النص :
تؤكد كل كتب السيرة النبوية أن الرسول محمد توفى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة ودفن يوم الأربعاء ، وتجمع أكثر المصادر الأسلامية أن سبب تأخير دفن الرسول يرجع الى (( أولا جسد النبي الطاهر في حياته وموته ليس كأجساد بقية البشر ، لا يغيره الموت ولا تصيبه الآفات ، بل هو محفوظ بحفظ الله عز وجل ، جسد شريف طيب طاهر في حياته وفي مماته ، والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في ” صحيحه ” (رقم/3667) عن عائشة رضي الله عنها في قصة موت النبي قالت : ” فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَبَّلَهُ ، قَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا….إلى آخر الحديث ” . ثانيا ، ومن الحاجات التي ربما تكون قد دعت إلى ذلك التأخير ، حرص جميع الصحابة رضوان الله عليهم على الصلاة عليه ، فقد صلى عليه جميع الناس ، الرجال والنساء والصبيان ، صلوا أرسالا – أي جماعات متفرقين -، لم يؤمهم إمام واحد ، وإنما كان يدخل الجمع منهم حجرته الشريفة فيصلون عليه فرادى ، وهذا لا بد أن يستغرق كثيرا من الوقت كي يدرك الجميع هذه الفضيلة . جاء في ” موطأ مالك ” 1/231 : ” أ نه بلغه أنه صلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ” . ثالثا ، لقد اشتغل الصحابة الكرام بما يحفظ على الأمة أمرها وشأنها ، فدارت بينهم بعض الحوارات والاجتماعات لتحديد خليفة رسول الله ، كي يوحدوا راية الأمة ، ويقطعوا على الشيطان سبيل التفرقة بين الناس ، وكي لا يخلو الناس من إمام يقيم فيهم الحق ، ويخلف رسول الله في الشؤون العظام ، وهذا أيضا استغرق بعض الوقت . وقد كان ذلك هو أهم وأعظم أمر دعاهم إلى التأخر في دفنه هذه الأيام . قال الزرقاني رحمه الله :” إنما أخروا دفنه لاختلافهم في موته أو في محل دفنه ، أو لاشتغالهم في أمر البيعة بالخلافة حتى استقر الأمر على الصديق ، ولدهشتهم من ذلك الأمر الهائل الذي ما وقع قبله ولا بعده مثله ، فصار بعضهم كجسد بلا روح ، وبعضهم عاجزا عن النطق ، وبعضهم عن المشي ، أو لخوف هجوم عدو ، أو لصلاة جم غفير عليه ” انتهى من ” شرح الموطأ ” 2/94 .)) نقل بتصرف من موقع الأسلام سؤال وجواب . مما سبق تبين المصادر وتشير أن لا ضرر في هذا التأخير في عملية الدفن / للأسباب أعلاه ، خاصة وأن جسد الرسول لا يصيبه البلى ! .
القراءة :
أولا : كل المصادر الأسلامية تجتمع على أنها لم تحدد بالضبط لم هذا التأخير ! وما ذكر من أسباب أرى أنها لا ترقى الى اليقين ” فالأختلاف في موته أو مكان دفنه والدهشة وفقدان بعضهم النطق وعجزهم عن المشي وقضية الصلاة عليه فرادا .. وغيرها من الحجج ” لا أراها مقنعة في هكذا جو وطقس صحراوي جاف مغبر ، يجعل من الجثث أن تتحلل أذا بقت دون دفن ليوم فكيف لثلاثة أيام ! ، ثانيا : ومن الوقائع غير المقنعة ماذكر عن عمر بن الخطاب ” حتى أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ” / نقل من موقع الأسلام سؤال وجواب ، فهل يعقل برجل بحجم عمر أن لا يصدق الوفاة وهو البليغ الفقيه الحليم ، أذن كل هذا أنما أسباب واهية لا ترتقي الى اليقين ! ثالثا : أما حديث البخاري حول ” جسد النبي الطاهر في حياته وموته ليس كأجساد بقية البشر ، لا يغيره الموت ولا تصيبه الآفات .. ” المنقول عن السيدة عائشة والمبني على كشف أبو بكر الصديق لجسد الرسول ، فأراه من منطلق موضوعة أنه حديث ، فهذا كلام وليس قرأنا منزل ، كما أن سنده أيضا ضعيف ، لأسباب منها 1. أن الحديث جاء في صحيح البخاري المكتوب بعد 232 سنة من وفاة الرسول ، أي وجود فجوة زمنية تمتد لأكثر من قرنين و32 سنة بين الحدث وبين وكتابة الحديث ، 2. أما قضية كشف أبو بكر على جسد الرسول فهذه أشكالية أخرى ، لأن الاخير ليس طبيبا جراحا ليقول رأيه في هذا المقام ! 3. وهل يعقل أن يقول الصديق غير هذا الرأي الأيجابي حول عدم تفكك وتحلل جسد الرسول ! . رابعا : أما أن أجساد الانبياء لا تتحلل حسب حديث الرسول ( .. فإن الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة هو أن أجساد الأنبياء لا تتحلل ولا يدركها البلى ، ومن هذه الأحاديث ما رواه أبو داود والنسائي أن النبي قال : إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا يا رسول الله : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ، يقولون : بليت ، فقال : إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء . / نقل من مركز الفتوى ) ، فأرى ان الحديث ، ليس أمرا يعتمد عليه أو يعتد به في هذا المقام ، لأن حديث الرسول كان عاما ، ومن الممكن أن يكون مجازيا كما أن الحديث ليس صريحا ولا مباشرا ، وأذا كان كذلك فنحن أمام معضلة أخرى ، وذلك لأن عدد الأنبياء كبير وغير محدد ، وقد جاء في الموقع التالي حول عدد الأنبياء والرسل www.alifta.net/fatawa/fatawaDetails.aspx? ( .. لم يثبت في عدد الرسل والأنبياء حديث صحيح ، ويروى أن الرسل ثلاثمائة وبضعة عشر ، والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، ولكن الحديث ليس بثابت ، بل
هو ضعيف ، لكن الأنبياء كثيرون ، والرسل أخص وأقل .. ) أذن كل هذا العدد من الأنبياء و الرسل أجسادهم سالمة لم يصيبها التلف والبلى ، وسؤالي هل من أثبات على ذلك ! هل من أمرى رأى جسد أحد الأنبياء الأن كي نتأكد من صحة الحديث من عدمه ! ، بينما الذي هو معروف / من جانب أخر ، ومتيقن منه أن الحي الوحيد الذي لم يصبه أي فساد أو تلف بعد الممات هو المسيح وذلك بشهادة القرأن ، حسب قوله تعالى ” وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ” سورة مريم : 33 ، وكذلك حسب معتقد المسيحية ( .. القيامة هي مركز الإيمان المسيحي . إذا كان يسوع لم يقم من بين الأموات ، فإن المعتقدات المسيحية لن تساوي كثيراً حينها لأن يسوع نفسه قال أنه سيقوم من بين الأموات في اليوم الثالث . من ناحية أخرى إذا كان يسوع قد قام من بين الأموات ، فإن كل أقواله صحيحة ويمكننا أن نتأكد بأنه يوجد حياة بعد الموت .. ) / نقل بتصرف من الموقع التالي really.com/arabicegypt/muscled3.htm-www.whoisjesus.
خامسا : وحتى قوله تعالى فى سورة سبأ عز وجل الآية 14″ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ” وتفسيرها
( .. فعندما نقرأ جملة تقول ” ما دلهم على الموت إلا … ” نفهم منها أنه لم يكن هناك أى دليل أو دلالة أخرى ترشدنا وتبين لنا الموت إلا .. ) ، نقل بتصرف من موقع i3jaz.libi.mobi/tabla.html ، حتى في هذه الأية القرأنية ليس هناك من دلالة واضحة ومباشرة ، ولا أي قصد مباشر ، على أن التلف والفساد لم يصب به أجساد الانبياء و الرسل . سادسا : في زمن المصائب ووقت الشدة والمحنة الكل يظهر على حقيقة أمره ، وهذا ما حصل والرسول متوفى ومسجى في بيت عائشة ، فهم بغسله آل بيته / أبي طالب ، أما رفاق الدعوة المحمدية من الصحابة فذهبوا الى بيعة السقيفة ، وهذا مؤشر على أن مكانة سيد القوم في حياته أمر عظيم ، أما عندما يتوفى فكل الأمور تتغير ، لأن الكل ينظر للواقعة من زاوية نفعية ومصلحية وشخصية معينة ، أما آل بيته فهم العزوة والعصب الذي ليس من الممكن أن يتركوا سيدهم وأن يذهبوا الى قضاء أي أمرا أخر حتى لو كان هذا الأمر سيغير وجهة التأريخ الأسلامي مستقبلا !
الختام :
أرى أن تاخير دفن الرسول ، خرج من دائرة كل المبررات غير المنطقية التي يجمل بها ويبرر بأسبابها دوما رجال الأسلام بدءا من الصحابة وكتاب الحديث و السيير الى الفقهاء والمفسرين والرواة وشيوخ الأسلام و الدعاة .. أن هذه الواقعة المبهمة ، التي تركوا بها الرسول مسجى في منزل عائشة ، كمرحلة أولى ، ثم عدم مشاركة معظم مراكز القوى من رجالات الأسلام الأول في غسله كمرحلة ثانية ، أنما يدل على الغاية و الهدف من التأخير .. وهو البيعة للخليفة القادم ! فقد جاء موقع أسلام ويب – السيرة النبوية لأبن هشام / نقل بتصرف ، حول من غسل الرسول (( .. قال ابن إسحاق : فلما بويع أبو بكر ، أقبل الناس على جهاز رسول يوم الثلاثاء ، فحدثني عبد الله بن أبي بكروحسين بن عبد الله وغيرهما من أصحابنا : أن علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وشقران مولى رسول الله ، هم الذين ولوا غسله ، وأن أوس بن خولي . أحد بني عوف بن الخزرج ، قال لعلي بن أبي طالب: أنشدك الله يا علي وحظنا من رسول الله .. )) ، أما الصحابة المهتمين بالسلطة والحكم و الخلافة ، فتركوا الرسول على حاله وذهبوا الى سقيفة بني ساعدة لتعيين الحاكم القادم ، وهم (( ابوبكر بن ابي قحافة ، عمر بن الخطاب العدوي ، أبوعبيدة عامر بن الجراح ، عبد الرحمن بن عوف الزهري ، سعد بن عبادة الخزرجي ، الحباب بن منذر ، زيد بن ثابت / يهودي الاصل ، أسيد بن حضير ، سعد بن عبادة و بشير بن سعد .. / نقل بتصرف من موقع
post_1145.h-marwan1433.blogspot.com/2013/…/blog )) ، والذي يؤيد هذا ما ذهب أليه
الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير- موقع حزب التحرير ، حيث بين أن سبب التأخير هو أختيار الخليفة / الحاكم ، وليس أي سبب أخر (( .. ولذلك فتأخير الدفن لم يكن ليجتمع المسلمون للجنازة ، بل هم كانوا مجتمعين وبخاصة الصحابة ، ولكنهم انشغلوا بالبيعة ، فلما فرغوا منها انعقاداً وطاعة اشتغلوا بدفن الرسول ، ومتى ؟ في وسط الليل بعد الفراغ من البيعة ، ولو كان التأخير لأجل تجمع الناس للجنازة ، لكان في نهار الاثنين أو ليلة الثلاثاء أو نهار الثلاثاء… ولكنهم انتظروا اكتمال البيعة لأبي بكر انعقاداً وطاعة ، وبعد أن انتهت بادروا فوراً إلى الاشتغال بدفن الرسول ليلة الأربعاء . ولذلك فإنه بالتفكر والتدبر لتأخير الدفن يتبين أنه لم يكن لأي سبب سوى سبب الفراغ من بيعة أبي بكر انعقاداً وطاعة ، فهو إذن من صميم العلاقة بالبيعة .. )) . هؤلاء الذين تركوه مسجى هم أقرب صحابة للرسول ! وهم من قاد دولة الأسلام من بعده ! أنهم تيقنوا بمجرد أن الرسول قد مات ، فنظروا الى الأمر الأهم وهو البيعة و الحكم والخلافة ، تاركين صاحب الدعوة مسجا ! وأن كل ما يقال من تبريرات وأسباب لتأخر عملية الدفن أنما هي وسيلة تعتيم يراد منها تنصيب أبو بكر خليفة بعد أن أنتهت الدعوة المحمدية بوفاة الرسول ! .. أذن ذهب الرسول بدعوته الأخروية وحل محلها الخليفة وسلطته الدنيوية !