أن النقاشات كانت تدور حول مسودات الحقوق المدنية والسياسية فقط ولكن المسودات المتعلقة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية كانت قد أضيفت مؤخرا ولكن الدول الغربية قاتلت من أجل تقسيم الحقوق إلى عهدين ، وكان لها ما أرادت ، حيث أنها أصرت على أن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في الحقيقة ليست حقوق وإنما هي مجرد برامج أو خطط لأن الاعتراف بها يعتمد أساسا على قدرة الدولة ومصادرها وأيدلوجيتها السياسية والاقتصادية لذلك فليس من الملائم إخضاعها لإجراءات قانونية ملزمة من جهة وأن لا تسمح لها بأن تضيع فرصة خلع الوصف القانوني الملزم للنصوص المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية . كما أن الوسائل والإجراءات التي يستلزمها تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تختلف عن الوسائل والإجراءات التي يتطلبها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية فمثلا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وضع في مصطلحات وعبارات تتضمن حقوق فردية بينما تتكلم نصوص ومصطلحات العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية عن واجبات تلقى على عاتق الدول . ولكن ما هو المغزى من وراء ذلك ؟
فالدول بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ملزمة بأن تحترم وتضمن الحقوق المنصوص عليها في العهد بدون أي أبطاء أو استثناء . أما الدول الأعضاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فهي ملزمة باتخاذ الخطوات التي تفي بالحد الأعلى وفق ما تسمح به إمكانياتها المتوفرة وفق نص المادة الثانية ، كذلك ثمة اختلافات أخرى مفاده أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية دخل دور النفاذ في 23مارس 1976 بينما دخل العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية دور النفاذ في 3 كانون الثاني 1976 وحتى سنة 2000 هناك 144 صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية و 95 دولة صادقت على البروتوكول الأول وصادقت 42 دولة على البروتوكول الاختياري الثاني الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام بينما كان عدد الدول المصادقة على العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى نفس التاريخ 142 دولة .1
ويرى البعض أن هذه الحقوق قابلة للتطبيق التدريجي عكس الحقوق المدنية والسياسية التي تكون قابلة للتطبيق الفوري . حيث تتطلب القبول المتعلقة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية الثقافية حتى تدخل حيز التطبيق قيام الدولة المعنية بتكييف أوضاعها الداخلية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو المالية ، ذات الصلة بتطبيق أحكام الاتفاقية أو تسهيل تطبيقها وذلك بالنظر مما قد يتطلب تطبيقها من اتخاذ إجراءات حكومية تستغرق وقتا طويلا نسبيا أو قد تتطلب رصد أموال في الموازنة المالية للدولة أو قد تستوجب الحصول على قروض أو مساعدات مالية إلى غير ذلك ومثاله ما تضمنته الفقرة (1) من المادة (2) .2
ويعمل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وفق نظام التقارير وهو بذلك يختلف عن نظام العمل في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية فليس هناك شكاوى أو عرائض تقدم من قبل الحكومات أو الدول أو الإفراد العاديين فقط هناك ألزام على الدول أن تقدم تقاريرها إلى فريق عمل أنشاء من قبل المجلس الاجتماعي والاقتصادي يتكون من خمسة عشر عضوا يمثلون حكوماتهم ومنذ عام 1987 أصبح الأمر يناط بلجنة تدعى لجنة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تتكون من ثمانية عشر خبيرا يكونون مسئولين أمام المجلس . وتقوم هذه اللجنة بوضع (( تعليقات عامة )) أو تقوم بتبادل الآراء العامة حول حق معين من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وعليه فهذه الحقوق تختلف عن الحقوق المدنية والسياسية فهي لا تقع بشكل مباشر التزامات قانونية يتعين على الدول الوفاء بها بشكل آني بل أنها تصف وعبر مصطلحات برامج يجب أن تقوم بها الدول استنادا إلى ما تملكه من مصادر وبحسن نية فالمادة الثانية تنص على أن كل دولة طرف يجب
أن تتخذ الخطوات وإلى اقصى درجة يمكن باستطاعتها الوصول أليها لكي تحقق وتنجر الحقوق الوارد ذكرها في هذا العهد . وهذا بحد ذاته كفيل بأن يجعل نصوص هذا العهد أكثر ضعفا .3
إن المحاولات التي تمت على الصعيد العالمي أو الإقليمي في ميدان حماية حقوق الاقتصادية والاجتماعية ، بقيت حتى الآن على صعيد تطور الحد الأدنى ، بغياب إرادة سياسية حقيقية للدول لتحسين ضمانات هذه الحقوق . ومن ناحية أخرى فإن حالة الحق بالملكية يبين بوضوح المصاعب التي يواجهها المجتمع الدولي للوصول إلى توافق بصدد حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية . وهذا بدوره أدى إلى إقامة حماية وطنية فقط لهذه الحقوق وغياب التداول عن الدساتير في هذه النقطة .
من وجهة نظر مؤقتة ، إن محاولات ربط التجارة الدولية والسياسة الاجتماعية تركزت مع إنشاء منظمة العمل الدولية . فإن هذه قد فضلت عقد اتفاقات ثنائية بين الدول تنص على أن المزايا التجارية لا تمنح إلا إذا احترمت حقوق العمال المعترف بها على الصعيد الدولي .
كما أن الجهود المبذولة في إطار المنظمات الإقليمية لإدراج قواعد اجتماعية دنيا في الاتفاقات التجارية مع البلدان النامية . وعلى الأغلب لم يتم التواصل إلى ذلك بسبب معارضة البلدان النامية هذه مع تلك التي تريد متابعة المتاجرة ، وهذا ما يفسر التخلي عنها . وقد أعطت مؤخرا معاهدة الاتحاد الأوربي دفعة جديدة لهذه المقاربة .
يلاحظ أن المكتسبات الاجتماعية التي توجد في عدد من الدول الغربية وفي البلدان الشيوعية السابقة تحظى باهتمام السكان لدفع الدول لمحاولة تصديرها بشكل أو آخر . كما أن إرادة تعزيز التقدم الاجتماعي لصالح حرية التبادل قد تصاعدت شيئا فشيئا . إن هذا التقدم الاجتماعي مر أولا بالإمكانية المعطاة لأصحاب العمل والعمال للتفاوض فيما بينهم على شروط العمل تحت التحكيم العام للسلطات العامة . كما يستلزم ثانية بداية التوافق على شروط العمل بين الشركاء الاقتصاديين أي الاعتراف من قبلهم بالحد الأقصى لساعات العمل والحد الأدنى للأجور
والقواعد الصحية وضمان مكان العمل مثلا . وخارج هذه النوايا لربط التقدم الاقتصادي بالعولمة وحرية المبادلات التجارية ، فقد حاولت الدول تنمية نشاط معياري والرقابة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مرة واحدة في إطار عالمي وإقليمي .
لقد أنجز عمل مهم في ميدان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من قبل منظمة العمل الدولية ، ضمنته العديد من الاتفاقيات مع فعالية نسبية لحماية حقوق العمال . أعلن دستور منظمة العمل الدولية كهدف اجتماعي أساسي للعمل الدولي ، تحقيق الأوضاع التي تسمح لكل كائن إنساني بمتابعة سعادته المادية وتطوره الروحي في أوضاع الحرية والكرامة . إن مجمل اتفاقيات منظمة العمل الدولية قد صيغت للوصول تدريجيا إلى هذا الهدف .
هذه الاتفاقيات لها خاصية احتواء كل منها على حق محدد ، كالاتفاقيات رقم 87 لسنة 1948 المتعلقة بحرية التجمع وحماية الحق بالتنظيم ، والاتفاقية رقم 141 لعام 1975 المتعلقة بمنظمات عمال الزراعة ودورها في التطور الاقتصادي والاجتماعي ، والاتفاقية رقم 151 لسنة 1987 المتعلقة بحماية حق تنظيم الإجراءات لتحديد شروط الاستخدام في القطاع العام . إن نتيجة هذا المنهج هي وضع معايير محددة لكل مشكلة تعالج . يضاف إلى ذلك فإن عناصر المرونة الضرورية لتكييف التنظيم مع مختلف أصعدة التطور لكل دولة ، محددة في الاتفاقية نفسها ، بدلا من تركها لتقدير الدول .
هذه المقاربة حالة بحالة ، إذا كان يمكن القول . تسمح أيضا إلى منظمة العمل الدولية بأن تراعي جميع تطورات العالم المعاصر في الميدان الاجتماعي . إن الطريق المتبع من قبل منظمة العمل الدولية هو خاص ، بمعنى أنه يفرق بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات التقليدية غير الداخلة بمضمونها ، إذن فالمقاربة توحيدية .
وتتمثل التزامات الدول بموجب دستور منظمة العمل الدولية في تقديم تقارير عن تطبيق الاتفاقيات التي صادقت عليها الدول وفي مشاركتها في أعمال المؤتمر الدولي للعمل . وتدرس لجنة من الخبراء هذه التقارير ويمكن أن تطلب من الدول اتخاذ جميع التدابير الضرورية
للتطبيق الكامل لاتفاقيات منظمة العمل الدولية . وفي حالة وجود مشاكل مستعصية تنشر ملاحظات اللجنة في تقرير . كما أن الدول تلتزم بالتعاون في دراسة الشكاوى ( المقدمة من دولة طرف ضد دولة أخرى ) والمطالبات (المودعة من منظمة معنية للعمال أو أصحاب العمل) التي يسمح بممارستها دستور منظمة العمل الدولية . إن نتيجة هذه الطلبات تقتصر بتوصيات توجه إلى الدول لمعالجة احتمالات الانتهاكات المرصودة .
إن عدد المطالبات والشكاوى ضعيف نسبيا بصورة عامة ، حتى لو أضيفت إليها السنوات الأخيرة . على أنه يمكن القول بأن حصيلة عمل منظمة العمل الدولية ناجحة لأن التقدم في التشريعات الاجتماعية للدول قد تم بحوار بناء بين المنظمة الدولية والدول عند تقديم تقارير الدول . إن تطبيق القواعد المصاغة عبر منظمة العمل الدولية قد تحقق عن قناعة بفضل التوصيات التفصيلية والبناءة الموجهة للدول . إن حالة تقدم تطبيق بعض الاتفاقيات بعد تعليقات لجنة الخبراء هي اليوم عديدة جدا وتتعلق بجميع بلدان العالم ، اتخذت تدابير لتهيئة وتكييف إدارة النظام لمواجهة المتطلبات الجديدة ، من جهة ، وزيادة عدد الاتفاقيات والدول الأعضاء من جهة أخرى ، لتنوع الأنظمة الوطنية والنزاعات الإيديولوجية .
بيد أنه على الصعيد الإقليمي ، لقد اختارت الدول مقاربة كلاسيكية أي البحث عن تسوية قبل التعبير عنها في اتفاقية دولية وحيدة ، وهذا يفسر ويشرح النتائج الأقل إقناعا من تلك التي تحققت في إطار منظمة العمل الدولية .
ولم تطرح مسألة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في القارة الأمريكية إلا في إطار العلاقات التجارية بين الدول بينما حاولت أوربا حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبر المنافذ التقليدية للاتفاقيات الدولية .
ولقد أكتمل اتفاق الدول في أمريكا الشمالية باتفاق أمريكا الشمالية للتعاون في ميدان العمل والبيئة بتاريخ 13 آب / أغسطس 1993 يتضمن هذا الاتفاق مبادئ توجيهية تلتزم الدول بها لتعزيزها في إطار قوانينها الداخلية . بيد أنه لم يتم الاتفاق على تحديد أية قاعدة دنيا مشتركة .
ويبدو بأنه يمكن اعتبار شروط العمل والاستخدام هي الأقل فائدة بين الأمريكيين ، بينما تقدم الكنديون والمكسيكيون بصورة حساسة بفضل نصوص هذا الاتفاق .
هذا مع مراعاة أن المبادئ التوجيهية المعددة في اتفاق أمريكا الشمالية تضم العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأن احترامها الفعال يمكن أن يقود إلى تقدم حقيقي . كما أنه يجب الاعتراف بحرية التجمع وحق التفاوض الجماعي والحق بالإضراب وحظر العمل الجبري وحماية الأطفال . إضافة لذلك يجب ضمان القضاء على التمييز والمساواة في الأجور بين الرجال والنساء وكذلك حماية العمال المهاجرين . إن الدول الموقعة على هذا الاتفاق أرادت تدارك الانحياز نحو القواعد الأدنى المتعلقة بالعمل والبيئة حتى ولو كان وضعها موضع التنفيذ يبقى دوما إشكاليا . وما هو ملفت للنظر بأن هذه المبادئ التوجيهية لا تعود إلى أية قاعدة دولية ، إن وظيفتها تقتصر على القواعد الوطنية البحتة .
وعلى الصعيد الأوربي ، فالالتزامات الدولية للدول المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ناتجة من جهة عن الميثاق الاجتماعي الأوربي ومن جهة أخرى من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان .
ويشًبه الميثاق الاجتماعي الأوربي المعتمد عام 1961 بأنه القريب الفقير للاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان . لأنه لم يعتمد من الآليات إلا نظام تحليل التقارير الحكومية والإدانة الشفهية للدول من قبل لجنة وزراء مجلس أوربا . فبالإضافة الى ضعف هذه الآليات ، هناك عيوب ونقص في إدارة لجان الرقابة والدور الخاص للجنة الخبراء المستقلين واللجنة الحكومية لم تكن محددة بوضوح . ويقدم الميثاق الاجتماعي الأوربي ثقلا وتعقيدا لم يسمح بحسن إدارته حتى الآن . لذلك تم إنجاز الإصلاح ، وتوزيعه على مسألتين مختلفتين : تمثلت الأولى في اعتماد ميثاق اجتماعي معدل ، وهو صك مستقل يقوم على نفس الهيكلية التي بني عليها الميثاق القديم ، وقد توزع الثاني نفسه إلى مرحلتين ، بروتوكول تعديل الميثاق وبروتوكول إضافي ينص على نظام الشكاوى الجماعية .
وقد استهدف التعديل الأول دعم المكاسب التي وضعت للبحث مجددا بالإصلاحات التي تمت في الشرق والأزمة الاقتصادية في الغرب وأحدث مرجعية للتشريعات المستقبلية في أوربا باتجاه الميثاق الاجتماعي المعدل وهو أن يحل محل الميثاق القديم لأجل طويل . وقد فتح للتوقيع في عام 1996 وتم توقيعه من قبل 14 بلد وبينها بلجيكا ، الدانمرك ، فنلنده , فرنسا ، اليونان ، إيطاليا ، ليتوانيا ، البرتغال ، رومانيا والسويد وقد صادقت لوحدها على الميثاق الاجتماعي المعدل .
إن فشل الميثاق الاجتماعي الأوربي كان عائدا لعوامل مختلفة : فمنذ دخوله حيز النفاذ لم توجه لجنة وزراء مجلس أوربا أية توصية فردية إلى الدول المعنية ، من جهة ، كما أن الشركاء الاجتماعيين لم يشاركوا الإ بصورة ضعيفة في إجراءات الرقابة ، من جهة أخرى . كما أن الضعف الرئيسي للميثاق الاجتماعي الأوربي يقوم على غياب الجزاء السياسي للانتهاكات المرتكبة من الدول أي غياب المتابعة للرقابة التي تمارسها هيئات الميثاق . إدراكا منها لفشل الميثاق قررت الدول الأعضاء في مجلس أوربا بعد المؤتمر الوزاري في روما بتاريخ 5 تشرين الثاني / نوفمبر 1990 ، تكليف لجنة لتقديم مقترحات تستهدف تحسين هذا الصك .
عقد المؤتمر الوزاري لمجلس أوربا عن الميثاق الاجتماعي الأوربي بين 20 إلى 21 تشرين الأول / أكتوبر 1991 في تورينو بمناسبة الذكرى العشرين للميثاق ، وقرر أن يفتح التوقيع على البروتوكول المعدل وينص على توزيع أفضل للصلاحيات بين مختلف الهيئات بهدف الحد من حالات التنافس بينها . هذا الإصلاح الأول لم يكن كافيا . لذلك قررت الدول إعادة تكليف اللجنة لإنجاز أعمالها . وكانت النتيجة أن تم في عام 1995 اعتماد بروتوكول إضافي للميثاق الاجتماعي الأوربي ينص على نظام الشكاوى الجماعية . وهذا يستهدف تقوية مساهمة الشركاء الاجتماعيين والمنظمات غير الحكومية في آلية مراقبة الميثاق ووضع أصول أكثر سرعة لتحليل ودراسة الشكاوى .
هذه الشكاوى يمكن أن تحرر من المنظمات الدولية والوطنية لأصحاب العمل والعمال ومن قبل المنظمات غير الحكومية الدولية أو الوطنية . إنها تدرس من لجنة الخبراء المستقلين التي تصدر تقريرا حول احترام أو عدم احترام الميثاق من الدولة موضوع البحث . يطرح التقرير على لجنة الوزراء وينشر للرأي العام . يمكن للجنة الوزراء اعتماد توصية توجه إلى الدولة المعنية التي عليها تقديم معلومات عن التدابير التي تنوي اتخاذها لتطبيق التوصية .
إن الفعالية المختلفة لإجراءات الرقابة المحدثة في الميثاق الاجتماعي الأوربي جاءت نتيجة ضعف الحماية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الإقليمي . إن مسألة عرض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على القضاء ليست غريبة عن هذه القيود . وتلجأ الدول ، لتدبير ضعف تعهداتها الدولية , إلى أن تثير موضوع الضغوط الاقتصادية التي تخفف من إمكانيات تنفيذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهذا يستلزم إجباريا تدابير داخلية . على أن بعض الحجج النظرية تسمح بتقديم فكرة بأن بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الأقل يجب أن تحظى بحماية قضائية . والواقع أن التفريق الجوهري بين الحريات المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية هو موضوع قابل للنقاش ويمكن أن يكون قد تجاوزه الزمن .
ومن ناحية أخرى لا يمكن القول أبدا بصورة حاسمة بأن الحريات تتطلب امتناعا أي اعملا سلبية من قبل الدولة وبأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تتطلب أعمالا إيجابية من قبل السلطات العامة . إن الحريات نفسها تتطلب في الواقع عملا من الدولة لحمايتها ولا يتم ذلك إلا بوضع جهاز يكلف كحد أدنى بضمان ممارسة هذه الحريات ، بينما بعض الحقوق الاجتماعية كالحرية النقابية لا تتطلب عملا خاصا من الدولة . ومن ناحية أخرى ، فإن التفريق بين هاتين الفئتين من الحقوق يقود إلى وضعها في علاقات هرمية تسلسلية ، تبدو فيها الحقوق الاجتماعية أقل أساسية من الحقوق المدنية والسياسية . على أن ممارسة الحقوق الاجتماعية هي شرط جوهري للممارسة الفعالة للحريات الأساسية وحماية هذه الأخيرة هي أيضا ضرورية
للانتفاع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية .وقد اعترفت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان مثلا على هذا الصعيد بأنه من الباطل شطر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن ميدان الاتفاقية .
إن الحق بتشكيل نقابات والانضمام إليها هو الحق الاجتماعي الوحيد المضمون مباشرة بالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ( المادة 11 ـ 1 ) ولكن هناك حقوقا مدنية أخرى لها امتدادات اجتماعية اقرها اجتهاد اللجنة والمحكمة الأوربيتين لحقوق الإنسان . كما أن المحكمة وعبر منفذ حظر العمل ألقسري أو الإجباري ، تناولت الحق بالعمل بتعريف مفهوم العمل بفرض المطالبة بأجر كاف . كما أنه حددت بصورة أكثر دقة مضمون الحقوق النقابية وحرية التجمع . وهكذا فإن الأفراد لا يمكن إجبارهم على الانضمام إلى نقابة ويجب أن تترك بعض الحريات للاختيار يضاف إلى ذلك أن المادة 11 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان تضمن للنقابات حرية الدفاع عن المصالح المهنية لمنتسبيها وهذا ما يمكن أن يتطلبه قانون النقابات من استشارة السلطات العامة والحق بالتفاوض الجماعي والحق بالإضراب .
يبدو مؤخرا بأنه مهما كان منفذ المادة 14 من الاتفاقية فإن الاجتهاد الأوربي حاول أن يدرج الحقوق الاجتماعية ضمن حقل حماية الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ، ورغم الاجتهاد المتوسع للمحكمة واللجنة اللتين ربطتا هذا النص الذي يستهدف جوهريا حماية حقوق ملموسة كما هي معظم الحقوق المدنية . والواقع أنها شددت على الطابع الواقعي والفعال للحقوق المضمونة بالاتفاقية بما فيها أن الحماية يمكن أن تتطلب تدابير إيجابية من الدولة .
إن تحسين ضمانة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في إطار الاتحاد الأوربي يتطلب إذن إضافة بعض الحقوق على حد سواء إلى قائمة الاتفاقية أو وضع نظام أفضل للرقابة على احترام الميثاق الاجتماعي الأوربي .
كما إن ضعف حماية الحقوق الاقتصادية يمكن أن يتوضح بحالة الحق بالملكية الحق الاقتصادي الذي يستفيد من ضمانة غير كاملة على الصعيد الدولي بسبب معارضة بين دول تتعلق بوظيفتها في المجتمع .
ولعل من المهم الإشارة إلى أنه بالنسبة إلى مشرعي إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 فأن حق الملكية كان لا يمكن انتهاكه ومقدس وأهميته تفوق المساواة والحرية . صاغ معهد القانون الدولي عام 1929 إعلانا للحقوق الدولية للإنسان يقوم على مثلث ( الحياة و الحرية والملكية ) إن الأسس الثلاثة لحماية حقوق الإنسان . اليوم هي الحياة والحرية والأمن .
نشاهد إذن انحسارا شاذا في الحق بالملكية مقارنة بحقوق الإنسان الأخرى التي عرفت تطورا ملائما جدا منذ الحرب العالمية الثانية .
لقد دول حق الملكية من حيث وجود قواعد دولية عامة لحمايته . وعلى العكس فإن الأحكام الاتفاقية لحماية هذا الحق نادرة فمثلا لم يدرج حق الملكية في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان أصلا ، وهو محمي بالمادة الأولى من البروتوكول الإضافي لسنة 1952 ، ولم يرد في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان أي نص حول حق الملكية سواء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أو العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية.4
الهوامش . 1 -Lorry Fisler Dam Rosch , international law , fourth ed , west group, U . S . A , 2001 , p597 . –1 2 ـ د . ضاري خليل محمود ، الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وقيمتها القانونية في التشريع العراقي ، سلسلة المائدة الحرة ، 23 ، بيت المحكمة ، بغداد ، 1998 ، ص55 . 3 -eventh ed , peter Malanczuk , Akehursts ,modern introduction to international law , s –3 routledge , New York , 1997 , p216 . 4 ـ هيلين تورا ، تداول الدساتير الوطنية ، ترجمة باسيل يوسف ، بيت الحكمة ، بغداد ، 2004 ، ص499 ـ 508