لم يأت التقرير الأخير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الأمريكية بجديد، لكنه جاء ليؤكد صحة الدعوات التي صدحت بها اصوات المعتصمين في المحافظات الست المنتفضة.
كانت ساحات الاعتصام عبارة عن رفض لكل أشكال الظلم عامة، والظلم الذي أصاب أهل السنة والجماعة خاصة، كما ان المعتصمين كانوا ينادون من اول يوم خرجوا فيه بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، والنساء منهم بشكل خاص.
ولعل تلك الصيحات التي خرجت قبل عام انتصارا للمرأة المعتقلة ، زوجة وابنة واخت ، كانت بمثابة الشرارة إلفات نظر العالم الذي تغافى عن قضية حقوق الانسان في العراق، والانتهاكات المستمرة داخل المعتقلات وخارجها لمكون كبير.
وهو ما أشرته المنظمة على لسان مديرها التنفيذي “جو ستورك” الذي أكد ان الإساءات التي تعرضت إليها النساء المعتقلات هي “لب الازمة الراهنة في العراق” ، لافتا الى انها ادت الى غضب دفين ، وافتقار للثقة بين طوائف العراق المتنوعة وقوات الأمن”.
نعم، انتقدت تقارير دولية عدة الممارسات غير الانسانية لجهاز التحقيق العراقي، وشككت بقرارات القضاء وأحكامه، والتي إعتمدت على اعترافات أخذت بالإكراه ، لكن السلطة الحاكمة في العراق كانت دائما تحاول عدم الاكتراث بهذه التقارير او تسعى للتقليل من شأنها ، عادة ان وراءها اجندات اقليمية او دولية ، وربما “غيرة” من النظام الحالي في العراق!!.. مع انها في سنوات “نضالها السري” كانت تعتمد كليا على هذه التقارير في ترويج معاداتها للنظام السابق ، فمالذي تغير، ولماذا اصبحت ترى في هذه المنظمات عدم المصداقية؟ .. ولماذا اخذت تعد تقاريرها بشيء من العدوانية؟.
التقرير الجديد صدر من منظمة رصينة، لا تلقي بكلام على عواهنه، وانما ترصد وتحقق ، قبل ان تكتب وتؤشر، وهذا التقرير يعد وثيقة لأنصاف أولئك المعتصمين الذين يواجهون اليوم حربا شعواء بسبب مطالبهم بحقوقهم المشروعة التي في مقدمتها اطلاق سراح السجينات ومحاسبة معذبيهم ومنتهكي شرفهن.
وبخلاف الرواية الحكومية ، التي نفت مرة وجود سجينات اصلاً، ومرة اعتقال على ذمة الزوج او الاخ او الاب، وثالثة تعترف بوجود سجينات فعلا، لكن وبسبب ارتكاب اعمال قتل وإرهاب ، أكدت المنظمة في تقريرها الذي صدر في 6/2/2014 “ان السلطات العراقية تحتجز آلاف النساء من دون وجه حق، وتخضع الكثيرات منهن للتعذيب وإساءة المعاملة، وبما في ذلك الانتهاك الجنسي”.
وتوضح المنظمة “ان الاغلبية الساحقة من السيدات الـ(4200).. المحتجزات في مراكز تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع ينتمين الى الطائفة السنية”.
واذا كنا نريد ان نناقش قانونية مراكز الاحتجاز ، فان وجود سجينة لدى معتقلات وزارة الدفاع يعد إنتهاكا صارما لحقوق الانسان، كون مراكز الاحتجاز ينبغي ان تخضع لمعايير قانونية وحقوقية وهي منتفية في وزارة لا علاقة لها بالسجون ومراكز الاحتجاز لمدنيين تحديداً.
ويشير التقرير الى “ان العديد من النساء تعرضن الى الاحتجاز شهورا طويلة ، وحتى سنوات من دون اتهام ، قبل العرض على قاض مختص”.
وتأتي الطامة الكبرى عندما يذكر التقرير ان “قوات الأمن هي من تستجوب المعتقلات بشأن انشطة اقارب لهن من الذكور وليس بشأن جرائم تورطن فيها هن انفسهن”.
كنا نتمنى ان تضطلع وزارة حقوق الانسان بمهمة رصد مثل هذه الانتهاكات والتصدي لها ، لا ان تكون مجرد هيئة حكومية تشرعن لمثل هذه الممارسات او تقلل من شأنها وتعدها ممارسات فردية مع ان ما يجري في السجون اليوم ظاهرة عامة .
التقرير يؤكد انه لا أحد آمن في العراق، مؤشرا الى ان الانتهاك لحقوق المرأة يصب في نظام العدالة الجنائية العراقي، مبينا “ان العديد من النساء اللائي احتجزن تعرضن الى الاعتداء بالضرب والصفع والتعليق في وضع مقلوب ، والضرب على القدمين والتعرض الى الصدمات الكهربائية ، والاغتصاب، او التهديد بالاعتداء الجنسي من طرف قوات الامن اثناء استجوابهن”.
وفيما يدافع الائتلاف الحاكم عن سجونه ، ويمنع أي إعتراض على الإجراءات القضائية ، واصفاً السلطة القضائية بالمستقلة والنزيهة والمحاكم عادلة، عدت المنظمة القضاء العراقي انه “لا يفعل ما يكفي للتحقيق في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة “،موضحة انه “في كل الاحالات الموثقة لديها تقدمت نساء بشكاوى الى القضاة ، لكن لم يفتح بها تحقيق”، واصفة القضاء العراقي بـ”الصفيق” ، والمبتلى بالفساد ، ويستند في احكام الادانة الى اعترافات منتزعة بالاكراه “، مشددة على ان “المحكمات تفتقد الى المعايير الدولية”.
وعلى قاعدة رمتني بدائها وانسلت ، تسمع من السلطة التنفيذية كلاما مناقضا لفعلها، حيث تشكو من وجود ضغوط من الكتل السياسية على القضاء، مبديةً حرصها على استقلاليته ، مع ان ما يجري في العراق هو خضوع السلطة القضائية للسلطة التنفيذية بشكل جلي، وهو ما ذكرته المنظمة “ان قضاة اخبروا المنظمة بأنهم تعرضوا الى الضغط لأدانة نساء من غير توفر أدلة”.
وتؤكد المنظمة ان أجهزة الأمن العراقية، وبمباركة من الحكومة لا تخضع لعقوبات.
بقي ان نشير الى ان وزارة حقوق الانسان التفتت قليلا الى هذا التقرير الطويل ، بكلام مقتضب ، حيث قللت من مضمونه ، وعدته “مبالغ فيه، مستدركة كعادتها وجود بعض الانتهاكات ، لكنها فردية.
واذا كانت السجون كما يصفها بعضهم بأنها اشبه بفنادق 5 نجوم، فلماذا تمنع الهيئات المحلية الحقوقية ، والنواب من زيارتها ، ولماذا هناك أنين مستمر من هذا الملف المحاط بالسرية والقضبان الحديدية.
إفتحوا الابواب لنرى ويرى العالم حقيقة ما يجري في السجون من دون رتوش ولا دبلجة وتوليف.