التلكؤ الذي حدث بعد اجتماعات متتالية للكتل السياسية العراقية، واخفاق اللجنة الخماسية في التوصل الى حلول لأزمة المتظاهرين في محافظات العراق ، وعدم الاستجابة لهذه المطالب يؤشر موقفا خطيرا، ربما يؤدي بالبلد الى المجهول، والى حدوث ردات فعل غاضبة ينجم عنها توتر واضطراب، قد يؤدي الى مواجهة، وبخاصة ان الحكومة تعد العدة لاحتمالات كهذه، بعد ان طلبت من قوات الجيش والشرطة اختراق التظاهرات ومحاولة العمل على تفريقها، أو التدخل المباشر بقصد الاصطدام معها، وخلق أزمة قد تحرق الأخضر واليابس هذه المرة، إن كان الرد الحكومي ، لايحسب عواقب الامور، أزاء استخدام للقوة، يفرط بحقوق المتظاهرين ويضرب بمطالبهم عرض الحائط.
وتظاهرات الانبار من وجهة نظر مراكز بحثية ومهتمين بالشأن السياسي تمثل انتقالة نوعية في مسار العمل السياسي ، لم يألفها العراقيون من قبل، بهذه الطريقة من الحجم وقوة التنظيم ونوعية المطاللب ، وضعت صانع القرار والجهات العليا في الحكومة أمام الامر الواقع، بأن يتم تلبية المطالب ، إذا أريد لهذه الاعتصامات ان تنتهي، والا استمرت لمدد طويلة، تشكل تصعيدا خطيرا، ربما ينقلب رأسا على عقب، ليرسم في خارطة الاحداث مؤشرا جديدا تحتار الحكومة في مواجهته، بعد ان يكون المتظاهرون قد وحدوا مطالبهم ووسعوا جبهتهم في أكثر من محافظة، حتى ثارت أغلب مدن العراق، على غرار ما جرى في الانبار.
ويؤكد مهتمون بالشأن السياسي بأن تظاهرات الانبار والطريقة التي جرى بها تنظيم تلك الاعتصامات وطريقة عرض المطالب، هي التي أججت الشارع العراقي في بقية المحافظات، ووجد فيها مواطنو صلاح الدين وسامراء ونينوى وديالى وبعدها كركوك فرصة، لان يتم تنظيم تظاهرات واعتصامات مماثلة، شغلت المهتمين بالشأن السياسي والحكومة المركزية التي وجدت نفسها أمام مواجهة غير مسبوقة، مواجهة لديها القدرة على الضغط ، وارغام الحكومة على تلبية المطالب ، رغم حالات التسويف والمماطلة التي اتبعتها طيلة تلك الفترة، الا انها حققت مكاسب سياسية كبيرة، حتى عدها بعض المتتبعين السياسيين على انها ( انتفاضة ) نظمت نفسها بهذا الحجم الكبير الذي ظهرت فيه متماسكة تعلن عن اهدافها ومطالبها بوضوح، وترفض مغادرة تجمعاتها دون ان تحصل على نتائج مثمرة لجهدها الجماهيري الواسع، وتحت ضغط شعبي واسع المدى، حقق النتائج المتوخاة، حتى وان ماطلت الجهات الحكومية أو راوغت بطرق وأساليب واجراءات شتى ، الا انها لم تثن من عزيمة أهل الانبار في ان يواصلوا اعتصامهم ويكرروا عرض مطالبهم الواضحة، التي تمثل في اطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين الابرياء والمطالبة بالغاء قوانين الاجتثاث والمساءلة والعدالة أو على الاقل ، تجميد هذه القرارات والقوانين أو إجراء تعديلات على فقرات هذه القوانين ، بحيث تتماشى والرغبة الشعبية في ان يتم التوصل الى نتائج عملية وملموسة هذه المرة.
وقد وجد أبناء المحافظات الاخرى بضمنها مدن الجنوب، ان تظاهرات الانبار منذ انطلاقتها كانت قوية ومدوية ، أججت الشعور بالكرامة المسلوبة والحقوق المهدورة لتضع اليد على الجرح وتلامس آمال كل العراقيين في كل مدن العراق الطامحين الى الحرية والكرامة والعزة ورفعة الرأس بعد إن خنع العراقيون كثيرا، ووصموا بحالات وسمات لم يرض عنها تاريخهم المليء بالدروس والعبر التي تؤكد قدرتهم على ان يؤكدوا وجودهم وثقلهم المؤثر في ساحة الاحداث، وفي تركيع من يحاول تركيعهم وارغامه على الانصياع للإرادة الشعبية ، بأن يستجيب للمطالب الشعبية المشروعة ، بعد ان طفح الكيل، وترسخ الظلم في العظم العراقي ، ولم يعد بمقدور الشخصية العراقية ان تسكت على ضيم طال امده وانتهاكات للكرامات بلغ سيلها الزبى، حتى انتخى الخيرون من كل محافظات العراق ليقفوا وقفة رجل واحد، وليؤكدوا ان حقوقهم ومطالبهم لن تضيع هذه المرة، بفضل تلك الارادة الصلبة والقوة الجماهيرية الواسعة التي اعتمدت عليها واعطتها كل هذا الشموخ والكبرياء العربي، حتى اظهرت وحدتها امام العالم كله، على انها انتفاضة تستحق ان تجد الاهتمام الاعلامي المطلوب، وان ينظر من بيده سلطة القرار الى مطالب المتظاهرين المشروعة، بلا مراوغات او تسويف او مخادعات، وقد نظموا جهدهم بطريقة نالت اعجاب العالم كله من أقصاه الى أقصاه.