البراني.. اسم يطلق على مكتب الفقيه او المجتهد او المرجع.. وهذا متعارف عليه في النجف.. وفي ذاكرتي صور متتالية لبراني تعلقت به مراحل متتالية من حياة الكثير من العراقيين.. وهو مكتب السيد محمد الصدر (رض) الذي مرت ذكرى ولادته قبل ايام قليلة.. والبراني، يقع في زقاق ضيق، يلاقيك بعد خروجك من مرقد امير المؤمنين (عليه السلام)..من باب القبلة، على جهة اليد اليسرى..
….. بيت أم بذرة..؟
وكانت الصورة الاولى في عام 1993، حينها، دخلنا لاول مرة الى بيت متهالك البناء، لا تتجوز مساحته 80 متر مربع، عبارة عن حوش (باحة) وغرفتين الى اليسار، وشرفة في الطابق الثاني مع مكتبة.. فيه بضعة اشخاص..وسألنا عن مكان السيد الصدر، فأشاروا الى غرفة تقع في الركن الأيسر من البيت.. مساحتها حوالي 10 أمتار (مربعة).. كان سماحته يجلس في الضلع المقابل للباب، جلسة القرفصاء، شعرت به وحيدا، والى جانبه عدد من المعقلين (يلبسون عقال وكوفية) وهو لباس أهل الجنوب..
شعرت انني امام محل (صغير) او دكان (متواضع) جديد في سوق شرسة ومتضاربة الإرادات، حرص صاحبه الفقير (الصدر) على ترتيبه وعلى نظافته، متحديا الواقع بإصرار وثقة..!
….. قاعة أم ساحة..؟
الصورة الثانية.. نهاية عام 1997، صار الزقاق المؤدي الى البراني، مكتظا، بحشود المئات من الشباب، من محافظات الجنوب والوسط، يتدافعون على الباب.. وحصل توسع كبير في البناء، فقد اضيفت الى الجهة اليمنى قاعة، مساحتها لا تقل عن 50 متر مربع.. وهي مكان جلوس السيد الصدر، وعليها يتوافد المريدون، واغلبهم من الشباب، يقف في باب القاعة كلا من السيد مصطفى والسيد مؤمل، ابنا الصدر، اللذان استشهدا معه لاحقا، رضي الله عنهم.. وكانا يهتمان بتنظيم دخول الحشود المتدافعة، بشكل تدريجي الى تلك القاعة الجديدة.. حيث يجلس الداخل الى اليسار من المدخل، ثم ينتظر دوره في طرح الاسئلة على مرجعه (الصدر).. وكان سماحة الصدر يجلس الى يمين المدخل..
الملفت للنظر، ذلك التطور الكمي والنوعي في عدد المريدين والمراجعين خلال اقل من 5 سنوات، اي بين 1993 وعام 1997.. ولا يمكن التعبير عنه الا بالآية الكريمة: … وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً..
….. متحف أم شجرة..؟
اما الصورة الثالثة: وهي بعد 2003، وقد تحول البراني الى مقر ديني وسياسي فعال في الساحة، ثم ثكنة للمقاومة..ثم متحفا، رسميا، ضمن مساحة مرقد امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (ع).. وصارت زيارته، ضمن جدول اعمال الكثير من الزوار.. فضلا عن الوجود المعنوي والمادي لمكتب الشهيد الصدر(رض) في الساحة العراقية.. وقد يبدو تجسيدا للاية الكريمة:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25ابراهيم)
وللحديث بقية.