تأبين المسكوت عنه ومغاليق مقصدية الاختلاف
بين تابين المسكوت عنه ومقصدية فضاء الاختلاف , تكمن حركة القصيدة وحيويتها المفاهيمية , وكل منهما يحث (الاخر) ويمهد له كقرين , والذي نقصده هنا بالمسكوت عنه , تحديدا ليس ما لا تراه العين – الرائية – وما المسكوت عنه هنا الا جملة من التشكيلات تجمع بين مايرويه الاخر او العقل الاختلافي الجمعي , وبين ما تفرزه (الذاكرة الرائية) , من هنا يبدو لنا ان قصائد (كريم جخيور ) تشتغل على هذين المحورين , فيالرغم من ان هذين المصدرين يشكلان ابتداءا وظاهرا ركنا للنشاط الشعري الراصد , الا ان استثناء الشاعر هنا يكمن في طبيعة هذين المحورين او المرتكزين , وتميزهما وخصوصيتهما معا . وهي في رأينا تشير الى اشكالية الشعري في ادبنا , بمعنى الكيفية والسمة لتي تبرز هنا , وهي ذات صلة بالابداع والمبدع وسعيه لتشكيل سماته , وتحقيق نظرنه وتعميق وتطوير رؤياه للعالم . وهذا ايضا ما يعطي المتلقي المديات المعرفية التي يرتكز عليها الشاعر , سواء بفنه الشعري او المعرفة الخاصة لمشروعية الحياة , اي ان ما يتحقق في القصيدة , حركة المخيلة والرؤيا , مما يحفز هنا اللغة الشعرية لتأخذ دورها الواعي في تشكيل بنيات القصيدة . يعتمد الشاعر , في تشكيل قصيدته على محورين – كما ذكرنا – فالاول , هو المسكوت عنه مما يحيط بافعاله , وما يمد احداثه وانماطه بالحيوية والحركة والنماء , وهنا يحاول الشاعر التعامل مع ( المسكوت عنه ) على نحو استثنائي , اي انه يعكس ما يخفيه مقصد الاختلاف , ويعكسه ويحمل اليه , تحقيقا لشعرية السرد والوصف . فمن الملاحظ ان مكونات المسكوت عنه لدى الشاعر , دال على مرأيات اختلافية كثيرة لكنها , تؤول بتعددهالتترك اثار سيرها . وهي (مسكوتات) دالة على ظواهر وبنيات (فكرية/اختلافية) خالصة, يوثق الشاعر صلة القصيده بها ليعمق دلالاتها كالمحطات الموحشة , الحروب , السواد , الوطاويط , على المصاطب ينمو الانتظار. وهي تفاصيل تعتمد الاشارة . فالشاعر قلما يمنح وصفه وسرده امتدادا متواليا , بل يوازن في الاقتصاد اللفظي , مكتفٍ الجمله الشعرية الى اقصى حد , لكنها تدفع الى تفاصيل مخبأه ضمن نسيجها او مسمياتها . وهي بالتالي تشير الى توصلات فكرية مؤشرا ظواهرا نفسية وواجتماعية وسياسية . اي , ثمة احالات
كامنه في تكشفه هذه ( المسكوتات عنها ) اما في مجال الاختلاف في ايقاع وظيفية القصيده – كما ذكرنا – انه لايعتمد (غائب) فقط , بل يتعدد الفعل الشعري هنا على شكل ( راوٍ سببي / غائب الغائية ) كان قد روى الظاهرة النسقية واختفى , ثم اخذت عنه وامليت على المدون – الشاعر – او انها مدونات متروكة او مكتشفة سياقيا معنية بالقصد, كالوثيقة او نشرات الحرب او ]الذهول احتراز الفرح ../وتفسح الغربان سوادها [ وهي ايضا تشتغل على محور الاحالة , وتفتح قصديات متشعبة وممتدة في الحياة وظواهرها , واخرى هي الذاكرة اذ تنشطر الى نمطين هما ذاكرة فردية اي ما يضمره (المسكوت عنه) , والذي كثيرا ما يكون مشاركا داخل (فعل الراوي) اي , داخل فعل حركة السرد المنقسمة من خلال رؤية الجماعة , كالشفاهيات المتناقلة . كل هذه الانماط من وظائف حركة تشكيلة ( بنية الاختلاف) , حيث تدفع بالشاعر المتمركز في خلق القصيدة الى تفجير هذه الطاقات الكامنه وغير الكامنة , وفتح افاق الاستقراء المعرفي داخل ظاهرة تاثيرات الموازنة والتكثيف الشعري النابع من ذاكرة جدلية ناشطة , وهذا لربما يقودنا بدوره الى مسألة بدوره الى مسألة اخرى في غاية الاهمية هي ان ( المسكوت عنه / الاختلاف ) في ديوان (خارج السواد ) قد جعل من قصائده ذات نفس درامي يقوم على حسالبية الوعي بين الذات والمحيط , وهو الامر الذي قد جعل القصائد ذات ايقاع متوتر بسبب هذا التنازع : لذلك قلنا ان ( المسكوت عنه / الاختلاف ) عند الشاعر كريم جخيور في ديوان ( خارج السواد ) يؤدي باهدافه الوظيفية البارزة , الى ان يكون عنصرا بنائيا دراميا , بالرغم من السردية العاطفية التي تتواتر متموجة في قصائده – ولعل قراءة خاصة في قصيدة (آزار امي اسود ) تعطينا نموذجا للمسكوت عنه في ديوان ( خارج السواد) تكاد ان تكون القصيدة حوارا داخليا يستعيد فيه الشاعر حوارا ثنائيا مع شخصية ( العارف ) في وجود عدمي . غير ان هذا الحوار الثنائي يكشف عن تقاطع بين هم الشاعر الداخلي وهم (العارف) غير ان القصيدة تنكسر في ثلثها الاخير فيتحول المونيلوج من الانعطاف الباطني المنعطف الى الوعي المدرك لطبيعة الاشياء . وبذلك تنتقل القصيدة في هذا الثلث الى تعليق وجودي عاطفي تفسيري, ثم تعود في مقطعها الاخير الى حالتها الاولى الانعطافية . نلاحظ هنا ايضا ومن على قصيدة ( تراجيديا ) من ان حالة المسكوت عنه يشتد تتابعه في المقاطع الانعطافية الداخلية , حيث جملة(والغموض ارتباك الاخر ) على حين تنعدم حالة (المسكوت عنه ) في باقي المقاطع التفسيرية , وسبب ذلك واضح , هو ان المقاطع الانعطافية تقوم على عبارات انطباعية سريعة ذات جمل قصيرة متقطعة متنافرة بحيث تاتي العبارة (الغموض الارتباك الاخر) لتكون الخيط الذي يقرب الانطباعات الخارجية المتباعدة , ويعطيها دلالتها الانفعالية . على حين ان المقطع التفسيري لا يحتاج الى حالة ما من توظيف ثيمة المسكوت عنه ولا حتى شئ من طريقة بنية فضاء الاختلاف :
من اجل بياض اشد وطأةً
السواد يلوح بالمكوث
الوطاويط مدلاة بخيط الخرافة
يناكدها قوس الفضاء
اصابع الغبار
ترتب لقاماتنا
عويلا حادا … ص41
وبمثل هذه النبرة التعليمية , وان تكن ذات طبيعة (اعترافية ) مباشرة , هي مما يشوب قصائد ديوان الشاعر ويفقدها قدرا من التركيز , بسبب صيغتها التوضيحية , ومع ذلك تظل ميزة (المسكوت عنه /الاختلاف) هي السمة الفنية البارزة في هذا الديوان , كما انها تشكل مجهودا شعريا يعبر عن حساسية فائقة الدلالة على الدرامة العاطفية الوصفية التي توظف من اجلها ( المسكوت عنه / بنية الاختلاف).