هناك جملة أسباب وعوامل تقف خلف التداعيات الاخيرة التي حدثت في الانبار وادت الى كل هذا النزوح الجماعي المرعب، والذي يكاد يشكل حدثا مأساويا غير مبرر ،وعلينا الوقوف على تداعيات تلك المأساة وتأشير مبرراتها وفق المحاور التالية:
1. يتحمل مجلس المحافظة وقيادة عمليات الانبار والشرطة المحلية الجزء الاكبر من تبعات هذه الازمة، لأن كلا من مجلس المحافظة وقيادة العمليات لم تكن حاضرة امام المشهد التراجيدي لمواجهة حملة رعب صغيرة تحولت الى نزوح جماعي مرعب لعشرات الالاف من اهالي الرمادي ، بالرغم من ان الحالة حتى قبل ثلاثة أيام لا تستدعي حدوث تلك الازمة ، أي أزمة النزوح، واستطاع بضعة دواعش القيام بحركات مسرحية ادت الى هروب قوات الشرطة المحلية تبعها قوات تابعة للحشد الشعبي في شرقي المحافظة ماترك المحافظة بلا قوات، وهذا ماخلق قلقا بالغا لدى المواطن من ان المحافظة سقطت وهي لم تسقط فعلا،لكن دعاية الرعب فعلت فعلها المؤثر ، في خلق حالات النزوح الكبيرة، حتى ان داعش نفسها لم تكن تتوقع ان تصل حالة الرعب والخوف وحالات النزوح الى هذا الحد لمجرد انها فجرت سيارة مفخخة على مقربة من مقر مجلس المحافظة ودخل بضعة دواعش هنا او هناك، وكان بامكان عشرة مقاتلين ملاحقتهم وصدهم لو كان هناك مقاتلون فعلا ورجالا بمستوى الكلمة.
2. ان داعش بقيت تتمركز على بعد كيلو مترين الى خمسة كيلومترات من مركز المحافظة منذ سنة تقريبا في منطقة الحوز الاقرب الى مركز المحافظة ، ولم تستطع ان تحدث مفاجأة في قلب التوزان لصالحها كل هذه الفترة، وكانت القوات الامنية هي الاخرى في حالة سكون بل وشلل تام لأنها لم تستطع زحزحة داعش ولو لمسافة كيلومتر واحد، واذا ما استطاعت ذلك لساعات فهي ما ان انسحبت من مواقعها حتى عادت داعش تتمركز فيها، وبقي الوضع بينهما على شكل مناوشات كر وفر لم يحرز الطرفان أية حالة نقدم منذ أشهر، ولم يتم ايجاد حل لهذه العقدة وهي وجود قوات داعش على مقربة من مركز المحافظة.
3. ان واحدة من اسباب اندلاع ازمة النزوح الاخيرة هي عدم قيام مجلس المحافظة او الحكومة الاتحادية بايجاد حل لازمة الموجودين في محافظة الانبار قبل شن الهجمات الاخيرة التي اعلنوا فيها عن بدء تحرير مركز محافظة الانبار بالرغم من ان العمليات لم تبدأ اصلا وما جرى هو محاولات لجس النبض اكثر من كونها عمليات قتال ومواجهات عسكرية، وكان يفترض تهيئة اماكن للقاطنين في الاحياء التي تجري المعارك على ارضها ويتم تهيئة المؤن قبل حدوث النزوح الجماعي العشوائي غير المبررة اصلا لو كان هناك وجود لمجلس المحافظة وقيادة العمليات والشرطة المحلية التي هرب معظم افرادها حتى قبل المواجهة مع داعش، بطريقة غريبة عجيبة لاتليق بقوات امن كانت مهمتها حفظ الامن الداخلي، واعني بها قوات الشرطة المحلية الني يشكل ابناء الانبار مائة بالمائة من تشكيلاتها.
4. فقدان التنسيق الكامل بين مجلس المحافظة وقيادة العمليات، بل ان وجود مجلس المحافظة في بغداد وعدم اهتمامه بما يحدث داخل المحافظة احد أسباب تلك التداعيات وما اعقبها من حالات نزوح جماعي كبيرة باتجاه بغداد، وما رافقها من اشكالات مريرة مع النازحين الذين عانوا محنة النزوح ولا احد قد ساعدهم في التغلب على ازمتهم الا بعد وصول الازمة الى اكثر مراحلها خطورة واتساعا.
5. كما ان موقف نواب الانبار لم يكن بالمستوى المطلوب وتركوا جمهورهم تتقاذفه امواج الرعب والدعايات السوداء، ولم ترتق القيادات السياسية التي تمثله الى مستوى الطموح، حسبما يرى النازحون من الانبار، وكانت ردة الفعل ازاءهم اما التجاهل او توجيه الكلمات النابية لهم مثلما تحدث به محمد الهايس الذي يختزن العراقيون من اهل الانبار مرارات من بحور الاسى عن رجال تركوا اهلهم وديارهم وفضلوا السكن في الفنادق والقيام بحملات التسقيط ضد اقرانهم في الجانب الاخر من رجالات السياسة، بعد ان خاب ظن اهالي الانبار بهم ، لانهم لم يرتقوا الى حجم التحديات التي واجهها اهل الانبار وبقيت المشاكسات والمعارك الكلامية والتراشق اليومي ونشر الغسيل القذر في الفضائيات هي السمة الغالبة على عقليات شاءت الاقدار التعيسة للتحكم في مصير ومستقبل هذه المحافظة، وجاء الوقت الذي ينبغي ان تتم تعرية كل المتخاذلين ومن تركوا بني جلدتهم تحت سياط الذل والمهانة التي تعرض لها اهل الانبار، وهناك جهات في الحكومة كانت تتصيد في المياه العكرة لكي يصل حال اهل الانبار الى هذا المستوى الذي لايحسد عليه.
6. كان على أهل الانبار ضمن مناطقهم ان يثبتوا في احيائهم ويصمدوا حتى وان هربت قوات الشرطة المحلية، ويصد اصحاب العقول الراجحة اية هجمة مرتقبة لحين قدوم قوات تسندهم سواء من قيادة عمليات الانبار او قوات من بغداد كانت تتهيا لنصرتهم، ولكن ماحدث من حالة رعب جماعي تحت ضغط الاشاعات والدعايات السوداء هي من اوصلت الحالة الى هذا المستوى من التداعيات الخطيرة هي من اوصلت الحالة الى هذا المستوى من التداعيات الخطيرة.
7. أما شيوخ الانبار ووجهائها وحتى رجال دينهم فأن وقفتهم هذه المرة لم تكن مشرفة ابدا وهم يتحملون الوزر الاكبر في غيابهم عن الساحة ، ولو كان الكثيرون منهم حاضرون مع اهلهم وربعهم لما حدث الذي حدث، ولو كانوا متواجدين على مقربة من اهلهم وعشائرهم لما حدث الذي حدث بهذه الطريقة التي اقل ما يقال عنها انها مؤسفة ولا تليق باهل الانبار ولا شيوخها، وسجلوا في سفرهم ما لايليق ان يسجله الرجال في الأزمات والشدائد.
8. الغريب ان اعضاء في مجلس المحافظة هم من اعلنوا سقوط المحافظة قبل ان تسقط واسهموا في شيوع حالات من القلق والرعب ادت الى كل حملات النزوح التي شهدناها خلال اليومين الماضيين، وكانت قيادة عمليات بغداد تؤكد ان الانبار لم تسقط وانه جرى تعزيز القطعات هناك وتم استعادة مركز المحافظة، في حين بقي مسؤولو مركز المحافظة اما أنهم يهونون من شأن الخطر ام من يهولون منه، فقد كانوا السبب الرئيس في كل تداعيات تلك الازمة وينبغي ايجاد حل لموضوع بقائهم في مناصبهم واختيار مجلس محافظة اكثر استجابة لخطورة تلك التداعيات وبما يأخذ على عاتقه قيادة المرحلة المقبلة الاكثر صعوبة.
هذه ملاحظات سريعة وجدنا انه من المناسب تأشيرها كتداعيات كانت عوامل واسبابا ادت الى حدوث تلك الفاجعة الاليمة وترك اهل الانبار لديارهم بدل ان يبقوا هناك للدفاع عن احيائهم ومدنهم ، وكلنا امل بأن يرتقي المسؤولون عن قيادات المكون العربي الى مستوى التحديات الخطيرة للملمة بقايا أشلاءهم ، والبحث عن مخارج للحل قبل ان يحصل لأهل الانبار والعراق عموما مالايحمد عقباه.