19 ديسمبر، 2024 2:15 ص

قراءة آرامية وسريانية للقرآن-1

قراءة آرامية وسريانية للقرآن-1

ألمقدمة:
صدر في العام 2000 م كتاب للمستشرق الالماني (كريستوف لوكسنبرغ) يعرض فيه قراءة جديدة للمقاطع الغامضة الواردة في القرآن الكريم بعنوان ” قراءة أرامية وسريانية – مساهمة في تفسير لغة القرآن ” (دار الكتاب العربي – برلين 2000).

سنتناول في سلسلة من الحلقات ما ورد في ملخص  الكتاب إستكمالا لمقالتنا السابقة بعنوان (السريانية والحروف المقطعة في القرآن).

 

لمّا تعذر على اهل اللسان إيضاح ما غمض في لغة القرآن مع قوله بالنزول بلسان عربي مبين، ذهب المفسرون إلى ان هذا الغموض يعود إلى لغة قريش معللين إعتقادهم بقوله تعالى ( وما أرسلنا من رسول إلّا بلسان قومه ليبين لهم )….. سورة ابراهيم، الآية 4 .

انطلاقا من هذا الإشكال يتمحور البحث الجديد حول واقع اللغة ، وبألأخص لغة الكتابة التي كانت منتشرة في منطقة الشرق العربي في الفترة التي دون فيها القرآن الكريم.

هذه اللغة هي الآرامية ، وقد نعتها الإغريق منذ عصر ما قبل الميلاد بالسريانية نسبة إلى مملكة آشور في بلاد مابين النهرين وسوريا الطبيعية ، وتنتمي اقدم نقوش آرامية اكتشفت حتى الآن إلى القرن التاسع قبل الميلاد.

وقد عُرف الآراميون الذين اعتنقوا النصرانية بالسريان تمييزا عن ابناء امتهم الوثنيين بحيث اضحى لقب الآرامي مرادفا للوثني. والطبري لا يذكر في تفسيره الآرامية بل السريانية.

وما رفع من شأن اللغة السريانية ترجمة الكتاب المقدس ( التوراة والإنجيل ) منذ القرن الثاني الميلادي وربما قبله إلى سريانية الرهى ، وهي اللغة الآرامية المحكية في منطقة الرهى ( وهي اورفا الحالية ) الواقعة في شمال غرب بلاد مابين النهرين ( اورفا مدينة واقعة في جنوب شرق الجمهورية التركية ).

ومع تنصّر الملك أبجر الخامس ، ملك الرهى ، في اواخر القرن الثاني الميلادي وإنتشار النصرانية على يد السريان إنطلاقا من سوريا وبلاد الرافدين  ، اصبحت السريانية بفضل ذلك لغة الكتابة ليس في سوريا وبلاد ما بين الرافدين فحسب ، بل تجاوزتها إلى مناطق مجاورة ، منها بلاد فارس وشبه الجزيرة العربية.

وقد ورد في حديث نبوي شريف ان النبي طلب من زيد بن ثابت الذهاب إلى بلاد الشام لتعلم السريانية ،  كذلك ورد في تفاسير القرآن ان ابن عباس  ( حبر الأمة ) سُئل عن  الحرفان طه اللتان وردتا في بداية سورة طه هل هما اسم للنبي محمد ، فقال مجيبا : إنها كلمة سريانية ، مما يبين لنا اهمية اللغة السريانية ( المسيحية ) في العصر الذي نشأ فيه القرآن الكريم وما بعده ، إذ نعلم من تأريخ الادب العربي اللاحق ان للسريان حظا وافرا في تطوير اللغة العربية الكتابية بما انجزوه من ترجمات من السريانية واليونانية إلى العربية في العصر العباسي ، فأضحت اللغة العربية بعد السريانية لغة الآداب والفلسفة والعلوم.

والمعروف ان الآرامية القديمة بدأ تدوينها بحسب النقوش المكتشفة منذ القرن التاسع قبل الميلاد ، وان الملوك الفرس اتخذوها لغة دواوينهم واستعملوا الخط الآرامي لكتابة الفارسية الوسطى ( البهلوية ) كما اتخذها بنو إسرائيل بعد سبيهم إلى بابل لغة لهم فدوّنوا بها جزءا من كتبهم المقدسة منه كتاب النبي دانيال وتراجمها.

وليست السريانية إلّا إمتدادا للآرامية القديمة بطابعها المسيحي بعد الميلاد وباتت اللغة الرسمية إلى جانب العربية في العصر الاموي حتى عهد عبدالملك بن مروان ( 685-705 م ) ، مما يبين الإتصال الوثيق الرابط بين العربية والسريانية حتى عصر ما بعد الفتوحات.

تأسيسا على هذه الخلفية التاريخية المسلم بها ينطلق  لوكسنبرغ في بحثه اللغوي من عصر يسبق وضع قواعد اللغة العربية على يد سيبويه ( المتوفي في سنة 795 م ) بحوالي مائة  وخمسين عاما معتبرا ان اللسان العربي الذي انزل به القرآن يختلف عن العربية التي وضع اسسها مجموعة من النحويين الاعاجم والعرب.

ويشكك المؤلف بكفاءة هؤلاء النحويين وبالأخص الأعاجم منهم ، الذين يجهلون ” اللسان ” الذي انزل به القرآن ، مستندا بذلك إلى صاحب ” جامع البيان عن تأويل القرآن ” ، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( 839 – 923 م ) الذي ادرك الطابع الخاص المميز للغة القرآن ، إذ ناشد ” أهل اللسان الذين لهم علم باللسان الذي نزل به القرآن …. والذين هم اوضحهم برهانا فيما ترجم وبيّن من ذلك … ” ، ان يتفضلوا بتفسير ما تيسر لهم من قبل علمهم ، ومضيفا إلى ذلك : ” كائنا من كان ذلك المتأول والمفسّر “.

يشير لوكسنبرغ إلى ان القرآن هو اول كتاب دوّن باللغة العربية لعدم وجود اي اثر تاريخي لمخطوط سابق ما خلا بعض النقوش النبطية القريبة من العربية. وكان الخط العربي في بداياته كنظيره النبطي مجردا من النقاط والحركات. يشهد على ذلك العديد من المخطوطات القرآنية وغيرها المحفوظة في المتاحف شرقا وغربا ، وآخرها تلك التي اكتشفت في اوائل السبعينات تحت سقف جامع صنعاء الكبير.

وهناك إجماع على ان النقاط المميزة لإثنين وعشرين حرفا من حروف الابجدية العربية قد اضيفت إلى النص القرآني في وقت لاحق ، إلّا ان هناك غموضا حول الزمن الذي تم فيه التنقيط. لكن الملاحظ ان الطبري ( القرن التاسع / العاشر ميلادي ) قد اعتمد في تفسيره إجمالا على النص الحالي المنقوط.

أحدث المقالات

أحدث المقالات