16 أبريل، 2024 4:27 ص
Search
Close this search box.

قراءة في المجموعة القصصية، كتاب الحياة، للقاص عبد الامير المجر

Facebook
Twitter
LinkedIn
يقدم لنا القاص عبد الامير المجر في مجموعته الجديدة والتى هي بعنوان كتاب الحياة. هذا العنوان الذي شكل عتبة للدخول او للتعرف او فهم مضامين قصص المجموعة التى عكست لنا، الحياة بتجلياتها وتداعياتها واسقاطاتها. القصص في هذه المجموعة، واقعية، واقعية جدا، قدمت لنا هذه المجموعة القصصية، الحياة بجانبيها المظلم والذي في مسارات عتمتها، لوحت لنا بالامل على الرغم مما فيها من الكم الهائل من الجشع واللاعدالة، الموازيان او اللذان هما في خط موازي للفقر والحاجة والعوز وضياع فرص الحياة للكائن الانساني في خضم وضع مرتبك ومضطرب لوطن ضيع بوصلة الطريق. ظالمة هذه الحياة التى تحمل الكثير من الحزن والاسى والألم. بالاضافة الى انها تفتح نوافذ للامل والحياة الافضل عندما نتحلل او نتخفف من احمالها الثقيلة بوعي عميق وفهم لسرها.هذه المجموعة، الروي فيها بضمير المتكلم اي ان الشخصية هي السارد للقصة.. وهي التى حملت لنا نحن قرأها او وضعت امامنا ونحن نقرأ حكاياتهم، الطريقة التى بها او الكيفية التى نصنع بها دواء لجروحنا وجروح هذا الوطن الجريح. قصص واقعية جدا، على الرغم من ان تقنياتها، اعتمدت على الفانتازيا وعلى الحلم وعلى الخيال العلمي وعلى غرائبية الحياة بعد الموت، باستثناء قصة: العظماء يرحلون بصمت.. احيانا. تنبض كل كلمة فيها بل كل حرف من حروفها برنين الواقع المعيش بما يحمل من وجع يملأ كل جنبة من جنباته. قصص سلسة والسرد فيها بلغة هي الاخرى سلسلة جدا ولكنها وفي الآن ذاته، تحتاج الى ان تسبر اغوارها العميقة التى لاتعطي الغائص من معانيها المدفونة، بين ثنايا السرد بذات سلاسة السرد الذي ينساب زمنيا بتتابع افقي، من غير ان تتداخل ازمنتها اي ازمنة قصص المجموعة. المجموعة التى ضمت ثماني قصص، هي قصص ذات بعد سياسي ووطني وكوني والى حد ما فلسفي لجهة البحث عن سر الوجود وغائية وجود الكائن الانساني فيها لجهة البحث عن معاني وجوده. وعن عناصر وعوامل توليد هذا الواقع ومآلته. احتوت قصص المجموعة، على حشد كبير من الرموز والاشارات التى تحيلنا الى البحث عن مسببات هذا الوضع، اوهي من تقدم لنا ما يختفي تحت سطح السياق السردي، من المعادل الموضوعي للسرد الذي قاله البطل في قصص هذه المجموعة بالكلمات التى رسمت مشاهد الاحداث اي ترك مهمة ارسال الخطاب المضمر، لحركية مشاهد الاحداث وما فيها، من واقع مجلل بالألم والحسرات والضياعات والخسارات على المستويات الشخصية والوطنية والكونية. تقدم القصص لنا خطابها المرمز الذي يشب من بين حركة شخصياتها في الحياة الواقعية الصرفة كما في قصة العظماء… او في الحلم الذي يعكس وجع الواقع الذي يختنق بخوانقه بطل القصة، ليقدم لنا لوحة سريالية.. او في ادلجة حكايات الشعب المنقولة شفاهيا عبر العصور، صائحا في وجوهنا وعيوننا ومن بعد وفي توائم لحظي، اشتغال عقولنا؛ ان انتبهوا الى او تعرفوا على لب قولي هذا. ففي القصة التى كانت بعنوان عراة؛ يمتعنا قاصنا بقصة جميلة وسلسة جدا ولكنها تقول لنا قولا عميقا عن الواقع الذي لم نزل نعيشه. في لحظة مباغتة، تفتح الناس في المدينة عيونهم وهم عراة فقد سرقوا ثيابهم لصوص الليل. لم يبق في ثيابه إلا حاكم المدينة. يكتشفوا ان الحاكم هو وحاشيته، من سرق ثيابهم. يقتصون منه ومن حاشيته ” كان الرئيس يتقدم مجموعة العراة، يسيرون كالقطيع في شوارع المدينة وخلفهم الجموع الغاضبة، التى تهتف بالقصاص منهم، وقد استعادت اشياءها المسروقة كلها، ورفعت صور اللصوص من جدران المدينة، التى عاشت فصلا مثيرا لم تشهده من قبل..”. عودة الانسان، عتبة او عنوان مثير للسؤال قبل ان نتوغل في عالم الخيال العلمي للقصة وهي اطول قصة في المجموعة. وهنا وفي هذه القصة الممتعة نتعرف على الاشارة الدالة على جبروت وطغيان امريكا التى تريد وباي ثمن ان تحكم العالم من غير ان يكون لها منافس مهما كان وباي درجة كان، حتى لو اقتضى هذا فناء البشر على سطح هذا الكوكب نتيجة خطأ علمي. الامريكيون نجحوا في انتاج السلاح الخطير ليحكموا به العالم ” ان هذا السلاح يقول، اما امريكا تقود العالم او ينتهي العالم..”. لكن ما حذر منه العالم، من ان هذا السلاح لخطأ ما، سوف يقضي على البشرية في الكرة الارضية، وقع هذا الخطأ وانتهت البشرية.. “حدث خطأ رهيب ادى الى انفجار المفاعل وتسربت المادة القاتلة.. انها تجعل الساحة المستهدفة بلابشر احياء من دون ان تتسبب بقتل اي كائن اخر او تخريب اي وجود مادي..لم تمض سوى ساعات بعد الحادث المروع في صحراء نيفادا… حتى انتهى البشر..”. علماء مجرة ميسو، يعودون بالسفينة التى تحمل على متنها شاب وشابة، امريكي عراقي و امريكية برازيلية، على متن سفينة عملاقة. السفينة الارضية، كانت وكالة ناسا قد اطلقتها الى الفضاء الكوني قبل كارثة الاعدام الجماعي في المعمورة التى لم تعد معمورة. كانت سفينة مجرة ميسو تريد ان تضعهم في مركز الارض، أذ، لايمكن ان تبدأ الحياة من جديد على الارض إلا في مركزها، والذي كان بلاد مابين النهرين وبالقرب من قرية اور. الانسان في بلاد مابين النهرين، تحاصره وقائع فانتازية تتفوق على مخيال اي سارد مهما بلغ خياله من سعة وخصب في صناعة واقع فيه الكثير من القسوة والشراسة والغرائبية، لكنه، يظل في مستوى اقل من الواقع المعيش كثيرا. البطل في قصة دعوة لحفل المجانين.عنوان مخاتل.شكل عتبة القصة، قصة الفجيعة والمخادعة. قبل ان نلج فيها ونتعرف على كاتب المقالات السياسية، الذي تحاصره الحياة وجنونها الذي يتراكم في لاوعيه؛ ليتحول الى فلم تسجيلي غرائبي، اثناء الحفلة التى دعي إليها، يتمتع في مشاهدته الى النهاية. ” حين لكزني احدهم بلطف، انتبهت..كانت القاعة فارغة من الجمهور تماما…الحفل انتهى منذ اكثر من ساعة يا استاذ..انتبهت الى الارض التى كانت مغطاة بعشرات المقالات السياسية والثقافية والاجتماعية..”. بقية قصص المجموعة؛ مسبحة ابي، المؤرخ، الارث، تحمل جميعها ثيمة واحدة وان قالتها لنا بخطاب مختلف. هو ان النسيج المجتمعي العراقي، نسيج واحد ومتجانس، لأنه، متألف تاريخيا مع مختلافته، وان ظهر على غير حقيقته بفعل فاعل دخيل عليه، آنيا وتاريخيا. لذا، في النهاية وتحت ألم ونزيف جروح جسد الوطن مع استعادة او امتلاك الوعي، وفي لحظة وعي تاريخي لابد منه، يعود الى اصل بنيته التاريخية والمجتمعية الصلبة. وهذا ما نلمسه بوضوح في قصة؛ العظماء يذهبون بصمت.. احيانا. في الحصار كانت جروح الوطن شديدة الاوجاع على الانسان وحتى على الحيوان وايضا اوغل هذا الحصار، في الاذى على العقل والنفس ” عند مشهد قطة وضعت صغارها…لم تجد الطعام لها ولصغارها الذين اخذوا يمتصون من اثداءها شبه الجافة…قلت من المسؤول عن هذا،وكان عليَ ان أقرأ..”. ابو ايوب البطل في القصة، الانسان المتوحد والذي لايملك من القوت إلا قوت يومه، يقتطع جزءا من قوته الى امرأة واطفالها الذين فقدوا العون والمعين.. يسلمها الى صديقه، كاتب القصص. حين يموت يقف صديقه وينحني ليضع فاهه في اذنه” أبا ايوب لقد اوصلت امانتك للمراة..”. 
مجموعة قصصية تستحق القراءة والتامل…
من اصدارات الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق

مزهر جبر صورة نقطة jpg

61924346_2369955269732894_9183292926761893888_n نقطة jpg

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب