21 مايو، 2024 2:10 م
Search
Close this search box.

قراءة في إخفاقات الستراتيجية الاميركية في العراق في ضوء تصريحات السفير ستيفن بيكروفت

Facebook
Twitter
LinkedIn

من يتمعن في تصريحات السفير الاميركي في العراق ستيفين بيكروفت الاخيرة يرى أن موقف الولايات المتحدة من العراق لايزال غامضا ، وتشوبه الكثير من علامات الاستفهام ، ويضع أمام المراقبين جملة تساؤلات عن الطريقة التي تفكر بها الادارة الاميركية ازاء إسلوب تعاملها مع هذا البلد، الذي يمر بأسوأ ازمة في تاريخه ، تكاد تهدد مصير شعبه في الصميم.

وهناك حقيقة يدركها الكثير من المتتبعين للشأن العراقي من ان الولايات المتحدة التي تتحكم في مصير العالم ، وتعرف كل صغيرة وكبيرة عن العراق، ويكاد تفوقها التكنولوجي يفوق كل القدرات العقلية، لما بلغته من مستوى متقدم في كل الميادين، لكنها تجهل الكثير من الحقائق عن طبيعة الشعوب ومنها الشعب العراقي، وهي رغم كل هذا التقدم العلمي والتقني المذهل، تبقى تجهل الكثير عن الشخصية العراقية وطبيعة تكوينها، وربما لم تلامس الا قشورها حتى الان، رغم مضي أكثر من عشر سنوات على احتلالها للعراق وتحكمها بمقدراته.

هناك حقيقة يعرفها الكثير من المختصين، ان الولايات المتحدة تعرف حتى نوع الألبسة الداخلية التي يرتديها كبار المسؤولين العراقيين خلال نومهم ، بل وحتى حين يجلسون على كراسي السلطة، وتعرف تفكيرهم وبماذا يمكن ترويضهم والتحكم بمقدراتهم، لكنها لم تعرف حتى الان عن معنى تمسك العراقيين بالكرامة ودفاعهم عنها، وهي تعادل لديهم كل ما يمتلكونه من كنوز وثروات، وما يمتلكونه من كل هذا العمق الحضاري الضارب في الأعماق ،  ولا تعرف الولايات المتحدة ولا المهتمين لديها بالملف العراقي من حديثي العهد بالعراق كيف يكون محتوى الشخصية العراقية وطبيعة التعقيد الذي يدخل في تركيبتها، إذ عجزت كل المختبرات الاميركية عن اكتشاف طبيعة العراقيين وكيف يفكرون، والى أي مدى يمكن ترويضهم أو محاولة العمل على استمالة افكارهم ورؤاهم للنظام الديمقراطي الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه على العراق ، رغم تناقض الواقع العراقي وعدم استساغته حتى الان للتعامل مع هذا التوجه السياسي وفقا للمشيئة الاميركية.

ان السفير الاميركي بيكروفت في حواره مع قناة الحرة قبل أيام وكثرة الحاحه في الحديث عن التقدم الذي وصفه بالكبير  الذي شهده العراق من تقدم اقتصادي واقامة نظام ديمقرطي بعد التغيير ، وأسهابه كثيرا في الحديث عما تختزنه الاسواق العراقية من بضائع وسيارات ووسائل اعلام وصحافة حرة ، وعن حجم التجارة الاميركية في العراق، لكن احدا من العراقيين لم يعرف من السفير الاميركي كيف تتعامل واشنطن مع هموم العراقيين ولا مع املهم ولا طموحاتهم وهم يرون شتى انواع الظلم والاضطهاد في بلدهم وكيف يجري محاربة الديمقراطية بأساليب شتى ، وكيف تغمض الولايات المتحدة الكثير من التجاوزات على ملايين العراقيين الذين لم يجدوا من ديمقراطية اميركا غير قشورها التي لاتغني ولا تسمن ولم تلامس الجرح العراقي او تضع لها علاجات ولو في حدها الأدنى ، وبقي ملايين العراقيين محرمون من أبسط حقوقهم في الحياة، بل ان الديمقراطية  في العراق تحولت الى كابوس مرعب يقض حياة العراقيين بعد إن داست عليها أقدام العساكر ،  وراحت تروع الآمنين وتزيد من بؤسهم وشقائهم ، وهو ما لاتريد الادارة الاميركية أن تضع له حسابا ضمن تفكيرها ، فالمهم لديها انها وضعت العراق تحت سيطرتها واحكمت سطوتها على هذا البلد من خلال نظام حكم يحتار العالم كله في كيفية وصفه وما تسبب من ظلم وهدر لكرامات العراقيين وإيغالا في انتهاك حقوقهم وحرياتهم، وما التعامل مع التظاهرات الاخيرة التي عمت العراق الا واحدا من الشواهد التي تدل على ان ما يجري في العراق يعد انتكاسة رهيبة للديمقراطية ، وان حقوق الانسان تنتهك يوميا وبشكل خطير، والشعب العراقي بملايينه في كل محافظات العرق يرزح تحت نير حكم ،لايترك فسحة ولو قليلة للديمقراطية ان يستفيد منها أحد، عدا حرية التعبير، التي تقدمت كثيرا في العراق، لكنها بلا حقوق، واصبحت كمن يضحك على نفسه ويصدق انه يعيش اجواء ديمقراطية، اذا لايكون لمعنى حريتك معنى ولا لحرية الصحافة من معنى ، حين لايشعر أحد بهموم العراقيين المزمنة ولا بمآسيهم اليومية أو يحقق لهم بعض مطالبهم ولو في حدها الادنى .

ان مساعد وزير الخارجية الأسبق ديفيد ماك ربما يكون الوحيد من بين أكثر المسؤولين الاميركيين من لديه خبرة بالعراق ، ويعرف الكثير عن حقيقة أسلوب التعامل مع هذا الشعب، كون الخبرات الاميركية السابقة تستند الى خلفيات تاريخية ونفسية رصينة بالاعتماد على الأرث العراقي الذي تختزنه بريطانيا عن العراق، وهو خزين يعطي الكثير من المؤشرات عن هذا الشعب وطبيعة تكوينه الفكري والقيمي والفلسفي والاخلاقي ، وديفيد ماك المسؤول الاميركي الرفيع الذي كان مسؤولا عن الملف العراقي منذ السبعينات ، ولديه المام بكل تفاصيل المجتمع العراقي واحزابه وقواه السياسية ونوع المعارضة الموجودة فيه، كانت له أراء صائبة أزاء إسلوب تعامل الولايات المتحدة مع الشأن العراقي ، بل توصل قبل فترة الى حقيقة مؤداها ان الولايات المتحدة لم تستفد من احتلالها للعراق ، ولم يتحقق لها ما كانت تصبو اليه في ان تخضعه لمقدراتها، أو تركيع العراقيين على ان ينساقوا مع التوجهات الاميركية التي تريد فرضها عليهم ، في حين يجهل الكثر من المسؤولين الاميركيين الحاليين حقائق كثيرة عن تركيبة الشعب العراقي، ويقيسون مدى تقدم علاقة أي شعب بمقدار حجم علاقة الولايات المتحدة التجارية والاقتصادية مع  العراق، وهذا لايؤشر مقياسا عادلا لمؤشر العلاقة مع العراق ، ولا مع التقدم الذي تتحدث عنه الادارة الاميركية ليل نهار.

واسهاب السفير الاميركي الجديد بيكروفت عن التقدم الكبير الذي  حصل في العراق ، في وقت يغوص العراق في مشكلات داخلية وتفاقم أزماته السياسية مع شعبه ومع محيطه الإقليمي ، وعدم وجود حلول عملية لاساليب التعامل مع الشعب ، وغياب منطق واضح لاسلوب التعامل الديمقراطي مع الشعب، وعدم تلبية مطالب المتظاهرين ، رغم مضي اكثر من شهر على مطالب التظاهرات التي عمت العراق وسكوت الولايات المتحدة وصمتها عما يجري في العراق ليؤشر خللا كبيرا في التفكير الاميركي أزاء أسلوب التعامل مع العراق ، ويدل على قصور في النظر، لايعكس الا لامبلاة وإزدراء بالعراقيين ازاء هذا الوضع المرير بل والكارثي.. بل ويستغرب العراقيون تجاهل الولايات المتحدة للاسلوب الديمقراطي الذي اضطرت قطاعات شعبية لممارسته كأسلوب للمطالبة بالحقوق ، ومع هذا لم تهتم الولايات المتحدة او تنصح الحاكمين في العراق بأن هذا الاسلوب ( وهو التظاهرات السلمية ) هو الديمقراطية بعينها ، وان محاربتها للمتظاهرين ولامبالاتها أزاء مطالبهم المشروعة يعد انتهاكا للقيم الديمقراطية وتعديا على حقوق الانسان.

ان الولايات المتحدة مطالبة بأن تضع للعراقيين كشعب وتاريخ اعتبارهم، وان تعيد تصحيح المسار الذي رسمته للبلد، وإفهام ساسته أن من يركب رأسه، ولا ينصاع لرغبة شعبه وتطلعاته، عليه ان يغادر السلطة، أو أن يبحث له عن سبل للحوار توصل الى نتيجة، والا سيكون للولايات المتحدة موقف آخر أزاءه، الا اذا كانت الولايات المتحدة تدعم من يحاول تركيع العراقيين والاستمرار في إذلالهم، وتقدم مساندتها ودعمها لمن يسير بهذا الإتجاه، حتى يكون للعراقيين موقف آخر، كي يضعوا حدا لمن لايعترف بوجودهم او يتجاهل رغباتهم وطموحاتهم المشروعة في الحياة، وبمقدور العراقيين ان يعيدوا التوازن للمعادلة المختلة في بلدهم، بما يحقق لجميع فئاتهم ومكوناتهم، ما يصبون اليه من عزة وكرامة ، وحياة آمنة مستقرة، وهم قادرون على رسم ستراتيجية بلدهم وفق مايرونه هم ملائما لبلدهم وشعبهم، وليس كما تشتهي الادارة الاميركية، او  من يدعم توجهاتها غير المنسجمة مع غالبية العراقيين، وهم الذين سيوصلون العلاقة مع الولايات المتحدة الى مستوى لايسر، ان بقيت الاحوال تدار على هذه الشاكلة في العراق.

ويعبر المهتمين والمتتبعين للشأن العراقي عن إستغربهم من الصمت الاميركي المستمر أزاء التدخل الايراني الواسع في العراق، وكيف تقرر ايران مصير بدلهم بيدها، وهي التي يكون لها التوصية في خاتمة المطاف بمن ترضى عنه او لاترضى عليه، ولا يدري العراقيون هل ان هذا الصمت وهذه اللامبالاة الاميركية أزاء التدخل الايراني هو ( مكافأة ) لايران جراء تسهيل دخولها العراق عام 2003 ، ودعمها المستمر للتوجهات الاميركية في العراق، أم ان للتجاهل الاميركي رأي آخر، يتعلق بمخاوف الادارة الاميركية مما قد تلحقه طهران من ( خسارة سياسية ) اذا ما اصطدمت بها، أو حاولت عرقلة طموحاتها في العراق، ثم الا يكون معيبا لدولة كبرى ان تخشى دولة مثل ايران، إستطاع العراق تركيعها لثماني سنوات ، وارغمها على الانصياع للارادة العراقية، واذا كانت واشنطن غير قادرة على مواجهة تحكم ايران بالشأن العراقي ولجمها، فأن بمقدور العراقيين ان يضعوا حدا لتدخلات ايران ، وهم الذين هيأتهم الاقدار ليكونوا عند حسن ظن الاجيال بهم، غير هيابين، ولهم في سوح التاريخ القديم والحديث، مايشفع لهم، أنهم لقادرون ان يضعوا حدا لمن يحاول التطاول على ارادتهم او يحاول اخضاعهم لمشيئة كائنا من كان ، فالعراقيون الأباة ، اصحاب الحضارات والتاريخ العريق ، لديهم من القدرات والخبرات، والمؤهلات، ما يقطع دابر التدخل الايراني، في بلادهم، أما موقف الولايات المتحدة من ايران، فلدى العراقيين دلائل بالملموس، من ان واشنطن لاتريد إغضاب طهران، لانها لاتريد ان تكدر خاطر من قاسمتها اللقمة في ابتلاع العراق،ولكن ظن واشنطن وطهران سيخيب إن بقي هذا التجاهل الاميركي لما يجري من تدخل يومي ايراني في الشأن العراقي، ليس بمقدور حتى الطفل العراقي الرضيع ان ينكره او لا يكتشف أثره في مجرى السياسة وأن بمقدور العراقيين ان يضعوا هم خارطة الطريق لانفسهم للخروج من مازقهم الراهن، شرط ان يحسنوا اختيار ادواتهم وتحريك عقولهم هذه المرة، إذ لا أحد يهتم بمعاناتهم أو يساعدهم على الخلاص منها ، وهم الذين سيكونون لشعبهم الطبيب المداويا.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب