بسمه تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، وفي الحديث النبوي:( كما تكونوا يولى عليكم).
المجتمع الذي يكون معظم أفراده فاسدين ومنحرفين، وتسود فيه الرذيلة والفاحشة، بالتأكيد لا ينتج عنه إلاّ برلمان سيئ يغلّب مصلحته الشخصية على المصلحة العامة، وبالتالي لا يقدم لك الاّ حكومة فاسدة تحكم الشعب، والعكس صحيح فالمجتمع الصالح تكون ثماره صالحة.
المرجعية الدينية العليا، بعد ان توقفت عن خطبتها السياسية، بسبب عدم الإستماع إليها، والأخذ بإرشاداتها وتوجيهاتها السياسية، من قبل رؤوس السلطة، لجأت الى الخطب الإجتماعية لإصلاح المجتمع، بتوجيه ووعظه وإرشاده، ومعالجة الظواهر السلبية الموجوده في داخله، والتحذير منها، فإصلاح المجتمعات البشرية، وهداية الناس، من أولى مهام الأنبياء والرسل، ولا شك عندي ان المرجعية الدينية الرشيدة العادلة، هي أمتداد لتلك الرسالات السماوية، في زمن الغيبة الكبرى.
خطبة المرجعية الدينية في الجمعة التي مضت، يوم 7/4/2017، التي ألقاها ممثل المرجعية في كربلاء، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، هذه الخطبة ركزّت على قضية اجتماعية مهمة وخطيرة، وهي( العشائر)، بإعتبار ان العشيرة تشكل منظومة مجتمعية اساسية، لها أعرافها وتقاليدها وأحكامها، وتمارس دور مهم في الحياة الاجتماعية.
اشاد ممثل المرجعية، بالدور الإيجابي للعشيرة عبر التاريخ في العراق، كحماية الوطن والمقدسات، وحل النزاعات والخصومات التي تقع بين افراد المجتمع، كما اشاد بصفات الكرم والجود والسخاء والنبل والشجاعة، الموجودة بالعشيرة، فتوارثها الابناء عن الآباء.
لكنّه انتقد بعض الظواهر السلبية في العشيرة، والتي تنتج عنها مخاطر غير محمودة العواقب، تضر بأفراد المجتمع الواحد، فحذّر منها وأعطى لها الحلول والعلاج.
من هذه المخاطر: مخالفة العشيرة في بعض أحكامها وأعرافها، للقواعد الشرعية، والضوابط القانونية التي أقرّت من اجل المصلحة العامة، وهذه المخالفة تهدد التعايش السلمي بين افراد المجتمع، فتقع بينهم الخصومات والنزاعات، فأن وقعت يجب حلها بالحكمة والحوار والتصالح.
من المخاطر أيضاً، وقوع الظلم والحيف على بعض الأفراد، فيؤدي بالنتيجة الى التقاطع والهجران بين أفراد المجتمع، بدل التواصل والتوادد والتماسك بينهم.
وردت كثير من النصوص الدينية عن أهل البيت عليهم السلام، تدعوا الى المحبة بين الناس، وترك القطيعة والتباغض، منها ماورد عن الصادق عليه السلام:(هل الدّين إلاّ الحب)، فالدين يدعوا لمحبة الناس والكون.
وعن الإمام علي عليه السلام:( عليكم بالتواصل والموافقة وإيّاكم والمقاطعة والمهاجرة).
أوصى ممثل المرجعية- وهذه الوصية للجميع- بثلاث مبادئ اساسية، لمن يريد ان يكون مصلحاً، أو يمارس الإصلاح في المجتمع.
المبدأ الأول: عدم تجاوز الحدود الشرعية وثوابت الاحكام الإسلامية، فالدّين ليس عبادات فقط، وإنما معه معاملات، واحكام المعاملات أكثر من العبادات،وكما في الحديث( الدّين معاملة)، حتى تعلم ان ديننا الإسلامي الحنيف، ليس دين مساجد فقط، كما يروّج له الأعداء، وانما احكامه متغلغلة بعمق في كافة مجالات الحياة.
المبدأ الثاني: رعاية الضوابط القانونية التي أقرت لغرض المصلحة العامة، وضرب هذه الضوابط ومخالفتها، مدعاة لإشاعة الفوضى في البلد وعدم احترام القانون.
المبدأ الثالث: التسامح والعفو، والتغاضي عن الإساءة، والإبتعاد عن العصبية القبلية والإهواء الشخصية، وورد في الحديث النبّوي:( أفضلكم .. أحسنكم أخلاقاً، المُوطئون أكنافاً، الّذين يألفونَ ويؤلفونَ، وتوطأ رحالهم).
من خلال هذه الخطبة الإجتماعية في العشيرة، وهذه المبادئ الثلاثة التي طرحت وتشمل الجميع، تشير بها المرجعية أيضاً-وهذا فهمي الشخصي- من وجه آخر، أو طرف خفي، الى الأحزاب والكتل السياسية كافة، حيث ان هذه الأحزاب في الواقع، تشبه الى حد كبير العشائر، فالاحزاب والكتل السياسية، لهم اتباع ومريدون ينضون تحتهم، وبذلك تمثل شرائح واسعة من المجتمع العراقي، والأعم الأغلب منها اصبح لديها فصائل مسلحة، كالشيعة والسنّة والأكراد والتركمان وربما حتى الأزيديين والشبك والمسيحيين لديهم فصائل، وهذه مشكلة خطيرة واقعاً.
كل ما جاء في خطبة المرجعية الدينية العليا، حول العشيرة، فأولى الناس للعمل بها وتطبيقها هي الاحزاب والكتل السياسية، فأن وقوع الخلافات والخصومات والنزعات بينهم، ومخالفتهم للقواعد الشرعية، والضوابط القانونية، أشد خطراً على المجتمع والدولة معاً من العشائر، وخاصة أغلبهم يمتلك قوة عسكرية.
كلمة أخيرة أقولها: الإصلاح يبدأ من الفرد، ثم الأسرة، فالمجتمع، فيجب علينا ان نراجع أنفسنا أولاً، ونتوب الى بارءنا، ونلتزم بالتعاليم والتكاليف الشرعية، عسى الله ان يرحمنا ويرزقنا حكومة صالحة، ومسؤولين صالحين، يقوموا بتغيير أوضاعنا الى الأحسن.