تقرر تنظيم زيارة مهمة رسمية لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الى الصين لمدة إسبوع برفقة وفد متنوع وضخم يضم عدد كبير من المسؤولين العراقيين من وزراء ومحافظين ومستشارين وإعلاميين وغيرهم بلغ عددهم بحدود ٥٦ فرداً حسب ما أعلنته بعض المصادر الإعلامية. وقد إستغرب الكثيرون من حجم هذا الوفد نوعاً وعدداًبحيث لم يستطع أحد من معرفة السبب أو الأسباب الحقيقية من وراء هذه الزيارة وتوقيتها وعدد الوفد المرافق والمبالغ فيه. وعليه لم يكتشف العراقيون حقيقة الأمر مما إضطرهم الى إسلوب الفكاهة والتهكم من هذه الزيارة حتى بعض وسائل الإعلام التي عبّرَت عن الخبر بعنوان : عبد المهدي في رحلة “حج” الى الصين.
في الحقيقة إن إتخاذ القرار لزيارة الصين في المرحلة الحالية والتحضير لها منذ بضعة شهور وتضخيم عدد أعضاء الوفد بهذا الحجم لم تكن أساساً ضمن تطلعات الحكومات العراقية سابقاً ولا ضمن البرنامج الحكومي لحكومة عادل عبد المهدي الآن . إن هذا التوجه جاء فجأةً ضمن ظروف المرحلة الحالية للأسباب الرئيسية التالية :
أولاً: منذ إشتداد الصراع وحدة المواجهة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية في إيران أصبح العراق بسبب قياداته الرئيسية “قليلي الخبرة والإدراك” جزء من هذا الصراع بالشكل الذي توّجٓبٓ عليه تحديد موقفه الواضح من الصراع حيث إنه خاضع لدرجة كبيرة للسياسة الإيرانية بسبب الإرتباط المذهبي والعقائدي من ناحية وخاضع أيضاً للإدارة الأمريكية نتيجة الإتفاقات والتفاهمات المعلنة وغير المعلنة بينهما ، والتي عليها الكثير من الضبابية ، بالإضافة الى القرارات الأممية من ناحية أخرى. وبالنظر لعدم منطقية إتباع سياسة “مسك العصا من الوسط” في مثل هذه الظروف كان على العراق أن يحدد موقفه بوضوح وكان موقفه الفعلي والضمني هو إختيار وتفضيل مسك طرف العصى الذي يمثل الجانب الإيراني ، وكانت الإدارة الأمريكية مدركة تماماً لهذا التوجه. ونتيجة لذلك ولغرض تقليل تأثير الإدارة الأمريكية على السياسة العراقية ومواقفها المؤيدة لإيران كان لابد للعراق أن يحتمي ولو جزئياً ببعض القوى الفاعلة في العالم ممن لهم مواقف معادية للولايات المتحدة الأمريكية. وحيث إن هناك أربعة محاور للقوى مؤثرة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا والصين وروسيا فقد تمخضت العقلية السياسية العراقية عن ستراتيجية إحتواء التأثير الأمريكي من خلال الإنتماء بأحضان إحدى القوى العالمية أعلاه. ومنطقياً لابد من إختيار القوى التي تناهض وتعادي السياسات الأمريكية وهما الصين أولاً وروسيا ثانياً . ولذلك بدأ العراق بالتقارب من روسيا ستراتيجياً من النواحي الأمنية والعسكرية وبداية التقارب الاستراتيجي من الصين من النواحي الإقتصادية والخدمية.
ثانياً: نتيجة لخضوع العراق للسياسة الإيرانية ولكون العقوبات الأمريكية الواسعة على إيران بدأت تأثيراتها على الإقتصاد والمجتمع الإيراني بشكل واضح قام العراق ، وبتوجيه من القيادة الإيرانية ، بأخذ دوره الجاد في مواجهة وتخفيف آثار العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. وهنا جاء موقف العراق لتنفيذ هذا التوجيه وذلك من خلال عقد إتفاقيات إقتصادية وتجارية كبيرة مع الصين ليتم بموجبها توريد العراق بكل السلع والأجهزة والأدوات والمواد والخبرات وفي جميع القطاعات التي تحتاجها إيران ومن ثم يتم إعادة تصديرها أو تهريبها الى إيران وهي أفضل وأسلم طريقة لمواجهة العقوبات على إيران. وهذا ما يفسر ضخامة وتنوع الوفد العراقي الى الصين . وبذلك تفشل الإدارة الأمريكية في فرضها سياسة العقوبات على إيران وهو هدف إيران الأساسي.
ثالثاً: هناك سبب آخر مكمل لهذه الزيارة بهذا التوقيت وبهذا الحجم ، وقد يكون مضحكاً ولكنه حقيقة ، وهو يتعلق بالجانب النفسي والأخلاقي والسلوكي. فمما لا شك فيه إن رفض الإدارة الأمريكية لإستقبال ولقاء رئيس الوزراء العراقي برئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترامب لعدة مرات ولأسباب معروفة سبّبٓ إحراج كبير لرئيس الوزراء وحكومته. وبسبب العقلية العربية والعشائرية فإن هذا مثل هذا التصرف عليه ” حٓشٓم ” ولا بد من مواجهة هذه الإهانة “بكسر “خشم” ترامب والذهاب الى الصين والتي هي العدو التجاري لأمريكا نكايةً بها.
خلاصة القول إن زيارة رئيس الوزراء العراقي للصين مع أكبر عدد من أعضاء الوفد ” والذي حقق أضخم عدد وفدي حسب موسوعة كينيز ” جاءت لثلاث أسباب رئيسية وهي : تحدي التواجد الأمريكي في العراق نتيجة توجيهات القيادة الإيرانية ، تخفيف آثار العقوبات الأمريكية على إيران على حساب الإقتصاد العراقي ، ورد الإعتبار الشخصي لرئيس وزراء العراق الذي رُفِض إستقباله من قبل الإدارة الأمريكية لعدة مرات.