26 نوفمبر، 2024 1:26 م
Search
Close this search box.

قراءة تاريخية في الفكر السياسي

قراءة تاريخية في الفكر السياسي

يبدأ الفكر السياسي بآراء تتضح و تبعث بأضواء براقة يتجلى عنها في النهاية فكر ينادي به كتاب يدرسون و يقارنون، ليستخدم مذهبا معينا في سياسة الدولة، و حكم الشعب و تتعارض الآراء و تتناقض لكي تتمخض عن رأي واحد و واضح في الحكم.
إذن فالفكر السياسي هو بالدرجة الآولى تبسيط و تفصيل للواقع من منطلق الملاحظة و التعايش مع الحدث، غير أن هذه الملاحظة و التقرير للواقع إذا دخلت في إطار المنهج العلمي يرقى إلى مستوى الفكر السياسي الذي تتمخض عنه النظرية السياسية ، فالآراء و الأفكار و النظريات كلمات مترادفة و هدفها واحد و لكنها تفصل ما بين الآمال و ما يتصوره العقل، و بين العقل و التطبيق . و النظرية هي نهاية المطاف في الآراء و المذاهب فهي ثمرة الملاحظة . أي أنها المعرفة الواقعية و الايجابية. باعتبارها نتيجة لتقرير الحقائق، إنطلاقا من التمثيل الآتي:
 
واقع (أحداث و تقلبات)               (ملاحظة ،معايشة )             فكر سياسي (أحداث ، و وقائع في حلة منهجية محكمة )               نظرية سياسية (التي تتبعها الدول في سياساتها ) غير أنها مرتبطة بسياقات تاريخية معينة.
 
أما في ما يتعلق بموضوع الفكر السياسي فهو يهتم بتنظيم الحياة من جماعة بشرية ما بصفة متكاملة و متجانسة و دائمة، و يهتم بالدراسة انطلاقا من كل الجوانب التي لها علاقة بتواجد الفرد، من محيط معين و في زمن معين و في تأثيرات معينة من أجل تحديد المفهوم الرئيسي للسلطة و كل ما يدور بها .و من ثمة يحصل تكامل و تجانس و تلامز ما بين الفكر و النظرية و المذهب السياسي.
حيث أن كل من النظرية السياسية و المذهب السياسي هو عبارة عن نتاج فكر ، هذا الفكر إذا كان متكاملا أطلق عليه “نظرية”، و إذا طبق في الواقع و زاد المعتنقون به و في تطبيقه أطلق عليه مذهب. أما الفكر فهو يقدم رؤى، فإذا ما تمكنت الرؤيا بتشكيلها بناءا نظري متكامل أصبحت تدل عن نظرية سياسية هذه النظرية إذا طبقت و صدقها التأييد أصبحت مذهب سياسي. —
 
يعتبر عصر النهضة من أهم المراحل التاريخية التي مهدت للفكر السياسي الحديث في جميع نواحيه و تطبيقاته حيث أن جل الأفكار التي جاءت في هذه المرحلة في مختلف المجالات( اقتصادية، اجتماعية، قانونية ،سياسية …) فقد ساعدت في تبلور الفكر و من بين هذه العوامل التي ساعدت على ظهور الفكر السياسي الحديث يمكن أن تأخذ في مظهر العلوم الاجتماعية التي أخذت في القرن 18 تأثير أعمق في الثورة المنهجية التي حدثت في العلوم الطبيعية و اشتد تطلع الفلاسفة و المفكرين للاهتداء بالقوانين الطبيعية الانسانية. فردية و اجتماعية تشبه في دقتها و انتظامها قوانين الطبيعة. التي اهتدى إليها “نيوتن” و “قاليلي” و “كوبانيكوس”. و غيرهم من العلماء. -2-و حملت هذه النزعة (توماس هوبس) على أن يطبق الفلسفة المادية النفسية في دراسة الدولة.          و دفعت جون لوك إلى تطبيق المنهج التجريبي في دراسة الطبيعة الانسانية و الحكم المدني و مذهب “دافيد هيوم” في تجربته إلى نقض السببية و اعتماد الملاحظة في دراسة الظواهر الطبيعية و الخلقية و السياسية وحدها، و كل هذه الأفكار التي ساهموا فيها قد ساعدت في تقدم سريع لفلسفة في صورتها العامة ، و كما نشأ مع ميكيافيلي و بودان إلى علم للثورة على الاستبداد و ينطبق هذا القول على لوك و جون ستيوارت ميل و أكثر على هوبز و المفكر الفرنسي.”جو جاك روسو” كما لا تعتبر حركة النهضة التي كان منطلقها إيطاليا خلال القرن الرابع عشر ثم انتشرت شمالي أوروبا باكورة العوامل التي ساهمت في تكوين المناخ الفكري لولادة تلك المفاهيم و نموها، فقد ناد مفكروها بالتحرر من سلطان الكنيسة الطاغي المستبد على كل الجهد البشري. و من أخلاق المتزنة انصب اهتمامهم على شؤون الانسان الدنيوية و الدينية و الأخلاقية. كما كان اهتمامهم حول حرية الانسان واحدة لكن التيارات تختلف و أحيانا متناقضة،
 فقد أعرض أصحاب الجنوب عن الكنيسة ليسقطوا تحت سلطان أداب الاغريق و الرومان بينما أعرض الشماليون عن الكنيسة ليتجهوا إلى التجارة و الصناعة و العلم و كان على العموم الانسانيون متميزين و متمرسين على هيمنة الكنيسة و الاقطاع.
كما كان للطباعة التي عرفتها أوروبا خلال 15 من القرن في إيصال المعرفة إلى الناس و نشر أفكار جديدة، و من العوامل أيضا زوال سيطرت الكنيسة و تدهورها إثر الصراعات الداخلية التي وصت إلى حد إحداث تشقق في كيانها أين ظهر بابا ثاني في باريس بفرنسا.
و ظهور الملوك و ذلك بسبب الحروب و الانقسامات الجغرافية و هدف دلك ضمان الحدود و تحقيق الاستقرار السياسي ، فجاءت فكرة الوحدة القومية و وحدت الشعب. و منها تمخضت (فكرة الدولة الموحدة) ذات السيادة في المجالين الزماني و الديني. في محل (فكرة المسيحية العالمية) أو بمفهوم آخر توحيد العالم المسيحي، و لكن حدث سقوط الملكية في فرنسا 1849. بعد الثورة و في آلمانيا تأخرت لوحدة القومية لأسباب منها مقاومة الكنيسة في إيطاليا و الزعماء الإقطاع في ألمانيا، زيادة الانقسامات الداخلية بداخل المدن (إيطاليا)(ألمانيا).
و من العوامل كذلك ظهور مفكرين سياسيين يؤيدون فكرة إنفصال الكنيسة عن الدولة ( بمعنى فكرة فصل الدين عن الدولة) التي تفضي إلى ما يعرف باللائكية.
و أبرز هؤلاء الذين نادوا بهذه الفكرة “ميكيافيلي” الداعي إلى فصل الدين عن الدولة بصورة غير نهائية بل للدولة أن تستعمل الدين كوسيلة للضغط و التحكم في الجماهير ، كما عرف الاقطاعيون انحطاط كبير خاصة بعد نفاذ الأموال التي استثمروها و بالتالي تفكك النظام الاقطاعي.-
عرفت أوروبا حركة فكرية و علمية في القرنين 17-18-19 عشر و لقد تمرزت التطورات التي حدثت في هذه المرحلة في التاريخ الأوروبي بظاهرتين:
الأولى : التغيير الشامل للمناخ الفكري في أوروبا و الذي يشتمل في البداية إنسلاخ الفكر الأوروبي في الإطار الذي فرضته عليه الدراسات اللاهوتية طوال العصور الوسطى .
أما المظهر الثاني: و هي أن هذه التصورات كلها كانت بداية للثورة الأوروبية الحديثة و من بين المظاهر أو الاضافات الفكرية في العصر الحديث:
1- ففي أوروبا في القرن17 تحققت عدة اكتشافات و نجاحات، عن أوروبا بقيادة فرنسا تتقدم العالم بأسره، ففرنسا التي تقوم بينها و بين انجلترا منافسة سياسية و اقتصادية تسيطر بالروح و قد بلغ من تفوقها الفكري أن أخذ مثقفو ذلك العصر يتكلمون عن أوروبا الفرنسية و لقد أحرز الأوروبيون هذا التفوق ليس بفضل هذه القوى (المعارف العقلية و المعرف و المهارة العملية) أي العلم و التقنية فحسب. بل تكامل تنظيم المماليك العامة، حيث نرى على العموم النزعة الاستعمارية في الدولة القوية التي تستخدم لمصلحتها استخداما متزايدا و بواسطة الادارة العصرية المتعارضة، و قد عرفت أوروبا حركة فكرية كبيرة في شتى المجالات المعرفية الكبيرة،و إلى غيرها من الاكتشافات ففي المجال العلمي اهتدى فلاسفة العصر الحديث إلى القوانين الطبيعية في القرن 17-18-19. توماس هوبز، جون لوك، و ج.ج. روسو.
حيث سعى هوبز إلى تطبيق الفلسفة المادية من حيث دراسته إلى الدولة. أما ج. لوك فلقد طبق المنهج التجريبي في دراسة الطبيعة الانسانية و الحكم المدني، أما لدافيد هيوم نقد السببية و دعى إلى اعتماد الملاحظة في دراسة الظواهر السياسية .
كل هذه الأفكار ساهمت في بلورة و تقدم الفلسفة السياسية.
كما استعمل العلم الانساني من قبل لوك بتبرير الثورة الانجليزية 1688. و بالتالي تفرغ العلماء في العلوم الطبيعية للأبحاث الطبيعية كما دعى “فرنسيس بيكون” على الطريقة الاستنتاجية لاكتشاف الأمر الصواب و حقيقة الأمور. و ترتكز على نهج الاختبار و الملاحظة و التجربة والتحليل. أما من الجانب الفلسفي دعى ديكارت إلى الوئام و العقلانية الحديثة و الايمان بوجود الله عن طريق استعمال الحجة الأنطولوجية. و بالتالي فإن الفكر و تحولاته العظمة تأثيرات من نيوتن و لوك و التي أدى بأوروبا إلى انفصال كامل عن العصور الوسطى بعد اعتمادهم للعلم و العقل أساس لكل شيء .   –
إن مع ظهور البرجوازية بدأت معالم عالم جديد تظهر إلى الوجود، حيث كانت هذه الأخيرة تخوض صراع ضد الاقطاع و الحكم المطلق. و على هذا فهي في حالة في تبرير مصالحها و تقديمها على أنها مصالح الأمة و بها تنقذ الأمة عن طريق تلك المصالح.
قامت بتفسيرات جذرية في الأفكار و المفاهيم السائدة. فنادت بالعقل و أن الانسانية متساوية مع القانون الطبيعي و مع بداية ظهور العقلانيين في القرن 17 طرحت رؤى مختلفة تحدد مصير الانسان بين يديه، فالطبيعة زودت الانسان بالعقل و الناس متساوون كونهم جميعا عاقلون. و كل انسان قادر على التوصل إلى المعرفة و الحقيقة إذا ما استعمل عقله، و ليس في الطبيعة شيء غير قابل أن يعرف و العقل دوما و أبدا على حق. و ليس في الانسان سعادة إلا في انصياعه لمبادئه وحدها.
العقل إذا موجود لدى جميع الناس و لهذا فالوعي يجب أن يكون شاملا غير مرتبط بإنسان على إنسان أو بطبيعة على أخرى.. –
 
ظهر هذا العصر في القرن 18عشر ، فهو عصر التحولات الكبرى و العظيمة بتأثير كل من نيوتن و لوك. تلك الثورة التي أدت إلى الانسان الأوروبي بالانفصال النهائي عن المعتقدات في العصور الوسطى بعد اعتماده على العلم و العقل أساسا لكل شيء .فأنشأ علم الطبيعة البشرية و العلاقات الاجتماعية وجعل الانسان جزءا من الكون المادي و خاضعا للقوانين. كما أصيغت مدارس فلسفية تجسدت في الدين و السياسة و الاقتصاد. و التي أصبحت محرك للثورتين الفرنسية و الصناعية.-1- كما أدى إلى فكرتي التصور و النسبية التي أضافها القرن التاسع عشر. و فكرة السعادة في هذا العالم و اخضاع الدين للنقد العقلي. هذا العصر الذي وضعت فيها أسس معتقدات العصر العالمية في شتى الحقول و كانت فرنسا المسرح الرئيسي لمعظم أفكار هذا العصر و تصوراتها. و الذي كان مجتمع كاثوليكي مضطرب. كما أن فلاسفة التنوير إبراز أهمية الايديولوجيا. كعامل مقرر في التطور البشري يحل مكان الاديويوجيا الدينية. التي سيطرت على العقل الأوروبي و استطاعت البرجوازية أن تعمم أفكارها عن منافع الحرية الاقتصادية وحجم الثروات و تغيرت مادة تفكير الناس و الطريقة فأخذ حب الثروة و انفصل الدين عن الأخلاق. و أصبحت ديانة العقل هي السائدة بتاثير العلم النيوتوني و المنهج العقلي. و لقد برهن فلاسفة هذا العصر على أهميتهم بالطبقة الوسطى و اديولوجياتهم بتأثيرهم على قيمة العلم و فضيلة الحرية و نشر الفكر الواقعي الذي يقارع المبادئ اللاهوتية المثالية. و يمجد الحياة و الطبيعة و الانسان.
إذن القرن18 هو عصر العلم و التنوير و الذي كان شاهدا على الثورة الصناعية و التقدم العلمي. و تحرر الفكر من التقليد و الجمود الذي فرضه القانون الديني و سلطة الكنيسة. –
 
الإيديولوجية هي منهج علمي تجريبي عقلاني لدراسة و فهم الأفكار و المفاهيم المجردة و تكوينها و شروط مطابقتها للحقيقة. حتى يكون الفكر متمعنا بنفس درجة اليقين التي تتمتع بها العلوم الطبيعية مثل الرياضيات و الفيزياء. فالايديولوجية تسعى أن تكون علما للمفاهيم و الأفكار المجردة تدرس بدئا من إحساسات أولية التي اهتم بها مفكروا القرن18. -1- فعصر الإيديولوجيات الذي ظهر في القرن 19عشر أي عصر التضارب يين الأفكار حيث أدى التحرر القكري إلى ظهور عقائد مبنية على العقل و التفكير العلمي في شكل إيديولوجيات حلت محل الفكر الكنيسي و المعتقدات الدينية.و انطلاقا من هذه الفترة انهارات سلطة الكنيسة. و اضمحل ما يعرف بالنظام البابوي. و هذا ليس فقط صراع بين السلطة الدينية من جهة و الزمنية من جهة أخرى. بل كذالك بسبب الانشقاق الذي حدث داخل النظام البابوي حول الزعامة و المناصب بين رجال الدين . الشيء الذي جعل أوروبا في هذه الفترة تشهد حالة انقسام الناس و قيام حروب أهلية في معظم دول أوروبا. كما برزت في هذه الفترة أيضا الحركة القومية فسقطت فكرة الدولة العالمية الموحدة ليحل محلها نظام التعدد القومي الذي تأسس على الدولة القومية صاحبة السيادة القومية على شعبها وترابها. و أعلن بذلك فوز السلطة الزمنية ممثلة في الدولة القومية التي يجسدها الملك أو الحاكم أو الأمير أو الرئيس على السلطة الدينية ممثلة هي الأخرى في البابا أو زعيم الكنيسة.
أما اقتصاديا و تجاريا فلقد تميز هذا العصر بالتطور الاقتصادي و ذلك ناتج عن الاختراعات العلمية و الصناعية و كذلك نمو حركة تجارية دولية كبيرة و واسعة بسبب ازدياد الانتاج و تكاثره و نشاط حركة المبادلات التجارية في إطار العلاقات الاقتصادية التجارية بين الدول، و التي أصبحت أكثر تنظيما عن طريق هذه الأخيرة في إطار العقد التجاري. (عقود العمل). حيث نجد آلية التعاقد تنتقل في ما بعد إلى المجال السياسي لتأثر في الفكر السياسي الحديث.- –
.
ينبعث القانون الطبيعي من العقل و تجارب هذه الفكرة كل ما يقضي على الحياة . إنا مبادئ القانون الطبيعي مستقلة عن الدولة و المجتمع و تتمثل في عقل الانسان و طبيعته و تعود هذه الفكرة إلى اليوناني الفيلسوف “أفلاطون”. الذي تحدث عن قانون الطبيعة و اعتبره القانون الذي يحكم الوجود الطبيعي للأشخاص. كما قام المفكر اليوناني “سينيكا” من بناء فلسفة سياسية قائمة على القانون الطبيعي الذي استمد منه مبدا المساواة البشرية و فكرة الدولة العالمية.
و يشمل القانون الطبيعي ثلاث حقوق أساسية: حق الحرية ، الحياة ،الملكية.
و هي حقوق منحت للفرد من طرف الطبيعة و ليس المجتمعأو الدولة. و لقد استخدم رواد الفكر السياسي الحديث فكرة القانون الطبيعي للتأكيد عن مشروعية الحقوق الطبيعية للفرد. و من بين المفكرين السياسيين في العصر الحديث توماس هوبز إذ يرى بأن القانون الطبيعي مستلهم من العقل فالعقل هو الذي يلهم الانسان فالانتقال من الطبيعة البشرية جاء عن طريق الالهام العقلي.
الوضع الاساسي في حالة الطبيعة لكل الأمور الحية و الغير الحية هي حالة تطاحن عراك و حروب. هذا بالنسبة للقانون الاول للطبيعة اما القانون الثاني فالانسان مخلوق عقلاني و صاحب حقوق طبيعية و هذه الحقوق هي حق الحياة في الوجود. حق في اللمكية. و حق في الحرية . و هذه الحقوق كلها منحت للفرد من طرف الطبيعة ذلك أن الطبيعة هي المصدر الأساسي لهذه الحقوق. أما الطبيعي عن جون لوك فهو مستلهم من العقل البشري و من الالهام الإلاهي و هو اوسع من القانون الوضعي فالقانون الطبيعي عند جون لوك هو الذي يحكم حياة الأفراد. فهو سابق عن كل قانون و ملزم على جميع الأفراد ذلك لأنه مصدر الحقوق و الحريات الفردية و التي يتمتع بها الفرد بفضل القانون الطبيعي.
كما يرى جون جاك روسو أن العقل جاء بعد مرحلة المجتمع المنتظم أي مرحلة قبل ظهور اللغة و ظهور الملكية الخاصة. و مرحلة المجتمع الحالي. فالملكية الخاصة هي السبب في الانتقال إلى المجتمع المنتظم. فالقانون الطبيعي عنده بعبر عن الارادة العامة.- –
 
حالة الفطرة هي إحدى المنطلقات الأساسية للفكر السياسي في العصر الحديثا يعيشون في مجتمع طبيعي أي قبل قيام مجتمع سياسي و ظهور دولة في حالة خالية من أي نظام أو تنظيم و خالية من أي قانون أو سلطة. فالقانون الوحيد الذي كان موجود هو القانون الطبيعي الذي استمد منه الأفراد حقوقهم الطبيعية. و لقد اختلفت وجهات النظر بين مفكري العصر الحديث في تفسيرهم لحالة الفطرة الأولى.و نجد من بين هؤلاء: توماس هوبز الذي صور حالة الفطرة في إطار من عنف و صراع بين الأفراد و في جو من البؤس و الشقاء و التعرض لمخاطر سيطرة الأقوى على الضعيف في انعدام الأمن و الاستقرار و ضياع الحريات و كان مقدار ما يتمتع به الفرد مساو لما يملك من قوة .كون القوة هي القاعدة الأساسية التي فرضت نفسها على هذه الحلة. —
إذن نستنتج أن الفرد عند توماس هوبز في العصر الطبيعي كان ميلا للشر. تغلبت عليه الأنانية نتيجة حب سعيه الدائم للمحافظة على النفس. و اختلف جون لوك في وصف العصر الطبيعي عن توماس هوبز. فهو لا يعتبر حالة الفطرة حالة تسلط و صراع. و سيادة الأقوى كما وضعها هوبز. بل حالة الفطرة عنده كانت حياة حرة تسودها المساواة و الأمن و الحرية. و يحكمها القانون الطبيعي باعتباره مصدرا لكل الحقوق و الحريات. أما روسو فهو يصفها بالحياة المثالية تسودها الفضيلة و السعادة. لدى كافة الأفراد فهو يعتبر أن المجتمعات الفطرية أنبل من المجتمعات المتمدنة. فلقد نجحت تلك المجتمعات في التوفيق بين الارادة العامة و الفردية وجعلتهما متكافئتين من أجل مصالح الجماعة من أجل مصالح الجماعة كلها. و لم يكن هناك أي شعور بأن الارادة الفردية كانت مرغمة على ذلك العمل.فالإنسان ولد حرا عند روسو و أقدم صور المجتمعات
 الانسانية هي الأسرة. إلا أن الأبناء لا يضلوا خاضعين تحت سلطة الأب إلى عند الحاجة إليه.
و بعد زوال هذه الحاجة تنحل الرابطة الطبيعية إن الأسرة تمثل أول نموذج للمجتمعات السياسية التي أساسها الاتفاق الحر للعيش معا. كما استبعد روسو القوة كون الأقوى لا يستطيع الحفاظ على قوته لاستمراريته في السيادة بصورة دائمة.- –
 
استخدمت فكرة العقد الاجتماعي كأساس لنشأة الدولة منذ زمن عند مفكري العصر الحديث، و قد اتفقت النظريات العقدية على ارجاع أصل نشأة الدولة إلى فكرة العقد، وأن الأفراد قد انتقلوا من حياة بدائية التي كانوا يعيشون معها إلى حياة الجماعة المنظمة، بموجب العقد، بمعنى أن كل أصحاب العقد الاجتماعي هو الدولة، لكن أصحاب النظريات اختلفوا في ما بينهم نظرا لاختلاف تصوراتهم الخاصة بكل نظرية بشأن حالة الفطرة السابقة عن العقد.-1-إذن نجد أصحاب العقد متفقون على أن الأفراد كانوا يعيشون في حالة الفطرة ثم انتقلوا إلى المجتمع السياسي عن طريق العقد . و في ما عدا ذلك فهم مختلفون في ما بينهم أبعد ما يكون الاختلاف. بالنسبة لتكييف حالة الفطرة و أطرافه و مضمونه.
توماس هوبز يرى أن العقد لقد تم بين الأفراد و أن الحاكم لم يكن طرفا في العقد لأنه لم يكون مكتسبا لهذه الصفة بعد. حيث اتفق الأفراد في ما بينهم على العيش بينهم في سلام. تحت سيطرة واحد منهم يتول الدفاع عنهم و حماية الحياة المنظمة الجديدة. مقابل التنازل له عن جميع ما يتمتعون به من حقوق طبيعية. و بدور الحاكم أن يتول إدارة شؤونهم و أرواحهم. و توفير حياة الاستقرار و الأمن لهم و يرمة هوبز من وراء هذا التصوير الوصول إلى نتيجة ان الحاكم يتمتع بسلطان مطلق على الأفراد و غير ملزم ببنود العقد.كونه لم يكن طرفا فيه و السيادة تكون مطلقة و قد تكون لفرد أو لمجموعة. و الشعب قد تنازل عليها و لا يمكن استرجاعها.
أما جون لوك: فيرى أن الانتقال من الحالة الفطرية إلى الحياة المنظمة. عن طريقة العقد. فتعاون الأفراد مع الشخص الذي اختاروه ليتولى مهمة الحكم في الجماعة و تم التنازل له بمقتضى هذا العقد عن جزء من حقوقه في سبيل قيامه بأعباء الحكم و حماية حقوق الجميع. و بموجب ذلك على الحاكم الالتزام بنصوص العقد.
 و احترام الحقوق و الحريات و يجوز الثورة عليه إذا م خالفوه. كما أن صاحب السيادة هو الشعب الممثل للأغلبية. و هم يستطيعون استعمالها متى أرادوا و المتمثلة في السلطة التشريعية.كما أن للشعب الإختيار الحقي في السلطة الحاكمة إياه. و له الحق في تغييره إذا اختلت بالعقد. فنظام الحكم عند لوك تمثيلي و السلطة مقيدة برؤى الأغلبية في البرلمان حيث تقتصر عضويته على الملاك.
أما جون جاك روسو فيقول بأن العقد هو الأساس الذي قام عليه المجتمع السياسي المنظم و قد تم إبرام العقد بين الأفراد على أساس أن له صفتين. كأفراد طبيعيين. ثم كأعضاء في الجماعة السياسية الجديدة. و يرى روسو أن الأفراد قد بحثوا عن صيغة لمجتمع يدافع و يحمي بكل قوته الجماعية عن ذات و أموال كل عضو في المجتمع. و بالتالي التنازل يكون كلي عن الحقوق.و حرياتهم للطبيعة الجماعية لانشاء الإرادة العامة و الاستعاضة عنها بحقوق و حريات مدنية و من ثم تنشأ الدولة التي تعبر عن الإرادة العامة و تمارسها بصورة مباشرة من خلال الاجتماعات العامة الدورية و سيادتها تكون دائمة .

أحدث المقالات