مع أستطراد لحوادث التدافع في مشعر منى
المقدمة :
في يوم 24 سيبتيمبر 2015 طالعتنا الأخبار من المملكة العربية السعودية وأثناء شعائر الحج ، سقط عددا من القتلى ، وذلك نقلا عن CNN ( .. وبدأ الإعلان عن الحادث في مشعر منى عند الظهر بتوقيت السعودية ، عبر الإشارة من قبل الدفاع المدني السعودي إلى ” تدافع وازدحام حجاج بشارع 204 بمنى ” قبل أن يعود الدفاع المدني ليعلن إقامة منطقتين للفرز الطبي .. وتسجيل 717 قتيلا وأكثر من 800 مصاب .. ) ، ( ثم أرتفع العدد الى 769 قتيلا و934 مصابا حسب تصريح يوم 26 سيبتيمبر 2015 لنفس الوكالة الاخبارية ) ، هذه ثاني كارثة وقعت في السعودية ، خلال أقل من أسبوعين ، حيث أشارت الأخبار بسقوط رافعة قبل أيام في الحرم المكي ( وقعت حادثة سقوط آلة رافعة في الحرم المكي الساعة 5:10 مساءَ يوم الجمعة 11 سبتمبر 2015 في مشروع توسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة غرب المملكة العربية السعودية. خلفت هذه الحادثة أكثر من 108 قتيلًا وحوالي 238 جريحًا حسب ما أعلن عنه الدفاع المدني السعودي .. ) / نقلا عن الويكيبيديا . من المؤكد أن من أسباب ذلك هو عدد الحجيج الهائل ، الذين يقصدون مكة .. لأداء هذه الفريضة بكامل طقوسها وشعائرها بنفس الساعة والوقت وبعدد محدد من أيام السنة ، مع غياب أي تنظيم يراعي هذه الجمع المتزايد من البشر سنويا !
النص :
أولا – أن للحج طقوس خاصة وشعائر معتمدة لا يمكن تجاوزها ويجب بنفس الوقت أتباعها بتفاصيلها وحسب ماجاء به الأولين والأسلاف ، ولكن للغائب ذهنيا عن الواقع العقائدي والتعبدي الأسلامي تأريخيا ، أن الإسلام قد استمد الكثير من شعائره من أصول جاهلية وثنية ، فقد قالت دائرة المعارف البريطانية ج 1 ص 1047: يرى الباحثون أن الديانة العربية الوثنية هي أصل الديانة الإسلامية ، ويقول الشيخ خليل عبد الكريم في ( كتاب : الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية ص 8ـ12 ) : “ إن العرب ـ في الجاهلية ـ هم مصدر الكثير من الأحكام والقواعد والأنظمة والأعراف والتقاليد التي جاء بها الإسلام أو شرعها حتى يمكننا أن نؤكد ، ونحن على ثقة شديدة بأن الإسلام ورث من العرب ـ الجاهليين ـ الشيئ الوفير بل البالغ الوفرة في كافة المناحي : التعبدية والاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية ، والحقوقية” ، ويضيف الشيخ خليل عبد الكريم في كتابه المذكور في أعلاه ، الكثير من هذه الشعائر التعبدية مثل :
1ـ تعظيم الكعبة : (ص 15) 2ـ فريضة الحج والعمرة والمناسك : (ص 16) 3ـ شهر رمضان : (ص 18) 4 ـ تحريم الأشهر الحرم : (18) 5 ـ تعظيم ابراهيم واسماعيل (19) 6 ـ الإجتماع العام يوم الجمعة : (21)
ثانيا – يجب على المسلمين أن يطلعوا أكثر على التأريخ ، وأن يعرفوا أنه كان هناك أكثر من كعبة قبل الأسلام ، ويقول الشيخ خليل عبد الكريم في كتابه أنفا ص 15 ، : “على الرغم من و جود إحدى وعشرين كعبة قبل الإسلام ، في جزيرة العرب ، فإن القبائل العربية قاطبة أجمعت على تقديس [كعبة مكة] وحرصت أشد الحرص على الحج إليها .. وجاء الإسلام فأبقى على تقديس الكعبة ومكة وأطلق عليهما القرآن العديد من ألقاب التشريف المعروفة “
ثالثا – وكانت مكة مركزا ومجمعا للأصنام ، حيث جاء في ( الموسوعة العربية الميسرة ص 1465 ) “ كانت الكعبة معبد قريش الأكبر .. وكانت مقر أصنامه “ ، كما جاء في ( وثيقة الكشوف الأثرية بالجزيرة العربية على الانترنيت ) : “ كان بالكعبة 360 صنما يعبدها العرب ، وكان [الله القمر] هو أكبر هذه الأصنام “ .
رابعا – هناك شبه تطابق في تأدية شعائر الحج الحالية / الأسلامية ، مع شعائر الحج الجاهلي ، حيث يشير الشيخ خليل عبد الكريم في كتابه المشار أليه في أعلاه ( ص 16) : كان العرب في الجاهلية يقومون بذات المناسك التي يقوم بها المسلمون حتى يومنا هذا وهي :
1ـ التلبية [لَبيك اللهم لبيك ] . 2 ـ الإحرام وارتداء ملابس الإحرام . 3 ـ وسَوْقُ الهَدْى . 4 ـ والوقوف بعرفات .
5ـ والدفع إلى مزدلِفة . 6 ـ والتوجه إلى مِنًى : لرمي الجمرات ، ونحر الهدْى . 7ـ والطواف حول الكعبة [أيضا] سبعة أشواط [لم تزد أو تنقص في الإسلام . 8 ـ وتقبيل الحجر الأسود [تعظيما له] . 9 ـ والسعي بين الصفا والمروة. 10 ـ وكانوا أيضا يسمون اليوم الثامن من ذي الحجة [يوم الترويَة] . 12 ـ وتبدأ من العاشر أيام مِنًى ورمي الجمار ، وكانوا أيضا يسمونها [أيام التشريق] ، (التشريق هو التجفيف أي تجفيف اللحم بنشره في الشمس بعد يوم النحر .
القراءة :
سأركز في هذه القراءة على موضوعة ” الكعبة والحج ” ، مسلطا الضوء وبشكل غير مباشر ، في السرد ، على ماحدث من ضحايا نتيجة التدافع الذي حدث خلال مشعر منى / المشار أليه في المقدمة أعلاه :
1. لماذا مكة قريش وليس غيرها ، بالرغم من وجود أكثر من مكة ، ولم الرسول محمد قدس هذه الكعبة بالتخصيص ، ( .. علما أن هَذِهِ المَدينة التي تقع بها مكة هي عِبارة عَن قَرية صَغيرة تَقَع فِي وادِ جاف وَيُحيطُ بِها الجِبال مِن كُلّ ناحِية .. ) / نقل من موقع أقرأ . من المؤكد أن أستقرار قريش في هذه البقعة كان سببا ودافعا رئيسيا لأختيارها ، حيث يؤكد نفس المصدر السابق على أنه ( .. بَعدَ أن أصبَحَت مَدينة فِيها ماءٌ وَمَكَانٌ مُقدّس قَبيليا توافد أليها خِزاعَة ثُمّ قَبيلَةِ كِنانَة وَمِن ثُمّ قَبيلةِ قُريش وَتَوَلّ أمرُ قيادَةِ قُريش ” قُصي بِن كِلاب’ ” جِدّ النّبي محمّد الرابِع الذي قامَ بِبِناءِ دَارِ النّدوةِ لاجتماعِ رِجالِ قُريش .. ) ، وبنفس الوقت لتصبح مركزا يأمه العالم للحج سنويا ، وما يتبع ذلك من فوائد على صعيد الأقتصاد والمال و التجارة ، كما أن وجود قريش في هذه المدينة ، أيضا سببا أخر للأختيار من أجل السمعة والمكانة عربيا ولزيادة هيبة قريش بين القبائل .
2. رجال الأسلام ، الشيوخ ، الدعاة .. والفتاوى : كل هؤلاء الجمع من الأقدمين ، بدأ من شيخ الأسلام بن تيمية / ومن كان قبله ، الذي لديه فتاوى توزعت على 37 مجلدا – نقل عن المكتبة الوقفية . الى الشيوخ المعاصرين المتوفين أو الحاليين كالقرضاوي والعريفي والعودة وبن باز والفوزان والجبرين واللحيدان والعباد والمطيري والعباد والغامدي والبراك والراجحي و الحويني والعزازي وأحمد الطيب .. وغيرهم المئات والذين لديهم الألاف من الفتاوى ، والكثير من هذه الفتاوى أكثر من مخجل ك ( ما هو حكم الشرع في أتيان المرأة من الدبر و جهاد النكاح ونكاح الوداع و أرضاع الكبير وشرب بول البعير والتبرك ببول وأثار النبي وأتيان المرأة وقت الحيض ومص الذكر ولحس الفرج واللمم والسبايا وملك اليمين وحور العين .. ألخ ) ، ألم يجتهد أحد من المذكورين أو غيرهم بفتوى يفيد بها المسلمين و ينظم بها مناسك وشعائر الحج ! فمن المؤكد أن أي تنظيم عملي وعلمي كان سيقلل من نسبة الضحايا التي حدثت ، والمشار أليها في أعلاه . 3. أما آن الأوان لتغيير شعائر ومناسك الحج وتوقيتاتها / دون الدخول في التفاصيل .. ، رحمة بالمسلمين ، فالمسلمين يحجون من أصقاع الدنيا للكعبة ، وفق قوله تعالى ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) 27 الحج ، وقوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) آل عمران:97 ، أليس من مغيث لهذا الجمع الضخم من الحجيج ، لكي ينظم وينسق الشعائر بشكل أمن لهم .. ولكننا نرى من جانب أخر أن بعضا من العلماء يذهبون في واد أخر خارج سياق العقل وبعيدا عن نفع وأمن الحجيج ، فالدكتو محمد راتب النابلسي بتاريخ : 1993-10-01 وضح ، وبدل أن يجتهد في ترتيب أمور الحج نراه يقول في تفسيره لأية الحج : (( أي من كل فج بعيد ، هذا هو المعنى ، والسؤال لِمَ قال الله جل جلاله ( من كل فجٍّ عميق ) ولم يقل من كل فج بعيد ؟. إن كلمة عميق تشير إلى خاصة في الأرض لم تكن معروفة يوم نزول القرآن ما الخاصة وما نوع الإعجاز ؟. أيها الإخوة الأكارم تأملوا في كلمة ( من كل فج عميق ) لِمَ لمْ يقل ربنا جل جلاله من كل فج بعيد ، فإن لم تهتدوا إلى الإجابة الصحيحة فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) .. الدكتور النابلسي لا يزال يدور في حلقة دائرة الأعجاز القرأني ! ، التي ينادي بها البعض كالدكتور زغلول النجار ، تارك الأهم والأنفع لخير للأمة ، كالافتاء في سلامة الحجيج ورجوعهم غانمين سالمين لأقطارهم وليس رجوع أجسادهم بتوابيت متوفين هالكين ! كما حدث وبما أشرت أليه في المقدمة .
4. عمربن الخطاب ونهيه عن متعة الحج ومتعة النساء ، كان لعمر السبق والجرأة وتحمل المسؤولية لأبطال الكثير من النصوص منها ” سهم المؤلفة قلوبهم وحد السرقة في عام الرمادة لما كان هناك من قحط وجوع ” ، كما أن عمر أبطل متعتان ، وهما ” متعة الحج ومتعة النساء ” ، وبالنسبة لمتعة الحج ، حسب قوله تعالى ” فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاث أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ” البقرة 196 … حيث كان الحجاج يمارس مواقعة النساء أثناء تأدية شعائر الحج (( .. من الأشياء التي كانت تمارس في موسم الحج قبل الإسلام ما سمي بـ” متعة الحج ” التي أشار غالبية المؤرخين وفقهاء الإسلام إلى أنها نوع من الزواج يتم أثناء أداء شعيرة الحج . وقد ربطه هؤلاء بالغريزة الجنسية والحاجة لإشباعها . إلا أن هذا الرأي تنتابه بعض نقاط الضعف لأنَّ إشباع الغريزة الجنسية هو شأن فردي لا حاجة لأنْ يحدد بممارسة جماعية وفي موسم ديني مثل الحج ، إلا أن يكون مرتبطًا بأحد طقوسه . وقد اختلف المسلمون بشأن هذه الشعيرة من قائل إنها شعيرة إسلامية أو مقرة من قبل الإسلام إلى قائل إنها شعيرة وثنية ، إلا أن الإسلام لم يشأ معارضتها لأسباب لها علاقة بظروف الدعوة آنذاك . ويستدل أصحاب الرأي الأول على رأيهم بدلالة النص القرآني الذي يقول : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر .. ) ، كذلك يستدل أصحاب هذا الرأي بدلالة إقرارها من قبل الرسول واستمرار العمل بها في عهد الخليفة أبي بكر؛ إذ لم يقع المنع إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ؛ فقد روى عن عمر أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء .. )) / نقل من موقع معابر ، لمقال ل باسم محمد حبيب بعنوان ” متعة الحج قبل الإسلام وعلاقتها بالزواج المقدس ” . التساؤل المهم أن أولياء الأمر نهوا عن الكثير من الطقوس والشعائر والنصوص قديما كعمر ، ولكن بعضها بقى ساريا حتى خلافة أبو بكر الصديق .. والأن ألا يوجد من رجل دولة أو فقيه أو شيخ أو مفتي أو مفكر أو داعية .. أن يقول كلمة حق ، مثلا : لتكن شعائر ومناسك وطقوس الحج على 10 دفعات ، يبدأ أولها بعيد الأضحى والتسعة الأخريات بعده ، وبين الطقس والأخر مثلا 10 أيام ، وأن يحدد في كل وجبة 100 ألف حاج ، ألا يوجد من مغيث لهذه الأمة ، في هذا المنسك الصعب ، الذي تشابك أسلاميا ووثنيا في شعائره وطقوسه ، ألا يوجد من منقّذ لطقوس أصبح بعضها متأخرة حضاريا عن الزمن الحالي من ناحية المجريات وخاصة المجتمعية منها ، كما أن الحجيج أيام المسلمين الأوائل كانوا لا يتعدون عدة مئات ، بينما الأن يعدون بمئات الألاف .. أذن لا بد من حل جذري لطقوس ومناسك وشعائر الحج من أجل أنسياب أمن لسير عملية الحج ودون التضحية بالحجيج / كما حدث مؤخرا ، وبنفس الوقت دون المساس بركن الحج .
كلمة الختام :
كما تبين أن الحج الأسلامي ، بشكل أو بأخر ، هو أمتداد للحج الوثني الجاهلي ، مع أضافات بهذه الجزئية أو تلك ، لذا وجب أن يكون الحج الحداثوي ذا صبغة أو مفهوم أسلامي تام ، ولا يكون كذلك ألا بأخراجه من لبوسه الماضوي ، وهذا لا يتم ألا بثورة طقسية في الشعائر و المناسك ، وبكل ما يتعلق بها من توقيتات وتقاليد وأساليب وأعراف وصيغ .. ، مع ألغاء المظهر الوثني الجاهلي ، خلاف ذلك نكون لا زلنا ندور في فلك الحج الوثني !