8 أبريل، 2024 5:38 ص
Search
Close this search box.

قراءة في المشهد السوري الحالي

Facebook
Twitter
LinkedIn

تمهيد:
ليس لدينا أدنى شك في أن النظام السوري الحالي آيل إلى الزوال لا محالة، والمسألة هي مسألة وقت ليس إلا.
فالقرار بإسقاط نظام بشار الأسد اتخذ في ذلك اليوم من عام 2006 حين تجرأ فيه على توجيه الأهانة للملوك والرؤساء العرب واصفا اياهم بعبارة ” أشباه الرجال وما هم برجال” في بادرة غير محسوبة العواقب وفيها من التهور الكثير. ونهاية بشار الأسد لن تكون أفضل حالا من نهاية القذافي الذي دفع ثمن تهوره في مس العاهل السعودي الحالي بسوء حين كان وليا للعهد. هكذا هدم عرش القذافي، ومن قبله صدام وسيلحق بهما بشار الأسد قريبا. ولكل من هؤلاء الطغاة من الأسباب الكثيرة التي جعلته ضحية بعد ان كان جلادا ليذوق السم بنفس الكأس التي كان يسقيها للخصوم.

قرار الجامعة العربية المفاجئ
لم تتخذ الجامعة العربية طيلة تأريخها الذي بدأ عام 1945 أي قرار مصيري كان له الأثر البارز في حياة الشعوب التي تنضوي تحت لوائها سوى قرارين تاريخيين اتخذا بسرعة صاروخية: قرار التفويض بضرب العراق الذي اتخذ في القاهرة عام 1991، وقد اتخذ بما يشبه الإجماع ومن اعترض او امتنع عن التصويت دفع ثمن موقفه غاليا. والقرار الثاني الذي اتخذ منذ أيام والقاضي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة، الذي اتخذ سريعا من قبل الأعضاء مع اعتراض كل من اليمن ولبنان وامتناع العراق عن التصويت.

من يسير جامعة الدول العربية حاليا؟
تسير المملكة العربية السعودية الجامعة تماما كما تسير الولايات المتحدة الأمريكية منظمات الأمم المتحدة بهذا القدر أو ذاك. والسبب ان الدول الأعضاء في كلتا المنظومتين منقادة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو طائفية، والأخير ينطبق على الجامعة العربية حصرا. فبعد ضمور الدور الاقليمي لمصر وتلاشي شخصية العراق في خضم التجاذبات السياسية والطائفية فقد اصبح الجو مهيئا تماما لقوة إقليمة كانت في الظل لتسود المشهد.
تمتلك المملكة العربية السعودية كافة المعايير التي تؤهلها للعب مثل هذا الدور الحاسم والمصيري في هذه الرقعة الجغرافية من العالم.
أولا: السعودية حليف قوي للولايات المتحدة، بل تأتي في الدرجة الثانية من ناحية التوافقات الاستراتيجية بعد اسرائيل في المنطقة.
ثانيا: النفوذ الذي تحتله بين دول الخليج، خاصة بعد الدور الذي لعبته في تفاصيل تحرير الكويت من براثن النظام العراقي السابق وتنامي دورها بعد اخماد تمرد البحرين. وهو الأمر الذي سيبقى طوقا في عنق الكويت وبقية الدول الخليجية.
ثالثا: المحور المذهبي الذي تتحرك وفقه أغلب الدول المنضوية تحت لواء الجامعة العربية في المرحلة الحالية، باستثناء العراق الذي هو الآن في طور البحث عن هوية جديدة.
رابعا: مناهضة إيران التي تصطف معها في هذا الأمر كل دول الخليج بالاضافة الى اسرائيل والولايات المتحدة والكثير من الدول الغربية.

كل هذه الأسباب تجعل من السعودية لاعب رئيسي ومؤثر في المنطقة التي تسودها فوضى البحث عن الحرية والعدالة والتكافؤ في فرص العيش الكريم. واذا استثنينا “خربشات” قطر، التي تقوم بها من باب مشاكسة الأخ الأكبر السعودية، فلا أحد في المنطقة اليوم قادر على اتخاذ مبادرة ما باستثناء السعودية.

البعد الاستراتيجي الطائفي وراء التحرك السعودي
في عام 1991 كان الواقع الجيوسياسي مختلفا تماما عنه طيلة سنوات الثمانينيات من القرن المنصرم. في تلك السنوات كان العراق يخوض الحرب السيا- طائف- قومية بالنيابة عن الجميع. وكان لكل من الدول العربية القريبة والبعيدة الدافع والمبرر المناسب لدعم صدام في تلك الحرب العبثية. لم يشذ عن قاعدة تأييد ودعم تلك الحرب سوى نظامين: ليبيا معمر القذافي وسوريا حافظ الأسد! ليس هذا فحسب، بل تعدى دور هذين النظامين الى حدود دعم الطرف الايراني وامداده بالمال والسلاح.

أليست هذه مفارقة ما بعدها مفارقة؟ ان هذين النظامين سيعاقبان بجريرة تأييد النظام الايراني آنذاك ولو بعد حين!؟
وفي العام 1991 كان المشهد السياسي العربي مأساويا. فكل الدول الأعضاء كانت تتحرك بدوافع تنبع من اجنداتها الخاصة. وكانت العلامة الفارقة حينها هو دخول حافظ الأسد على الخط وقبول دخوله في عملية تحرير الكويت باعتبار سوريا أحد “دول التحالف الدولي” لتحرير الكويت. كان الثمن الذي قبضه الأسد يومها جراء اصطفافه مع “الامبريالية الأمريكية” هو غض النظر من قبل “الامبريالية الأمريكية” عن قضية توريث الحكم وادخاله في مفاوضات كارثية مع اسرائيل لم يجن منها الأسد سوى قبض ريح وأخيرا التساهل في الملف اللبناني.
لكن الخطوة التي اتخذها حافظ الأسد في حينها كانت ذكية وفق المعايير الاستراتجية  التقليدية: فقد أراد الأسد ان يسدد لدول الخليج ديون موقفه في دعم الحرب لصالح ايران ضد العراق، وبطريقة غير مباشرة ضد دول الخليج التي بينها وبين ايران الكثير من الملفات الساخنة.  وهو ضرب في ذلك الموقف عدة عصافير بحجر واحد: استرضاء دول الخليج، والتقرب من الولايات المتحدة والغرب لغض النظر عن ممارسات النظام وسياسة حزب البعث القمعية، غض النظر عن الملف اللبناني وعدم اثارة السؤال حول مشروعية احتلال بلد مستقل وعضو في الأمم المتحدة، والمكسب الأخير وليس الآخر هو تدمير النظام السياسي في العراق، الذي يتمثل بحكم البعث بنسخته الصدامية، العدو التقليدي اللدود، ومن ثم توحيد البعث تحت قيادته ومن ثم حكم العراق أيضا باعتبار ان حزب البعث هو حزب قومي.

حينها كانت السعودية تعرف ان الأسد لم يدخل لعبة تحرير الكويت من أجل سواد عيون الكويت أو قربة لوجه الله تعالى. لكنها كانت تدرك ان الموقف يستدعي غض النظر عن خلفية الأسد الطائفية، ذلك انها لم تكن تمانع في مد اليد لايران نفسها التي تقف مع الأسد في محور واحد. كل هؤلاء هم غرماء لصدام اليوم، وقد وحدت معاداته اختلافاتهم كلها وجمعهم هدف القضاء عليه، وكل يغني على ليلاه.
شذ عن قاعدة اللحاق بركب”التحالف الدولي” لتحرير الكويت مجموعة من الدول بينها الأردن، اليمن، السودان، فلسطين وليبيا التي كان معمر القذافي حينها يناور ويداور بسبب مشاكله العميقة مع الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تتوان عن قصفه في فترة حكم الرئيس ريغان. وقد دفعت كل هذه الدول ثمن اعتراضها، سكوتها أو عدم دخولها في الحرب. لكن القذافي حينها لم يكن قد اعلن حربا علنية ضد الولايات المتحدة كما فعلت دول أخرى مثل العراق وإيران وكوريا الشمالية لتصنفها ادارة الرئيس جورش دبليو بوش ضمن “محور الشر”، والذي ضم سوريا بسبب فتح الحدود مع العراق في فترة الحصار الاقتصادي على العراق إبان تسعينيات القرن الماضي وحتى سقوط نظام البعث في العراق واحتلاله من قبل القوات الأمريكية عام 2003.

الملف اللبناني
من الواضح جدا ان الواقع السياسي في لبنان يقوم على وصفة من شقين: ديني وطائفي قامت على اساس اتفاقية الطائف في السعودية 1989. ولم يكن الشق الأول مما يثير شهية السعودية، لكن قطعا يهما الشق الثاني. فالتركيبة السكانية للبنان هي ذات أكثرية سنية، بعد استبعاد عنصر الدين. وقد جهدت السعودية كثيرا من أجل عكس هذه الحقيقة في الواقع اللبناني. وبعد احتلال القوات السورية للبنان تغيرت موازين القوى السياسية وأصبحت دمشق “العلوية” تمثل القرار السياسي في بيروت”المسيحية/ السنية”.  بالإضافة إلى ذلك، فنشوء حزب الله “الشيعي” المدعوم إيرانيا وسوريا، وتسيده للمشهد السياسي في لبنان كلها عوامل ألبت صناع القرار في السعودية على تغيير الأمور بأسرع ما يمكن.

حزب الله
حين نشبت الحرب بين حزب الله واسرائيل في صيف 2006 كانت السعودية من بين الدول الأكثر وضوحا في موقفها المعادي لحزب الله. فقد سخرت السعودية حملة اعلامية عالمية شعواء كان من بين أركانها موقع سعودي مرموق جند أقلام كتابه للهجوم على حزب الله في حملة غير معهودة. لم يكن المقصود طبعا هو الاصطفاف مع اسرائيل في حربها مع حزب الله، لكن يجوز القول بأن عدو عدوك صديقك، وهي المعادلة التي تقوم عليها ميكانزم العمل السياسي في السعودية. والعدو الأول للسعودية هو حزب الله من جهة كونه شيعي أولا وتبعيته السياسية لايران ثانيا وتسيده للمشهد السياسي في بلد ذي أكثرية سنية ثالثا.

عراق ما بعد 2003
بعد خروج القوات السورية من لبنان، وتضاؤل دورها في جزئيات القرار السياسي في بيروت لم يعد لسوريا الكثير من الأوراق السياسية التي يمكن لعبها. الورقة الأهم بيد صناع القرار في دمشق هي الورقة الايرانية بجميع مضامينها المتمثلة بعراق ما بعد 2003 وحزب الله في لبنان. طيلة سنوات الحصار الاقتصادي ضد العراق منذ 1991 وحتى 2003 لعبت سوريا دورا لفتا للنظر في فتح الحدود امام نظام صدام حسين واحتضان معارضيه! لعبة مزدوحة مارستها دمشق بحنكة واقتدار حيث كانت ترسل رسائل مختلفة المضمون الى من يهمهم الأمر. وفي النهاية، كان حلفاؤها الذين يتحركون بين طهران ودمشق هم من يتربع على سدة الحكم في العراق اليوم. هذا الموقف لا يرضي السعودية، التي أعلنت منذ وقت مبكر خشيتها من التمدد الشيعي، وامكانية تحقق الهلال الشيعي الذي يشمل ايران – العراق – سوريا – لبنان هو امر في غاية الواقعية. وكانت الخشية من ضياع البحرين والتحاقها بالهلال الشيعي هو ما دعا السعودية الى ارسال قواتها على عجل لاخماد انتفاضة الشيعة في هذا البلد. بقي أن نقول انه مع ان الموقف العراقي الرسمي هو الحياد ظاهريا فيما يتعلق بالوضع في سوريا لكنه ضالع بالكامل في هذه المعمعة الطائفية. وموقف العراق الرسمي يتماشى تماما مع ما تريد ايران من دعم النظام السوري لحسابات وتكتيكات تخص الأجندة الايرانية وحدها.

ملخص:
لم يكن يخفى على السعودية ما يجري على أرض الواقع من تغلغل إيران، العدو المذهبي التقليدي في الجسد العربي والخشية من أن يبتلع المارد الايراني، المتعطش للهيمنة والسيطرة الاقليمة، البلدان العربية الواحد تلو الآخر. وكانت القراءة السعودية للواقع قراءة واقعية بعد ان بدأ الصوت الشيعي يكتسب مشروعيته في المنطقة وتكاد النار ان تقترب من عقر دار الحكم السعودي بعد ان امسكت لوقت حرج جدا بعباءة الحاكم في البحرين، التابع رغم ارادته للتاج السعودي.
سوريا: شيعية/ علوية في محور إيران وحزب الله وعراق ما بعد 2003.
السعودية: سنية/ وهابية/ في محور جميع الدول العربية التي تمثل المذهب السني.
النتيجة: السعودية + جميع الدول العربية التي تمثل المذهب السني ضد ايران+ جميع الدول التي تمثل المذهب الشيعي

آفة الحكم
كنا قد ألمحنا آنفا الى انهيار الأنظمة المعادية لنظام الحكم في السعودية على أسس سياسية أو عقائدية طائفية. لم يكن للسعودية دخل في انهيار نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، ولو كان الأمر بيدها لما انهارا، وقد بذلا ما بوسعهما لمنع انهيار هذين النظامين لكن الارادة الشعبية الصرف في التغيير كانت عائقا دون تحقيق رغبات السعودية. والدليل ان السعودية احتضنت ابن علي وعائلته بعد أن تعذر عليه تأمين مكان آمن له في أي مكان في العالم. فاما زين العابدين فقد كان مرضيا عنه غربيا وكانت علاقته بالغرب أحلى من العسل ولم تكن لدى الغرب أي مشكلة مع بن علي طيلة السنوات التي أذل فيها الشعب التونسي وسلب حقوقه المشروعة في العيش الكريم. وبالنسبة لحسني مبارك فهو شريك سياسي رئيسي للولايات المتحدة وكان سقوطه أشبه بعملية قلع ضرس موجعة وقاسية.

صدام حسين ومعمر القذافي
لم يكن نظام صدام حسين، ومثله معمر القذافي الأسوء في المنطقة من حيث المطالب المتعلقة بحقوق الانسان. لكن هذين الرجلين لم يتركا أي مثلبة وسبب يمكن أن يوصلهما الى ما وصلا اليه ولم يفعلاه. من الغريب جدا بالنسبية للانسان انه يفترض به ان يستثمر جميع ما يمتلك من المواهب لخلق الأصدقاء والمحبين والأصدقاء. لكن هذين الشخصين لم يتركا ما بوسعهما من أجل خلق الاعداء والمتربصين. ومن شاهد ما حل بالقذافي في آخر لحظات حياته يعتصره الحزن وهو يشاهد البشاعة التي يمكن ان يصل اليها الانسان في التعامل مع أخيه الانسان. لكن المشكلة ان القذافي هو من وضع نهايته بنفسه وقرر المصير الذي ينتظره. هناك من يقول ان صدام حسين كان يجيع بعض الحيوانات الضارية ثم يلقي اليها بالبعض من مناوئيه السياسيين لتمزقه اربا اربا. حسن، هذا ما كان ينتظر من ملايين النفوس الجائعة التي تحولت الى حيوانات ضارية لا تميز بين الخطأ من الصواب في لحظة العنفوان الكبرى.
كان العراقيون يدمرون متحف الآثار ويحرقون المكتبة الوطنية وينهبون مؤسسات الدولة انتقاما من صدام حسين. لا نريد ان نوجد المبرر للأفعال الانسانية الشاذة من قبل الجانبين، لكننا ننظر الى منطق القانون الفيزيائي: لكل فعل ردة فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه. وللأسف، فان هذا القانون لا ينطبق على الحالة البشرية، اذ ان ردة الفعل قد تتجاوز كثيرا حدود الفعل متخذة منه ذريعة وسببا للانتقام الذي لا يخلق سوى الانتقام المضاد للوصول الى دورة العنف التي لا يمكن ان تقف عند حد.

متى يسقط نظام بشار الأسد؟
قريبا جدا! فقد اكتمل ملف مبررات سقوطه ولم يعد سوى الفترة التي تستغرقها دورة تواقيع من يهمهم أمر سقوط النظام.
من الذي يهمه أمر سقوط نظام بشار الأسد؟
كل القوى التي يهمها سقوط نظام الحكم في إيران.
لماذا تريد هذه القوى إسقاط هذين النظامين؟
لأنهما نظامان مارقان حسب قواعد النظام العالمي الجديد ولوائح هيمنة القطب الأوحد.
هل النظامان يستحقان مثل هذه الصفة؟ 
نعم، ولكن ليس على أساس قواعد النظام العالمي الجديد ولوائح هيمنة القطب الأوحد. فالنظام السياسي في كل من طهران ودمشق قائم على احادية عقائدية جامدة لا تقيم وزنا لقاعدتها الأساسية: الشعب.
هل تجاوز هذان النظامان ما تفعله الكثير من الأنظمة في دول عديدة في العالم؟
لا، لكن هذين النظامين لم يخلقا محاور قوى سياسية كافية تغطي على مساوئها. والسبب الآخر هو رفعها شعار معاداة القوى الأكثر هيمنة في عالم اليوم.

والنتيجة؟
سيتم “تحرير” سوريا وزجها في أتون الفوضى كما حصل في حالة العراق. والمهم ان ينتهي نظام البعث وتنطوي معه قصة “الصمود والتصدي”. وتخرج سوريا من حكم العلويين الى حكم الأمويين وينظم أكراد سوريا الى أكراد العراق لتوسيع اقليم كردستان. ويتمكن المذهب الوهابي من نشر سلطته في بلاد الشام كلها.
هل الوقت متأخر بالنسبة لبشار الأسد لانقاذ عرشه في سوريا؟
نعم، تأخر الوقت كثيرا، وقد عمل النظام، طيلة عقود، على تقويض نظام العرش من خلال ممارسة كل ما من شأنه ايذاء السوريين بغض النظر عن خلفياتهم العرقية والدينية والمذهبية. القمع والاذلال واهانة كرامة الانسان.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب