26 نوفمبر، 2024 10:13 ص
Search
Close this search box.

قراءة في خطاب الخنجر السياسي (4- 5)

قراءة في خطاب الخنجر السياسي (4- 5)

بين الدين والسياسة
الانسان مدني بطبعه ، هذا ما توصلت اليه بحوث ودراسات من ارسطو في مدينته الفاضلة الى كارل ماركس مروراً بابن سينا وابن خلدون ، وهو استنتاج قائم على ان القواعد التي تحكم المجتمعات العادلة هي قواعد مدنية تتبناها دولة عادلة تطبق قانوناً عادلا يضمن حقوق الفرد والمجتمع معاً ، وبذلك تكون الدولة المدنية العادلة ضرورة للمجتمع الانساني المتحضر .
ركز الشيخ الخنجر في خطابه السياسي المتلفز على ضرورة قيام دولة مدنية عادلة هي الضامن لحقوق الافراد والجماعات تحت خيمة قوانين وقضاء عادلين تنفذ اشتغالهما المجتمعي حكومة تتمتع بتمثيل شعبي تطبق القوانين على الافراد دون تمييز عرقي او ديني او اثني او طائفي ، ودون التمييز بمفهومي الاغلبية والاقلية ، فالدولة المدنية العادلة هي التي تضمن حقوق الاقلية والاكثرية بنفس الروح والمستوى .
الدولة المدنية العادلة ليس شعاراً سياسياً للاستهلاك المحلي والشعبوي ، بل منهجاً سياسياً وقانونيا واجتماعياً من أهم خصائصه فصل الدين عن الدولة والسياسة معاً ، وليس عن الحياة كما يرّوج اعداء الدولة المدنية العادلة ، والتركيز هنا على العادلة التي كررها الخنجر ، على الاغلب مقصودة فليس كل دولة مدنية او علمانية تكون دولة عادلة .
كما من اهم خصائص الدولة المدنية العادلة قطع الطريق عبر قوانين عادلة على أي استخدام للدين في اشتغالات الدولة والسياسية ، فهذا الخلط سيضيّع الاثنين معا السياسة والدين باختلاف اخلاقيات اشتغالاتهما المجتمعية .
ان التركيز على مفهوم الدولة المدنية العادلة يأتي استجابة لضرورات الاختلاط الحاصل في المشهد السياسي العراقي بين ما هو ديني وما هو سياسي ، وهو اختلاط عرقل بناء الدولة العصرية الحديثة المدنية والعادلة .
الخلط الذي ادى الى غرق الاثنين معاً ، فلا الخطاب الديني واشتغالاته انتج دولة دينية بالمفهوم التقليدي لها ولا الاتجاهات المدنية السياسية استطاعت ان تؤسس لبناء دولة مدنية عادلة ، واصبح الاتجاهان يغنيان في مساحات متباعدة او مختلطة مشوهة ، فضاع علينا كما يقال ” الخيط والعصفور ” !
لقد ثبت في كل تجارب العالم ، ان غياب الدولة المدنية العادلة ، يعني بروز الافكار المتطرفة الدينية الطائفية والشوفينية والفوضى والجهل نتيجة لغياب العدالة المجتمعية التي يتوجب ان ترعاها الدولة المدنية العادلة.
في التجربة العراقية تبنى حتى رجال دين ، على قلّتهم، شعار الدولة المدنية العادلة ، لكنه كان تبنياً براغماتياً لخداع الجمهور ، فالعقلية الاجتماعية العراقية بشكل عام لاتستجيب من ناحية الجوهر للخطاب الديني القائم على بناء دولة دينية تحديداً ، وليس ادل على ذلك من الشكاوى المتزايدة من رجال دين اسلاميين من ظهور تيارات الحادية اولاً وتبني انتفاضة تشرين لواحدة من اهم شعاراتها ” بسم الدين باكونه الحرامية ” !
ان تبني شعار الدولة المدنية العادلة في العراق يعني خوض المعارك الفكرية والسياسية عبر الآليات الديمقراطية المتاحة في مواجهة قوى التطرف والفوضى وخلط الاوراق بين ما هو ديني وماهو سياسي ، وهي مهمة ثقيلة على كتف الخنجر وواجب تأريخي ومعركة ينبغي ان يخوض غمارها بقوة وشجاعة مع القوى والاتجاهات التي تتبنى الشعار نفسه من اجل بناء دولة عراقية مدنية عادلة تحكمها القوانين وتطبيقاتها على كل العراقيين دون استثناء !

أحدث المقالات