23 ديسمبر، 2024 4:25 م

قراءة في ديوان ( دوائر مربعة ) للشاعر جابر محمد جابر

قراءة في ديوان ( دوائر مربعة ) للشاعر جابر محمد جابر

لا مجافاة للحقيقة عندما نجد ان التطابق بين الالم الذاتي والألم الجماعي يأخذ مدياتة الواسعة  في المجموعة الشعرية الجديدة ( دوائر مربعة )  للشاعر جابر محمد جابر  وهي  ايضا صدى متلاحق لصوت واحد عبر فيه عن المناخ العام المزدحم برؤى متناقضة ميزها فوضى الواقع ومرارة المشهد مفتتحا قصائده بتلك الحروب المريرةالتي ملآت وسادتة   فيما الآسئلة المعلقة بين المد والجزر تأخذ دورتها ( كنا نحاول ان نحتمي – بلحاف الكلمات – ونطفئ قناديل الصمت – كان النهر يدخن – أخر خسائرة )  فالشاعر  المنتمي الى جيش عريض من الفقراء توغل في مفردات قصائدة حدا” حمل فيه حزنه فوق شغاف الكلمات وهو لايستطيع ان يفعل غير ذلك (يا لحزني – تركت الطفولة – نائمة بلا سرير ) واذ يحمل عنوان مجموعته الشعرية الدهشة والتامل يبدو السؤال تجريديا  هل ان الدوائر التي ارادها الشاعر ان تكون مربعة هي فرض شروط المستحيلات والعوم في الضباب (في منتصف الليل  — كنت اسمع  – رفرفة اللهب – النازل من كبد السماء – وحين رايت  — ظل الشبح— يدور – حول دوائر مربعة  — تحرك مصباح الوجع ) ام ان  الوضع الذي تأرجح فيه تاريخ الانسان بعد زلزال الاحتلال والفوضى والاحتراب الداخلي  جعل  الشاعر يخوض حربة الخاصة بسلاح القصيدة متجاوزا” ضعف التمييز بين الواقع والحلم
 ( قبل ان تاتي البوارج الحربية – كان المساء غافلا – مما يفعله الليل – والصبح مريض – كان القمر خائفا”— يرتجف من البرد )  لكنه في قصيدة( الملكة ) يبدو اكثر وضوحا عندما ينفرد الدم بلحن يعزفه للوطن بل واكثر استيعابا لمهمة الشاعر في ان يصبح النص فرصة للاحتجاج ضد الاحتلال والموت العبثي والقبح والياس  (لم اكترث لبقايا اسلاك شائكة – تركها الغزاة –  على شقاهنا –  انتظرت– انتظرت ايتها الملكة – ان يرتفع نبض الليل  ) وجابر الذي وعد مليكته بان يتعلم الصبر من الاسماك كان وفيا لوعده وأفشل الموت في استدراجة الى مداراته مرات عده  (( لعل الموت كان يمازحني — عندما أخطأني  — في الجلطة الاولى والثانية – اني اراه – يحوم حولي — والاموات يمشون ويجيئون – في شوارع حياتنا ) ولان الشعر هو النار الملتهبة داخل روح الانسان  كما قال تولستوي فان  قصيدته (قصائد ) ظلت ملتهبتة بتسعة عشر قصيدة قصيره نشر حزنه على سواحل مفرداتها بالتساوي واقترب كثيرا في احداها من العتب الحميم لمدينته التي هي تكوينا متداخلا من التجارب والاندحارات وهو يعرف ان حياته كانسان وشاعر  قد ترعرعت فيها وان نموها يشبه نموه (العمارة – هي نفسها التي اوصدت بيديها – شباك الحنين – وضعتني عند بابها – دون ان تلتفت قط  –الى حقائبي ) وبلا شك ان نصوص قصيدة( قصائد ) جاءت مثل اوركسترا تسمع ضربات الطبول العميقة بصوت هادىء ( عند منعطف النسيان – انتظرت طويلا – قافلة السعادة— علها تمر مصادفة – الا ان صاعقة الفجيعة –  اصابتني بشلل الذهول –  فبنيت لنفسي – ضريحا من الكلمات  )
وفي هذا المنحى الذي اعتمده الشاعر في صياغة نصوصه والرغبة في ازالة القناع الذي يخفي حقيقة عسر الحياة هنا !! جاء صدق اعترافاته المدونة على ورقة ميتة !
(انهض من تحت — انقاض حلم قديم– متهالك –احمل انكساراتي– نافضا عن كاهلي — ركام هائل– من الاوهام– وحين افتح ذاكرة اخطائي — بدءا”بأناقة الحرب — يخدعني قدري – وفي ردهة روحي– تتعلق اعترافاتي– وادونها على ورقة ميتة — لأغادر ) وتستمر هذه الصور التلقائية دون ان يكون هنالك انفلاتا من التاريخ الشخصي للشاعر (يوم فتحت- مفكرة حياتي –  لم اجد – غير جثة الوقت – تتمدد وباسترخاء – وجسدي يجهش بالبكاء- ؤ سرا” )
  هذه المجموعة هي  الخامسة في مشواره الشعري لشاعر حداثي  بامتياز وتميزت بلغة نفاذة وبصور محسوسة  وكانت بعيدة عن التكلف الذي يسلب القصائد قوتها  وهي أيضا محطة ابداع في مسيرة الشعر الخالدة  .
[email protected]