18 ديسمبر، 2024 11:18 م

قراءة في المتحف الثقافي المتجول

قراءة في المتحف الثقافي المتجول

استطاعت الظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق ان تروض الكثير من القطات (الزراعة والصناعة والقطاع الخاص) لكنها لم تفلح في كبح جماح  قطاع الثقافة المهرة  الحرة التي آلات على نفسها ان لا تنثني او يعتلي صهوتها احد,فلم يؤثر المال السياسي اللقيط الذي لم نعرف مصدره على توجهات المثقفين وتغير مسارهم رغم الضائقة المالية التي يمر بها الكثير من الزملاء, فالمثقف المبدئي  يمتلك الإباء والعفة والكرامة ويترفع من مسح الكتوف  ولا يهرول وراء الكامرات  فهو كالجبل شامخ لم تهزه رياح السلطة والمال كالسهل منبسط في تواضعه كالنهر في عطاءه,
في العراق تجد هذا الأنموذج  وبشكل واسع ومتنوع , نختار واحدة من مفاصله  مدار بحثنا ” المتحف المتجول الثقافي” لا أريد الإسهاب وأركز على المرتكزات الأساسية قدر المستطاع, فقد استطاع (المتحف)وبفترة قياسية أثبات حضوره في اهم محفل ثقافي (شارع المتنبي رئة الثقافة) ,وشكل انعطافة كبيرة في  الحفاظ على الموروث الحضاري وما ترك الأجداد على مر العصور من موروثات وخبرات وعمل على إنتاج ثقافة تعمل على تحريك وتحفيز غريزة الحب على ما خلفه الإسلاف السابقين من عطاء في الكثير مجالات,فهو واحد من المحطات التي تشتغل على إنتاج ثقافة الانتماء للوطن وغرز
 الوطنية في النفوس بالإضافة الى ممارسته كورشة ثقافية , كونه أصبح منارة للإبداع الذي يرتقي بالحس الثقافي المرهف و استحضر الماضي والحاضر ويعمل لصناعة مستقبل من خلال لعب دور  الوعاء” لحفاظ على كل الآثار وتوثيقها من خلال الصور  التي تمثل شاهدا” لهذا الجرح الذي أصاب مورثنا وعرض جانب كبير من الذاكرة العراقية للدمار والضياع وأخرها ما تعرض له المتحف العراقي من عمليات سلب ونهب منظم وعشوائي,
لا يختلف اثنان على أننا  نعيش أزمة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبكة   وفي ظل غياب أعادة أنتاج الثقافة وضياع جهد المبدعين وخصوصا  الشباب  وأثارنا اليوم مهربة في الكثير من متاحف العالم, المتحف اشر هذه الحالة واشتغل  على احتضان المبدعين وخصوصا” الشباب وساهم في أماطة لثام النسيان للاعمالهم الفنية  وعمل على اضهارها الى الملأ وذلل الصعاب   وعرف الجمهور على الكثير من المبدعين  وشكل حلقة اتصال بين إبداعات الجالية العراقية المقيمة في الخارج  والداخل وساهم بشكل كبير في عرض صور الموروث التاريخي القديم وصور التاريخ
 الحديث  وعمل على أقامة  ورشة ثقافية تعرف الزائرين بتاريخهم وترسخ حب الوطن , ويمتلك (المتحف) خزين من الصورالتي تبحث عن فرصة لعرضها ويعمل على أقامة المعارض و ترك بصمة لا زالت محفورة بالذاكرة في الكثير من المشاركات ابرزها معرض بغداد الدولي ويقيم معارض في المدارس والجامعات ويلبي أي دعوة تنسجم وتوجهاته وتعمل على صناعة الذاكرة التاريخية والابداعية وتخدم الوطن
ومن ثمار نتاج المتحف والجهد الاستثنائي الذي يقوم به مؤسس المتحف الاستاذ  هاشم طراد ومجموعة من المثقفين العاملين بروح الفريق الواحد كخلية نحل هو أنتاج جيل مثقف يمتلك حسا” وطنيا” واعي للأهمية ما تمثله هذه التوثيقات للاثار من اثبات للهوية الوطنية  جيل يهتم بحفظ و صيانة المخطوطات ذات القيمة الثقافية التاريخية و العلمية و يحافظ على التاريخ من الضياع , بالإضافة الى رغبته الجامحة في نشر ثقافة التاريخ وعرض نتاج الفنانين الكبار ودعم ابداعات الخامات الشبابية  و يطمح لزيادة رقعة العرض , وهذا يحتاج الى دعم  ومشاركة الدولة في توفير مستلزمات
 النجاح كون الهدف يصب في المصلحة العامة ,ومن خلال هذه القراءة نطالب المسؤولين على دعم هذا الصرح الثقافي الذي يعمل  على رفع ثقافة تاريخ الوطن ويعمل على ترسيخ المواطنة في نفوس الزائرين وخصوصا الشباب بدون مقابل.