23 ديسمبر، 2024 11:46 ص

قراءة تحليلية في إطار الاتفاق النووي الإيراني

قراءة تحليلية في إطار الاتفاق النووي الإيراني

بداية ينبغي تجنب الذهاب بعيدا في بناء تحليلنا بالاعتماد على معطيات اتفاقية لم تر النور بعد، فما جاء في بنود الاتفاقية يعالج الجوانب الفنية العالقة للاتفاقية دون الجوانب السياسية والخلاف حولها، والتي تحتاج لوقت طويل لسبر غورها في ظل تفاقم الصراع العربي الإيراني، في وقت يلف فيه الغموض جوانب اخرى من علاقة إيران بالغرب.

وقبل الحديث فيما ورد في بنود الاتفاق، لا بد من الإشارة إلى بعض الحقائق قبل الولوج في تفاصيلها :

– يعتمد تقييم هذا الاتفاق وفقا لوجهات النظر المختلفة باختلاف الرؤى حوله، فهو يحمل من الإيجابيات ما يوازي سلبياته، لذلك سيكون من السابق لأوانه تحديد مساره المرسوم من قبل الجهات التي وضعت خطوطه العريضة، خاصة في ظل توفر أنباء عن صفقات سرية غابت عما نشر من بنود الاتفاقية.

– إن هذا الاتفاق ليس نهائيا كونه قابل للتعديل، لذلك لا يمكن اعتباره حاسما حتى حزيران القادم، أي إن الامر لم يحسم بعد، مع وجود الكثير من علامات الاستفهام والحلقات المفقودة، خاصة مع توفر هامش كبير من احتمالات فشل إيران في تطبيق بنوده، أو نجاحها في تجنبها أو تجاهلها لأعين المراقبين.

– يحاول الرئيس أوباما طمأنة العالم وحلفاءه العرب عموما والخليج على وجه الخصوص بأن هذه الصفقة تصب في صالح السلام العربي والعالمي وحصرها في خطر النووي الإيراني، في وقت تتبادل إيران التهاني (داخليا) فيما يعتبر بالانتصار الذي خرجت به إيران بعصفورين في اليد الواحدة.

– تناقلت وسائل الإعلام معلومات عن وجود صفقات أخرى مخفية، وهو ما يبعث على القلق، فالمفترض في هكذا قضايا ان تكون الصفقة شاملة، وكل شيء فيها واضحاً، وهو ما أشار له الاتفاق الذي جاء لحل إشكالية الملف النووي الإيراني بالتحديد، لكن دون الإشارة إلى الازمات الإقليمية التي تقف خلفها إيران بوضوح، فالخطر الإيراني اقليميا لا يتعلق فقط بامتلاكها للسلاح النووي فحسب، بل وتهديدها المستمر لجيرانها العرب وتخطيطها لتوسعة مساحة أهدافها على حسابهم.

وفي قراءة سريعة لما جاء في بعض بنود الاتفاق الإطاري، يمكننا ان نضع بعض الملاحظات التي

يمكن أن تحسب لصالح إيران بالرغم من كونها صيغت بطريقة ذكية لتكون مجحفة بحقها، وسنتتطرق هنا لعدة نقاط أساسية وردت في اتفاق الإطار الشامل، أهمها:

– وافقت إيران على الحد مما يقرب من ثلثي أجهزة الطرد المركزي المثبتة، حيث ستقوم بتقليل عدد اجهزة الطرد المركزي المثبتة حاليا والبالغ عددها حوالي 19.000 إلى 5.060 جهاز مخصص لتخصيب اليورانيوم بموجب الاتفاق ولمدة 10 أعوام، أي الاستغناء عن 6.104 جهاز طرد مركزي (من الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية IR-1S).

– لن يتم إيقاف تخصيب اليورانيوم بشكل نهائي كما تنص عليه قرارات مجلس الأمن، وسيسمح لإيران بالتخصيب حتى نسبة 3.67%، وهي نسبة كافية للأغراض السلميّة ولا تسمح بإنتاج قنبلة نووية، وسيتم التخصيب فقط في منشأة نطنز حصراً.

– ستقوم إيران بإزالة 1.000 جهاز طرد مركزي نوع (IR-2M) المثبتة حاليا في منشأة “نطنز” ووضعها في مخازن وكالة الطاقة الذرية لمدة عشر سنوات، والابقاء على منشأة بوردو.

– سيتم بموجب الاتفاق تمديد الفترة الزمنية اللازمة لإيران لإنتاج قنبلة نووية واحدة، وتسمى “فترة الاختراق” إلى سنة واحدة، وذلك طوال فترة الاتفاق البالغة 10 سنوات.

ربما ستبدو النقاط اعلاه مجحفة بحق إيران أو سلبية، لكن لماذا تعتبرها إيران انتصارا؟

في الحقيقة يجب ان نفهم بان إيران قد لعبت أوراقها من خلال رفع سقف مطالبها منذ بداية المفاوضات، وهذا ما فعلته امريكا ايضا، وهو سر المفاوضات المارثونية التي جاءت نهايتها بخسارة وربح الطرفين، وينبغي هنا أن نقيّم المكاسب الإيرانية بالاعتماد على معايير حقيقية ومقارنتها بما حققته المفاوضات.

هنا ينبغي الرجوع إلى قوانين وأحكام مجلس الأمن السابقة الخاصة بالقضايا ذات الصلة من أجل المقارنة مع القرارات الخاصة بإيران، وسنجد بأن هناك 6 قرارات لمجلس الامن الدولي طالبت فيها بوضوح بإيقاف تخصيب اليورانيوم بشكل تام، بينما ما هو واضح من القرارات الخاصة بإيران إن هناك هامشا لا بأس به من التصرف بالبحوث والتطوير.

بالرجوع إلى سنوات مضت، فسنجد بأن جميع الدعوات الدولية الموجهة لإيران كانت تطالبها بإنهاء البرنامج النووي الإيراني، والالتزام بقرارات مجلس الأمن السابقة بوقف البرنامج النووي تماما، وهو ما يتناقض وبنود الاتفاق الذي سمح ببعض الليونة في تنفيذ ما يفترض إنه الضمان بعدم امتلاك

إيران للسلاح النووي.

وفيما يخص اجراءات التفتيش والشفافية، سنذكر بعض علامات الاستفهام التي حامت حول آلية تطبيقها، وعدم إغفال قدرة إيران بالمناورة السياسية عندما يتعلق الأمر بما تعتبره حقا طبيعيا لها، وفيما يلي بعض تلك العلامات:

– ستقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول بشكل منتظم لجميع المنشآت النووية الإيرانية، بما في ذلك منشأة التخصيب الايرانية في “نطنز” ومنشأة للتخصيب السابقة في “فوردو”، وبما في ذلك استخدام معظم التكنولوجيات الحديثة للرصد والمراقبة المتطورة.

– سيتاح للمفتشين الوصول إلى سلسلة الموارد التي تدعم البرنامج النووي الايراني، وستراقب آليات الشفافية والتفتيش الجديدة عن كثب كل المواد والمكونات لمنع تحويلها إلى برنامج سري.

– سيتاح للمفتشين الوصول إلى مناجم اليورانيوم والمراقبة المستمرة في مطاحن اليورانيوم، حيث تنتج إيران الكعكة الصفراء، لمدة 25 عاما.

لتقييم آلية تطبيق النقاط أعلاه علينا الرجوع لتقييمات سابقة لعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في قضايا مشابهة، وستكون قضية مفتشي أسلحة الدمار الشامل فيما يخص العراق مرتكزا للإشارة إلى فشل تلك الوكالة في القيام بالواجبات المناطة بها من خلال تحولها من منظمة مهنية بحتة إلى منظمة سياسية تتبع سياسات خارجية تحكمت بقراراتها على طول خط عمليات التفتيش لتخرج بقرار ابتت الاحداث خطأ تقييمها الجسيم.

هذا في الواقع لن يكون في صالح إيران إذا ما أتبعت الوكالة ذات النهج التابع للسياسات الخارجية الغربية وبعيدا عن تنفيذ واجباتها المهنية، ما يفتح الباب لطرح المزيد من التكهنات عن نتائج التفتيش التي يمكن أن تطيح بالاتفاق بأية لحظة حتى ولو كانت إيران بريئة من دم يوسف!

لكن الخطورة لا تكمن في ذلك فقط، ففي الجانب الآخر هناك ما يمكن أن يشكل خطرا إيرانيا خفيا، فمساحة إيران الكبيرة نسبيا ستضيع على فرق التفتيش القدرة على تغطيتها بالكامل، وستكون قاصرة في أحسن الأحوال بالكشف والتنقيب عن محاولات اختراق إيرانية من خلال بناء او تطوير مفاعلها في أي مكان سري آخر، وهذا يشكل عقدة أخرى عندما نتوقع إمتلاك إيران لمنشآت سرية لا يعرفها العالم أو بديلا آخر تنفذ فيه برنامجها النووي، أو قررت خرق الاتفاق خلال مراحل تطبيق خطة الالتزام.

فيما يتعلق بالعقوبات، يذكر النص أنه في مقابل ما ذكر سيتم رفع كل العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن على إيران إذا التزمت بمضمون النص ونفذته، كما سيتم تعليق العقوبات الأمريكية والأوروبية وسيصار إلى إعادتها حال تبيّن أنّه ليس هناك من أداء مقنع.

لكن في حال خرق إيران للاتفاق فسيتم الرد عليها بإعادة فرض العقوبات، وموضوع إعادة فرض عقوبات على إيران والوارد في النص لا يمثل حلا منطقيا وذلك للأسباب التالية:

– إن رفع العقوبات من المتوقع أن يؤمن دخلاً إضافياً لإيران وفق التقديرات الاقتصادية اعتمادا على أسعار النفط الحالية بعشرات المليارات سنوياً، وقد يرتفع مستقبلا، وسيؤمن لها مدخولا معقولا بمئات المليارات من الدولارات خلال السنين القليلة القادمة، فهل يمكن لعقوبات مهما بلغت من قوة أن تؤثر خلال أشهر أو حتى أيام سلبيا على الوضع الإيراني لدرجة إرغامها على استمرار تطبيقها للاتفاقية؟

– ينبغي الإشارة هنا إلى أن نظام العقوبات المطبق حالياً أستغرق وقتا طويلا لإعداده، وإعادة تطبيقه بعد رفعه مسألة معقدة للغاية، والسؤال هنا; ماذا لو قررت إيران خرق الاتفاق خلال فترة تطبيق؟

الجواب المنطقي هو ما جاء في الخطة المطروحة، إيقاف تطبيق الاتفاقية فورا والعودة للعقوبات! وهنا تكمن المعضلة الخطيرة في كل الاتفاق، فمن يضمن وجود مهلة كافية للكشف عن تطوير إيران لسلاح نووي سري؟ فربما ستصل إيران إلى المرحلة الحاسمة بالإعلان عن قنبلتها النووية ولن يكون خرق الاتفاق مهما حينها، وسيكون متأخرا انتظار أي رد فعل من الوكالة الدولية او الغرب او أمريكا!

هناك بين السطور ما ينبغي الانتباه له في الزوايا الميتة في هذه الاتفاقية، فمجرد التوقيع عليها من قبل إيران كطرف نووي فستدخل تلقائيا ضمن الدول النووية الخاضعة لشروط وكالة الطاقة الذرية، وهو ما أشير له في ختام الاتفاقية، والذي يفتح أمام إيران فرصا كثيرة مستقبلا للدخول في ملعب كبار الدول النووية في العالم.

وخلافا لكل تلك الشكوك بشان بنود الاتفاقية، يمكن قراءة بعض بنودها كفخاخ نصبت بوضوح لإيران، وذلك في حال أقنعتنا الإدارة الأمريكية بأن الاتفاقية مجرد توأمة لقضية مفتشي أسلحة الدمار الشامل العراقية سيئة الصيت، وهذا وارد جدا إذا ما قارنا بين القضيتين من خلال

بنودها الفنية، أي عمليات المراقبة والتفتيش طويلة الأمد، والتي ستستخدم فيها وكالة الطاقة الذرية أحدث أجهزة المراقبة، وستتعرض إيران خلال فترة المراقبة إلى ضغوط شتى تدفعها للتصرف بما يؤدي إلى الإطاحة بإحدى بنود الاتفاقية.

يمكن ترجيح الاحتمال الأخير لعدة اسباب، لعل من أهمها هو الموقف العربي المتأزم من البرنامج النووي الإيراني وغموض أهدافه، وكذلك التدخلات الإيرانية الواضحة التي أثارت مواقف دول الخليج ودفعتها لإعلان موقفها من قضية اليمن، مع تعاطف أمريكي واضح يقرأ في بعض الأحيان كمحاولة لجر إيران للتوقيع على الاتفاقية.

وفي ذات الصدد، كان لموقف الجمهوريين الرافض للاتفاقية أبلغ الأثر في إحراج إدارة الرئيس أوباما، وهو ما يفتح الباب لاحتمالات التأثير على وكالة الطاقة الذرية لافتعال إخلال إيران ببنود الاتفاقية مستقبلاً.

سيكون للموقف العربي الضاغط باتجاه وقف التدخلات الإيرانية أثرا كبيرا على الامستوى الإقليمي في حال أستمراره ليشمل دولا أخرى، لتدخل امريكا على خط المساومة مع العرب كطرف أستعاد قوته في المنطقة، وهنا سيتحمل العرب مسؤولية الحفاظ على مكاسبهم مقابل إيران النووية التي ستخفف من لعبها في المنطقة خشية من استخدام ورقة الاتفاقية ضد تطلاعاتها التوسعية.