أستمعت الى خطبة (الخليفة إبراهيم) الذي نصبه (تنظيم الدولة الإسلامية) في أول صلاة جمعة له بعد (التنصيب) واول جمعة في رمضان وكنت أتوقع أن أسمع من أهم شخص في التنظيم وأعلمهم والذي أستحق دون غيره من الناس لا أن يقود (التظيم) فحسب بل يقود العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه دون علم أو معرفة به و لم يرشحه أحد لذلك الأمر الجلل بل نصبه (التنظيم) وبايعه عوضاً عن الأمة الإسلامية ونيابة عنها أو إعتقاداً منهم (أنهم) الأمة الإسلامية و غيرهم أما (مرتدين) أو غافلين أو جهلة حتى لا يستحقون المشاورة {والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم “شورى” بينهم ومما رزقناهم ينفقون . الشورى 38 } فهم لا يتكلمون نيابة عن الأمة بل في (إعتقادهم) هم (الأمة)!. ورغم إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مأمور من الله (وهو نبي مرسل) أن يشاور المسلمين {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم “وشاورهم” في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين. آلعمران 159} ولكنهم ليسوا بحاجة إلى هذه (الأمة) فهم بين مرتد واجب قتله ومتخاذل وجبان أو منافق لا حاجة للدولة بهم وأقصى ما يفكرون به هو إستتابة الناس ومن ثم كسبهم وتجنيدهم ولكونه (خليفة المسلمين) فلا ينبغي الخروج عليه أو حتى عدم مبايعته (بل هم يخلطون بين عدم المبايعة الإمام والخروج عليه فمن لم يبايع خرج عن طاعة ولي الأمر وهو “محارب مرتد” يستوجب القتل !) خلاف كل علماء الملة بل خلاف لما كان عليه العصر الإسلامي الأ ول!. كنت أتوقع أسمع من (الخليفة) رؤيته لواقع الأمة في العراق وبرنامج عمل الدولة ومن المؤكد أنه سيعرض على الأمة (فتح صفحة جديدة) والتهيء للتعامل مع معطيات سياسية واجتماعية وإقتصادية جديدة ! لكني لم أجد إلا (خطيب جمعة) في أحد مساجد الموصل تكلم عن (جزئية من آية من كتاب الله عز وجل) ولكنه أفصح عن رؤية (التنظيم) للإسلام ليس بصفته (قائد) تنظيم (جهادي) بل بصفة أنه من دون الأمة يصلح أن يكون (خليفة) لرسول الله شأنه شأن من خلفه صلى الله عليه وسلم! فماذا وجدت في خطبته التاريخية هذه (التي تعبر عن رؤية وفكر (التنظيم) وجذوره الفكرية) والتي يجب على العلماء مناقشتها وبيان حكمها الشرعي من وجهة نظر علمية بحته حماية لشباب الأمة الذين يعيشون تحت ضغوط نفسية متعددة لا يحصيها إلا الله (تعسف وجور وإعتقالات ومداهمات وحشية طائفية وسجون وأقبية سرية وعلنية وتمييز وظلم في وطنهم وإختطاف وقتل على الهوية وضياع لمستقبلهم وحرمانهم من فرص الحياة! عدا الإنتهاكات الصريحة لحقوق الإنسان ومقدساته وعرضه) من الإنجراف وراء هذا الفكر الأحادي الذي يمنحهم (فرصة ألإنتقام والثار)! . لقد سمعت :
أ- فهم جزئي للإسلام قاصرعلى (القوة والتمكين) المجرد من كل ما سوى ذلك من عمومية الإسلام و وسطيته { وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم.} البقرة 143 . ولم يكن (الجهاد) في الإسلام (بمنظوره العام والخاص) إلا وسيلة من وسائل الدعوة وإقامة شرع الله ورد المحاربين له والبغاة عليه ؛ ولم يكن إلا جزئية مهمة من عموم (الدين) وتكامله وشموليته وإعتداله بصفته (نظام حياة) ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بالناس من حوله؛ ولم يكن (الجهاد) غاية في حد ذاته.
ب- فقد تحدث (الخليفة) [عن تحكيم شرع الله والتحاكم إليه] قافزاً إلى [وإقامة الحدود] وجعل إقامة الحدود جزء من تحكيم شرع الله رغم إن ذلك من نتائج وظواهر تحكيم شرع الله. وإقامة الحدود تقبل (الإجتهاد) وتقبل (التاجيل والتجميد) وإلى ما هنالك بينما (تحكيم الشرع والتحاكم اليه أمر عقائدي وقفي لا إجتهاد فيه ) وإن إقامة الحدود تستوجب شروط لا يستوجبها إن يعتقد الإنسان بوجب الإيمان بالله وتحكيم شرعه وهذا أمر إعتقادي فردي منقطع عن كل ما حوله ؛ أما إقامة الحدود فله شروطه وبيئته وهو لا يمكن أن يكون أمراً أو تكليفاً فردياً منقطعاً كما هي (عقيدة الإنسان) بل هو تكليف (أمة) قبل أن يكون تكليف (دولة) .
ت- أعتمد (الخليفة) في خطبته الجمعة وفي إستدلاله على تحكيم الشرع وإقامة الحدود وكتبرير لأقامة دولة الخلافة على نص الآية الكريمة 25 من سورة الحديد { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ .} لكنه قفز بشكل غريب إلى نهاية الآية دون تسلسلها التي انزلها الله عز وجل به فقد إرسل الله (الرسل) بالحجج والدلالات والمعجزات والبراهين (البينات) للناس وأنزل الله عز وجل مع (الرسل) و (البينات) (الكتاب) القرآن الكريم . وكذلك انزل الله (الميزان) ليتعامل الناس بينهم بالعدل بموجب القانون العادل الذي يساوي بين الناس وبعد تحقق هذا (أنزل) الله عز وجل (الحديد) فيه (القوة) وفيه (المنفعة) للناس. لكن (الخليفة) لا يعرف غير (القوة) من كل هذا ولا يمتلك غيرها ليقدمها للناس فهو لا يقدم (الدعوة) ولا يقدم (العلم بالشرع والقرآن) ولا يمتك (العدالة) و (القوانين) العادلة (مكتفياً بالعموميات) ولا يمتلك تقديم (منافع) للناس من توفير الخدمات والضروريات التي لا يعيش الناس من دونها ولا يهمه ذلك ولا يفقه وهو لا يفهم ولا يمتلك غير (قوة الحديد) من غير منافعه الحضارية الأخرى!
ث- أشار الخليفة إلى (اختياره) لتولي أمر المسلمين ولكنه لم يشر إلى (آليات) ذلك الإختيار اليس ذلك مقيد بإصول شرعية لتحكم قبول المسلمين ومبايعتهم برضاهم؟ من إختاره؟ وكيف تم الإختيار؟ و هل إستشار علماء الأمة وأهل الحل والعقد فيها أم أنه تجاهلهم ولا يعترف بأحد غير (التنظيم)؟ وينكر كل فصائل المقاومة الذين (يجاهدون) معهم في نفس الميدان وأنكرالمكونات العلمية والمجتمعية التي يأمر الله بمشاورتها { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} الشورى 38. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. المجادلة 11 } أم أنهم لا يعترفون بأهل العلم الذين نصحوا الأمة وجاهدوا معها وتعرضوا إلى ما تعرضوا اليه ؟!
ج- (الخليفة) يتحدث عن التمكين فهل السيطرة العسكرية المجردة على منطقة محدودة محاصرة تعني التمكين ؟ وهل تحقق التفوق العسكري الميداني على الأعداء الذي يؤمن قيام الدولة وإستمرارها؟ إلا يعني التمكين أيضاً الإكتفاء عن الغير و وفرة المستلزمات الضرورية للحياة وعدم الحاجة للغير فضلاً عن عدم الإعتماد على الأعداء في توفير تلك الضروريات المعاشية ؟. هل توفرت مسلتزمات إقامة الدولة من شعب مقتنع ومؤمن بالدولة مفوض لها وسلطات قادرة على تقديم ما يريده الشعب من مصالح وحقوق وعدالة وحماية وقضاء وصحة وإقتصاد ومرتبات عبر مؤسسات قادرة على تنظيم كل ذلك وضبطه ؛ وموارد إقتصادية ثابتة وأجهزة رقابية وضبطية متمكنة فضلاً عن علاقات دولية (إقتصادية على الأقل) محيطية تمنع خنق تلك الدولة و حصار أهلها عبر إتفاقيات دولية…الخ ؟
ح- التمكين من الأعداء في معركة لا يعني إقامة دولة مستقلة بل بقاء حرب العصابات والكر والفر وحماية الناس من بطش الظالمين والمليشيات هو الأجدر والأقل كلفة .
خ- هذه الملاحظات تتعلق بخطبة الجمعة حصراً ولا تتكلم عن ممارسات (التنظيم) وأخطائه الفادحة بحق الناس الذي (تولى) عليهم وهو (الخليفة) يعتقد أنه تولى على المؤمنين به فقط! وذلك حسن فلا يرغم الأمة على بيعة لا علم لهم بها. كما لم يتحدث عن رفضه التعامل مع الفصائل المجاهدة وعلماء الأمة المعتبرين و وجهاء الناس وشيوخهم بل لعله لا يعترف بهم أصلاً ؛ من ما يعني عدم إهتمامهم وعدم حرصهم على وحدة الصف والبنيان الاجتماعي الرصين القادر على مواجهة التحديات والمخاطر ….الخ
د- على (الخليفة) أن يعرف أن ما تحق له من تمكين ميداني لم يكن ليتحقق إلا بقدر الله الذي خذل الأعداء الظالمين الفاسدين ونتيجة للظلم الذي تحقق على اهلنا ومعاناتهم ونفاذ صبرهم وبحث الناس عن مخلص أياً كان هذا المخلص !
إن الموقف الآن في العراق يقتضي وحدة الصف وترك كل هذه الأسماء و الأحزاب والفصائل والتوحد تحت راية أهل العلم المخلصين الثقات المعروفين بتاريخهم الجهادي النظيف إضافة إلى قادة الحراك الثابتين المخلصين لكي يقرروا لهم ما هم فاعليه بمعية بقية العلماء والقادة وشيوخ العشائر والوجهاء والنخبة العالية من علماء الامة واساتذتها من الحريصين على مصلحة الامة والساعين لدرء ما لحق بها من مفاسد وجلب ما يستطيعونه من مصالح للأمة . ويبقى الإيمان بإقامة الدولة الإسلامية واجب شرعي مكلف به كل مسلم في مشارق الارض ومغاربها ضمن حدود الشرع والسعة والدعوة وليس بفرض أمر واقع لا يمتلك عوامل البقاء قدر ما تدفعه لحرب بين عموم الناس وبين المسلمين أنفسهم كما نراه واضحاً جلياً في سوريا الأمر الذي يخدم اعداء الله ويضر بالإسلام وبالمسلمين.
أخيراً كل ما ذكرته لا يعني المقارنة مع أرعن أحمق كلمالكي ساق البلاد إلى الكوارث من أجل كرسي لعين وأطاع أعداء الأمة وسعى لتنفيذ مآربهم في تمزيق العراق أرضاً وشعباً ونصب نفسه معادياً للأمة بأمتياز ! ولو أمن الناس على حريتهم وكرامتهم وعبادتهم وتحقق لهم العدل لما تمكن (التنظيم) من البقاء على أرض العراق ولرفضه سنة العراق الغيارى.