” لا أعرف إلا نوعا واحدا من الحرية .. ألا وهي حرية العقل ” / ألدوس هكسلي – كاتب أنكليزي
أستهلال :
في هذا البحث المختصر ، سأسرد قراءتي العقلانية لبعض النصوص القرأنية ، والتي صيغت نحوا وقواعدا بصيغ مختلفة ، مع تسليط الضوء على بعضها ، بعيدا عن مقولات ، الأنحياز الديني أو الأصطفاف الطائفي أو التخندق المذهبي أو التعصب الفقهي أو الأنتماء الفرقي / أشارة للفرق الأسلامية ، سأسرد قراءتي ، فقط معتمدا على أسلوب العقل وما يمليه علي من أسس وأسانيد وحجج ورؤى ، بعيدا عن ما قال هذا أو فند ذاك أو علل فلان أو فسر علان من شيوخ الدين !! .
المقدمة :
القرأن عامة يتكون من عدد من السور ( يحتوي القرآن على أربع عشرة سورةً فوق المئة ، ويبدأ القرآن بسورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس .. / نقل من موقع موضوع . كوم ) ، وهذه السور تتكون من عدد من الأيات ( أن عدد آيات القرآن هو 6236 آية .. ولكن الذي يتأمل القرآن يجد أن هناك آيات لم ترقم وهي البسملات ال 112 في مقدمات سور القرآن .. ولذلك نجد أن بعض قراء القرآن يعتبر أن البسملة آية من كل سورة . فإذا أضفنا هذه البسملات لعدد الآيات .. فسوف يكون أجمالي عدد آيات القرآن مع البسملاتً هو 6348 أية / نقل بتصرف من الموقع التالي www.kaheel7.com/ar/index.php ) ، وكل هذه النصوص عامة بنيت لغويا بعدة صيغ منها : ( 1- خطاب من الله بصيغة المتكلم ، باستخدام ضمائر المتكلم المباشرة ، 2- خطاب عن الله بصيغة الغَيْبَة ، 3- خطاب موجه من الله إلى النبي بلفظ مباشر ، كالنداء ” يا أيها ” ، 4- خطاب موجه إلى جماعات بعينها كالمؤمنين ، 5- كلام يُرْوَى على لسان أنبياء يتكلمون به ، 6 – كلام عام بأسلوب الغَيْبَة في سائر الكتاب إما أن يروي أحداثا ، كما في القصص القرآني أو يصف نفوسا وأفعالا أو يقرر حقائق أو يقرر أحكاما . أو يشير إلى معارف ومفاهيم ./ نقل بتصرف من الموقع التالي : www.abcislam.net/Arabic%20Site/61Al%20Borhan/…/Ch1.htm ).
النص : قارئ القرأن يلحظ بشكل جلي وواضح ، أن الخطاب القرأني / أن صح التعبير ، متنوع ومتغير بشكل مستمر في أسلوب توجيه الخطاب ؛ فالقرآن لا يجري على نسق واحد في أسلوب توجيه خطابه ؛ ولكنه يتبدل أسلوبه الخطابي أولا بأول تبعا للسياق ، وذلك بما يتلائم وتوجيه النص والمغزى والغاية منه . وكما أسلفت سأتكلم بشكل عام عن نهج التوجيه الخطابي للنص القرأني ، فلو أخذنا مثلا الصيغة 2 في أعلاه ( خطاب عن الله بصيغة الغَيْبَة ) ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر الأية التالية : ] هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ [ التوبة 33 ] والتي تفسيرها (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) فالهدى : هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة ، والإيمان الصحيح ، والعلم النافع . ودين الحق : هي الأعمال الصالحة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة ( ليظهره على الدين كله ) أي : على سائر الأديان ، كما ثبت في الصحيح عن الرسول ، أنه قال : إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها .وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن أبي يعقوب : سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة – أو : قبيصة بن مسعود – يقول : صلى هذا الحي من ” محارب ” الصبح ، فلما صلوا قال شاب منهم : سمعت الرسول يقول : إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها ، وإن عمالها في النار ، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة نقل من : quran.ksu.edu.sa/tafseer/…/sura9-aya33.html )) .
فأننا نلحظ أن قاصا يقص علينا أخبارا ووقائع وأحداثا ، كالتي وردت في الأية أعلاه ، بأن الله أرسل الرسول محمد بدين الحق .. ، هنا ليس المتكلم هو الله بل أحدهم ينقل ما قام به أو ما فعله الله بأرسال الرسول ، رغم كره المشركون ، أي أن الله لم يلتفت الى ممانعة وحقد وكره المشركين !! فعمد أخيرا الى أرسال الرسول رغم صد المعارضين / أي المشركين ، فمن هذا الراوي المستفيد من خبر النص القرأني ، ألا الرسول محمد ! .
القراءة :
أولا – المفهوم العقائدي للأسلام أن القرأن كلام الله ، وأنه ليس كلاما بشريا ، وفق ما جاء في سورة النساء 82 ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ، وفي موقع الأسلام سؤال وجواب / نقل بتصرف يبين أن
( أن البشر مهما كانوا من العلم والفهم فلابد أن يقع منهم الخطأ والسهو ، والنقص ، فلو كان القرآن ليس كلام الله لحصل فيه أنواع من الاختلاف والنقص ، ولكنه سالم من أي نقص أو خطأ أو تعارض ، بل كله حكمة ورحمة وعدل ، ومن ظن فيه تعارضا فإنما أتي من عقله المريض ، وفهمه الخاطئ ، ولو رجع إلى أهل العلم لبينوا له الصواب ، وكشفوا عنه الإشكال ) ، من جانب أخر لو كان القرأن كلام الله حقا !! لم جاء خطابه النصي بعدة صيغ / أكثر من 6 صيغ كما جاء في المقدمة ! ، من الحتمي أن الكلام يدل على ناطقه وأن كل فعل أو حديث يدل على قائله ، وهذا مفتقد في خطاب النص القرأني ! .
ثانيا – أن الكثير من النصوص يكون المتكلم بها الرسول نفسه ، وهذا ما جاء في تساؤل أحدهم في موقع المجلس اليمني ( كيف يمكن اعتبار القرآن قد أوحى إلى محمد ، وفي نفس الوقت نجد أن محمدا هو المتكلم في آيات عديدة كما في سورة 1 الآية 5،7 – وفي سورة 2،105 الآية 117،163 وكما في سورة 3 الآية 2، وفي سورة رقم 40 الآية 65، والسورة رقم 43 الآية 88،89 ؟؟ ) ، وهذه أشكالية أخرى ، أن القرأن بهذا الصدد يبين حالة معينة ، وهي التكلم بالأنابة عن الله ، فمثلا ، في الأية 26 من سورة البقرة يبين القرأن ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) ، والأية 116 من سورة المائدة تذكر خبرا عن المسيح ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) ، هنا من الواضح ان شخصا له صلاحية وتخويل وتفويض للكلام والقول عن الله ، ولا أرى من فرد يحمل هذه الصفات غير الرسول محمد ، أي أرى أن الرسول يقول ما يجول في خاطره وما في هواه من أمثال ووقائع وأخبار وأحداث ويسردها في القرأن كنصوص .
ثالثا – بعض المصادر تقول عن ان بعض الأيات كتبها بعض الصحابة ، ولكن بنفس الوقت أن الأمر يشكك به شيوخ الأسلام بنفس الموقع ! ، وهذا ما جاء به موقع بيان الأسلام (( معنى قوله تعالى ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ .) / أل عمران 144 ، يقال أنها من قول أبو بكر الصديق و ( وأتخذوا من مقام أبراهيم مصلى ) / البقرة 125 ، من قول عمر بن الخطاب .. )) ومن الممكن أن يكون هذا واقعا ، فطالما رسولهم كتب وقال ، فرفاق الرسالة وتثبيت الدعوة أيضا لهم الحق في المشاركة ! .
رابعا – هناك أيات تبدأ بحمد الله ، منها سورة الفاتحه ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ” و ” سورة الأنعام ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ (1) ” و سور أخرى منها ” فاطر ، الكهف و سبأ ” ، وسائل يسأل ، وبعيدا عن حذلقة المفسرين ، أذا كان القرأن كلام الله فكيف الله يقول على نفسه ” الحمد لله ” ، ألا أذا كان هناك كاتب أخر للقران غير الوحي ! فمن هذا الكاتب ! .
خامسا – هناك أيات لها صيغ تخاطب مختلفة ، لا تنطوي مثلا تحت تصنيف : ” خطاب من الله بصيغة المتكلم ” ، ولا تصنف ب ” خطاب عن الله بصيغة الغَيْبَة ” ولا غير ذلك ، هذه المجموعة من الأيات تبدأ جميعها بكلمة ( قل ) منها على سبيل المثال وليس الحصر : ” قل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴿٦٤ آل عمران﴾ ” والأية التالية من سورة المؤمنون 84 ” قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ” ، .. هنا الكلمة قل ، لا تضيف معلومة الى بنى النص ، فلو حذفت من النص لبقى النص على وضعه وأعطى نفس المفهوم ، وكما يلي : ” يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ” و ” لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ” .
خاتمة :
بالرغم من أن هذا البحث المختصر لم يغطي سوى ” غيضا من فيض ” من هذا الموضوع الشائك ، المعبأ في التاريخ اللغوي للنص القرأني ، والذي كتب عنه الكثير ، وتناوله جمع كبير من الكتاب ، ولكن هذه الأضاءات المتواضعة ، قد تلقي بعضا من علامات الأستفهام على البنى اللغوية للنص القرأني ، وبالتحديد صيغة التخاطب ، وبنفس الوقت ” قد ” ترفع بعضا من مؤشرات الغموض ! ، .. خلاصة أرى / رجوعا للتفكير العقلاني والفهم المنطقي للنص ، أن القرأن كتاب به أكثر من محدث وقائل ومتكلم ، وكل وضع طابعه وطريقته وصيغته اللغوية في بنية النص .. والله أعلم – كما يقولون .