23 ديسمبر، 2024 8:37 م

قراءة جديدة ومثيرة في أفكار ورؤى خطيرة عن الستراتيجية الاميركية في العراق والمنطق

قراءة جديدة ومثيرة في أفكار ورؤى خطيرة عن الستراتيجية الاميركية في العراق والمنطق

تابعت بإهتمام بالغ ما يطرحه عدد من المختصين في الشأن العراقي ومنهم الباحث  د.حيدر سعيد والمحلل السياسي إبراهيم الصميدعي  وباحثين آخرين عن رؤيتهم للسياسة الاميركية أزاء العراق والمنطقة وتطورات نشأة / داعش / وما خلقته من حالات رعب على صعيد المنطقة، اضطرت الولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوربي وحتى روسيا للتدخل، لمواجهة ما تدعيه بخطرداهم يهدد المنطقة، بالرغم من انها شاركت في صناعة هذا الخطر.

وأود في البداية أن أشير الى الرؤى التحليلية للستراتيجية الاميركية والرعب الذي أحدثته داعش في المنطقة، التي يطرحها الزميلان د.حيدر سعيد والصميدعي  في مقابلات تلفزيونية على أكثر من فضائية عربية وعراقية ، فيها جوانب كثيرة من الصحة والصواب ، لكن لدي اختلافات كثيرة في الرؤى معهما،  أود تسجيلها وفقا لما يتم طرحه من مؤشرات عملية في هذا المجال،  قد اقترب منهما ، وقد أختلف كثيرا مع رؤاهما ، وأود تسجيل المؤشرات التالية عن طبيعة تلك الستراتيجية وما جرى من تطورات لاحقة عن أحداث المنطقة ، واسباب نشاة الجماعات المسلحة والتطور المذهل الذي حققته مؤخرا وطبيعة الحملات الغربية التي إستهدفتها، وهنا أود توضيح جملة حقائق خطيرة وجديدة عن الستراتيجية الأميركية وتوجهاتها في المنطقة وفقا للمؤشرات التالية:

1.تعتمد الرؤى الستراتيجية الاميركية ازاء العراق والمنطقة جملة توجهات تختلف حسب طبيعة المراحل الزمنية..فما كان مخططا لإسلوب التعامل مع العراق والمنطقة في السبعينات والثمانينات يختلف عما جرى التعامل معه في التسعينات، وهو يختلف جذريا في إسلوب التعامل منذ بدايات عام 2001 حتى وقتنا الحاضر، وقد أشرت الى توجهات ومعالم الستراتيجية الأميركية في جملة كتابات ورؤى نشرت في مواقع كثيرة ومنها موقع كتابات وموقع النور وجريدة الدستور في 18 نيسان 2014 بعنوان : قراءة في نظريات كبار مهندسي السياسة الاميركية في  العراق ودراسات اخرى سبقتها بعنوان : الستراتيجية الاميركية في العراق ، وتابعت تطوراتها  منذ عهد وزير الخارجية الاميركي الاسبق في السبعينات هنري كيسنجر  ومستشار الامن القومي الاميركي زبغينو بريجنسكي ومادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الاميركية الاسبق ومستشارة الامن القومي في عهد الرئيس بوش وهي غوندليزا رايس اللتان عاصرتا حرب امريكا على العراق واخرون ، ولا أود التوسع الان في سرد تفاصيلها من جديد .

2. لكن التطور اللافت للنظر في قراءة هذه الستراتيجية والذي أشرت له ضمنا من خلال جملة بحوث ومقالات نشرتها في هذا الصدد ان الولايات المتحدة هي من تفرخ ( الجماعات المسلحة ) وتغذيها لاهداف مرحلية تستخدمها عند الضرورة، لكنها ما ان تنتهي مرحلتها تتركها وتتخلى عنها ، فتصبح عدوا لدودا وخصما عنيدا للسياسة الاميركية، ومنها  تنظيم القاعدة بزعامة  أسامة بن لادن الذي وجد الدعم الكامل من الامريكان في السبعينات ، وما ان حاربت بهم الولايات المتحدة السوفيت نهاية السبعينات وتم طرد الروس من افغانستان حتى تخلت عنهم ، وتحولوا الى أعداء أتعبوا الولايات المتحدة على أكثر من صعيد، وشنت ضدهم حربها المعروفة على الارهاب عام 2001 ، كما ان ايران احتضنت هي الأخرى جماعات مسلحة مناهضة للعراق وهي من تقلدت الحكم في نهاية 2003 وما بعدها وبدعم امريكي وحتى خليجي وبخاصة من الكويت انتقاما من دخول العراق الى الكويت عام 1990، وما زالت الكويت تقدم حتى الان دعمها لميليشيات حكومية عراقية نكاية بالمكون الاخر بحجة مواجهة داعش وسعيا لابقاء العراق يرزح تحت نيران الحرب الاهلية، بل ان الكويت كانت وما زالت حتى الان تدعم أي توجه لاقامة اقليم البصرة بل وراحت تدعم سرا شخصيات ومنظمات اعلامية عراقية بحجج مختلفة في اطار شراء الذمم وفيهم أساتذة كبار وشخصيات رفيعة على مستوى عال في الاعلام ومراكز البحوث واحزاب سياسية تحت أغطية مختلفة.

3. وتوجهات داعش لاتختلف كثيرا عن توجهات جماعة أسامة بن لادن، فهم منظمات دينية اسلامية نشأت بوادرها في المنطقة وغذاها الغرب ، ووجد الامريكان ان من مصلحنهم  دعم هذه الجماعات  ، على أساس انهم جماعات مسلحة يمكن استخدامهم ضد نظامي جزب البعث في سوريا والعراق وتقويض دعائم هذين النظامين القومية ، في الثمانينات والتسعينات ، لكي نعطي خلفية عن أسباب نشوء ما يسمى بـ ( دولة العراق والشام  الاسلامية ) ، اذ ان هناك نوايا في الاصل ورغبة لدى كل من نظامي الحكم في سوريا والعراق اللذان يحكمها نظام حزب واحد  ويسعيان الى إقامة دولة عربية نموذجية تكون العراق وبلاد الشام وهي سوريا ولبنان وحتى الاردن، نواة لهذه الدولة، وفشلت محاولات كثيرة لتوحيد البلدين لطمع كلا القيادتين في البلدين بأن تضم الدولة الاخرى للتوحد وفقا لرؤيتها هي، لأن جناحي البعث في سوريا والعراق كانا مختلفين كثيرا بشأن من يتزعم قياديتهما، لهذا وجد الاميركيون والاوربيون ومنهم بريطانيا وربما فرنسا ، وبدعم اسرائيلي وبعد قيام دولة دينية في ايران ومن ثم اسقاط النظام في العراق عام 2003 واقامة نظام حكم ديني في هذا البلد ، انه يمكن دعم اقامة نظام اسلامي يجمع العراق وسوريا لتخليصهما من فكر البعث ذات التوجهات القومية ، فوجدا في اقامة دولة العراق والشام الاسلامية فرصة ان يتم تقويض معالم هاتين الدولتين ذات التوجهات القومية ، وهناك رغبة لدى جمهور واسع في العراق وسوريا للسير بمخطط توحيد البلدين، وان افضل مجال لحل سلطة حزب البعث هو في اقامة ما يسمى بدولة ( الخلافة الاسلامية ) وقد وجدت ايران ان اقامة نظام ديني متقارب بين العراق وسوريا يمكن ان يخدم توجهاتها في المستقبل بان يمتد نطاق التأثير الايراني لتجمع العراق وسوريا في نظام ديني متشابه طائفيا بعد ان سيطرت تماما على مقدرات العراق ولها نظام موال لها في سوريا وبدعم من حزب الله اللبناني لاقامة وحدة عراقية سورية على شاكلة / داعش / ولكن بإطار مذهبي متناغم مع رؤى طهران، ومن الجهة الاخرى وجدت الولايات المتحدة ان دعمها لدولة العراق الاسلامية يمكن ان يقوض نظام بشار الاسد الذي لم يتم اسقاطه حتى الان بتوافق ايراني اميركي مقابل سكوت طهران عن الاحتلال  الاميركي في العراق، في بداية عام 2003 وما بعده ، ويهدف كل التحرك الايراني الى ضم العراق وسوريا الى الولاية الايرانية المسماة ( ولاية الفقيه ) واقامة نظامي حكم متقاربين في العراق وسوريا ، لكن ليس في دعم الجناح الديني المناهض لطهران ، ومع هذا سعت طهران لمد خيوط من العلاقة مع الجماعات الدينية في دمشق علها يكون في مقدورها ايجاد تنسيق ايراني سوري مشترك يتناغم وتوجهات طهران في مد تأثيرها على الجماعات الدينية في سوريا، ويبقى حلم طهران ابتلاع العراق وسوريا حلما لاتدانيه اي رغبة اخرى او حلم، يحقق لايران اقامة امبرطورية ايرانية فارسية في المنطقة تحت عباءة الاسلام.

4.لقد بنى تنظيم / داعش / كما يبدو بعد ان اراد الخروج عن الفلك الاميركي وبعد ان تخلت عنهم الولايات المتحدة بعض الشيء خلاياه في سوريا ، بهدف تدعيم مناطق نفوذهما في سوريا واقامة علاقات واسعة مع جماعات القاعدة في العراق وسوريا، مستغلة سخط المكون العربي في المحافظات المنتفضة على السياسات المتخذة ضدهم ومحاولات تهميشهم وتعريض مكونهم للظلم الصارخ ان يجدوا لهم منفذا للتغلغل في الوسط الجغرافي وفعلا حققت داعش مكاسب كبيرة رأى فيها المكون الاخر ( المكون العربي )  انه ربما للمرة الاولى وقد استعاد وعيه وكرامته، بعد فترة سنوات من محاولات تآمر عديدة وحملات إبادة تعرض لها هذا المكون وبخاصة في السنوات الأخيرة  ، ووجد في داعش الكثيرون منهم ( منقذا ) استطاع ان يعيد لهم بعض هيبتهم حتى وان تعرضوا للظلم على يد داعش، لكنهم وجدوا في المكاسب التي حققتها ومواجهتها للقوات العسكرية العراقية والميليشيات وهروبها المذل امامها فرصة ان يتنفس المكون الاخر بعض نسائم الكرامة التي استلبت منه، ووجدت في بعض الرافضن للسياسات الحكومية مجالا للانتشار وان تضع لها مواطيء قدم قوية داخل العراق.

5. اتفق مع رأي الباحث د.حيدر سعيد والمحلل السياسي ابراهيم الصميدعي ان افضل حل لازمة فك العلاقة بين داعش والمكون العربي هو في رد الاعتبار لهذا المكون والاستجابة لمطالبه المشروعة ومحاولة منح قادة متمرسين منه لقيادة البلد واعادة المئات من ضباطهم ومراتبهم وقياداتهم المدنية الى قيادة أجهزة الدولة ، وان يقود هذا المكون شخصيات عراقية من نفس مكونهم لديهم القدرة على القبول والاقناع من جميع مكونات هذا الطيف السياسي، ومع هذا تبقى مسالة استيعاب متطلبات هذا المكون من الاهمية بمكان ، إذ لديه تجارب حكم طويلة تمتد لقرون، والا سيتعرض العراق الى حروب مختلفة الاشكال والتوجهات وستكون كارثة على المنطقة برمتها، ان تم تجاهل هذه المطالب من قبل الولايات المتحدة واطراف التحالف الوطني، وما تاكيد الرئيس الامريكي أوباما على ضرورة رد الاعتبار للمكون العربي الا مدخلا أوليا وخطوة في الاتجاه الصحيح أرادت من خلالها واشنطن رد الاعتبار لهذا المكون الذي وجدت فيه فعلا انه المؤهل لقيادة البلد الى حيث معالم الاستقرار، بعد ان واجهت الولايات المتحدة انتقادات واسعة وخسائر جسيمة خلال سنوات حروبها مع جماعاتهم المسلحة دفاعا عن شرفهم وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد وانتهاك للكرامات.

6. وبرزت ملامح ظهور متغيرات أساسية في السياسة الاميركية في الاشهر الاخيرة بعد ان بادر الرئيس الاميركي وكبار القادة الاميركيين الى بلورة منحى جديد يؤكد على أحقية المكون العربي في ان يتم النظر الى مطالبه بعناية بالغة وان مكونات اخرى تعرضت لظلم كبير  وينبغي على حاكم العراق ان يتخلى عن السلطة لصالح حكومة جديدة يتم اقامتها في العراق، وهو ماحدث ويعد تطورا دراماتيكيا يحصل لاول مرة وهو متغير ايجابي لابد وان يترك تأثيرات ايجابية على مستقبل العراق، بان الولايات المتحدة وجدت في ممارسة كل صنوف هذا الظلم على المكون العربي لم يعد مقبولا وان كل ماتعرض له العراقيون هو من جراء السياسات التي اتبعها قادة العراق انفسهم.

7.لكن الولايات المتحدة مع كل هذا التقدم الايجابي الملحوظ فان الادارة الاميركية لاتريد اقامة انظمة مستقرة، بل هي تسعى للسيطرة على أوضاع  هذه الدول ومن ثم احتواء هذه الجماعات ، وهي تخدم هدف الولايات المتحدة والغرب في ابقاء دول المنطقة ترتجف من رعب داعش في العراق والحوثيون في اليمن والاخوان في مصر والجماعات الاسلامية في تونس والجزائر وما حققته من مواقع تقدم في جبهات عدة وبخاصة في العراق ، وقد هيأت داعش اجواء الرعب لاخافة كل دول المنطقة من هذا التطور الخطير الذي يتهددها جميعا، وهو ما يخدم مخططات الغرب في النتيجة حتى وان اعلنوا محاربتهم له، كما ان ايران هي المستفيدة من تفتت العرب على أمل السيطرة عليهم تحت عباءة الهيمنة الطائفية لتحقيق احلامها الامبراطورية في المنطقة، والدليل ان ايران قد قدمت دعما لاجنحة القاعدة في العراق، بهدف ارباك اوضاع هذا البلد وفقا لإهوائها ومصالحها القومية ، تحت اطار ديني، حتى قيل ان هناك قاعدة امريكية وأخرى إيرانية وثالثة من خليط رغبات دول الغرب ورغبات دول إقليمية تهدف الى تركيع العرب وتشويه صورة الاسلام ن على انه هو هذه الصورة المأساوية المرعبة التي تقدمها داعش وعناصر القاعدة في العراق وسوريا.

8. ان بقاء الميليشيات المدعومة من الحكومة وجهات حزبية تسرح وتمرح على هواها في العراق مؤشر خطير يسهم في تدهور اوضاع العراق ويشجع بوادر اذكاء الحروب الاهلية وموجات الكراهية ، ويرى المكون العربي انه ليس هناك اختلاف بين خطر داعش والميلشيات في العراق ، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، واذا لم يتم استئصال وجود الميليشيات وداعش معا، فسيبقى العراق يعيش حالات عدم استقرار بل وتندلع الحروب الاهلية بين فترة واخرى كلما رأى الغرب ان من مصلحته اثارة الجماعات المساحة ضد الاخر.

9.لقد سعت الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي الى خلق بؤر التوتر والاضطراب في عموم دول المنطقة وبخاصة في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن وخلقت ظروفا من الاقتتال والحرب الاهلية ، ما يؤكد حقيقة ان خلخلة اوضاع دول المنطقة واشاعة الحروب الاهلية بين شعوبها يبقى هدفا اساسيا للسياسة الاميركية وإسرائيل ولدول الاتحاد الاوربي وإيران على حد سواء، وان التعامل مع ازمة النازحين في العراق والجماعات المسلحة يعكس استمرار ازدواجية المعايير في السياسة الغربية.

10. ان منح المكون العربي رئاسة البرلمان وبقاء رئاسة الحكومة بيد التحالف الوطني ورئاسة الجمهورية بيد الكرد ، فيه ظلم كبير للعراقيين جميعا، وبخاصة بعد سعي التحالف الوطني منح رئاسة البرلمان الى شخصية ضعيفة ليس بمقدورها مواجهة الغول السياسي المتعدد الاطراف للتحالف الوطني المدعوم من ايران، في مقابل قيادات كردية متمرسة وتفرض املاءاتها على الطرف الاخر، في حين يبقى المكون العربي هو الأضعف في كل هذه الحلقات، وليس بمقدوره ان بقي وضعه هكذا ان يحل رجل دجاجة، ولن يتم تحقيق أية مطالب تذكر للمكون العربي.

هذه باختصار ابرز معالم الوضع العراقي والستراتيجية الاميركية والتي سلطنا الضوء على بعض معالمها وطبيعة نشأة الجماعات المسلحة ومنها داعش ، ليكون المواطن العراقي والعربي على اطلاع على  اوضاع بلده، وان كل احاديث الولايات المتحدة عن رغبة في استقرار العراق ودول المنطقة هي مجرد ذر للرماد في العيون ليس الا، ولكن مع هذا يمكن الاستفادة من كل تحول ايجابي في الموقف العربي بما يمكن العراقيون جميعا من تحقيق وحدة وطنية تشترك على الثوابت الوطنية الأولية بدلا من الذهاب الى خيار التقسيم ، بالرغم من ان واقع العراق يسير فعلا بهذا الاتجاه شئنا ام ابينا، وما زال العراقيون يرفضون هذا المبدأ حتى الرمق الاخير من حياتهم علهم يحافظون على بقية بلادهم من خطر التفتت والاحتراب والحرب الأهلية.