18 ديسمبر، 2024 8:52 م

قراءة في أبعاد الزيارة المترقبة لرئيس الكرسي الرسولي بابا الفاتيكان الى العراق

قراءة في أبعاد الزيارة المترقبة لرئيس الكرسي الرسولي بابا الفاتيكان الى العراق

من المقرر أن يتوجه الحبر الأعظم البابا فرنسيس قريباً الى العراق، بعد أن عجز أسلافه عن ذلك وذلك للعديد من الأسباب والظروف المعقدة التي طغت على البلاد حينها، وتاتي هذه الزيارة تلبية لدعوة من القيادة السياسية العراقية والكنيسة الكاثوليكية في العراق والذي سيحل على بلاد مابين النهرين ضيفاً في الخامس من آذار المقبل، اِن لم يطرأ اي تغييرمفاجئ في برنامج زيارته نظراً لتزايد حدة أنتشار جانحة كورونا وظروف مواتية أخرى. وكما هو معلن فأن الهدف من الزيارة هي لترسيخ مبدأ الحوار والتعايش السلمي بين جميع المكونات الدينية الأبراهيمية و الأديان الأخرى، ومن المتوقع أن يوقع قداسة البابا وثيقة مع المرجع الشيعي الأعلى سماحة السيد السيستاني في مدينة النجف، شبيهة لتلك التي وقعها مع شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب عام 1999 في دولة الأمارات المتحدة العربية والمعنونة بأسم “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش معًا”، لكن الملفت للنظر بأن وسائل الأعلام نقلت أخيراً خبراً مفاده بأن مكتب سماحة السيد السيستاني ينفي نيته في توقيع أية وثيقة مع رئيس الكرسي الرسولي.
وهناك بعض الآراء المنقولة من بعض القيادات الكنسية والسياسية في العراق تشير الى أهمية الزيارة البابوية للعراق وكيفية قدرتها على تغيير مسار الوجود المسيحي في العراق خاصة بعد ما تعرض له من ويلات ونكب في مرحلة مابعد عام 2003 و نخص منها جرائم داعش الأرهابية لعام 2014 في محافظة نينوى والمناطق المحيطة بها والتي أدت حينها الى خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات من كافة الطوائف المذهبية العراقية ونخص منهم الطائفة الأيزيدية والمسيحية، حيث تم أقتلاع مئات الألوف منهم من مناطقهم التاريخية المتمثلة في سهل نينوى وجبل سنجار.
يمكن القول بان الزيارة البابوية للعراق تندرج في اِطار السياسة الدولية للدولة الثيوقراطية المتمثلة بالفاتيكان ومن ثم لها أبعاد عديدة منها ألأقتصادية والأجتماعية ، وهي بدورها مرتبطة بالمصالح الخاصة ما بين البلدين ونخص منها دولة الفاتيكان من خلال الطائفة الكاثوليكية وممتلكاتها الكبيرة في العراق. من الجانب السياسي فأن الزيارة تضفي أهمية كبيرة الى الدولة العراقية الشبه معزولة أقليمياً ودولياً كنتيجة لأنعدام الأستقرار السياسي، الأقتصادي والأمني فيها، لذلك فأن أحد نتائج هذه الزيارة هي اِطغاء حالة الشرعية و أملاء الدعاية السياسية الى دولة منخورة بالفساد السياسي الطائفي ومن ثم اِعطاء الضوء الأخضر الى حكومة هشه تقودها وتسيرها الميليشيات الحزبية والعاجزة تماماً في أدارة الملف الأمني و الأقتصادي للبلد، وطبق المنظور القانوني تعتبر الحكومة العراقية المسؤولة عن أستشهاد المئات وجرح الآلاف من أبناء ثورة تشرين الوطنية.
أما من الجانب الأقتصادي، فأن الزيارة البابوية الى مدينة أريدو التاريخية، والتي سوف يقوم خلالها البابا فرنسيس بألقاء كلمة من على زقورة أريدو التاريخية ويتناول من خلالها بث مبادئ السلام والعيش المشترك مابين جميع الطوائف، سوف تثمر بالنتائج الأقتصادية الأيجابية وتنفتح من خلالها آفاق أقتصادية مستقبلية تلقي ظلالها الأيجابية على كلا الدولتين، وتثبت الوقائع والمعلومات بوجود مشاريع أستثمارية كبيرة من قبل الشركات العالمية ونخص منها الشركات الأيطالية من أجل تطوير المدينة وتأهيلها سياحياً، ومن هنا سوف تفتح أبواب الدعاية السياحية الى وادي الرافدين. ويمكن للحكومة المحلية في مدينة الناصرية بأن تقوم بأستغلال هذه الزيارة من خلال توظيفها جميع الأمكانيات والسبل وتوجيه أنظار العالم على مدينة القمر والسحر أريدو، وجعلها قبة ومدينة السياح يهفو عليها الحجاج من جميع أنحاء العالم بما تمثله اِحد الأسس للديانة الأبراهيمية، والجدير بالذكر بأن مدينة الناصرية الحالية تحوي على اكثر من 13000 موقع أثري، والتي تم سرقة منها اكثر من 73000 قطعة أثرية بعد الأحتلال عام 2003 وموجودة أغلبها في متاحف بنسلفانيا و لندن.
اما من الجانب الأجتماعي فيعول الكثير من أن الزيارة سوف تدر الخير والطمأنينة على أبناء شعبنا الآشوري بكافة تلاوينه الطائفية ، وتضفي زخماً قوياً في التعجيل من اجل عودة المهاجرين والمهجرين الى مناطق سكناهم وخاصة في سهل نينوى، كما ذكر أحد الكهنة الأفاضل من سهل نينوى بقوله ( من دواعي الشرف بأن البابا فرنسيس يفكر في خرافه المصابة، و أضاف بأن الزيارة ستشجع المسيحيين على البقاء في العراق). نود القول بأن كان من الواجب على الحبر الأعظم بأن يسأل عن خرافه يوم ذبحت من قبل الذئاب خلال السنين الماضية وماهي اِلا نفس شاكلة الذئاب التي يلتقي بها اليوم، ويذكر بأن أحتلال داعش الأرهابية لمدينة الموصل وضواحيها كان في بداية شهر حزيران لعام 2014 ، وحينها لم يظهر اي رد فعل من الكرسي الرسولي على هذه المذابح الفظيعة سوى بيان واحد صدر من قبل البابا فرنسيس بعد شهرين اي في شهر آب من العام نفسه، دعا فيه المجتمع الدولي لحماية المسيحيين وخرافه المذبوحة في العراق، كذلك موقفه الفاتر من العمليات الداعشية الأرهابية على أبناء شعبنا في الخابور والجزيرة السورية في شباط عام 2015.
لايمكن التعويل كثيراً على زيارة قداسة البابا فرنسيس الى العراق، بأن تقوم بشفي الجراح الذي أحدثها الأسلام السياسي و أعماله الأرهابية بحق الشعب العراقي بكافة ألوانه الطائفيه و بالأخص الطوائف المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائيين، ومن ثم بتقديرنا ليس للحبر الأعظم الكاثوليكي القدرة الكافية بتغيير ُرقع الشطرنج والدخول في اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط والمناطق الملتهبة الأخرى، و زيارته هذه لن يحذو خلالها قيد أنملة في ترسيخ الأستقرار وترسيخ مبادئ التعايش السلمي بين الطوائف المتناحرة من خلال البروتوكولات الدينية و اللقاءات الديبلوماسية الروتينية العابرة ، والتجارب والوقائع على الأرض تثبت ذلك وتبين بأن العديد من الأجتماعات المنبثقة أعلاه ماهي اِلا بروتوكولات تشريفية، لايمكن لها أن تحل المشاكل السياسية، الأقتصادية والأجتماعية الموجودة في المناطق الملتهبة سياسياً و طائفياً خاصة في الشرق الوسط ومنها العراق.