23 ديسمبر، 2024 6:28 ص

قراءة سيكولوجية في قصيدة عريان السيد خلف

قراءة سيكولوجية في قصيدة عريان السيد خلف

من وسائل تحويل الايمان وزعزعته: الأفكار التجويعية، الإرهاق، اضطراب النوم، التعرض للبرد والحر بدون وقاية، استبعاد كل أنواع الراحات السريرية، الفقر، التهديدات والمرض النفسي أشدهما. الفرد المعرض للتأثيرات الخارجية يستطيع أحيانا أن يسرق الراحات إذا عرف كيف ومتى. الهموم والقنوط لوحدها تفقد الإنسان من كله الجسمي والنفسي والاجتماعي.
طردها والإقلاع عن الوساوس واستبعاد الاحتمالات المفجعة تحفظ له تلك المقومات الشخصية. لذا تجنب الحدة، الغضب الفارغ تمنع نفاذ إيحاء الآخر، بسبب تصلب القوى الذهنية والإرادة. فالانفعال لوحده تجاه المسكوت عنه يرهق الجسم الذي يحمل النفس و محتوياتها.انجح طريقة لمقاومة الانهيارات والمطاوعات هي تجنب الانفعال أو الانغماس في الاحتفالات والطقوس العنيفة. فالغضب من مراسيم القبيلة أو استنكار موعظة دينية يلقيها واعظ لا ترغب به أو التقزز من شيء..كلها مقاومات انفعالية خطرة على الفرد ذاته. على نقيض ذلك فان التصلب، البرود، التعالي، الشعور بالانفصام أو البعد العقلي عما يجري حولك،هي الوسائل الكفيلة بتفادي الاستسلام، ان لا تشهر إفلاسك ولا تنزل الميدان بكل قواك .
هناك حلبة صراع سيكولوجي: جسمي ـ رياضي ـ فكري. الثور يتعرض الى إثارة وهجوم المصارع الميتادور.عليه أن يسيطر على شخصية الثور بأن يغيضه، يهيجه، يفقده صوابه، ويسحره بالقماش الأحمر. ثم يرهقه، يذله، يؤلمه، وينكس رأسه. بعدها يغمد السيف الدقيق بين كتفيه وسط هتاف الجماهير المنتشية. هذا النوع من الثيران المطيعة مثالية ترضي الجميع: المصارع، الجمهور، الثيران.
عالم مصارعة الثيران لا يخلو من ثيران غريبة التراكيب عرفها المصارعون منذ مئات السنين،هي المشاكسة،العنيدة. تحتفظ بشخصيتها وهدوئها: لا تعير اللون الأحمر إلتفاتا،لا تكترث الى تحدي وإثارة المصارع،لا تنزلق الى مصيدة. هذا النوع من الثيران هو مصدر الرعب والارتجاف للمصارع وموضع الاستنكار من قبل المشاهدين. مكمن الخطر في أية لحظة من لحظات النزال،غالبا يقتل المصارع أو يكسر فيه عدة عظام أو يتسبب في إخراجه الحكم من الحلبة.
في قصيدة الشاعر العراقي الراحل عريان السيد خلف، هم يحمل أزمة الإنسان في مجتمعه، حين يرسم شخصية ما من صناعة الشاعر يبني على أنقاضها قصيدته في حال انهيارها أكثر من مرة، يصارع اليأس على أمل أن يستقيم البناء.
عريان في قصيدة(ردي .. ردي):ردي/ أيقن ثم أيقن..
ردي.. ردي.. يا ظعن
ردي.. ينباع العشگ
ردي.. مليت الصبر
ردي..ردي.. مالي حيل امعاتبچ
ردي.. وآنه مو طبعي العتب
(هذا حدي.. بس اترس ..وأبدي)
حيث تقع شخصية القصيدة في حالة من الاستلاب الكلي مع تغليف مكوناتها من الداخل في صراعها ربما مع الموروث التي تعتبر القادمات المبهمات قلقا.
تكررت (ردي) من واحد الى تسعة، بشكل مقصود. كل مرة تحمل انشطارا عن الأخرى يجمع بينهما تردد على شكل هذيان المحموم. (ردي) بمثابة (الردة) لم تستفرغ الكل في اللاشيء. لم يبدأ من الصفر ولم ينتهي الى الصفر وإنما تركت للآخر أن يضيف الصفر بعد المرة التاسعة الى الواحد في (ردي) الأولى ليتشكل منها (ردي) العاشرة. هكذا عودة متوالية،حتى يخيل هناك مناديا يعلن للقدوم أو العودة، تبني أو إزاحة فكرة ما، بشروط لا يوجد فيها للصلح مجالا.
لعل من الطرافة انتخاب مثال من عالم الحيوان لقياس شخصية في القصيدة. لعلنا نلحظ تخطيط بيكاسو، مصارعة الثيران مثلت مقاومة اغتصاب الأمة الأسبانية . مابين مشهد ميتا دور هائل له رأـس ثور البيسون وبين الثور المجنح الرافد يني، هناك ثور القصيدة. جسد النص، من الناحية الحركية، متورط بوصفه تأجيلا مستمرا خارج الزمان ويتوعد بالردة . الشاعر السيد خلف موجود بوجود الثور و الميتادور غير عريان من الثياب الحمراء مرموزة الوعي و لابد له من شيزوفرينيا نص غير متوقع من (ردي..ردي).