وبعدها كان لابد أن تأتي قصيدة النثر. حينما تحررت من الأوزان فقد أصبحت نمطا جديدا له ما يميزه عن أنواع الشعر الأخرى.
ذرات الرماد
غيرت تضاريسها
بافول الجمر
وعلقت على واجهة العمر
سر انكسارها
واحتلت قصيدة النثر حيزا كبيرا في الساحة الادبية عربيا وعالميا بسبب الحراك الذي أحدثته . وتنامي الجدل حولها منذ ولادتها إلى يومنا هذا، ولا شك فإن مبعث هذا الجدل قد جاء من ثورتها وتمردها على الأوزان الشعرية، حيث أعلن هذا التمرد ولادة نمط شعري جديد يسعى إلى توظيف التدفقات الشعرية ويطلق العنان للجمل الغزيرة بالشعرية ويحررها من قيود الوزن التي منعت ظهور وبشهادة الكثير من الأدباء نصوصا وجدانية وإنسانية رائعة.
صار الوطن رغم اتساعه
ضيقا لا يستوعب الطغات
………………………
الليل ينجلي ظلمة تنزاح
باصابع النهار
…………………..
تبتل روحي برائحة الاشتياق
…………………….
الليل المترامي
تاكله الاحاديث الشرهه
وتمشط ساعاته
احلام العاشقين
وفي مقابل ذلك أجازت نصوصا خالية من الشعرية. ومن الدفء والحميمية وقد ركزت هذه القصيدة اقدامها وتجاوزت الحدود لتقترب من مركز ومحور الشعر بفضل ما لاقته من تجاوب من المتلقي الذي وجد فيها تعبيرا عن هواجسه ، باعتبارها حالة من الوجل النفسي، ناتجة عن جماليات النص، وشفافية المشاعر، وروعة الأسلوب، والنغمية المتولدة في الألفاظ والتراكيب وتلك العلاقات الجديدة التي أبدعها الشاعر بين الألفاظ والتراكيب .
ينحدر الصوت
باتجاه الصدى
تحاصره الخطى
يمر على قامتي
الملفوفة برائحة العتمه
….. ………………..
وضاق بالذكرات
المتعثرة من وقع الانتظار
……………………..
لاطفاء الملل المتكاسل
ولولا توفر قصيدة النثر على ما يلامس حاجات شعرائها ومتلقيها لما صمدت هذه المدة الطويلة أمام محاولات إقصائها وإزاحتها من ساحة الشعر، كما انه ومن الناحية الفنية فتوفر كل عوامل النظم الشعري في قصيدة النثر (عدا الوزن ) قد جعل تمردها يستهدف الوزن فقط وليس النظم الشعري بشكل عام، وقد عالج رواد قصيدة النثر غياب الوزن في التعويض عنه بجمالية الكلمات والايقاع الداخلي مما ساهم في مساعدة المتلقي على إغفال الوزن والتفلت من ضغوطاته وبالتالي انسيابية القصيدة بتواتر سهل وموسيقى متناغمة مع صور شعرية تلامس الحاجة الوجدانية وتمنح المتلقي أجنحة تساعده على التحليق في فضاء واسع خالي من الحواجز. ولقد ورد في في اغنية الوردة :
الوردة المحتفية باخضرارها
اتعبها الندى
اخفت سرها بين ثنايا الفصول
………………………………..
اغنية الوردة رحيق دبق
ويستطرد الى ان يصل الى ماساة الغرق ، تلك الحادثة المشهوره
السفن المغادرة
ضيعتها المتاهات
وامتلات باجساد الغرقى
وبقايا الكلام
رغم اني ارى بعض الاقحام في المواضيع بالانتقال المفاجيء من الحديث عن الزهور والرحيق الى الغرق والموت والدمار .
إذن ” قصيدة النثر ” تتخلى عن موسيقية الوزن والإيقاع ، لصالح بناء جماليات جديدة ، وأساس هذه الجماليات : تجنب الاستطرادات والإيضاحات والشروح ، وهي ما نجده في الأشكال النثرية الأخرى ، وتبقي على قوة اللفظ وإشراقه ، فقصيدة النثر : تؤلف عناصر من الواقع المادي ( المنظور ) حسب الرؤية الفكرية للشاعر ، وتكون هناك علاقات جديدة بين ألفاظ النص وتراكيبه ، هذه العلاقات مبنية على وحدة النص وحدة واحدة ، ذات جماليات مبتكرة تعتمد على رؤية الشاعر للواقع المادي الخارجي بمنظور جديد ، تنعكس هذه الرؤية على علاقات الألفاظ ، وبنية التراكيب ، وقوة التخييل ، وجدة الرمز .
وهذا ما وجدنا بعضه في ديوان رائحة الذبول للشاعر حبيب النايف والذي كان يستحق ان ياخذ مكانه في المكتبه الوطنية من وجهة نظري القاصره – وعندما اعدت قراءة الديوان وجدت المتعه – ولم اشم أي رائحة للذبول بل وجدت التراجيديا التي يخالطها الفرح المغلف بالحسرة والندم والتي تقترب في بعض حالتها من المسرح او المنلوج او اغاني البحار وترانيم الجبال او ادعية البائسين – حيث كانت انعكاس لمرحله غاية في القسوة – واستغلال الانسان لاخيه الانسان – وما اكثر القسوة في بلدي والحمد لله رب العالمين