تمهيد :
بعيدا – عن لغة كتابة القرأن ، وعن تأثير ودور اللغة السريانية في كتابة القرأن في وضعه البدائي الأولي ، وعن أنه كتب في بداياته دون تنقيط وتحريك وتشكيل ، وبعيدا عن الناسخ والمنسوخ ، وعن توظيف الأسرائيليات في النص القراني ، وعن تداخل الأحاديث النبوية مع النص القرأني ، وعن قواعد ونحو توظيف الضمائر في التخاطب بالآيات .. وددت في هذا البحث المختصر الغور في تكرار ذكر بعض الأسماء بالقرأن / منها المسيح والعذراء مريم ، دون أسماء أخرى / منها محمد نبي الأسلام وفاطمة أبنته ، التي كان من المفروض لهذين الأسمين هما اللذان يذكران بهذا الكم من التكرار .. لأجله نويت أن أدلو بدلوي في هذا الصدد .
الموضوع : * ذكر أسم محمد نبي الأسلام في القرأن أربع مرات فقط لا غير ، فقد ذكر في التالية ( الآية 144 من سورة آل عمران. في الآية 40 من سورة الأحزاب . في الآية 2 من سورة محمد . في الآية 29 من سورة الفتح . / نقل من موقع / مركز الأشعاع الأسلامي ) .. * أما أسم فاطمة بنت محمد فلم يذكر أسمها على الأطلاق . البعض علل ذلك بما يلي ( أن الأسماء قد تكون عرضة للتحريف والتزوير والتبديل وبخاصة من قبل الأعداء والموتورين والحاسدين، وبذلك إن عدم ذكر الأسماء صراحة قد يكون من أساليب حفظ وصيانة القرآن من التحريف على قاعدة : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون . موقع / مكتبة العتبة الحسينية المقدسة ) ..
ولكن كل ما ذكر هو تبرير غير مقنع لعدم ذكر أسم فاطمة بنت محمد رسول الأسلام في النص القرآني ! . * أما أسم يسوع المسيح ، فقد ذكر في القرأن 25 مرة ، وبمفردات مختلفة منها مضافة الى صفة أخرى ، وكما يلي (( ورد لفظ عيسى فقط في القرآن الكريم 9 مرات خلال 9 آيات . ورد لفظ عيسى ابن مريم 13 مرة خلال 13 آية . ورد لفظ المسيح عيسى بن مريم 3 مرات خلال 3 آيات فيكون مجموع لفظ عيسى في القرآن الكريم : (9 + 13 + 3 = 25) مرة خلال 25 آية قرآنية . / نقل من الموقع التالي alargam.com/adum/6.htm )) .
* أخيرا أن أسم العذراء مريم هو الأكثر تكرارا في القرآن ، فقد سميت سورة كاملة في القرآن بأسمها ، وهي السورة الوحيدة التي سُميت باسم امرأة ، كذلك تعد مريم العذراء هي السيدة الوحيدة التي ذُكرت باسمها صراحة في القرآن ، مما يُظهر ذلك عظم قدرها في الإسلام .. فقد ورد اسم السيدة مريم صراحة في القرآن 34 مرة : – 23 مرة مقرونا باسم ابنها: { ابْنُ مَرْيَمَ }16 . مرات بصيغة {الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ }3 . مرات بصيغة { عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } 13 . مرة بصيغة { عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } . 7 مرات ورد اسمها الصريح مقرونا باسم ابنها غير الصريح . 5 مرات بصيغة {الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ . 7 مرات بصيغة : { ابْنُ مَرْيَمَ } . كما ورد اسمها الصريح من غير أن يقرن باسم ابنها 11 مرة . 5 مرات مقرونا بياء المنادى { يَا مَرْيَمُ } . 6 مرات من غير أن يقرن بياء المنادى: { مَرْيَمَ }. وهذا في:31 آية من آيات القرآن الكريم . / نقلت المادة بتصرف وبأختصار من موقع / تطبيق الشيعة الأشمل .
القراءة :
أولا – هناك أشارات وتساؤلات يرسلها كاتب / كتبة ، القرأن ، بهذا التكرار !! وهي تتضمن قدسية خاصة للمسيح والعذراء أمه في القرآن ، دون غيرهما !! ، وهذا يجعلنا أن نتسائل مرة أخرى : لم هذا التركيز على هذه الأسماء / المسيح والعذراء مريم ، بالتحديد ، التي لا تمتا بأي نسب لصاحب القرأن بأي صلة ! ، وهذا التركيز في التكرار ليس له من علاقة أو أي أرتباط أيضا بالأية التالية / مثلا ، التي تؤكد على مصداقية التوراة والأنجيل ( الم – اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ – نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ – مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ [آل عمران: 1 – 4] ) ، أو بالأية التالية ( وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)/ سورة المائدة ) ، والتي تؤكد علي أتباع المسيح ، وبخصوص تفسير الآية فقد جاء في تفسير الطبري ، ما يلي : ( قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله: وقفينا على آثارهم “، أتبعنا .. ) . * أني أرى أن هذا التكرار له غرضا معينا بعيدا عن مسألة التكريم والاعتراف والمصداقية ! ، لأنه أعمق من هذه المضامين بكثير ، وكل هذه المؤشرات يسأل عنها واضع نصوص القرأن الفعلي ، وما هو الغرض من هذا التكرار ! ، والاجابة في هذا الشأن شبه مستحيلة ! ، لمجهولية من وضع / وضعوا ، النص القرآني تحديدا ! .
ثانيا – من المنطق أن نتسائل هل أن محمدا هو الناقل الوحيد لكل الآيات الى مدوني القرآن ! ، وهل هناك مصدر ثان للنص القرآني غير محمد ! ، خاصة أذا آمنا أن محمدا كان أميا حقا ، أي أنه لم يكن بأستطاعته قراءة وتمحيص النصوص ، التي تكتب من قبل المدونين ! ، لأنه ليس من المنطق أن يعطي القرآن كل هذه المساحة النصية لأشخاص آخرين ، وهو بعينه يفتقدها ! ، وهل من الممكن قبول وجود ملقن أو ناقل أخر لمدوني القرآن غير محمد ! ، لأن الواقع يقول أن النص القرآني من بنيته لم يركز على صاحبه / محمدا ، سوى بذكره أربع مرات ! .. من جانب أخر ، نلاحظ أن رسول الأسلام أخذ يعوض هذا الأهتمام بنشر بعض الأحاديث منها : عن جابر بن عبدالله أن النبيَّ قال : (( أعطِيت خمسًا لم يُعطَهن أحدٌ قبلي : نُصِرت بالرعب مسيرة شهر ، وجُعِلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا ، فأيُّما رجل أدركَتْه الصلاة فليُصلِّ )) ، أو بوضع نص قرآني على أنه خاتم النبيين ( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40] ) / وهي أحدى السور الأربعة التي ذكر محمدا بها ! .
ثالثا – المثير للأنتباه أن أبنة محمد ، فاطمة الزهراء لم تذكر في القرأن أيضا ، وهي الأولى عن غيرها لكونها : ” أبنة الرسول وزوجة علي بن أبي طالب وأم الحسن والحسين ، والتي تلقب ب سيدة نساء العالمين ” ، بالرغم من أن التفاسير الشيعية للأيات القرآنية تبين غير ذلك ، كقولهم في تفسير الأية التالية ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ سورة الأحزاب : آية ٣٣] ، وتفسر الأية وفق المذهب الشيعي كما يلي ( تشمل هذه الآية المباركة فيمن تشمل السيّدة فاطمة الزهراء (ع) بل هي محور الآية وأساسها .. لأنّها نزلت في أهل بيت النبوّة ، ولنا حديث مع أولئك الذين حاولوا إدخال البعض من غير أهل البيت في نطاق الآية ، وما يهمّنا الآن هو أنّ الزهراء معنية بهذا الخطاب الإلهي .. / جزء من مقال لعبد المنعم حسن في موقع https://research.rafed.net ) . * ولكن التفاسير الشيعية غير منطقية ولا تتصف بالمصداقية في هذا الصدد .
رابعا – هل تغير نهج القرأن ! من كتاب لمعتقد غير الأسلام / لما به من تركيز وأهتمام للمسيح وأهله ، الى كتاب للأسلام فيما بعد ، خاصة بعد موت ورقة بن نوفل ! ، وأنقطاع رافد معلوماتي وقصصي عن محمد ، هذا من جانب ومن جانب أخر كان لورقة الدور الكبير في دفع الدعوة المحمدية في بواكيرها .. والتساؤل كيف للوحي أن يفتر وكيف لنبي ان يحاول الانتحار ، بعد موت معلمه / ورقة بن نوفل ! وهذا ما جاء في حديث البخاري ، المرقم 6581 ( وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي ، فيما بلغنا ، حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال : يا محمد ، إنك رسول الله حقا . فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع ، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك ) .
خاتمة :
أني أرى أن واضع النص القران ترك لغزا ، بل ألغازا ، لا يمكن فك طلاسمها بهذا التكرار المقصود لهذين الأسمين تحديدا ، وذلك من أجل زرع مساحة من الحيرة والشك لدى المحللين والباحثين العقلانيين لهذه النصوص ، وليس من اليسير البت بهذا الأمر ! ، وليس من الممكن معرفة ما السبب ! وما هو المراد من هذا الوضع ، وما الهدف منه ! ، ألا أذا عرفنا شخصيات وخلفيات من كتب النصوص ، وهذا كما أسلفت يعتبر من شبه المستحيل !! .