5 نوفمبر، 2024 3:32 م
Search
Close this search box.

قراءة انطباعية في قصيدة الشاعر نذير الصميدعي ( أي نائحة كأمك ؟)

قراءة انطباعية في قصيدة الشاعر نذير الصميدعي ( أي نائحة كأمك ؟)

في زمن تكاثر فيه (الشعراء ) .. وقل الشعر .. بل في زمن لا شعري بامتياز .. في زمن لم تعد فيه القصيدة هي المعيار الوحيد لتقييم الشاعر .. في زمن الاحتفاء بأرباع الشعراء وأنصاف المتعلمين .. في زمن تسيطر فيه الأمية الشعرية على الوسط الثقافي ويتناسل الطارئون من بعضهم البعض .. في زمن ثقافي فاسد يتسلح فيه المؤقتون بتجمعاتهم (الثقافية) وعلاقاتهم المشبوهة بالإعلام الساذج والصحافة المنحرفة .. في هذا الزمن الصعب الذي نبحث فيه عن القصيدة الجميلة كما يبحث يائس عن مسمار في محيط مترامي الآفاق .. في زمن المرضى والغوغائيين والطارئين والفاسدين اللذين لوثوا الوسط الثقافي …
في هذا الزمن بالتحديد .. يصادفنا شاعر جميل .. يستنزف كل ما في اللغة من دهشة .. مؤمن بالمعنى .. يقدم لنا في كل قصيدة وجبة لغوية طاغية الشعر …
والبداية مع القصيدة :

قصيدة ( أي نائحة كأمك ؟) للشاعر نذير الصميدعي
في رثاء محافظ ديالى الشهيد هشام الحيالي
 
أبَتِ الولوجَ إلى خِضَمِّكْ
أو أن تبوءَ ببعضِ هَمِّكْ
عجزتْ بقدرتها الليالي
أن تَزِمَّ بحجمِ زَمِّكْ
حتى رثتكَ بأسرها
و اشتاقت ألأخرى لضَمِّكْ
و تأملتْ لو أنها
نزلت مُطَأطِئَةً … لِشَمِّكْ
و عمائمُ الشهداء هبت
بالعجالةِ نحوَ لمِّك
أتعبتَ خيلك راكباً
لكنها ضاقت بِجَمِّكْ
و وهبتَ من يدكَ العطاءَ
فغابَ عن إدراكِ كُمِّكْ
و قطعتَ حبل الحالكات
فهل ستحلكُ بعدَ رَمِّكْ
و من الذي بالنوع أو
بالكمِّ جاوزَ نوعَ كَمِّكْ
و من الذي مِنْ طُهْرِ لحْمِكَ
صاغَ مأدبةً لِذَمِّكْ
فإذا تفاخرَ مادحٌ
طوبى لخالكَ أو لعمِّكْ
و إذا رأينا النائحات
فأيّ نائحةٍ كأمك
وَمضاتُ شعريَ سيدي
جاءتكَ عاجزةً بِيَمِّك

تتميز القصيدة بإيقاعها الراقص الذي يوفر المتعة للقارئ .. ويبدو لي إن احد عوامل القصيدة الجيدة هو رهافتها وموسيقاها الداخلية والخارجية التي تمنح المتلقي المتعة والإحساس بما ينثال من القصيدة من مشاعر إنسانية …
الفرق الفني بين هذه القصيدة العمودية وبين قصائد عمودية أخرى هو إن أبياتها تفضي دوما إلى معاني جميلة .. وهناك صور شعرية تتوزع على جميع الأبيات بالتساوي .. أي إن هناك جهدا إبداعيا حقيقيا لا بد انه كلف الشاعر الكثير من الألم وهو يمتص بأصابعه لغته الشعرية من مكامن الوجع الأصيل …
لقد قدم الشاعر لنا قصيدته الخام كما هي .. ولعله فعل ذلك لا إراديا احتراما لقدسية القصيدة التي تعد قصيدة مناسبة .. فالشاعر استطاع أن يكتب أبياتا أكثر وهو يمتطي هذه القافية السهلة لكن ذلك كان سيشوه القصيدة لان القصائد الخام في الغالب صادقة ومعبرة وجميلة ولا تحتاج إلى مساحيق لغوية …
تبدو لي هذه القصيدة القصيرة مثل ومضة شعرية طويلة .. فالشاعر هنا لم يقتنع بجدوى توسيع دائرة انفعاله الشعري وهو يقدم كشفا لغويا عن تأثره العاصف برحيل صديقه …
الشاعر يبدأ القصيدة من ذروتها صادما القارئ وموجها إحساسه بالخسارة الفادحة مباشرة إلى دواخله مستخدما إيقاعا ملكيا وموسيقى فخمة مثيرة لشهوة الإلقاء في صوته من خلال صور شعرية معجونة بلغة بالغة النقاء وفي متناول جميع المستويات من القراء …
وبالرغم من إن أجواء القصيدة لم تشهد الكثير من التحشيد اللغوي الذي يقدم أحيانا شعرا بلاستيكيا خاليا من المعنى (الآني والعميق) ومن الموضوع (الضمنى والظاهري) لكن الشاعر استطاع إن ينقل عدوى القلق الإبداعي إلى (الشاعر القارئ) وهو يمنحه (راحة استثنائية) من النصوص الحديثة التي تنكرت للموضوع والمعنى والتي لا يخلو الكثير منها أيضا من إبداع حقيقي .. لكنني أظن إن (البساطة المدهشة) هي الأجمل والأصدق والأقرب والأكثر وصولا إلى القراء على اختلاف مستوياتهم الشعرية واللغوية …

أحدث المقالات

أحدث المقالات