18 ديسمبر، 2024 7:19 م

قراءة التاريخ بالمعكوس !

قراءة التاريخ بالمعكوس !

لطالما قرأنا عن “أسس وقواعد النجاح”ولكم تمنيت لو أننا قرأنا أكثر عن أسباب الفشل،ذاك أن الأولى تعلمك كيف تنجح،أما الثانية فتعلمك كيف تحافظ على قمتك،على تألقك،على تميزك،على مبادئك،على قيمك،على مثلك،على نزاهتك، على اخلاصك،على نجاحك ولكن من دون أن تتراجع أو تتلوث أو تتلون أو تنتكس على حين غرة لتهوي ومن حيث لاتحتسب الى أكبر مستنقع آسن،والى أعمق قاع !
ولاشك وكما قالوا في الحكم أن يأتي الوعي متأخرا خير من أن لا يأتي مطلقا ولأن الغالب الشائع وليس القليل النادر هو تعلمنا وتلقيننا وقراءتنا ومتابعتنا، كبارا وصغارا ، كابرا عن كابر لقصص تشيب لهولها الولدان عن “ظلم الحكام والسلاطين والامراء والملوك لشعوبهم وغدرهم ببلدانهم وأممهم “ولكننا وبالمقابل قلما قرأنا وسمعنا وتابعنا قصصا ووقائع تقشعر لها الأبدان عن”حكام وملوك وامراء وسلاطين ورؤساء وزراء قد غُدِروا وظُلموا بألسنة وأقلام وأيدي شعوبهم وقد بدأت بإذنه تعالى بسلسلة “حكام ظُلِموا وغُدِروا”أذكر من بينهم عمر بن عبد العزيز،سيف الدين قطز وزوجته “جهاد” ابنة الملك جلال الدين خوارزمى، وعرفت بإسم ” جلنار حب الرمان” وقد اشتهرت بعبارتها “واإسلاماه” في معركة “عين جالوت “التي استشهدت فيها بخلاف ما أظهره الفيلم المقتبس عن رواية علي أحمد باكثير،مع تحريف نصها سينمائيا رغبة بمزيد من الاثارة والتشويق السينمائي والذي لطالما حرف قصصا وشوه وقائع تاريخية لصالح شباك التذاكر أو لمداعبة أجندات وبروباغندات الحاكم القاهر وأولها فيلم ” صلاح الدين”الذي اخترع أحداثا وشخصيات تاريخية لاوجود لها اساسا فيما طمس اخرى لأنها لا تتوافق مع توجهات “صلاح نصر” الذي أحكم قبضته على السينما المصرية وكل العاملين فيها لفترة ليست بالقصيرة من خلال ما عرف بـ عمليات الكونترول ليكمل المسيرة من بعده ذيله وتابعه محمد صفوت الشريف، مأساة العائلة المالكة في العراق ، باتريس لومومبا في الكونغو ،محمد مصدق في ايران، عدنان مندريس في تركيا ، محمد نجيب ، ومن ثم محمد مرسي في مصر،أحمد بن بله في الجزائر ، كنماذح مختارة فحسب بصرف النظر عن قناعاتي وايماني بتوجهات وخلفيات هؤلاء جميعا سواء كانت يسارية أو يمينية ،علمانية أو دينية ، ليبرالية أو راديكالية ، اوتوقراطية او ديمقراطية ،تيو قراطية أو براغماتية ، وبغض النظر عن حبي أو بغضي للشخصيات مناط البحث من عدمها فهذا ليس مطلبي ولا مبحثي ولا مبتغاي مطلقا ، أنا اتحدث هاهنا فقط عن شيم الغدر والنكوص والظلم لا عن الاتباع والهوى والحب،وهناك في السلسلة وداخل الجعبة غيرهم الكثير قديما وحديثا وبما يرجع في بعض فصوله الى ما قبل الميلاد باستثناء من ذكرتهم آنفا ليس دفاعا عن الحكام قطعا ، وإنما لتنبيه الشعوب وتلقينهم دروسا بأن الظلم ليس من شيم الحكام وحدهم فحسب،بعض الشعوب ووسائل الإعلام والكتاب والمفكرين والادباء والشعراء وأحزاب المعارضة أشد ظلما وغدرا وتلونا وتلوثا وتبعية وانبطاحية من حكامهم ولها في طبائع الاستبداد فنونا واشكالا وألوانا لطالما شجعت الحكام لاحقا على ظلمهم وأغرتهم باستبدادهم ” ولاغرابة في ذلك فـ” كيفما تكونوا يولى عليكم ” .
الحقيقة أنا الآن أعكف على قراءة علم نفس المجتمع وفلسفة السياسة وصناعة التاريخ وحركته ولكن بخلاف المألوف بمعنى بالمعكوس وإن شئت قلت بـ”المقلوب” ومن بينها ” قراءة أسباب التراجع والنكوص والفشل على مدار عقود طويلة وذلك بدلا من قراءة أسس وأسباب النجاح” لأفهم يقينا لماذا تراجعت مجتمعاتنا ودولنا وشعوبنا فيما تقدم ويتقدم غيرنا وعلى مختلف الصعد ، فهل العلة في الحكام الحاكمين، أم في المعارضات والمحكومين، أم بكليهما معا وفي – زمكان – وعلى صعيد واحد ” وانطلاقا من مقولة أو بالأحرى عنوان كتاب أمير البيان “شكيب أرسلان” لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ أتساءل اذا كانت الصين قد نجحت أيما نجاح وتقدمت في شتى الميادين بفضل استراتيجيتها المعروفة بـ”الهندسة العكسية” والتي مثلت خط شروع لـ ” طريق الحرير الجديد ” و استراتيجية ” الحزام والطريق ” والتي ستضع الصين في صدارة العالم بحلول العام 2030م وبلا منازع ، فلا أقل من أن نجرب نحن أيضا أن نعيد قراءة التاريخ والمجتمع والسياسة والاقتصاد على وفق ما يحلو لي تسميته بـ “القراءة العكسية ” أو “تقييم السياسة والتاريخ والمجتمعات “ولكن بالمقلوب هذه المرة لنفكر بعقلية الحاكم تارة، وبعقلية المعارض و المحكوم تارة أخرى لنفهم جليا” لماذا نفشل وننتكس – حكاما وشعوبا – على الدوام فيما ينجح ويتقدم غيرنا وعلى مستوى الحكام والشعوب !