مؤشرات كثيرة تتضمنها زيارة المالكي الى الولايات المتحدة هذه الأيام ، وهي تحمل أبعادا ودلالات لها تأثيرها البالغ على مستقبل العراق والمنطقة..ويمكن عرض مؤشرات هذه الزيارة كالآتي :
1. ان الأهم مما قيل عن الزيارة انها تحمل رسائل من إيران الى الولايات المتحدة بشأن استعداد حكومة طهران لتحسين علاقاتها بالولايات المتحدة، مقابل تخليها عن بعض متطلبات التخصيب في برنامجها النووي ومساهمتها في التدخل لحل أزمات المنطقة ومنها الازمة السورية ، وايصال رسالة مفادها أن طهران ستتوقف عن دعمها لحركة حماس أو حتى التخلي عنها اذا ما أبدت الولايات المتحدة مرونة في التعامل مع ايران وحسنت من اواصر العلاقة معها.
2. ان ايران تريد إرسال رسالة مفادها ان بمقدورها ان تتوائم مع الرغبة الاميركية في ان يكون لها دور مع الولايات المتحدة بما ينسجم مع المصالح الايرانية، وبخاصة في الأزمة السورية، في ان تبقى تتحكم في مسارات ومستقبل انظمة المنطقة ، وان طهران لن تكون سببا في تعكير الاجواء أمام هذه المصالح أو التسبب بإزعاجات وإرباكات للسياسة الامريكية لمجرد ان تفتح واشنطن صفحة جديدة في العلاقة مع ايران.
3. لقد أبدت إيران رغبة في تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة قبل تولي روحاني الرئاسة في إيران، بل ان ترشيح روحاني كان مقدمة للإستجابة للرغبة الاميركية في بناء علاقات أوثق مع الجناح الإصلاحي في إيران، والان مهدت ايران لذلك بأن سعت لإزالة كل الشعارات التي تظهر عداءها للسياسة الاميركية، في بادرة من طهران لإظهار حسن النوايا، وما تصريحات إدارة أوباما وتسامحها مع إيران الا شاهد على لغة الغزل الاميركية لايران وإظهار رغبتها هي الأخرى بالانفتاح على إيران، في نفس الوقت الذي ابدت فيه طهران قدرتها على ان تخضع دمشق لارداتها لكي تتوافق مع الرغبات الاميركية في عدم تصعيد الموقف الاميركي بأتجاه العمل على تهيئة البديل لبشار الأسد، والعمل على الإنسجام مع إيجاد بدائل أخرى شريطة بقاء نظام الأسد على راس السلطة مع إشراك قوى معينة من المعارضة حتى يمكن التوافق مع الرغبة الاميركية في العمل على إذعان الرئيس السوري بشار الأسد للتفاوض مع اسرائيل واقامة سلام معها، ينهي حالة العداء والقطيعة بينهما الى غير رجعة .
4. ربما تأتي قضية العراق في المرتبة الثانية من الاهتمام ، لأن قضية العراق تم الاتفاق عليها منذ سنوات عادة ، ولا ترى الولايات المتحدة ان هناك مصاعب في هذه العلاقة لانها أعطت الضوء الاخضر للمالكي لان يتصرف على هواه، في رسم معالم سياسة العراق وعلاقاته مع دول المنطقة ، ولم نجد أية بوادر ازمة بين واشنطن وبغداد، بل الأصح بين المالكي والادارة الامريكية ، بعد ان أرسى المالكي دعائم اتفاق ستراتيجي طويل الامد مع امريكا يضمن له مستقبلا اطول في السلطة، مادام قد حقق الرغبة الاميركية في ان يكون العراق قد خضع كليا للمشيئة الاميركية، وان الولايات المتحد ستحقق له بالمقابل مايريد ولن تعكر مزاجه، حتى وان اختلف مع الجهات السياسية العراقية ، أو أصطدم بتوجهاتها ومواقفها الرافضة لبعض التوجهات التي تراها بعض الكتل السياسية انها لاتتوافق مع توجهاتها، وان كل مايصدر من تصريحات اميركية لاتعدو كونها ذر الرماد في العيون، ويلاحظ برود الموقف الاميركي ازاء ازمات حادة وخطرة مر بها العراق، ولم تكن للولايات المتحدة دور رئيس فيها او انها تدخلت لصالح الجهات السياسية العراقية التي تخالف المالكي رؤيته او مخططاته التي يريد رسمها وفقا لمشيئته، حتى انه ليبدو أنه واثق الخطى من ان الولايات المتحدة لن تكون في وقت قريب سببا لابعاده من كرسي السلطة الاول أو على الاقل بقائه يتحكم في مستقبل العراق لفترة اطول ، مادام قد حقق لواشنطن ما كانت تحلم ان يحققها لها آخرون لو عقدت اتفافات سرية معهم او حتى علنية لان الادارة الاميركية وان كانت لديها اتفاقات غير معلنة الا انه سرعان ما ينكشف بعض خططها عبر تسريبات في اجهزة الاعلام.
5. ان الولايات المتحدة أدركت ان القوى السياسية العراقية لم تظهر ككيان قوي يمكن الاعتماد عليه ، او انها اسهمت في اضعاف كثير من الكيانات والكتل التي تناصب المالكي العداء او تقف بوجه سياساته ، وهناك خلافات واسعة بين المالكي واطراف في التحالف الوطني لكن الولايات المتحدة اسهمت بصورة مباشرة او غير مباشرة في تفكيك ازماتها الخطرة وتركتها للمستقبل لكي تضعف ويقل تاثيرها او شجعت اطرافا مسلحة على ان تزهر في الساحة لكي يبقى المالكي متوجسا من مستقبله السياسي ، وبالتالي سيبقى اعتماده على الولايات المتحدة كبيرا اذا ما اراد ان يبقى الواجهة الاولى في الحكم حتى وان واجه اعداء كثيرين ، اي انها في نفس الوقت الذي تقوي به دور المالكي تهيء له بالمقابل من يعمل على إضعافه، لكي لاتزداد ثقته بمستقبله السياسي على طول الخط ، وهي لعبة اميركية عادت عليها بفوائد كبيرة.
6. تحاول الولايات المتحدة التلاعب بمقدرات عقول كثير من الساسة العراقيين حين تظهر نفسها انها تلتقي معهم في الرؤى أوتستجيب لبعض مطالبهم، أو تظهر إهتمامها بما يطرحونه عندما تصاعد الازمات السياسية ، وهي تنقل فعلا وجهات نظرهم الى المالكي، الا ان المالكي يمتلك قدرة هو الآخر لتمييع التوجه الاميركي أو تسويفه، بإظهار موافقته الأولية، وما ان تمضي بضعة ايام ، حتى يتم التخلي عن تعهداته، أو يختلق أية ذريعة ، ومنها توترات الوضع الأمني ليعلن تخليه عما كان قد أعلن موافقته عليه، بل ربما يوجد في بعض حالات التصعيد الأمني انها تخدم أغراضه في أن توفر له المبرر لتوجيه ضربات لمن يريد أن يدخل قائمة إهتماماته، كلما سنحت له الفرصة بذلك، والمتعاملون معه من الساسة يعرفون هذه الحقيقة، لكن ليس لديهم حيلة في مواجهته، أو في تحقيق ما يطمحون اليه من ان يكون لهم مكان مؤثر في العملية السياسية.
7. ان المالكي مهتم فعلا بالحصول على طائرات أف 16 الاميركية وطائرات عمودية لكي يكون بمقدوره ان يضرب أية قوة تقف بوجهه، وان تمتد يده الى كل بقاع العراق ومنها كردستان العراق ومناطق غربي العراق، كونها الخاصرة الرخوة التي يجد المالكي صعوبة في ترويضها، كونها ما زالت تمثل الحالة العراقية الأضعف لدى الدولة العراقية في فرض سيطرتها على هذه المناطق، أو عندا يريد التلويح بذراعه الضارب عند إشتداد الازمات، ليوجه ضرباته لمن يدخل في حسابات المواجهة معه.
هذه بإختصار أبرز النقاط التي يمكن تأشيرها على هذه الزيارة،وهي زيارة تكتسب أهميتها من المهمة التي أنيطت للمالكي لأن يقوم بها، وتعتمد على مدى نجاح مهمته في ايصال رسائل طهران الى واشنطن ومدى إستجابة الاخيرة للرغبات الإيرانية في بناء علاقة أوثق مع الولايات المتحدة.