( بين ميتافيزيائية الحدوث وغائية الفعل الماضوي )
بداية نقول ونحن نعلم بـأن كل عمل ادبي يبدأ برؤية اساسها نص مرتبط بخطوط متعددة الى افق بعيد ، واذا كانت رؤية هذا النص من جهة تحمل خصائص مرحلية ، فينبغي حينذاك لقارئ هذه الرؤيا ، من التزام هوية قرائية مغايرة لحالة هذا المكتوب التنصيصي ، ومن هنا فنحن اذ نقول بأن هوية هذا النص ، تعمل ضمن حالة انتساب الى حقائق المعاني الكبرى ، فأننا بهذا القول ، نعني بأن رؤية هذا العمل الادبي ، مشروطة وفق موقعية متصورات دلالة هذا العمل الذي قد يجوز لنا تسميته من جهة ما ، بأنصهار ( الحدوث – غائية الفاعل – متصورات الدلالة ) الامر الذي يجعل من مشروعية هذه المقاربة الموضوعاتية ، فعلاً ميالاً الى اشكال تعدد اختيار مشروع دلالي موحد ، وخلفية حدوثية تتصف بصرامة الطرح ودقة وضوحية الخطاب الشعري .
من هنا هل يمكن لنا تحديد حدوثية خطاب ومسار دلالة وغايات قصائد ديوان ( الطريق الى غرناطة ) للشاعر الصديق كاظم اللايذ ، في واقع الامر ان من يقرأ قصائد هذا الديوان ، لربما سوف يعجب لحجم الحرية المتاحة في استخلاص مبدأ المقاربة الشعرية التي تعرف كيف تحقق لنفسها استقلالاً دلالياً عن مدى احتكامية الخطاب الشعري الموجه ، نحو شكل مدروس ، او قد يبدوا احياناً عبارة عن شكلاً مغايراً ، لمستوى قارئ عادي ، حيث يبدو كأنه شبه منفلت ، لاتحكمه ثمة ضوابط اسلوبية ما ، غير ان القارئ الجيد له ، لربما سوف تتوفر لديه منهجية في تلقي مثل هكذا خطاب شعري ، بيد انه يبدو من جهة اخرى احياناً ، ميالاً الى نوع من نسقية الكلام المباشر ، وهذا التفسير منا لربما سوف ، نطرحه عرضاً وبالفقرات والملحقات القادمة من مقالنا ، في وقت يبقى اهتمامنا معلقاً ، في عرض مسألة الربط بين مركزية ( ميتافيزيائية الحدوث ) وبين ( غاية الفعل الماضوي ) وهنا لعلنا نلاحظ قصيدة
( حكاية الرجل السائر في موته ) حيث محاولة الشاعر اللايذ في مقاربة البحث عن حالة موقع التوازن بين ( ميتافيزيائية الحدوث ) وحالة ( غاية الفعل الماضوي ) :-
حينما انزلوه الى لحده
وأنحنوا ينثرون عليه التراب
فجأة
شق اكفانه
واستوى واقفاً
مكهفر الاهاب
غير ان المعاول
تلك العجوز الدؤوب . ص31
ان ماهو لافت للانتباه في هذه المقاطع الاولية من قصيدة الديوان ، والتي هي مهداة الى روح الشاعر ( محمود درويش ) ، هو ذلك الانحياز لخلفية دلالية محددة اولاً ، وذلك في قول الشاعر ( وأستوى واقفاً .. مكهفر الاهاب ) ولعلنا نلاحظ زحاف اعماق المقاربة النسقية – لا السياقية – وذلك في قدوم الشاعر في مقطع ( غير ان المعاول .. تلك العجوز ) ان كل ما يستطيع القارئ تفسيره هنا هو قوله ( لا شك ان للمعاول في قصيدة اللايذ ارادة حدوثية بخلاف مقتضيات فعل الغائية اللغوية ؟ ) ولكن المؤكد ان في قصيدة اللايذ ، ثمة اصطلاحية غائية ، تجعل من فعل ( المعاول = العجوز ) ملمحاً ظاهراتياً مغايراً لثنائية ( الذات / الموضوع ) كذلك فأن المؤكد ايضاً ، من ان الشاعر قد استخدم المغلق الذاتي في عبارة ( مكهفر الاهاب ) ليقدم لنا متصوراً حدوثياً مغايراً ، لمسلكية ( الشكل – الدلالة ) خاصة اذا تعاملنا مع منظومة ( ماضوية غائية الفاعل ) من مبدأ التعرف الى اعماق شكلية الاحتكام في ( حدوثية الميتافيزيائية ) ولعل هذا يرجع بدوره لموضوعاتية قصائد الديوان ، حيث تتطلب قرائة عميقة للخيال الاستعاري ، حيث بنية ( المكان / الصورة / معالم المستعار )
وعلى هذا نلاحظ بأن قصائد الديوان قد انطلقت من مشروعية خلاقة في متابعة عناصر خيال الدلالة الاستعارية ، وارئ عندما نحاول ادراك ما نتحدث عنه الان ، في ظاهرة ( الحدوث الميتافيزيائية ) ومنظومة ( غاية الفعل الماضوي ) قد نواجه صعوبة امتثال اذهاننا لربط دقة البراهين والامثلة التطبيقية ، لذلك ينبغي لنا معاودة استعراض المزيد من الحالات التطبيقية ، وبذلك ماعلينا سوى استعراض قصيدة اخرى من ديوان الشاعر والتي جاءت تحت عنوان ( ولكنني لم امت ) :-
لم امت في الحروب
وما اهلكتني المجاعة
ما مزقتني الشضايا التي اسكتت صيحة
الديك في قريتي ولعل القذائف قد ضيعت دربها
وهي تسعى الى شفتي .. ص27
وهكذا نلفي ( كاظم اللايذ ) يولي بدوره اهمية لـ ( غائية الفاعل الماضوي ) وذلك وروداً في قوله ( لم امت في الحروب ) فالشاعر هنا يتصور ويراجع مسافات طويله من حالات مشهدية ( القذائف ضيعت دربها = وهي تسعى الى شفتي = ولكنني لم امت ) قد يكون في حكمنا هذا ختاماً ، نوعاً ما من خلل مقاربة الاستيعاب والوضوح ، وهو امر في رأينا قلما تتنزه عنه ( مقاربة نقدية ما ؟ ) الا اننا نود ان نقول من خلال قراءتنا هذه لعوالم ديوان ( الطريق الى غرناطة ) من ان الشاعر قد حاول ربط مراحل الكتابة لديه وفق افعال وظواهر تقنية بخيوط وصل متكاملة ، على الرغم مما لدى الشاعر نفسه ، من اسلوبية نثرية قد تصل احياناً لدرجة ( المثالب والفضله الشكلية ) لاسيما في استعمال الشاعر لمقولتي ( التزامن / التعاقب ) ، وتطبيقها داخل ادوات مرحلة جغرافية في تدوين غيبيات الكتابة ، حيث نجدها من جهة ما كأنها ( بنية مغلقة ) داخل ازمنة متعرجة من مساحات التزامن والتعاقب ، حيث قد اضحت القصائد للقارئ عبارة عن وقوعاً صائباً في
جحيم المفارقة ، كما ان هذا بدوره قد لايعيد بمثابة الاطلاع المستفيض لولا حضور ظاهرة وبنية ( غائية الفاعل الماضوي ) بالاضافة الى هذا لعلنا بحاجة ماسة الى القول للشاعر كاظم اللايذ .. قولاً موجزاً ؟ يتعلق بمدى حرص الشاعر نفسة على الباس نصه الشعري لبوساً محايثاً لماهية مفهوم التخصص في الممارسة الشعرية المتفردة :- تتجلى ملامح قصائد ديوان ( الطريق الى غرناطة ) في مقاربة الاسئلة الواصفة بموجب حالة موضوعية الخطاب الشعري ، كما ان عدم ادعاء قصائد الديوان ( الانطلاقة السياقية ) وخروجها من داخل دائرة العموميات النسقية ، بيد انها وبهذا المنحى باتت تشكل ( حيرة وعدم استقرار ) ، وعلى هذا ايضاً اضحت لنا ( الطريق الى غرناطة ) رحلة شاقة في طرح التواصيف والاسئلة دون اجوبة شافية عن ماهية تخاصيص تلك الانزياحات البعدية في طرح لغة ( ميتافيزيائية الحدوث وغائية الفعل الماضوي ) .