يعد العلويون السوريون إحدى أهم الطوائف المثيرة الجدل عقائدياً وسياسياً منذ مئات السنين تعرضوا للاضطهاد طوال هذه السنوات لغاية صعود رجل علوي اسمه حافظ الأسد واستلامه منصب رئيس الجمهورية سنة 1971، وشكلت بعد ذلك هذه الطائفة قاعدة شعبية أساسية، اعتمد عليها الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، منذ استلمه السلطة عام2000 والي يومنا هذا حيث دائرة الخوف المستمرة في الدولة السورية، وبسبب هذا الدعم أطلق على العلويين صفة الطائفة”المسيطرة” أو”الحاكمة”، لكن هذا لا يعني بالمجمل كل العلويين، اذ ظل عدد منهم يعيش التخلف: الاجتماعي، والاقتصادي بل واخضعوا لكثير من الضغط لكبت معتقداتهم الدينية خلال حكم بشار الأسد، وبالرغم من تأليف العديد من الكتابات حول هذه الطائفة لكن اغلبها تتسم بالخصومة، وعدم الحياد، وقد تأخذ المسار العقائدي الفرقي الردي، وفي كثير من الأحيان الإقصاء التكفيري بالعناوين الفقهية كما اعتاد على ذلك كتاب الفرق وأنصار المذاهب الدينية عندما يتناول عقيدة هذه الطائفية، وخطابها السياسي إلا إن الكتاب الصادر مؤخراً للباحث من جامعة اوتاغو ليون.غولد سميث، بعنوان”دائرة الخوف:العلويون السوريون في الحرب والسلام” يبحث فيه بالدقة العلمية، والتحليل السياسي الأكاديمي المحايد، متأثراً بالطريقة الخلدونية في تحليل وجود الطائفة العلوية في سوريا صعودا ونزولا وعلاقتها بالدولة، وعقائدها بالنسبة لباقي المسلمين، مستقرئاً كيفية تعامل السلطات الحاكمة منذ المماليك، والعثمانيين، وثم الفرنسيين وصولا إلى حكم عائلة الأسد، وهل رأى العلويون في دعم هذه العائلة خاصة حكم الرئيس الأسد الأب والابن ركيزة مهمة تضمن بقاء كيانهم، واستمرار نفوذهم؟ بالرغم من تحسسهم من توجه بشار الأسد بسياساته الإصلاحية التي عدها العلويون تهدد مصالحهم قياسا باحتضان الرئيس الأب للعلويين كفترة ذهبية عدها العلويين بالمقارنة مع العهود السياسية التي حكمت سوريا، وما مستقبل كيان هذه الطائفة إذا ما رحل الرئيس السوري الحالي بشار الأسد؟.
يتطرق الباحث ليو.غولد سميث الى اخر إحصائية حول عدد العلويين حيث قدر عددهم بأربعة ملايين، يعيش اغلبهم في منطقة تمتد بشكل هلال على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من شمال لبنان إلى سهول كيليكيا في تركيا، والعلويون هم أكثر فئة من العلويين، ويشكلون حوالي12%الى15%من سكان سوريا أي حوالي ثلاثة ملايين سنة، يتركز العلويون في شمال غرب سوريا في مدينتي: اللاذقية، وطرطوس، وهناك تجمعات علوية في دمشق، والريف المحيط بمدينتي: حمص، وحماه، ولكن اغلب العلويون يعيشون في قرى صغيرة عديدة في منطقة الجبال الساحلية، وتتوزع الطائفة العلوية إلى أربعة عشائر رئيسية هي: الخياطين، والمتاوره، والحدادين، والكلبية، وتنتمي عائلة الأسد إلى عشائر الكلبية.
شهد تاريخ الطائفة العلوية السياسي والعقائدي كإحدى الطوائف المتمركزة في سوريا إلى جانب دول أخرى كتركيا ولبنان منذ تأسيس عصبية الطائفة العلوية في عهد المماليك الرخاء والشدة، اذ تمكن هؤلاء بعد طرد العباسيين سنة1291من السيطرة على شرق المتوسط رغم أنهم ضلوا معارضين لموجة الخطر المغولي شرق الفرات مع حلفائهم الأرمن في الشمال، ولذلك قلت الديانات كالمسيحيين، والطوائف مثل العلويين الذين سكنوا قرب الجبهة الشمالية كمجموعات هامة، وكإستراتيجية بالنسبة لمماليك بعد سقوط دمشق على يد المغول سنة1299 قرر المماليك تدعم موقعهم في المناطق الجبلية المتمردة، من هنا كان الرد الفقهي الديني آنذاك متشددا ومكفرا للعلويين وتحديدا من قبل(الشيخ ابن تيمية الحراني) الذي اصدر فتواه بتكفير العلويين، وإباحة دمائهم، وسبي نسائهم، وتحريم دفن موتاهم في مقابر المسلمين، ولا تزال هذه الفتوى مؤثرة تأثيرا كبيرا عند اغلب الحركات السلفية والأصولية خاصة في سوريا اليوم.
عموما لكن ما لبث ان شكل المماليك تحديا لمصالح العلويين بسبب كونهم قوة عسكرية تتمتع بنظام سياسي صارم اجري مسح في كافة المناطق الخاضعة للمماليك في سوريا في الفترة بين1313و1325لمعرفة نسبة التوزيع السكاني لمناطق العلويين، واصدر بعد ذلك مباشرة السلطان المملوكي الناصر محمد بن فلاوون، آمر يتعلق بمنع الخطاب:”نحن نمنع خطاب النصيريين(العلويين)، ومن يتجرا منهم على ذلك يتم عقابه بالشدة” وكان السلطان المملوكي بيبرس، قد آمر ببناء مساجد في القرى العلوية في محاولة منه لتحويلهم الى المذهب السائد عندهم آنذاك، وفشلت محاولته هذه بصورة مفزعة اذ كان العلويون يرون ان تطبيق هذه القوانين يعني إنهاء وجود طائفتهم، وبعد سقوط حكم المماليك على يد الأتراك العثمانيين العاديين من الأناضول سنة1516لم يغير شي من حالة العلويين، إذ شهد أولى مذابح العلويين في هذا العهد الجديد على يد سليم الأول، اكتفى بعدها العلويين باللجوء إلى ترميم كيانهم، والاهتمام بالزراعة، وكانت مناطق سكناهم تشتهر بزراعة التبغ، رغم محاولة السلطان مراد الرابع سنة 1631منع التبغ معللا على انه مخالف للإسلام، ومع حلول القرن الثامن تمكن العلويين من الحصول على مصدر وحيد للدخل رغم إشكاليات الاحتواء المحدودة، ومع مراحل القرن زادت القسوة على العلويين وفي أوائل سنة1820 اصدر(الشيخ محمد ناصر الدين المتربي) فتوى في اللاذقية كانت الأولى ضد العلويين بعد فتوى(الشيخ ابن تيمية الحراني) ونصت حسبما أورد الكاتب صموئيل:”على ان حياة وممتلكات النصيريين(العلويين) هي مباحة للمسلمين” وبعدها بقليل في سنة 1824هاجمت مجموعة من جنود العثمانيين قرى علوية قرب اللاذقية، وقتلوا أربعين رجلا واسترقوا النساء، والأطفال. وفي الفترة من 1830 إلى 1970 حسب الباحث ليون.غولد سميث تطورت الطائفة العلوية تدريجيا نحو الاندماج في المجتمع السوري، ويمكن تقسيم مسار العلويين نحو الاندماج إلى أربعة مراحل:
المرحلة الأولى: شهدت الفترة 1832 إلى1918 انهيار مسار الدولة العثمانية، وظهور فرض جديدة أمام العلويين لإظهار وجودهم السياسي، والاجتماعي بشكل أوضح مما كان لهم من قبل.
المرحلة الثانية: شهدت الفترة 1919الى 1945 استقلال سياسي ظاهري للعلويين بتشكيل دولة العلويين المستقلة التي منحهم إياها الفرنسيون بعد احتلال سوريا، وكانت هذه الدولة صورة مكبرة من الولاية التي حكمها إسماعيل خيري بك شملت كامل الجبال الساحلية بل وامتدت لتظم السهول الساحلية، والمدن الرئيسية: اللاذقية، وطرطوس، وبانياس، وجبله، وبلغت مساحتها6500كليو متر، وفي نهاية سنة1933 بلغ عدد سكان هذه الدولة 173و334نسمة منهم 64%من العلويين، يذكر ان بعد ذلك بقليل اصدر القومي العربي ومفتى القدس(الشيخ أمين الحسيني) في يوليو 1936 فتوى وصفت بالمدهشة بالنسبة لشيخ سني فقد أيد أمين الحسيني بقوة اعتبار العلويين من المسلمين. ومع إنهاء الوجود الفرنسي بالضغط الدولي تقرر حل الدولة أبدء العلويين امتعاضهم تخوفا من هجوم الأخريين عليهم إلا ان التطمينات دفعت بزعمائهم إلى اتخاذ قرار علمي وواقعي بقبول اندماج الطائفة العلوية في الدولة السورية الوليدة المتعددة الديانات والمذاهب.
المرحلة الثالثة: سعى العلويين في الفترة 1946 إلى 1962 بنشاط وحماس للدخول في كافة جوانب السلطة في سوريا المستقلة بما فيها القوات المسلحة الوطنية، والتعليم، وقد أعطت فرصة التعليم التي لم تكن متاحة للعلويين من قبل مجالا لهم للمشاركة في الحراك السياسي الذي ظهر في سوريا بعد استقلالها سنة1946ولعب زعمها أمثال(زكي الارسوزي) دورا هاما في نشوء وتطور أفكار سياسية للدولة الحديثة.
المرحلة الرابعة: في عام 1963 أدى انقلاب في سوريا قاده البعثيين الى ما يشبه بثورة شعبية لصالح الأقليات الصغيرة كالعلويين اثر وصول احد إفرادها وهو حافظ الأسد الى رئاسة الجمهورية سنة1970 وقد وصف الباحث ليون.غولد سميث سعي العلويين للاندماج والقبول في المجتمع السوري بالناجح، ليس هذا فحسب وإنما كانت هناك مراجعات لتكوين عقيدة قائمة على أسس منطقية أساهم في ذلك(السيد مهدي الشيرازي) بعد ان نفي من العراق ذهب الى دمشق ليؤسس فيها حوزة للعلوم الدينية، ومن ثم وظف علاقته الودية مع الرئيس حافظ الأسد ليعمل على تصنيف عقائد وفقه جديد يتقارب مع الفقه والعقيدة الشيعية الاثني عشرية، وليصدر(السيد مهدي الشيرازي) بعد ذلك بيان كأنما سبق فيه تأثيراته التصحيحية لعقيدة العلويين:”لقد وجدت العلويين كما توقعت شيعة من أهل البيت وهم مخلصون وملتزمون دائما بالحقيقة” كما تلقى العلويين دعما من(السيد موسى الصدر) الذي أعلن الاتحاد المذهبي بين العلويين والشيعة، فقال في يوليو 1973:”اليوم اؤلئك المسلمون الذي يطلق عليهم اسم العلويون هم أخوة للشيعة، ولن نسمح لأحد ان يسيئ لهذه العقيدة الكريمة”.
وبعد تولى حافظ الأسد السلطة توترت العلاقة ما بين جماعة الإخوان المسلمين، والعلويين، حاول الأسد أتباع سياسة توازن لكي يحافظ على دعم وتأييد العلويين الضروري من دون أثارت وتعصب الأكثرية السنية، لكن هناك العديد من المشاكل حدث بعد ذلك وذهبت محولات الأسد أدراج الرياح، وصعد بعد ذلك نجم رفعت الأسد شقيق الأسد الرئيس كشخص يتسم بالقسوة تجاه خصوم العلويين والسلطة بشكل عام، وقد أخذت طموحاته السياسية في الوصول إلى السلطة تورق الرئيس حافظ الأسد مستفيداً من إصابة الأخير بمرض القلب، وأقام بترتيب لكي يتأكد من استلامه السلطة ويذكر الكاتب حنا بطاطو ان رفعت الأسد قام بعقد اجتماعات لتداول فيمن يخلف الرئيس وكان يريد دعم الطائفة العلوية من ضمنها قول رفعت للعلويين:”لا اعتقد أنكم تفضلون شخصا غيري”، من جانبهم رفض العلويون رفعت الأسد وكانوا ينظرون إليه بسلبية:”أساليبه القاسية، وفساد الواقع أصبح عبئا ومشكلة في ضمان امن الطائفة العلوية” وفي محاولة الرئيس حافظ الأسد احتواء شقيقة، وإنهاء حركاته المسلحة العنيفة مع بعض قادة الطائفة العلوية، ومحاولة دمج السنة في صناعة القرار قام بتعيين ثلاث نواب له هما: رفعت الأسد، وعبد الحليم خدام، وزهير مشارحه وهذين الأخيرين من السنة. الا ان ذلك لم يطمئن الرئيس حافظ الأسد من محاولة رفعت الأسد الانقلاب عليه او استلامه للسلطة بعد وفاته لاسيما وان التأثيرات الخارج بدت واضحة في تلك الفترة، وكلام كان يدور من ان رفعت الأسد مدعوم من قبل الملك(عبد الله بن عبد العزيز) العاهل السعودي آنذاك، وهناك تخوف من قبل العلويين من نقل الفكر الوهابي إلى سوريا من خلال حليف موثوق به للملك عبد الله مثل رفعت الأسد، وعليه قام الرئيس حافظ الأسد لخطوة التوريث العملية من خلال التحضير لتولي باسل الأسد النجل الأكبر له لكنه توفى في حادث سير سنة1994 وتم استدعاء ابنه بشار الأسد من كليته بدراسة الطب في اختصاص العيون في بريطانيا، وبعد وفاة حافظ الأسد في10يونيو سنة2000اثر أصابته بنوبة قلبية تم اختيار بشار الأسد رئيسا لسوريا.
ويشير الباحث ليون.غولد سميث إلى ان العلويون نظروا الى الرئيس بشار الأسد على انه اقرب إلى السنة مما كان عليه والده، بينما عد البعض زواجه من(أسماء الأخرس) وهي من الطائفة السنية ومن عائلة ثرية تطور نحو الاندماج، كما ان بشار الأسد اتبع نهجا اقتصاديا مختلفا حيث اعتمد على السوق الحر وقرب رجال الإعمال من السنة إلى جانب الاستفادة من الشباب المتعلمون من العلويين، بينما كان العلويون يتبعون في عهد الرئيس حافظ الأسد الاشتراكية، ومرت سوريا بتحولات كبيرة ناجمة من تأثيرات خارجية منها سقوط النظام صدام حسين في عام2003 واغتيال رفيق الحريري في عام 2004 واتهام شخصيات مقربة من النظام السوري وانسحاب الجيش السوري المتمركز في لنبان منذ العام1976 بعد الاغتيال مباشرة اثر الضغوطات الداخلية في لبنان، وتشكيل تحالف من المعارضة السورية في عام2005بعد ان شجع الضعف العام للنظام السوري الإخوان المسلمين في سوريا لاستعادة نشاطهم المعارض للنظام والمطالبة بالانتخابات العامة، وكتابة دستور جديد، ودخل النظام السوري وداعمية من الداخل خصوصا الطائفة العلوية بعد أحداث الربيع العربي في بواكير عام2011 مرحلة جديدة من الخطر ولا تزال سوريا في مهب العاصفة الأمنية، والتداخل الدولي والإقليمي، وانتشار المجموعات الإرهابية لكن بالوقت نفسه لا يزال العلويين يقدمون الدعم الكامل لرئيس بشار الأسد وهم من اشد المؤيدين لبقائه في السلطة رغم تحفظهم على سياساته تجاه الطائفة وعليه لا توجد دلائل تشير إلى استعداد العلويين العاديين للتخلي عن حكم عائلة الأسد ربما خوفاً من سطوه التنظيمات السياسية، والعسكرية التي لا تتأنى بالفتاك بهم في أي لحظة مناسبة كما صرح عدد من قادة هذه التنظيمات، لكن يبقى السؤال الافتراضي وهو ما مستقبل أبناء هذه الطائفة في ما إذا رحل نظام الرئيس بشار الأسد.