22 ديسمبر، 2024 10:19 م

قراءة في تيار الحكمة الوطني

قراءة في تيار الحكمة الوطني

اللغة ليست كافية لتغيير المفهوم وتشكيل الهوية، فغالبا ما تُعد اللغة رقماً من تسلسل السمات القومية، والتي لو إجتمعت يمكنها أن تغير الهوية بمنحى آخر..! ولو كانت اللغة بصورها ومفاتنها المعهودة من خطاب مؤثر، أو تطعيم وتلحين للعقيدة والفكر بالألفاظ المعسولة، وما يصاحبها من وهم وزيغ في البصر أمام المعجزة الواهية، قادرة على تغيير الهوية، لأصبحنا أشبه بالقطيع الذي يسيره “مرياع الغنم”! فلا نجد ما يقودنا الى اتخاذ القرار، ونستعيض بما يصدر عن الهوى والولاء المطلق والتبعية العمياء، فيلعب سيد الفكر الواحد، والعقل الجمعي لعبته، في تسيير الجماهير، الى ما يحفظ وجوده وتسيده على الرقاب والعقول الجوفاء! وأفضل بيئة لنمو تلك المفاهيم والمصطلحات على أرض الواقع، هي التكتلات والأحزاب والتيارات السياسية منها أو الإسلامية..!
في قراءة واقعية شاملة، عما يدون في سطور التيارات, والأحزاب, والكتل السياسية العراقية، نجدها بمجموعها تعيش تحت ظل “التعبئة الجماهيرية”، وعلى إختلاف طرق نشأتها في الأوساط السياسية، وهنا تلعب الجماهير دور فعال، في رفد تلك المسميات بما يساعدها على النمو والتكييف مع الأوضاع، بما يتعدى بيئة الإستغناء عن العقل والفكر والقناعة، بمدلولات التبعية والتسليم والولاء المفرط للقائد أو الزعيم! فتنشأ الصنمية والدكتاتورية من ذلك الوسط المشحون بالعاطفة والأنقياد، لتحط رحال الجماهير سواء بالسلب او الايجاب على كارثة تغييب العقل! أو ما يسمى بمفهوم” التَحَيُوًنْ الفكري”!

لست بموضع مشخص أو منحاز لجهة دون أُخرى، لكن ما شغل سبر إغوار فكري، إن قراءتي في “تيار الحكمة الوطني”، مختلفة كثيراً عما هو عليه في باقي التيارات والأحزاب والمكونات السياسية الأخرى، الطريقة التي نشأ بها “تيار الحكمة” ضربت جميع الأسس والمباني المتداولة، وخرجت من المفهوم الكلاسيكي القديم المتعارف عليه! إذ نجده بأنه تيار يحمل بداخله مشروع وطني أوسع من المساحة التي يتحرك بها! فعندما نتكلم عن عمر “تيار الحكمة الوطني” نجده لا يتعدى الأسابيع وهو لازال في طور التكوين! خصوصا وإن مفاصله لم تكتمل لغاية الآن! وهذا ما لا يمكنه حتى من لملمة جماهيره، والذهاب بإتجاه تعبئتها كما يفعل الأخرين، ولكن بنفس الوقت لو أتينا الى مشروع التيار نجده مشروع متكامل ناضج..! قادر على قيادة الدولة.

قد نقول إن “تيار الحكمة الوطني” هو التيار الوحيد الذي يتصف إنه تيار بمشروعين! فتارة تجده مشروع مقاوم معارض، عاش عشرات السنوات تحت مسمى”تيار شهيد المحراب”، وتارة تجده مشروع حاكم يؤمن بمبدأ الحداثة والتطور، ويتكييف مع متطلبات المرحلة والتحديات، فينطلق من مصطلح المواطنة لقيادة الدولة، وهو التيار الأول والوحيد الذي وجدت جماهيره معبئة من خلال ايمانها بالمشروع، عكس ما نجده في التيارات الأُخرى، التي تُعبئ جماهيرها ايمانا وثقة بالزعيم أو القائد! ومن الخطأ هنا بأن يقال: إن “تيار الحكمة الوطني” إنشق أو إختلف عن “المجلس الاعلى الإسلامي” وذلك لأسباب أهمها:

• على نطاق المسميات “تيار الحكمة الوطني” يضم بداخله مسميات ومكونات هي كانت ضمن “تيار شهيد المحراب” لكنها لم تكن ضمن مسمى “المجلس الأعلى الإسلامي” بل كانت منفصلة عنه تماماً! ولا زالت منفصلة، بالرغم من وحدوية العنوان الشامل، مثل “تجمع الأمل” او “حركة الجهاد والبناء” أو “مؤسسة شهيد المحراب” وغيرها من المسميات التي إنظمت الى “تيار الحكمة” مؤخراً.

• على نطاق الجماهير فنقول إن “المشروع الوطني”، الذي كان يعمل به “رئيس المجلس الأعلى” سابقاً، هو نفسه المشروع الذي يعمل عليه اليوم في “تيار الحكمة” وإن الجماهير تؤمن بالمشروع أينما حل، وتحت أي مسمى كان، وليس هنالك إنقياد نحو القائد أو الزعيم مع غياب المشروع الوطني، وبذلك إن تلك الجماهير لم تنشق عن المشروع، بل على العكس من ذلك تمسكت به!.

• على نطاق قادة المشروع، وأعضاء قيادة التيار، إن “الحكيم” لم يختزل وجوده وقيادته في “المجلس الأعلى” فقط، إذ أن “المجلس الأعلى” هو أحد مفاصل ومكونات “تيار شهيد المحراب” الخمسة! والذي كان يرى فيه السيد “الحكيم” جزء من المشروع الوطني على مستوى لا يقل ولا يزيد شأن من باقي المكونات والمفاصل.

من بعد هذه القراءة في “تيار الحكمة الوطني” نستطيع أن نحدده، بأنه التيار الوحيد الذي ولد كبيرا ومتأخراً! لأن أغلب التيارات والأحزاب التي دخلت العراق عام 2003 كانت قد شُكلت على أساس التيار أو الحزب المعارض، وإن السقف الزمني الذي حددته تلك التيارات لنهاية الحكم البعثي الصدامي، لم يكن بمستوى الطموح لوضع برنامج ما بعد البعث، صعوبة الموقف، وضعف القرار، مع وجود الإحتلال الأميركي آنذاك، والمرحلة الحرجة، أضف اليها الجماهير الغير مُهَيَأة سياسياً! لم تسعف تلك الأحزاب ولم تمكنها من وضع خارطة طريق جديدة، توصلنا الى تفهم مبدأ التيار الحاكم، ولعله “تيار الحكمة الوطني” وبهذا الوقت المتأخر، يكون أول مبادر لوضع خارطة الطريق، والتي تعمل على إحتواء المرحلة، والنهوض بالبلد، الى دولة قوية قادرة على قيادة جماهيرها..