حقائق وأرقام صادمة ومحاكم وأعدامات بلا رقابة وتساؤلات مشروعة
أوضحت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق – يونامي – UNAMI ان الاحكام التي تصدرها المحاكم العراقية على المتهمين بموجب قوانين مكافحة الارهاب: تبين عدم كفاءة وهيكلية وانتظاما في تنفيذ الاجراءات القضائية في المرافعات التي تم حظورها والتي غالبيتها للمتهمين بالانتماء او كاعضاء من تنظيم داعش وتفتقر الى الرقابة وعد احترام معايير المحاكم العادلة واستخدام التعذيب للحصول على الاعترافات.
وجاء في التقرير الصادر من مكتب مفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان تحت عنوان ( حقوق الانسان في تطبيق العدالة في العراق: المحاكمات بموجب قوانين مكافحة الارهاب والأثار المترتبة على العدالة والمساءلة والتماسك الاجتماعي في أعقاب مرحلة ” داعش ” ) الصادر في كانون الثاني 2020 فيه أرقام وحقائق مهمة ومعلومات صادمة عن أجراءات المحاكم والاحكام التي تصدرها المحاكم العراقية بحق المتهمين بالعمل او الانتماء لتنظيم داعش .
واشارت النتائج التي توصل أليها فريق البعثة : يشعر بالقلق الشديد لعدم احترام المعايير الاساسية واصفة الى أنه ” اثارت النتائج التي توصلت أليها البعثة القلق الشديد إزاء عدم احترام معايير المحاكمة العادلة الاساسية في المحاكمات التي تتعلق بالارهاب، وكذلك حددت البعثة عددا من المشاكل المتأصلة ضمن نظام واطار قانوني اوسع للملاحقات القضائية في سياق مكافحة الارهاب والتي يعد نطاقها وحجمها خارج صلاحية سلطة المحاكم للبت فيها”
التقرير الذي أعده مكتب ( UNAMI ) من خلال مكتب مفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان ( CHCHR) يغطي ” المدة مابين – ا – أيار 2018 لغاية 31 تشرين الاول 2019 وتستند النتائج التي وردت في هذا التقرير الى رصد ( 794 ) جلسة محاكمة جنائية في محافظات الانبار وبغداد والبصرة وذي قار ودهوك واربيل وكركوك ونينوى وواسط وتم حضور ( 613 ) جلسة محاكمة تخص رجال ونساء وأطفال يواجهون تهما بموجب قوانين مكافحة الارهاب العراقية ”
ويوضح التقرير انه لوحظ وجود نمط ثابت لأجراءات المحاكمة المنظمة بشكل جيد مع الاخذ بنظر الاعتبار العدد الهائل من القضايا المرتبطة بداعش ومع ذلك اظهرت نتائج التقرير قلقا شديدا من عدم احترام المعايير الاساسية للمحاكمة العادلة وذلك وفقا لما يوضح التقرير بأن الاجراءات المتبعة هي : انتهاكات معايير المحاكمة العادلة فيما يتصل بالمساواة أمام المحاكم والحصول على أجراءات المحاكمة – وخاصة عدم فعالية التمثيل القانوني والافتقار للوقت الكافي للأعداد للقضية .
كما يوضح التقرير أنه تمت الاستناد المفرط الى الاعترافات مع وجود مزاعم بالتعرض للتعذيب وسوء المعاملة لم تتعامل معها المحكمة على نحو ملائم .
وعن ربط الموضوع بقضايا الارهاب يوضح التقرير بأن : ركزت المحاكمات بموجب الاطار القانوني لمكافحة الارهاب بتعريفها الفضفاض والواسع والمبهم للأرهاب والجرائم المرتبطة به – على الارتباط او الانتماء لمنظمة أرهابية بدون التميز على نحو بين من اشتركوا في أعمال العنف وبين من أنضموا لداعش طلبا للنجاة بأنفسهم .
ولأن الامر الملفت للنظر وبأعتباره واحدا من مسارات تحقيق العدالة هو حضور الضحايا وذويهم لمتابعة اجراءات المحاكم ألا أن التقرير يشير : ” حثت القيود العملية على علنية الجلسات وغياب حضور الضحايا في اجراءات المحاكمة والاستناد المفرط في تهمة الانتماء الى منظمة أرهابية حدت من إمكانية الضحايا وأسرهم، كذلك بالنسبة لعامة الناس لرؤية مرتكبي الجرائم وهم يخضعون للمساءلة وأخفقت في الكشف الكامل عن مدى الجرائم المرتكبة”.
المعلومات التي استند عليها التقرير جاءت من متابعة لـ ” ( 619 ) جلسة المحاكمة ذات الصلة بالارهاب وبضمنها (23 ) قضية كانت فيها المتهمة أنثى ، و(44 ) قضية كان فيها المتهمون أطفالا وقت أرتكاب الجريمة وواحدة من القضايا تتعلق بفتاة و( 28 ) قضية تتعلق بمتهمين أجانب من ( 11 ) بلدا مختلفا ، كما تابعت البعثة سير 25 جلسة تحقيقية في قضايا تتعلق بالارهاب من المجموع الكلي”. وهنا لم يوضح التقرير البلدان التي ينتمي اليها هؤلاء المتهمين.
ويشكو فريق البعثة من التعاون والتنسيق اذ يوضح انه ” حضر موظفو حقوق الانسان في البعثة جلسات المحاكمة على نحو منتظم ، من خلال اختيار الحضور لأيام على نحو عشوائي ومن مجموع القضايا تم مراقبة (510) جلسة محاكمة تخص قضايا أرهاب تم خلالها أعلان الحكم … وخلالها التقي موظفوا البعثة بالقضاء والمحامين وبما فيها نقابة المحامين العراقيين ومدعين العموميين وناشطي المجتمع المدني والضحايا واسر المهتمين وجمعوا وقاموا بتحليل التشريعات والمعلومات من وثائق وتقارير رسمية أخرى . بين أن ملفات المحاكم – بما في ذلك الاحكام التحريرية لم تكن متاحة لفرق موظفي مكتب حقوق الانسان”
ويوضح التقرير بأنه بما أن العراق طرف في اتفاقيات جنيف لسنة 1949 وبروتوكولها الاضافي لسنة 1977، والتي تؤكد على نحو صريح ” اصدار الاحكام وتنفيذ عقوبات الاعدام دون إجراء محاكمة سابقة امام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا تكفل جميع الضمانات القضائية التي تعترف الشعوب المتحضرة بأنها ضمانات لاغني عنها ” بشأن الاشخاص غير المشاركين مشاركة فعلية في الاعمال العدائية .. الى جانب أن الدستور العراقي يضمن استقلال القضاء والحق في المعاملة العادلة في الاجراءات القضائية والادارية ألا أنه لم يكن هناك ألتزام بهذه المعايير الواردة أعلاه.
وعن القانون المحلي المطبق على الاشخاص المشتبه بهم أو المتهمين بأعمال ارهابية يصف قانوني مكافحة الارهاب الاتحادي واقليم كوردستان بأن ” القانونين يتسمان بتعريف فضفاض للأرهاب ” وخاصة ما يتعلق بتهمة الانتماء والعضوية في منظمة أرهابية واحكام الاعدام . ويوضح التقرير بأن ” لايسعى الكثير من القضاة بالضرورة الى فرض عقوبات صارمة، فهم يريدون معالجة القضايا والظروف والملابسات التي أدت الى أرتكاب الجريمة ، لكن القانون لايعطي الكثير من الخيارات ”
وعن ما يتعلق بجرائم الابادة الجماعية أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الأنسانية يوضح التقرير بأنه ” لايقوم القانون المحلي العراقي بتقنين الجرائم الدولية ولاتمتلك المحاكم العراقية صلاحية فيما يتعلق بجرائم الإبادة أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الانسانية التي تم أرتكابها على ارض العراق، كما أن العراق ليس طرفا موقعا على نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية ” ولعل هذا الامر هو الاكثر تاثير في سير المحاكمات الخاصة بالاجانب وأيضا العراقيين وخاصة أولئك الذين ارتكبوا جرائم الاغتصاب والسبي أثناء النزاع حيث لاتوجد في التشريع العراقي ما يشير الى هذين الجريمتين وهو الامر الذي تنتظر بصورة واسعة أبناء الاقلية الايزيدية خاصة بأعتبارهم الضحية الاكبر لأرتكاب هاتين الجريمتين وبقية ذوي الضحايا على مختلف الجرائم التي أرتكبها اعضاء تنظيم داعش .
وعن دور المحامين الذين تنتدبهم المحكمة يوضح التقرير بأن ” بعض الجلسات جرت دون محامي الدفاع ومما يثير قلقا بالغا هو أن يونامي قد تلقت تقارير متواترة بعدم السماح للمحامين بالحضور اثناء الاستجواب من قبل الشرطة أو القوات الامنية الأخرى” بالاضافة الى ذلك لوحظ باستمرار أن محامي الدفاع خاصة المحامين الذين تنتدبهم المحكمة، يلعبون دور غير فاعل في مراحل جلسات التحقيق والمحاكمة وأن دورهم لايتعدى – مطالبة المحكمة بإبداء الرأفة تجاه المتهم دون طرح اي أسئلة أو القيام بأية مداخلات أخرى “.
وما يثير القلق في سير أجراءات المحاكم التي حضرها فريق يونامي هو الاستناد الى شهود مجهولين ومعلومات جاءت استنادا الى تقارير أمنية أو استخبارية ، ولم يكن هناك فرصة للطعن بها من قبل محامي الدفاع والتي شملت ( 428 ) من القضايا التي تمت متابعتها .. الى جانب التعرض للتعذيب واستخدام الادلة التي تنتزع بواسطة التعذيب أو سوء المعاملة وان ضمن (260 ) جلسة محاكمة اثار 60% منهم أدعاءات حدوث حالات التعذيب، واخرين في مرحلة من مراحل التحقيق سحبوا اعترافاتهم لاحقا في مرحلة المحاكمة … وما يثير التساؤال هنا هو ما أشار اليه التقرير بأن ” القضاة لم يقوموا بصورة عامة في جلسات المحاكمة التي جرى حضورها من قبل بعثة يونامي بالتشكيك في الأدلة التي حصل عليها من الاعترافات، بما في ذلك تلك التي أدعى المتهمون بأنها أنتزعت منهم من خلال التعذيب أو سوء المعاملة”.
وعن دور المدعى العام في هذه المحاكم وصف بأنه ” سلبي ” اذ يشير التقرير بأن دور المدعي العام عموما كان سلبيا إذ اقتصر على اصدار التوصيات بشأن نتائج الدعوة في جلسات المحاكمة التي جرى مراقبتها “.
ومن الحقائق المهمة التي يثبتها التقرير بأن ” محكمة التمييز كثيرا ماكانت تنقض الاحكام الصادرة مما أدى الى فرض عقوبات أشد شملت أحكاما بالاعدام – وحضرت البعثة ( 50 ) جلسة إعادة محاكمة لقضايا تتعلق بالارهاب والتي شملت النطق بحكم المحكمة (42 ) من أصل (50 ) حكم صادر تم رفع العقوبة الى أساس أن الحكم الأول الذي اصدرته المحكمة لم يكن مشددا بشكل كاف”
وفيما يتعلق بأحكام الاعدام تؤكد بعثة الـ يونامي معارضتها لأستخدام عقوبة الأعدام في جميع الظروف كسياسة عامة ويتحرك المجتمع الدولي ككل نحو ألغاء عقوبة الأعدام ولكن التقرير يشير ايضا بأنه ” فيما لايقل عن (19 ) جلسة محاكمة أشارت عمليات المراقبة الى أن المتهمين حكم عليهم بالإعدام رغم أن الأتهام الذي ذكر اقتصر فقط على الانتماء الى منظمة أرهابية دون الاشارة الى اي عمل من أعمال العنف- فيما الوضع في اقليم كوردستان يختلف اذ يوجد ايقاف فعلي لعقوبة الاعدام منذ عام 2018 وفي جلسات المحاكمة البالغ عددها (186 ) جلسة جرى حضورها في محاكم كردستان، جرت محاكمة المتهمين من أفراد تنظيم داعش على وجه الحصر تقريبا وفق الاحكام التي تحظر الأنتماء الى جماعة أرهابية المادة 3 / سابعا من قانون مكافحة الارهاب في اقليم كردستان العراق، والتي تفرض عقوبة السجن مدى الحياة بدلا من عقوبة الاعدام” ويورد التقرير بأنه من ” اصل (317 ) جلسة من جلسات المحاكم في قضايا تتعلق بالارهاب في المحاكم الأتحادية التي جرى حضورها والتي شملت النطق بالحكم ، فرض القضاة عقوبة الاعدام في (100 ) قضية شملت (105 ) منهم – وراقبت البعثة ثلاث حالات فقط في جلسات المحاكمة الجنائية العامة جرى فيها تطبيق عقوبة الاعدام من اصل (105 ) حالة.
وطالبت البعثة كما ورد في التقرير ” أن تكون جلسات المحاكمة علنية أمام الجمهور، بمن فيهم وسائل الاعلام، ويجب ان لاتكون محددة على فئة معينة من الاشخاص، وينبغي على المحاكم ان توفر المرافق الملائمة لتيسير حضور المهتمين من الجمهور ”
ويؤكد التقرير بأن المحاكم العلنية توفر تحقيق العدالة والحقيقة للضحايا وأسرهم بأعتبار أن ” الحق في المحاكمة العلنية ضمانة مهمة لمصلحة الفرد والمجتمع على حد سواء، ويعزز الحق في الحصول الى العدالة والحقيقة للضحايا وأسرهم، ويجب أن يكون من حق الضحايا وممثليهم الحصول عىل معلومات عن الأسباب التي أدت الى وقوعهم ضحايا وعن الاسباب والظروف المرتبكة بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الانسان ومعرفة الحقيقة فيما يتعلق بهذه الانتهاكات”
الى جانب تأكيدها بأن ” حاجة الضحايا لأن يكونوا جزءا من توجه شامل للعدالة والمساءلة هو أمر يلزم أخذه في نظر الاعتبار ايضا، فالضحايا بحاجة لمعرفة الحقيقة، بما في ذلك التعرف على ملابسات الجرائم المرتكبة على أختلافها ”
وقدمت البعثة في التقرير مجموعة توصيات أكدن بانها ستساعد على تحقيق العدالة والمحاسبة عن الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش بالعراق ورحبت بالخطوات التي تتخذها الحكومة العراقية وتدرك التحديات الماثلة أمام النظام القضائي .
وشددت على مراجعة قوانين مكافحة الارهاب لكي تتماشى مع القانون الدولي، ومراجعة أحكام قانون اصول المحاكمات الجزائية والتي تتيح الاعتماد بشكل مكثف على الافادات السرية والتقارير والاعترافات لتتوائم وفقا للمعايير الدولية.
كما طالبت البعثة بضرورة ” النظر في مراجعة وظيفة المدعى العام في نظام العدالة الجنائية العراقي – ووضع سياسات بشأن إعادة تأهيل مرتكبي الجرائم المتعلقة بالارهاب وإعادة إدماجهم وخصوصا الاطفال بهدف منع نشوب الصراعات ومشاركة الضحايا في الاجراءات القضائية بغية ضمان الحق في معرفة الحقيقة ”
وأشار التقرير الى جملة الاحكام الصادرة لجلسات المحاكمة التي تم مراقبتها وتضمنت احكام بالسجن مدة تصل الى عشر سنوات لـ ( 132 ) رجل ونوع القضية ارهاب و(41 ) حكم بالسجن مدة تتراوح بين 11- 19 سنة و (50 ) حالة السجن مدى الحياة و (104 ) حالة الحكم بالاعدام و (131 ) الحكم بالبراءة .
اما الاحكام على النساء بـ تهمة الارهاب فكانت 3 منهن السجن الى عشر سنوات وواحدة بين 11 الى 19 سنة و خمسة منهن مدى الحياة وواحدة الحكم عليها بالاعدام و خمسة منهن بالبراءة أما بخصوص الاطفال فكان الحكم الى عشر سنوات ل (49 ) منهم وواحد بين 11 الى 19 سنة و( 20) السجن مدى الحياة و 3 الحكم بالاعدام و (61 ) منهم بالبراءة ليصبح مجموعة الاحكام لـ 644 قضية تمت متابعتها من قبل فريق البعثة.
ما يثير التساؤل هنا فيما اذا أستمرت السلطات العراقية بالتعامل مع ملف المتهمين بالعمل لتنظيم داعش كقادة ومقاتلين ومساهمين مع التنظيم في ارتكاب العديد من جرائم القتل الجماعي وسبي النساء وخطف الاطفال وأجبار الايزيدية على أعتناق الديانة الاسلامية او قتل المسيحيين وتدمير التراث الحضاري للاقليات والتهجير الاجباري للاقليات او ما يسمى بالنزوح القسري، فأن مؤشرات تحقيق العدالة وضمان تحقيق العدالة والحق في المعلومات لذوي الضحايا سيكون من الصعب تحقيقه، ما يعني أن صفحة مهمة من صفحات ومسارات تحقيق العدالة في العراق لمرحلة مابعد داعش لايمضي بالصورة الملائمة، وهو ما يتطلب تحرك المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لايجاد صيغة ملائمة توافق حجم ونوعية الجرائم المرتكبة، والتحقيق فيها بالاستناد الى اقوال العشرات من الشهود من النساء اللواتي استعبدهن التنظيم كجواري وسبايا وحضورهم المحاكم أمرا مطلوبا وضروريا لتحقيق العدالة – الى جانب تظافر الجهود لتشكيل فرق مراقبة مدنية وتخصصية لجلسات المحاكم يشارك فيها أشخاص مدربون وعلى أن تتضمن بينها افراد من ذوي الضحايا والناجيات الايزيديات خاصة والناجين من مجازر القتل الجماعي للعمل وفق مبدأ ( معرفة الحق والحقيقة ) التي تساعد على الأنصاف وتحقيق العدالة.
خضر دوملي : عضو مركز دراسات السلام وحل النزاعات في جامعة دهوك – كاتب وباحث ومدرب مختص في بناء السلام والأعلام وقضايا وشؤون الاقليات والمرأة .