19 ديسمبر، 2024 12:09 ص

قراءة في أقاصيص ( روشيرو ) للقاص حسين رشيد

قراءة في أقاصيص ( روشيرو ) للقاص حسين رشيد

المحكي البيوغرافي المؤول في تنصيصات المغايرة الشكلية
توطئة :
و نحن نقرأ تجربة مجموعة أقاصيص ( روشيرو ) للقاص حسين رشيد عاينا بأن الغرض الفني كان في البحث الأحتدامي بين تلك الأنا الناقدة و المتمردة كشفا و بين تعرضات الكشف و الإشارة و الفرز و التقويم جميعها إلى حالة و صورة ذلك الواقع المعيش من حياة تلك الأنا الكاتبة و التي أخذت تحث السير في ذاتها للوصول إلى بؤرة مكاشفاتها و ممكناتها الإيقاظية المتصورة لحالات و هيئات كشوفية ذلك الواقع المعيش من حياة جاءتنا بوسائل إفتراضية مجملة لتحل في أيقونة النص كعلائق بديلة . وذلك للتأكيد منها على مدى مفارقة مسارية تلك المعادلة الساخرة من الوجود الآنوي ذاته و بما يحيط به من اضطرابات داخلية و خارجية وعاطفية و نفسانية و مصيرية .

1ــ التصور المقابل / اللاتصريح بالمقاربة :
من خلال ما واجهناه عبر فضاءات نصوص ( روشيرو ) إذ وجدنا بأن القاص يتجه نحو حافات خطرة من التشكيل السردي المبطن خصوصا و أن تعاملات القاص مع حيثيات واقعه الآنوي جاءتنا محفوفة بالنقائض و الدوافع المؤشرة بالسخرية و التهكم و التشويه و الأغتيال . و قد تضمنت النماذج القصصية عرضا في مجموعة حسين رشيد بأبعاد النمذجة الكوميدية السوداء وصولا منها إلى مواطىء واقعية ما وراء أو فوق الواقع الشكلي المرير الذي بات من خلاله محكي النص يشكل بذاته ذلك اللعب الحر بقواعد المتن القصصي القصير جدا . في البدء نعاين حالات و أجواء حكاية قصة ( روشيرو ) حيث تتوزع عناصرها الاجناسية تلك الحالة من التنافذية الصارمة و الممتدة بين بنيوية حساسية الشكل الجديد و بين ملابسات المقصودية الوظيفية القارة في مسار محمولات التراسل البؤروي ــ أي بمعنى ما ــ أن القارىء لهذه الأقصوصة لربما لا تنمو لديه أية سابقية خلفية معلومة ما و طبيعة موضوعة محتوى هذا النص المتراتب وصفا جينالوجيا كثيفا إذ راح يتعدى حدود من يحكي و من يتمثل المحكي ذاته و على وفق مقولة السارد من أنه هو الوحيد من يستمع و يفهم مؤديات سرده الخاص توصيفا : ( وحدها روشيرو تلك البقعة الملتوية في جغرافيا المتاهات . . يقتسمها اليوم بنهاره و ليله في اللحظة ذاتها . . كما تقتسمها الفصول الأربعة بكل الإتجاهات .. و في الوقت ذاته أيضا إذ إن دورانها حول نفسها عكس عقارب الساعة .. و دورانها في فلك الكون مع عقارب الساعة / قصة : روشيرو ) . يمكن أن نزعم بأن توصيفات أقاصيص ( روشيرو ) جاءتنا ضمن هذا السياق المؤطر من أفق زمنية الحساسية الشكلية المغايرة وهي تتلمس و تكشف مشروطية أفق توقعاتها داخل تضاريس قواعد اللعبة السردية الجديدة في منحى هذه النصوص .. أننا لنجدها أحيانا و كأنها أسئلة السارد و السرد الماضية قدما نحو متواليات مواطن التعديل و متاريس التصحيح و إعادة دورة أنتاج الأشياء بألوان و تمظهرات لعبة المتخيل الكاشف .. كما الحال في قصة (المخلوق ) و قصة ( إجهاض ) و قصة ( هدى ) و قصة (حفلة ) . و من خلال هذه النصوص تحديدا تأتينا الصورة السردية الجمالية المغايرة سواء في الفضاء أو في الزمان . فما تعلق بالسمع يأتي في الزمن وما يتعلق بالنظر يأتي في الفضاء . فالصورة السردية في نمذجة هذه النصوص تدرك في بدايتها بوصفها كلا محددا بغض النظر عن الفضاء و الزمان ــ أي بمعنى ما ــ أن جل فعل موجهات هذه النصوص تبدأ في الانتقال من جزء إلى آخر من خلال تضاعفات الظلال النفسية و الاحوالية مرورا بطابعية حيز المشهد السردي و عناصره موحيا بها ذلك السارد عبر مفرداته و مناخه المثقل بالنزعة التمردية و العدمية و المأساوية و الكشوفية . كحال أمر قصة ( كلاكيت ) و قصة ( مقبرة ) وقصة ( جريدة ) . و إذا ما تفحصنا البنيات الحكواتية في نصوص القاص ألفيناها موسومة بدلالة ثنائية المفهوم المخيالي المزدوج في الحكي كعاملية ( التصور المقابل ) و عاملية ( اللاتصريح بالمقاربة ) أي بمعنى ما أنها تبدو خفية الأبعاد التبئيرية و متعددة في الأثر الملفوظي المزدوج بسكنات هوية الآخر . أما الزمن و المكان فنراهما مندرجان ضمن أفق رؤية راح القاص يؤثث فراغهما بالصور و الرموز مانحا إياهما السرد صوتا أحاديا موحدا أخذ ينزع عنهما المنظور الواقعي هالة الوجود الفلكي و الجغرافي معا .

2ــ السارد و تباين لوحات المشهد القصصي :
و على امتداد اللوحات القصصية في مجموعة القاص المتشكلة من بنية هذه المحاور المحكية العتباتية نقرأ مثل هذه العنوانات المدخلية / الفصلية : ( تعال لأريك / تمعن بتلك / تحدث معك .. ثلاثيات / تخيل ذلك .. مشاهد قصصية دنيوية / آخروية ) . يحملنا السارد داخل هذه الفضاءات حيث يتم من جهته تعيين مناطق و صفات و أفعال و أحوال مختلفة و مغايرة في القص السردي . إضافة إلى إدراج القاص نفسه مستويات خاصة و هامة من التعدد الميتاسردي في موضوعة النص . فيما نجد شخصية و عاملية هذا السارد هو ذاته الذي غدا يتولى مهام سرد جميع اللوحات المحورية للمجموعة .

( تعليق القراءة )

تثير مجموعة أقاصيص المبدع حسين رشيد جملة تماثلات حسية / عكسية متفردة في إنشاء محكيات نصوص مجموعته و لدرجة وصولها إلى أفق المغايرة الشكلية البنائية في معنى فتوحات الضربة الدلالية الفجائية و الأدهاشية في مواطن مشروعية الصراع المضموني المركز . و تبعا لهذا السبب تظل جميع الوسائل الشكلية و التقنية التي قام باستخدامها القاص في بنى نواة مجموعته غير تقليدية و غير مطروقة إطلاقا . و زيادة على هذا الكلام أقول : تثير الكتابة القصصية في ( روشيرو ) هاجسا ملازما لمحاولة القاص تخطي الحدود السردية السابقة في عوالم فن القصة القصيرة جدا . إذ أننا وجدنا الحال بعد إطلاعنا على نصوص هذه التجربة من إن القاص كان في سياق خصائص نصوصه تواقا إلى الخروج برؤى و مقايسات وانعطافات توظيفية شيقة في إنشاء مواضع نصوصه القصصية . وهذا الأمر بدوره ما جعل حدود البدايات و المضامين في خطاب النص متضامنة في إطالة صعيد التوطيد العلائقي المتوغل بعدا في وجه و عمق و سؤال تراكزية و مشخصات فاعلية النص القصصي في شكله المغاير : ( الجنازة كانت مميزة جدا .. أهلي و أقربائي .. أصدقاء كثيرون .. عامة الناس .. كون الموت لم يكن عاديا .. بل كان قتلا .. و بطريقة متقصده و وحشية .. أسموني شهيدا .. وحملوني على الأكتاف .. مسافة ليست بالقصيرة .. أصوات الأطلاقات النارية تعلو .. مع صيحات و توعد بالرد و الانتقام .. الناس الواقفة في الشارع بين لاعن لي و راحم .. النساء المتسوقات بعضهن كان يبكين حيث يرون صورتي في أول الجنازة .. و بعضهن كن لا يبالين .. و آخر كان يشتم بي .. و الجنازة تسير وسط هذا و ذاك .. حتى دخل أحد الشباب وسط المشيعين كنت أصرخ بهم محذرا أنه مفخخ .. لكن لا أحد يسمعني .. حيث كنت أقف في العلا مستقبلا أرواحهم / قصة : جنازة ) . هكذا وجدنا المسرود له و إليهم حيث القاص يتمم استحضاره من جهة المسرود لهم حيث يتم التوجه بالسرد المرسل من خلال طرف السارد كعنصر يفرضه الإرسال ضمن موجهات السرد المتعدد . و الأمر نفسه يحدث في قصة (عزاء ) وقصة ( زيارة ) وقصة ( وسن ) و قصة ( موت ) . و على هذا النحو راح يتحقق عبر بيئة لوحات أقاصيص مجموعة القاص ذلك المستوى المتباين من ثنائية ( الغياب و الفقدان ) مما بعث هذا الأمر على النصوص حالة من حالات التكثيف في إيقاعات خاصة من الحبكوية المتماسكة و في ظل سياق من التصعيدية الكشوفية التي من شأنها جعل جل نصوص المجموعة تتجه نحو معانقة المحكي البيوغرافي الخاص من ذاكرة و ملفات القاص التذويتية المعاشة وصولا منها إلى خلق جملة محفزات بنائية مغايرة لأفق خطية المقروء الانتظاري توقعا . فيما تدور ترسيمة النصوص المتموضعة داخل وجهة نظر المؤلف المتمردة نحو فضاءاتها الحكائية الناضجة بعمق رؤيوي و شفافية تمفصلية سردية آسرة . ولعل هذا الأمر ما يفسر سبب كل هذه الاحتفائية التي حظيت بها أقاصيص هذه التجربة في الأوساط الثقافية .. حيث أعتبرت نموذجا شيقا في أجواء سردية قصصية قصيرة جدا ناضجة و مفعمة بمذاق جغرافيا فنية انسانية بعينها .. حيث لا تفتقر في الآن نفسه نصوص هذه المجموعة للمخيلة المنفتحة و المستحدثة و القادرة على إثارة حزمات من أسئلة الواقع المعاش . فالموت فيها جاء دراميا في مضمونه الهادف حيث لا ينفصل عن كونه حدا لقبولية ما إلا ليعانق إطلاقيته الرافضة في أبعادها المتهكمة . و بكلمة أخيرة نستطيع أن نجزم بأن ما يهيمن على حيوات رؤية ( حسين رشيد ) في لوحات و أقسام و محاور مجموعته هو ذلك الكاتب الذي قدر له أن يحيا في مواطن من الإجهاض و إغتيال الأنسان عبر حكمة وطنه اللارشيد . فهذه الرؤية تقريبا هي الموضوعة المهيمنة على قصص المجموعة و التي وجدناها و بلا أدنى شكوكية ما شديدة في واقعها القرائي المؤثر فيما راحت تسمو لذاتها في مسارية محكمة من الإتقان و الحيوية و الفعالية .. بلى إنها مجموعة أقاصيص تجسد رتبا دلالية رمزية شتى تصلح كمادة قرائية لأصناف مختلفة من القراء و القراءة و التذوق و البكاء على ذواتنا المرمية في قاع اللاأنسان و اللاوطن و اللاحكومات .. روشيرو بوصلة الباحث عن ذاته و حلمه المفقود من جهة ما وصرخة المتمرد في أحضان و شوارع أوطانه العارية من جهات أخرى .