صادق البرلمان العراقي قبل ايام على المدونة الشرعية الجعفرية التي تعتبر خيارا” ثانيا” امام الزوجين عند ابرام عقد الزواج اضافة الى الخيار الاول وهو قانون الاحوال الشخصية المعدل النافذ لسنة ١٩٥٩.
بعد ان اعتذر ديوان الوقف السني عن تقديم مدونة شرعية وهو
قرار ذكي وحكيم.
السؤال : ماذا لو لم يصادق البرلمان؟ يبدو ان المصادقة شكلية او تحصيل حاصل.
تتكون المدونة من خمسة ابواب هي :
الاول : الزواج
الثاني : الطلاق
الثالث : الوصية
الرابع : الميراث
الخامس : احكام متفرقة
اولا”: الزواج :
ويتضمن شروط عقد الزواج( الايجاب والقبول اللفظي والقصد فلاعبرة بالهازل والساهي واتحاد مجلس القبول والايجاب اي ان لايقع بينهما فصل طويل عرفا” وكذلك التنجيز اي عدم تعليق العقد على امر معلوم الحصول اومتوقع الحصول فلا يصح العقد اذا نص ان العقد نافذ اذا امطرت السماء او اذا انتهت الحرب)
لكن مايثير التساؤل في شروط العقد هو الشرط الخامس الذي ينص على ان العاقد يجب ان يكون بالغا” عاقلا” فماهو المعيار بالبلوغ؟ هل هو البلوغ البايولوجي المرتبط بالنضج الجنسي ام البلوغ القانوني الذي تنص عليه بقية القوانين وهو ١٨ عام .
وعلى اية حال فإن قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية قد حسم الامر ونص على ان سن الزواج هو ١٨ سنة بغض النظر عن ماتقرره المدونات الشرعية.
وتضيف المدونة شرطا آخر لشروط العقد وهو رضا الزوجين والاكراه يجعل العقد غير صحيحا” لكن كاتب المدونة يضيف ان العقد صحيح اذا تظاهر العاقد بالاكراه مع حصول الرضا القلبي ولا ادري كيف يتم اثبات الرضا القلبي؟
واجازت المدونة تضمين العقد وضع العصمة بيد الزوجة وهو ما عبرت عنه ان تكون المرأة وكيلة عن الزوج في تطليق نفسهابشكل مطلق او في حالات معينة كالمرض والادمان .
فقرات ملفتة للانتباه:
١- لا ولاية للاب او الجد على الذكر والانثى الثيب ( المطلقة او الارملة). اما البنت البكر فالولاية لها ولابيها او جدها ويقدم الجد على الاب في حالة موافقتها على اختيارهما. لكن ولاية الاب والجد ليست مطلقة انما تسقط في حالات معينة ذكرتها المدونة
٢- يجوز للمرأة ان تشترط على الرجل ان لا يتزةج عليها ولها ايضا” ان تشترط عليه السكن في بلدها او اي بلد معين وفي حالة اخلال الزوج فهذا أثم عليه ( اي عقوبة آخروية) !!!
٣- تتحدث المدونة عن البالغ غير الرشيد فتنص ان عليه اخذ موافقة اباه او جده دون ان تحدد المدونة معيار الرشد او عدمه.
٤- لا يجوز ان يتزوج المسلم بغير المسلمة عدا الكتابية كالمسيحية لكن المسلمة لا يجوز ان تتزوج بغير المسلم مطلقا”.
ثم تتحدث المدونة عن حالات تحريم الزواج وهي النسب ( الام والجدة والخالة والعمةوالبنت والحفيدة) والمصاهرة( زوجة الاب والجد وزوجة الابن والحفيد والسبط وأم الزوجة وجدتها وبنت الزوجة والجمع بين الاختين والاخوان بالرضاعة و الحالات المتعلقة بها وهي محرمات تجمع عليها جميع المذاهب الاسلامية.
فيما يتعلق بالمهر ( الصداق) تستحق المرأة نصف المهر اذا لم يتم الدخول لهذا السبب او ذاك واذا تم تأجيل المهر كلا” او جزءا” وجب تعيين الاجل كتحديده بأقرب الاجلين ( الموت او الطلاق) او عند المطالبة والميسرة ( القدرة)
: العيوب في الرجل التي تعطي المرأة خيار فسخ العقد
ا- الجنون ويقصد جنون الرجل.
٢- العنن
٣- الخصاء
٤- الجب وهو قطع العضو الذكري بحيث يعجز الرجل عن الجماع.
اما العيوب في الزوجة التي توجب الخيار في فسخ العقد فهي:
الجنون والجذام والبرص والقرن ( عيب في فرج المرأة) والافضاء ( اتحاد مسالك البول والحيض والغائط) واخيرا” العرج البين.
ولو لم يبلغ درجة الاقعاد…لكن الغريب ان المدونة لا تعتبر العقم من العيوب التي توجب الخيار في فسخ العقد سواء من طرف الرجل او من طرف المرأة.
وننوه ان الفرق بين الطلاق وفسخ العقد ان الزوجة لا تستحق المهر في حالة الفسح اذا لم يتم الدخول اذا كان العيب فيها وتستحق نصف المهر بعد الدخول.
اما اذا كان العيب في الرجل وهي التي اختارت الفسخ فلها كل المهر اذا حصل الدخول ولا مهر لها ان تم الفسخ قبل الدخول الا في حالة العنن فلها نصف المهر.ولا يثبت العنن الا بعد مرور عام وبأمر من القاضي.
الحقوق الزوجية :
١- حقوق الزوج على الزوجة : تمكنيه من الجماع وما شاكله الا بعذر مشروع او اذا اشترطت في العقد ان يكون ذلك بموافقتها.
ان لا تخرج من المسكن الا بموافقته الا بالضرورة القصوى ولها ان تشترط في عقد الزواج حقها في الخروج للدراسة او العمل.
ان لا تسخطه او تنفرهعن نفسها.
ولا يستحق الزوج غلى الزوجة القيام بالاعمال المنزلية كالطبخ وسواه الا نص العقد على ذلك اوكان ذلك من العرف الاجتماعي !!!
حقوق الزوجة على الزوج : ان ينفق عليها ويعاشرها بالمعروف ولا يهجرها و يترك معاشرتها دون عذر وان يبيت عندها ليلة من كل اربع ليالي سواء كان عنده زوجة اخرى ام لم يكن .
نشوز الزوجة:
تكون الزوجة ناشزا” ( لا تستحق النفقة) اذا تركت بيت الزوجية دون عذر او اذا امتنعنت عن تمكين زوجها مطلقا” من جماعها دون عذر .
الطلاق القضائي ( التفريق) :
لم ترد هذه العبارة بشكل صريح في المدونة لكن هناك حالات اجازت للقاضي تطليقها بناءا” على طلبها ومن هذه الحالات:
١- اذا هجرها هجرا” تاما”.
٢- اذا امتنع عن الانفاق عليها.
٣- اذا كان يعتدي عليها اعتداء غير مبرر بالضرب او بغيره.
لكن المدونة تشترط موافقة المرجع الديني الاعلى الذي يقلده اكثر الشيعة في العراق على ايقاع الطلاق في الحالاث الثلاث اعلاه !!!
و قبل الاسترسال في قراءة المدونة اود ان اشير ان هناك معيارين في تقييم المدونة :
الاول : جودة المدونة وعصريتها و حفظها لحقوق الناس وخاصة النساء والاطفال.
الثاني: مدى مطابقة المدونة للفقة الجعفري .
ان المطلب الاول لا تستطيع ان تحققه المدونة لانها محكومة بفتاوى وممارسات ترسخت لفترة طويلة من الزمن لكن واضعي المدونة كان امامهم خيار اختيار اكثر الفتاوي انسجاما” مع العدالة وروح العصر لكنهم لم يفعلوا وقد برز ذلك واضحا” في حرمان الزوجة من ميراث الارض والعقار عدا ( العروش) التي لا قيمة لها نسبيا”.
بالعودة الى موضوع عقد الزواج فإن المدونة الجعفرية التي تنص على وجود شهود في الطلاق بينما لا تشترط الشهود في عقد الزواج خلافا”للقانون النافذ الذي ينص على
شهادة شاهدين متمتعين بالاهلية القانونية على عقد الزواج
* احكام الالحاق بالنسب يلحق ولد المرأة بزوجها اذا مضى على دخوله بها ست اشهر واذا تحقق الالحاق بالزوج فليس للاخير نفيه عن نفسه حتى مع ثبوت زنا المرأة .ولا تجيز المدونة تبني ولد الغير ولا يترتب على التنبي اي اثر كالميراث وحرمة الزواج وغيرها وهذا الامر تتفق عليه جميع المذاهب الاسلامية. ومن زنى بأمرأة فولدت منه تثبتت كل اثار البنوة عدا التوارث.
و تعترف المدونة بالطرق العلمية في اثبات النسب او نفيه ومنها طريقة فحص الحامض النووي ( دي ان اي).
*احكام ارضاع الولد وحضانته :
الأم اخق بارضاع ولدها من غيرها وحضانة الولد ورعايتة من حق الام حولان كاملان وتبقى الحضانة لها حتى يبلغ الولد سبع سنوات ثم تؤول الحضانة الى الاب الى آخر مدتها.
واذا مات الاب بعد استحقاقه لحضانة الولد فالأم احق بحضانته من الوصي ومن جده وجدته له وغيرهما من اقاربه اما اذا فقد الابوان فالحضانة للجد من طرف الاب ثم الوصي ثم الاقارب على ترتيب مراتب الارث الاقرب يمنع الابعد.
ويجوز لكل من الابوين التنازل عن حق الحضانة للآخر ولا يجوز التنازل لغيره وتنتهي الحضانة ببلوغ الولدالرشد دون توضح المدونة سن الرشداو علاماته.
* النفقة:
يستحق النفقة بموجب المدونة الزوجة والمطلقة طلاقا” رجعيا” طيلة مدة العدة الا اذاكانت ناشزا” وكذلك يستحق النفقة من الاقارب الابناء الذكور والاناث اذا لم يكن الاب معسرا الذي لا يتيسر له تأمين مايزيد على نفقة نفسه وزوجته .وتثبت النفقةكذلك على الاحفاد مع فقد الاب.
وتحدد المدونة مبلغ النفقة بما يغطي المعيشة من الطعام والكسوة والمسكن واثاث المسكن ولم تشر المدونة الى نفقات التطبب والعلاج في حين اشار القانون النافذ الى ذلك اضافة الى اجور الخدمة ( الخادم او الخادمة وماشاكل ذلك).
* احكام الطلاق :
الطلاق حق للرجل !.تتناول المدونة تعريف الطلاق وشروط المطلق والمطلقة فلا يصح طلاق المجنون والساهي والهازل والسكران كما لا يصح طلاق المكره لكن الاكراه يصح اذا كان على حق !.
ويشترط في المطلقة ان تكون طاهرة من الحيض والنفاس .
ويشترط في صحة الطلاق:
١- الصيغة مثل ( انت طالق ) او ( هذه طالق ) ولا يقع الطلاق بقول ( طلقتم) او (فلانة مطلقة) ولا ادري مالفرق ؟!
٢- ان يكون الطلاق ناجز وغير معلق على امر نستقبلي معلوم او متوقع الحصول كالقول ( انت طالق اذا حصلت خرب).
٣- اشهاد رجلين عادلين يسمعان انشاء الطلاق.
و تبين المدونة ان الطلاق يقع مرة واحدة حتى لو قال الزوج ( فلانة طالق ثلاثا”) او ( هي طالق طالق طالق).
و تشرح المدونة مفهوم الطلاق البائن والطلاق الرجعي وتنص ان الرجل اذا طلق زوجته ثلاث مرات حرمت عليه في الثالثة حتى تنكح زوجا” غيره على ان يدخل بها في القبل وهو امر تتفق عليه المذاهب الاسلامية.
احكام العدة:
لا تنطبق مدة العدة على من لا يدخل بها زوجها وكذلك اليائسة وان كان مدخولا بها ومدة العدة تكون على انواع:
١- المطلقة غير الحامل مدتها ثلاث اطهار ( يمر عليها ثلاث فترات من الطهر).
على ان لا تقل عن ثلاث اشهر.
٢- المطلقة الحامل عدتها مدة حملها حتى تضع حملها ولو بعد الطلاق بساعة.
٣- عدة الفسخ والانفساخ : وهي تماثل ماتقدم ذكره.
٤- عدة الوفاة : ومدتها اربع اشهر هلالية وعشر ايام ان كانت غير
حامل اما اذا كانت حامل فعدتها ابعد الاجلين ( وضع الحمل او المدة المذكورة للمرأة غير الحامل).
ثم تنتقل المدونة الى موضوع الزوج المفقود فتجيز طلاق الزوج المفقود المنقطع خبره عن اهله عند مضي اربع سنوات اذا كانت زوجته لا تعلم بحياته ولا موته ولم يكن للزوج مال يتيسر الانفاق منه عليها ولا ينفق عليها وليه
لكن المدونة تشترط موافقة المرجع الديني على هذا الطلاق !( لماذا كل هذا ابعبء على المرجع الديني؟) إلا توجد ثقة بالقضاة؟ . وبهذا تتعامل المدونة مع الحاجات المادية للزوجة دون ان تكترث لحاجاتها النفسية و العاطفية.
احكام الخلع والمباراة :
الخلع والمباراة لهما نفس المعنى تقريبا لكن الفرق ان الخلع يكون عندما تكون الزوجة كارهة لزوجها فتطلب الخلع مقابل تقديمها فدية لزوجها اما المباراة فهو ان يكون الزوجان كارهين بعضهما البعض.
وتجيز المدونة الخلع والمباراة ويعتبر الخلع طلاق بائن مالم ترجع فية الزوجة اثناء العدة.
احكام الوصية: تعطي المدونة تعريفا للوصية وتقسمها إلى نوعين هما: اولاً : الوصية التمليكية وهي المتعلقة بالمال وهي تحتاج قبول الموصى له.
ثانياً : الوصية العهدية وهي المتعلقة بأمر أخر غير المال ( مثل ولاية الابن) ولا تشترط قبول الموصى له.
ويتم إثبات الوصية التمليكية بشهادة رجلين عادلين او برجل وأمرأتين او أربع نساء او شهادة رجل عادل و يمين الموصى له.
اما الوصية العهدية فيتم إثباتها بشهادة رجلين عادلين حصراً .
والوصية التمليكيةفي الفقة الجعفري كما هو في بقية المذاهب لا تزيد عن ثلث التركة ( إلا إذا أجاز الورثة غير ذلك ) بعد اخراج الديون التي بذمة المتوفي ومصاريف التجهيز والدفن إلا ان المذهب الجعفري يجيز الوصية للوارث على خلاف بقية المذاهب ( على اساس ان لا وصية لوارث) فالواصي مثلا من حقه ان يوصي لابنه او أبيه وغيرهما من الوارثين وقد اخذ قانون الاحوال الشخصية النافذ برأي المذهب الجعفري بهذا الصدد.
ثم تبين المدونة شروط الموصي والموصى له والموصى به وهو إسهاب غير مبرر في بعض الأحيان و كذلك تبين المدونة احكام الرجوع عن الوصية. وتتطرق الى الوصي وشروطه .
الغريب ان المدونة تجيز الوصية لغير المسلم في حين تمنع الميراث عنه وهو امر يثير التساؤل سيما و إن الوصية هي اكثر كقيمة مادية من الميراث احياناً.
احكام الميراث
بعد تعريف الميراث تبين المدونة واسبابه وهي النسب وهو على ثلاث طبقات هي:
اولاً : الطبقة الأولى وتشمل الأبوان المتصلان والأبناء وإن نزلوا.
ثانيا: الطبقة الثانية : وتشمل الأجداد والجدات وان علوا ( أبو الجد مثلا)والإخوة والأخوات وان نزلوا ( أولاد الأخ والأخت وأحفادهم)
ثالثا: الطبقة الثالثة : الأعمام والاخوال وان علوا
والمعروف ان وجود وارث واحد في الطبقة بموجب الفقه الجعفري خلافا للمذاهب الأخرى ( الابن وحده يستطيع) يحجب الميراث عن جميع مكونات الطبقة التالية فالبنت تحجب الميراث عن أعمامها وجدها ….الخ وهذا ما أخذ به القانون العراقي النافذ و في هذا إنصاف كبير للبنت
ثم تبين المدونة موانع الميراث وهي:
اولاً : عدم الإسلام فالزوجة المسيحية مثلا لا ترث من زوجها المسلم !
ثانيا: القاتل لا يرث المقتول.
ثالثا: الولادة من الزنا وهكذا يتم معاقبة اللقيط على ذنب لم يرتكبه !
لكن أخطر ماورد في المدونة في موضوع الميراث مسألتان:
اولا : حرمان الزوجة من وراثة الأرض والعقار عينا” و ثمنا”.
ثانيا”: إذا لم يكن هناك وارث فإن الميراث يذهب للإمام علي ( عليه السلام) !!
الخلاصة:
١- المدونة تميزت بالإسهاب الشديد الذي لا مبرر له وكان عليها ان تقتفي أثر القانون النافذ فتبين نقاط الاختلاف معه.
٢- كان بالإمكان الخروج بمدونة اكثر عدالة وعصرية نسبيا” من خلال اختيار الفتاوى الأفضل في هذا المجال وخاصة فيما يتعلق بميراث الزوجة من الأرض والعقار.
٣- بعض الفقرات لا تحمل احكام دنيوية كتلك التي تقول من يفعل كذا فهو آثم ! رغم ان القانون يفترض فيه ان يتعامل مع قضايا دنيوية
٤- واخيراً” كان على الوقف الشيعي ان يحذو حذو الوقف السني في الاعتذار عن الانخراط في هذا الأمر سيما وان معظم احكام القانون النافذ تطابق الفقه الجعفري وأنه أصلا يحيل الأمور التي لم يتناولها وهي الأكثر إلى الشريعة الإسلامية .