23 ديسمبر، 2024 11:27 ص

قراءات في موقف الخارجية الأمريكية من القانون الجعفري

قراءات في موقف الخارجية الأمريكية من القانون الجعفري

تناقلت وسائل الاعلام التصريح الذي ادلت به الناطق باسم الخارجية الامريكية يوم الجمعة 14/3 جاء فيه: (بانهم قلقون تجاه اقرار قانون الاحوال الجعفري خوفا على حقوق المرأة وانهم سيراقبون عن كثب عملية نقاشه في البرلمان العراقي).

ويمكن ان يكون لهذا التصريح اكثر من معنى :

اولا: بناء على ما هو معروف عن النظام الامريكي انه يسعى جاهدا وبكل امكانياته المتاحة لصناعة اسلام جديد، بعد ان يأس من محق الاسلام تماما، لانه حاول اكثر من مرة الا ان محاولاته كانت حليفة الفشل، لذا لجئ الامريكان الى هذا النمط ـــ صناعة اسلام جديد ــ يؤمن بقضايا جديدة غريبة عن الاسلام الحقيقي، وهي منسجمة مع ارادة امريكا. وخير دليل (تقرير راند) الذي يشير وبوضوح الى هذا المعنى. وعلى هذا الاساس فان اقرار القانون الجعفري لا ينسجم مع التوجه المطلوب اشاعته بين اوساط الشعب العراقي، فإقرار القانون الجعفري يعني الحفاظ على المبادئ الاسلامية القيمة ويمنع او يحد من الاثار السلبية في المجتمع، وفي الوقت نفسه تقوية جهات دينية هدفها الاصلاح الحقيقي والتفاف المجتمع حولها، وهذا ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة الامريكية.

ثانيا: ان هذا التصريح جاء مناغمة ودعما للجهات التي رفضت اقرار هذا القانون، سواء كانت هذه الجهات دينية ـــ وهي ليست المرة الاولى التي توفر لها الدعم فهناك مواقف عدة قد تم دعمهم بها ـــ او الجهات المحسوبة على العلمانيين، لانهم يعتقدون ضرورة ايجاد توازن القوى في العراق، وقد شخصت امريكا ان العراق ذات طابع ديني، سواء كان شيعيا او سنيا. فلا بد من تعدد القوى كي لا تكون الساحة للمتشرعة فقط.

ثالثا: ان امريكا غير مطمأنة لتوسع مرجعية عراقية في العراق، لان هذه القيادة قادرة على تحقيق انجازات لم يستطع غيرها تحقيقه، ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي من اجله حوربت القيادات العراقية على طول المدة السابقة، فهي الوحيدة القادرة على توحيد ابناء العراق، ويمكن ملاحظة خطوات الشهيد الصدر الاول والشهيد الصدر الثاني، فهم خاطبوا السنة كما خاطبوا الشيعة، وقد تفاعل معهم السنة والشيعة. كما انها تلاحظ وبدقة شديدة مواقف الشيخ اليعقوبي وتقرأها بطريقة مختلفة عما يقرأه الاخرين. ويمكن ان يلحظ من التصريح انهم لم يجزموا بقرارهم تجاه القانون الجعفري، هل انهم سيسكتون عنه ام انهم سيقفون امامه، لان هناك وقت كاف لدراسة الاوضاع وما ستؤول اليه الامور، فهم راقبوا كم ونوع الرافضين لهذا القانون، وبالجهة الاخرى شخصوا كم ونوع الذين يؤيدون اقرار هذا القانون، ومن غير المنطقي انهم يقبلون على ارتكاب حماقة وهي انهم يدفعون بإتجاه رفض القانون، لانهم يحاولون تحسين صورتهم امام اقوى شعب من الشعوب العربية، وان كان على حلفائهم الستراتيجيين ــ قيادات دينية ـــ لان الامريكان بدأ الحرج يظهر عليهم في اكثر من مرة، ولم يمر الوقت كثيرا حتى رأيناهم يحاولون ان يصلحون الامور بتدخلهم، فإن كثرة التدخلات سيكشف اوراق كثيرة، فأمريكا ليس لديها حلفاء دائمون، وانما مصالح دائمة.

رابعا: يفهم من هذا التصريح انهم ليس ضد القانون بشكل عام، وانما هناك اعتراضات على بعض الفقرات، منها سن البلوغ. والحقيقة ان سن البلوغ في هذا القانون يمكن تعديله، لان مشهور الفقهاء يقول به، ولا يعني بالضرورة السير على مشهور الفقهاء، بل يمكن الاخذ برأي المرجع اليعقوبي في هذه المسألة اذ انه يذهب الى ان سن البلوغ في حال عدم ظهور علامات البلوغ يكون في الثالثة عشر، وهذا معترف به حتى في بعض الولايات الامريكية. مما يؤيد هذا الكلام ان التصريح جاء بطريقة توحي بالموافقة، حيث قالت: (اننا سنراقب عن كثب عملية اقراره في مجلس النواب). خصوصا اذا ما علمنا ان هذا القانون مفعل في كثير من الدول العربية، وهو حق كفله الدستور للشيعة الامامية.

نعم يمكن ان يصدر من أمريكا ما لا يتوقعه احد فهي تبحث عن مصالحها وتسلطها، لكن نقول لهم: ان من مصلحتكم عدم التدخل في هذا الشأن الذي يخص ابناء الشعب العراقي لان نتائجه سلبية عليكم، وهو الفشل بعينه ونقض لكل ما كنتم تتبنونه من اشاعة الديمقراطية، ولا يغركم من تظنون انه مهيمن ومسيطر على الوضع الاجتماعي والديني في العراق، فقد رأيتم حجم التأثير والناس الذين استجابوا للشيخ اليعقوبي ومهما حاولتوا ان تعتموا ولم تظهروا الحقائق الا ان هذا لا يعني انكم لم تعلموا الحقيقة. فمن الافضل التعامل مع الواقع الحقيقي لانكم مهما حاولتوا ان تبعثوا الحياة في جثة هامدة فان الحياة باتت عليها مستحيلة.